مفهوم الوالدين والآباء
في البحث عن الإسلام – مفهوم الأرحام بين التراث والقرءان – مفهوم الوالدين والآباء – الجزء الثالث

غالب غنيم في السبت ٠٩ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام – مفهوم الأرحام بين التراث والقرءان – مفهوم الوالدين والآباء – الجزء الثالث
 
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
) الزمر - 36

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،
______________

سبب البحث هذا:

كل هذا البحث، وسببه، بدأ حينما تفكرت في قوله تعالى:
(
وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ ) الرعد – 21
(
ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ) البقرة – 27
بل وأخطر من ذلك في قوله تعالى (
وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ ) الرعد – 25

ففي كل هذه الآيات نجد – خبرا – مهما جدا وهو أن الله تعالى أمر بوصل شيء ما (
مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ) !
وبدأتُ فعلا بالتساؤل عما أمر الله تعالى به أن يوصل، وأين أمرنا بذلك؟ فإن قال أنه أمَرَ، فهذا يعني أنه لابد أن نجد اين أمَرَ بذلك الأمْرِ من القرءان، أي لا بدّ أن نبحث في القرءان بتدبّر وبدون هوى، لنجد أوامره تلك! ولا نبقى متّبعين فقط لما تم طرحه في التراث، كما رأينا في الجزء الأول عن الحديث عن علاقة صلة الرحم بالعرش! ففي التراث قد نجد كثيرا من الأحاديث المنسوبة للنبيّ عليه السلام، في موضوع " صلة الرّحِم" هذا، فأين هو في القرءان الكريم؟

هكذا بدأت شرارة البحث عندي، وكنت لا بدّ أن افصّل مفردات مثل – الرّحِمِ ، ألوصل ، القطع وأولي الأرحام – قبل أن أدخل في صلب الموضوع ولـُبّـهُ، ألا وهو، أين أمرنا وبماذا أمرنا أن نَصِل ؟ فإن فقهنا وعلمنا ما أمر الله به أن يُوصَلَ فسنصله، فالقرءان محكمٌ مفصَّلٌ ولن نلغوا فيه أبداً.

كذلك أعود وأنوّهُ، أنه مهما وصلنا هنا من القرءان وكفى من نتيجة، فلن يجعلني هذا – أقول رأيي الشخصيّ فقط – أن أرفض فكرة " صلة الرّحِمِ " كما هي في التراث، كعادات وتقاليد، ليس أكثر، ولكن ليس كأمر من أوامر الله تعالى، إلا إن وجدنا القرءان يتفق مع المفهوم التراثي الجمعي !

ولنبدأ الترتيل، بداية، ومن الآيات أعلاه، هي تحثّنا على أن نتدبّر أكثر، لنعلم ما أمرنا الله تعالى أن نَصِلَه، لكي لا نقطعه، وبهذا نبدأ في البحث عن أمره تعالى، بالوصل في القرءان الكريم، وسنجد آية تربط بين الأرحام والقطع، ومن هنا نبدأ في قوله تعالى :
(
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ * طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ ٱلۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ * فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ ) محمد – 20:22
وفي هذه الآيات، وحسب السياق، نرى أن الحديث عن النبي ومن حوله من بعد ما أخرجه قومه من دياره، حيث ظهرت فئة المنافقين، وبالذات تم الحديث عنهم هنا، بأن لايتولّوا عن أمر القتال ليفسدوا في الأرض.
فبتولّيهم عن أمر الله تعالى، من بعد ما ألّف الله تعالى بين قلوب المهاجرين والأنصار – وهم لا بدّ جزء من هذا المجتمع، الذي وحّده أمرالله بكونهم جميعا تحت راية، أن زوجات النبيّ أمهاتهم – أقول، وبتولّيهم عن أمر الله تعالى ، هم " يقطّعون أرحامهم" أي يخرجون من مجموعة المؤمنين الذين أصبحوا أخوة بحكم أمر الله تعالى كما شرحت في البحث السابق.
وكأنهم رفضوا تقبل أوامر الله بداية ونهاية، من كون زوجات النبيّ أمهاتهم، فيكونوا أولي أرحام مع بقية المؤمنين، ونهاية بتولّيهم عن القتال إن تم دعوتهم إليه، وانفصالهم عن المؤمنين، وبهذا هم يقطّعون أرحامهم.

ومنه لا نرى هنا حتى اللحظة أي بيان لما أمر الله به أن يوصل، ولكننا بدأنا في فقه بقية الآيات عن الأرحام بالتدريج، من القرءان ذاته.

أما في قوله تعالى :
(
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ) النساء – 1
فهنا نرى الفصل بين أمرين، وهذا شيء يشجعنا على البحث والتدبّر أكثر، وهو أن الله تعالى يحذرنا من يوم سيتم حسابنا فيه على أمرين، فقد عزل الأرحام هنا لوحدها، عما سيسألنا عنه من أعمالنا وإيماننا وأمورنا المختلفة!
ولنلاحظ أن هذا العزل لم يأت عبثيّا أو حشوا، بل ارتبط بآية تتحدث عن خلق النفس، وعن موضوع بحثنا الأساسيّ – وهو الرّحِم – لارتباطه مباشرة بقوله تعالى (
وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ )، وهذا لا يتم إلا بالولادة، ولهذا ذكر لاحقا الأرحام كمُسائلة، وهذا خبر جديد لنا، يحضنا على أن نبحث بقوة عما أمرنا الله به أن يوصل، فسوف تتم مسائلتنا عن الأرحام! وهذا برأيي أمر عظيم لا يجب أن نستخفّ به هنا في القرءان الكريم!

وفي نهاية تدبّر الأرحام، نجد أن الله تعالى فَصَلَ بين الأرحام والأولاد كذلك، فجعل الأرحام غير الأولاد! في قوله تعالى :
(
لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ) الممتحنة – 3
فأصبح لزاماً علينا فهم من هم الأرحام؟ ومن نصل ؟ وكيف نصلهم ؟ وهل هنالك علاقة بين الأرحام ووصلهم ؟ والسؤال الأخير حسب ظني جائت إجابة ضمنيّة عليه في الآية أعلاه عن المنافقين، ولكننا سنستمرّ في البحث.

______________

الوالدين والآباء في القرءان الكريم !

بداية، ومن قوله تعالى ( ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ) – المجادلة -2 ، نجد أنّ الوالدين مرتبطة بالولادة، أي والديك هما الذان أنجباك، وارتبطت مباشرة بالإنجاب والولادة من الرّحِم، وليست كما الآباء، فهم كثر، أي أن الانسان له أكثر من أب، وهم والده وما علا، أي جده ووالد جده وهكذا، فمفردة أب لها علاقة بمن علا من بعد أبيك فكريّاً، أي هي مرتبطة بفكر – المنهج الفكري - لمن علا من الأب فالجدّ وهكذا، ولهذا من السليم قول " آبائنا"، بينما من غير السليم ولا وجود لجمع للوالدين، فالوالدين هما اثنين فقط لا غير، وهما الذان أنجباك.
 ومن هنا دوما أتى الخطاب القرءاني عن الوالدين بالحسن والخير، ولم يرد أبدا تعريضهما للنقد أو الحديث عنهما بسوء حتى لو جاهدا ولدهما – كما سنرى أدناه – على الكفر، بل وحتى يوم الحساب، وحتى المجرمين، لم يقل الله تعالى بأنهم قد يفتدون أنفسهم بوالديهم،
( يُبَصَّرُونَهُمۡۚ يَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ يَفۡتَدِي مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِئِذِۢ بِبَنِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُ‍ٔۡوِيهِ * وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ يُنجِيهِ ) المعارج – 11:14.

وحين فصّل تعالى كيف يأتي الإنسان الله فرداّ، سماهما أمه وأبيه، ليبين لنا أن الموقف هنا للحساب وليس كرها لهما، أو رغبة في الافتداء بهما، فذكرهما كأبوين وليس كوالدين، ففي قوله تعالى (
يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ * وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ) عبس – 34:37، ذكرهم لأن كل فرد في تلك اللحظة منشغل بأمره ونفسه، فكلّنا آتي الله تعالى يوم القيامة فردا.

ومن يريد التأكد فليرتل آيات الآباء وسيجدها لا تتكلم عن الولادة، بل تتسع لتشمل أكثر من ذلك عدداً، وأنها مرتبطة بالمنهج الفكريّ، ولهذا لن نجد آية واحدة تتكلم عن الوالدين كاتباع فكريّ، بينما كل الآيات أتت تتحدث عن اتباع الآباء السابقين فكريّا، والتحذير من ذلك دوما، وهو اتباع ما نجد عليه آبائنا بدون هدى ولاعلم منير، ويدخل بالطبع أغلب التواتر في هذه الدائرة بشكل رئيسيّ، لأنه فعلاَ هو ما نجد عليه آبائنا دوما، إلا إن كان هذا التواتر موثّق في القرءان – العلم والهدى المنير.

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه – فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 6092