أثر السجون على الأفكار

سامح عسكر في الجمعة ٢٩ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لنعرف كيف تطرف ابن تيمية وسيد قطب في السجن؟

تلاحظ أن المحبوس على رأيه غالبا يتحول داخل السجن أو بعد طلوعه تحولا سلبيا، وذلك لعدة أسباب:

أولا: تأثير السجن الفظيع ليس فقط في المسجون بل في (عائلته) فهو يشعر بألم وفقدان عائلته حتى يصبح الحزن مركبا، ويتطور بعد ذلك ربما لهواجس إذا امتلك يقينا أو دعاوى إصلاحية، وقتها يفقد الثقة في الجميع لأنهم لم يشعروا بألمه.

هامش: عائلة المسجون تتألم بشدة لفقدان إبنها ، خصوصا الزوجة والأبناء والآباء، فلو مات كان المصاب أقل يحزن أيام ويعود لطبيعته، أما في السجن فهو مفقود جبريا، ومضطرين أن يقبلوا ذلك الفقدان طيلة سنوات الحبس، ويزيد هذا الألم مع المدد الطويلة التي تؤثر سلبيا في استقرار وتربية الأسرة فتنشق وتكثر المشاكل.

ثانيا: ألم المسجون هذا يتحول لنقمة على المجتمع التي صورت له هواجسه أنه موافق على ما حدث له، أو مشارك ولو بالصمت.

ثالثا: خسارة المسجون ليست فقط نفسية وفكرية، بل مادية، خصوصا في سجون الشرق الأوسط التي تفتقر لأبسط مقومات الحياه السليمة من الطعام الجيد والترفيه والإقامة النظيفة..يضطر لشراء طعامه من (الكانتين/ الكافتيريا) وهو مكلف ماديا، أو يجبره عناصر الأمن على رشوتهم في سبيل تمرير بعض حاجاته الأساسية من سجائر ومراتب ومخدات مميزة.

خسارته المادية تزيد ألم المسجون ..خصوصا أنه لا يعمل وبالتالي ما ينفقه في السجن على الطعام والأشياء هو خسارة واستنزاف شديد للأسرة..

رابعا: رفاق السجن أكثرهم محتالين ونصابين ومجرمين، هذا عذاب (لصاحب الرأي) فهو مضطر أن يصدق ويثق في من يكرههم، أو يخضع لزعيم أهوج غبي، ويزيد الفعل شناعة ما يراه من عناصر الأمن ومسئولي السجن، غالبا اكتسبوا صفات المسجونين فأصبح المسكين يعيش في مجتمع غريب لا يفهمه ، ثم يعيش وحيدا يستسلم لهواجسه.

خامسا: الظلم الطبقي داخل السجن هذا يدفعه لمزيد من اليأس، فهو يرى المشاهير والأغنياء مرفهين في عنابرهم، بينما هو لا يحصل على (1/10) ذلك، فتخيل يرحمك الله: كيف يجتمع فقدان العائلة مع صحبة المجرمين والطعام السئ مع الطبقية وترسيخ الظلم..ماذا تتوقع أن يؤدي ذلك إلا انحرافات فكرية وهواجس متخيلة سيطرت على ذهنه.

ابن تيمية كان يكره الصوفيين والشيعة بوصفهم حكام عصره، فانعكس ذلك على قلمه الذي ترجم هذه الكراهية في تنظير وفتاوى غاية في التطرف ضدهم، وسيد قطب كان يكره المستبدين وأعوانهم وجمهورهم، فانعكس ذلك في قلمه بتنظير ثوري جهادي، وتكفير لأعوان المستبد بوصفهم سدنة فرعون، وتكفير لجمهوره بوصفهم جنود ومحبي فرعون..وفتواه الشهيرة باعتزال الجاهلية المعاصرة رد فعل انتقامي منه على ما حدث له تـأثرا بما سقناه في تلك الأسباب.

لكن تحذير: لا يتأثر من تلك العوامل السلبية إلا ضعفاء النفس، ومن لا يملكون منهجا ثابتا في الحياه، أو لجأوا للتقليد ففقدوا إبداعهم الشخصي، ورأيي أن تحول سيد قطب من الأدب المبدع إلى التطرف الهمجي سببه (التقليد) فدخل السجن وهو غير مسلح بمنهج أو قوة تحميه فسقط..

وكثير من سجنوا خرجوا أكثر قوة وتحدي لإثبات أنفسهم، والسبب أنهم طوروا نفسهم في السجن وتعلموا مهارات ومواهب جعلت حبسهم فرصة للحياه من جديد، تعلموا التحكم في عواطفهم وأرواحهم..أصبحوا مهيئين لعالم جديد مختلف ، ومهما كانت حياته شاقة بعد ذلك سينجح ويعبر أزمته بأمان..بل غالبا صنف المبدعين الأقوياء يستمتع بالشقاء وتحديات اليأس وهو يكسرهم في كل مرة
اجمالي القراءات 4927