فهمي لسورة التوبة ( الجزء الثالث عشر )
فهمي لسورة التوبة ( الجزء الثالث عشر )

أسامة قفيشة في الخميس ٠٧ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فهمي لسورة التوبة ( الجزء الثالث عشر )

( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) 101 التوبة :

هنا يبدأ الحديث عن مرحله جديدة و هي مرحلة وصول النبيّ و عودته للمدينة , هو و من معه ممن استجاب لدعوة النفير للقتال حال انتهاء مهلة الأربعة أشهر , فتصف لهم الأوضاع و تساعدهم في كشف بعض التفاصيل .

1 - تبين لنا هذه الآية مجموعة أخرى من المنافقين , و لكن دون أن تكشف عن شخصياتهم كما حدث في مكة مع أهلها القرشيون الذين اتبعوا النبيّ سابقاً و هاجروا ثم عادوا بعد ما يعرف بفتح مكة . و كما حدث مع من تخلف عن النفير من الأعراب الذين طلب منهم النبيّ النفير في طريق عودته .

2 - هذه المجموعة الجديدة من المنافقين تم الكشف عن أماكن تواجدها فقط , فالمكان الأول حول المدينة ( أي في أطرافها و محيطها ) و هؤلاء أعراب ضمن حدود المدينة , و المكان الثاني وسط المدينة ( وهم عرب من أهل المدينة الأصليين ) .

3 - هؤلاء المنافقون الذين لم يتم تعريفهم أو كشفهم للنبيّ و المؤمنين سيعذبهم الله في الدنيا مرتين ( أي سيعذبهم بأموالهم و أولادهم لقوله جل وعلا سابقاً كما تذكرون " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ " ) هذا في الدنيا , أما في الآخرة فلهم عذابٌ عظيم و هذا دليلٌ على عدم توبتهم مستقبلاً لأن النفاق متغلغل في نفوسهم و اعتادوا عليه , فيستحيل عدولهم عن نفاقهم يوماً ما و تستحيل توبتهم منه .

( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) 102-105 التوبة :

هنا الحديث عن صنف جديد من المنافقين .

1 - هؤلاء قد اعترفوا بذنوبهم علانية , و هؤلاء كانوا يخلطون العمل الصالح بالسيئ ( ربما اعترافهم هذا دليل ندمٍ حقيقي , و ربما كان خوفاً من أن يستمر مسلسل الفضح و الكشف فيتم فضحهم فآثروا أن يعترفوا بأنفسهم ) .

2 - يترتب تجاه هؤلاء ( الذين اعترفوا بذنوبهم ) أمران :

الأول فيما يربطهم مع الله جل وعلا فعسى أن يتوب الله عز و جل عليهم , و هذا رهن سلوكهم العملي مستقبلاً , و رهن الخلفية التي كانت وراء اعترافهم .

و الثاني فيما يربطهم بالمجتمع و الدولة , فعليهم بتطهير و تزكية نفوسهم من خلال دفعهم للصدقات و إنفاق المال في سبيل الله جل وعلا , و هذا أيضاً يسهم في تقبل توبتهم عند الله جل وعلا , مع بيانٍ بأن تلك الصدقات ليست من حق النبيّ أو من حق من تدفع إليه , و إنما هي حقٌ لله جل وعلا على الجميع , و ليتم صرفها في مصارفها التي بينها الله جل وعلا .

3 - هذا الصنف لا عتب عليه بعد هذا الاعتراف و لكنه يجب أن يبقى تحت المراقبة ليرى الله جل و علا و رسوله و سائر المؤمنون ما سيفعله هؤلاء قريباً , و ما سيراه الله جل وعلا من عملهم الغيبي الغير مرئي .

( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 106 التوبة :

هذا صنف آخر من المنافقين لم تكن له الجرأة على الاعتراف , و لكنه و في نفس الوقت لم يتغلغل النفاق في نفسه , و يتواجد في نفسه رغبة داخلية بأن تكون توبته سرّية , أي بينه و بين الله جل وعلا و دون الجهر و الاعتراف , و هؤلاء متروكون لما سيختارون , فإن تابوا و أصلحوا فإن الله يتوب عليهم , و إن لم يتوبوا من نفاقهم فإن الله جل وعلا معذبهم .

( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) 107 التوبة :

هنا يأتي الحديث عن أهل هذا المسجد و رواده و مؤسسيه , حيث سبق كشف هؤلاء للنبيّ و للمؤمنين و هم في مكة قبيل عودتهم للمدينة ,

فهم قسمان , قسم قد عاد لمكة من القرشيين بعد فتحها و استقر مجددا فيها , و قد تم فضح هؤلاء و كشف مخططاتهم التي كانوا يسعون لتنفيذها , و قد باءت بالفشل ( و هموا بما لم ينالوا ) , و هؤلاء قد ساوى الله جل وعلا بينهم و بين الكفر و طبع على قلوبهم بأنه لا توبة لهم فهم إلى النار , و القسم الثاني من الأنصار المتواجدين في المدينة و هم معروفون و معرّفون كونهم من رواد هذا المسجد أو من مؤسسيه ,

هؤلاء قد هرولوا مسرعين بعد أن علموا بأن الله جل وعلا قد أنزل فيهم قرآناً يفضحهم , و بدؤوا بالحلفان للنبيّ بأن مرادهم لم يكن سيءً بل كانوا يريدون الإحسان لا العدوان , و هنا يبين الله جل وعلا بأن قولهم و حلفانهم هذا هو محض كذب .

( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) 108 التوبة :

1 - دعوةٌ و أمرٌ إلهيٌ علنيٌ للنبيّ بعدم دخول هذا المسجد أو الصلاة فيه ( أي أن النبيّ عليه السلام لم يهدمه كما يدعي البعض ) .

2 - دعوةٌ بأنه من الأحق و المطلوب بأن تكون الصلاة و إقامتها في أي مسجد كان تأسيسه على تقوى الله جل وعلا و ليس لأهدافٍ أو مصالح أخرى , أو لصالح أمورٍ دنيوية و غاياتٌ و أهدافٌ شيطانية عدوانية تدعوا للتفرقة و العدوان .

3 - بيان بأن أصحاب مساجد التقوى هم أناسٌ مطهرون , و عليه يكون أصحاب مساجد الضرار نجسون أي مشركون ( إنما المشركون نجس ) .

( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) 109 التوبة :

هنا مقارنه بين هذان الفريقان , فريق التقوى من أهل الرضوان , و فريق الظلم و الشرك من أهل الجحيم و النيران .

( لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 110 التوبة :

هنا أيضاً تأكيد بأن مسجد الضرار الذي بنوه و أسسوه لم يهدمه النبيّ , بل بقي قائماً بهيكله ماثلاً أمام أعينهم , و لكنهم لا يجرؤون على دخوله أو الاجتماع فيه مجدداً , فكلما مروا من أمامه تحصروا عليه لعدم تمكنهم من دخوله ,

و لكن هذا المسجد الضرار لازال في قلوبهم ( إشارة بأنهم ما زالوا يحملون تلك الفكرة التي أسس عليها هذا المسجد و يعملون على تنفيذها ) , فهو فكرٌ مضاد و عقيدةٌ مضادة تستهدف جوهر الإسلام و تعمل بشكلٍ معاكس له ( الضرار ) , ليكون هذا الفكر بمثابة السبيل الموازي و البديل لسبيل التقوى بعد رحيل النبيّ أو بعد التخلص منه , و هذا السبيل الموازي هو سبيل الشيطان الموازي لسبيل الرحمن , و هو الوحي الشيطاني الموازي للوحي الإلهي , ( أرى بأن تأسيس هذا النهج المنحرف قد بدأ منذ عهد النبيّ و في أواخر عمره عليه منا أفضل السلام ) . 

اجمالي القراءات 5405