غزوة دمشاو والمواطن القابل للاشتعال والاشتغال

خالد منتصر في الإثنين ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الجماهير التى انطلقت لتحطيم وحرق بيوت وممتلكات أقباط قرية دمشاو هاشم بالمنيا بكل حماس لمجرد علمهم بإقامة صلاة فى أحد البيوت ورعبهم وفزعهم من أن يتحول هذا البيت إلى كنيسة، هم نفس الجماهير المأنتخة الكسولة التى تعانى من البطالة حتى ولو أبواب الرزق مفتوحة، وينامون نصف يومهم ويستعدون للنوم فى النصف الثانى، هى نفس الجماهير التى تتناول الترامادول وتبلبع أدوية الكحة وتحرق الأستروكس، هى نفس الجماهير التى لو طلبت من أحدهم مليماً تبرعاً لبناء وحدة صحية أو تجديد مدرسة يرفض أو يدعى الصمم، أما عندما تدعو واحداً منهم لبناء مسجد فى قرية بها عشرون مسجداً آخر يقتطع من أرضه عن طيب خاطر قراريط ويدفع نصف ثمن المحصول بكل الرضا والحبور من أجل بنائه، يرضى أن يجلس ابنه على بلاط الفصل فى المدرسة التى بدون نوافذ أو يوافق على أن تلقى زوجته فى ممرات المستشفى بجانب دورات المياه لتعلق المحلول أو تتناول الدواء، بحجة أنه يدفع ويتبرع لبيت ربنا لكنه لا يدفع ولا يتبرع لبيت بنى آدم!، المواطن القابل للاشتعال بمجرد رؤية صليب أو سماع ترنيمة، والقابل للاشتغال من خطيب جمعة محرض أو داعية تليفزيونى مكفر، الكل يشعلونه ويشتغلونه، إنه نفس المواطن المتآلف مع أطنان جبال القمامة أمام منزله، المتعايش مع محيطات وبرك طرنشات الإفرازات الآدمية والحيوانية التى تتسلل من أسفل باب بيته، الذى أحياناً بلا باب أو سقف، لكنه لا يتآلف ولا يتعايش ولا تحتمل أعصابه المرهفة الحساسة همس صلاة جاره القبطى، يحتمل تلوث قماين الطوب ودخان حرق القش وأتربة وطين شوارع ضيقة خانقة بدون أسفلت، يطنش عن سرقة سواق التوكتوك له، ويهمل دجل من يفك له الأعمال ومن تقرأ له الطالع ومن يخدعونه بعلاج عقم زوجته بالأوراد والأذكار والقطنة المبللة والتبرك بالمساخيط!، ويتغافل عن البقال الذى يغش فى الميزان ويزيف تواريخ الصلاحية والجزار الذى يبيعه لحم الحمير النافقة والفكهانى الذى يسرقه عينى عينك بالحمضان والعفن والمسوس!، لكنه غضنفر تظهر أنيابه ومخالبه وتنتفض شعيرات لحيته فقط عند علمه عن فلان عن فلان عن علان عن ترتان أن هناك مسيحياً أثناء حلمه تفوه بكلمة كنيسة!، هو نفس المواطن الذى يقترض بالربا ويتسول بالإلحاح حتى يمنح كل تحويشة العمر للسمسار الذى سيشحنه فى قارب خربان ليتركه فى عرض البحر مع مائة حالم آخر بالذهاب إلى الشاطئ الآخر حيث الدول الصليبية الكافرة!!، وحين يصل بعد أن ألقى بجثث زملائه الحالمين للأسماك محتفظاً ومتشبثاً بحقيبته التى بها خرقه وهلاهيله، يبدأ فى الصياح والصراخ مطالباً بإعانة البطالة وبناء مسجد ووضع ميكروفون والصلاة فى عرض الشارع ونهر الطريق!، لكن المدهش أنه لا يجرؤ هناك فى تلك الدول الكافرة على مجرد النظر بامتعاض إلى باب كنيسة ليلاً بل يطلب العمل فيها نقاشاً أو نجاراً أو حتى جامع قمامة ما دام اليورو يتكلم والإسترلينى يتعطف!، لا تسألونى عن عدد الهمج المتظاهرين الذين حطموا منازل أقباط دمشاو ولكن اسألونى عن الثقافة الطائفية المجتمعية التى أفرزتهم، لا تسألونى عن خسائر أهل القرية بعد التكسير والتخريب والحرق، لكن اسألونى عن خسائر الوطن وانكسار القلوب وحرق مساحات التفاؤل التى سكنت القلوب بعد تعيين سيدة قبطية فى منصب المحافظ، معركة الدولة المدنية طويلة، ووأد الفتنة الطائفية يحتاج أمناً ثقافياً لا أمناً مركزياً فقط، ولا بد أن نعرف أن وظيفة الحكومات ليست إدخال مواطنيها إلى فسيح الجنات وإنما إلى صحيح وسعيد الحيوات، ولا بد من تفعيل القانون لا العرف، ويجب علينا أن نكف عن استخدام عبارة اشتباكات طائفية لنستخدم عبارة جرائم جنائية، وبدلاً من انشغال برلماننا بقانون إهانة الرموز، واندماج إعلامنا فى مناقشات سيارات وأغنيات محمد رمضان، واجتهاد رجال ديننا فى توضيح أن الصوت الإسكندرانى الصادر عن الأنف احتجاجاً هو من قبيل الكبائر، بدلاً من كل تلك الحماقات فلنحتشد لبناء الدولة المدنية بجد، وتفعيل المواطنة بحق وحقيقى، وهجر مصطلحات تجاوزها الزمن مثلما تجاوز عبودية الرق والإماء، مصطلحات الولاء والبراء والجزية والذمى والكافر.... إلخ، ولنتبَنّ شعار «فلتعبد حجراً أنت حر ولكن لا تقذفنى به».

اجمالي القراءات 4023