الدور الإيراني في الشرق الأوسط (4)

سامح عسكر في الخميس ٣١ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الفصل الثالث: تحرير مصطلحات الدور 

ننتقل الآن لجانب آخر وهو تحرير المصطلحات الفاعلة في الدور الإيراني في المنطقة ، كمفاهيم " الطائفية – المقاومة – الوحدة الإسلامية" والسبب في اختيار تلك المصطلحات للمناقشة ارتباطها بحركة إيران الديناميكية سواء في ميادين السياسة والدين والإعلام والحرب، بهدف تصوير كامل للدور الإيراني عقليا بعدما وقفنا على طبيعته ونفوذه على الأرض.

أولا: الطائفية، وهو أشهر مصطلح الآن في الشرق الأوسط متعلق بالحروب العربية العربية على أساس ديني، سواء في اليمن وسوريا أو كالتي جرت في العراق، وعلى ذكر الحروب البينية بين العرب يعني أن الواقع يشهد بأن العرب وحدهم الذين تضرروا من الحرب الدينية هذه، وفي حين يتهم البعض إيران بأنها مصدر الطائفية نجدها لم تتضرر فعليا وهذا يستوجب عدة أسئلة:

1- هل النظام الإيراني ينشر الطائفية بالفعل؟..فالناشر يؤمن بما ينشره، فإذا كان الإيرانيون طائفيون لماذا لم يضطهدوا سنة إيران البالغ عددهم 15 مليون على أقل تقدير، فإذا قيل أن السنة هناك مُضطهَدون فلماذا العالم لا يتحدث عن ذلك أو ترصده جمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة؟..فبنظرة سريعة نجد أن دعاوى اضطهاد سنة إيران مصدرها الخليج وتيار السلفية الحنبلي.

ليس تبرئة لإيران من الطائفية ولكنها أسئلة مشروعة، أين رموز سنة إيران ليتحدثوا عن هذا الاضطهاد، وما حقيقة دور السنة الإيرانيين في الحكم بمجالس الشورى والخبراء، أو في الحكومة؟..لن أجيب على هذه الأسئلة وأترك للقارئ البحث عنها بنفسه من مصادر الأخبار، ولا يعني ذلك شبهة على الدور الطائفي للسياسة الخارجية للدولة، ففي مقدمة البحث أشرنا لبعض من ذلك بانتهاج السياسة الإيرانية توجها طائفيا بالفعل تمثل في دعم الحركات الشيعية في الشام والخليج بدعوى الإصلاح، والتغاضي عن نظائرها السنية إلا فيما لو قررت تلك الحركات مقاومة إسرائيل كحركة حماس، وهذا يعني أن التوجه الطائفي لإيران في الخارج مع السلام الاجتماعي والسياسي في الداخل يعني تكرار لنماذج الدول الاستعمارية القديمة التي جمعت بين السلام الداخلي والتسلط الخارجي.

هذا بخلاف طبيعة النظام الأصولية المعادية لقيم العلمانية، فقد جعلتهم أقرب للحكومات الدينية المتحدثة باسم الإله، وحادثة سجن الفيلسوف والمؤرخ الإيراني "هاشم أغاجاري" عام 2002 دليل، فقد حُكم عليه بالإعدام لنقده التحالف الكهنوتي بين السلطة ورجال الدين، أي طعن صريح بأهم عنصر في عناصر الثورة الإسلامية وهو "ولاية الفقيه"، إنما لا يعني ذلك تأثرا للسياسة الخارجية الإيرانية بتلك الأصولية –التي يكافحها الآن حسن روحاني- إنما الخط العام لسياسيي إيران يخلو من ذلك بظهور صورة ليبرالية وخطاب منفتح على الخارج، وهو نفس سلوك حكام السعودية بالمناسبة، إذ في تقديري أن كلتا الدولتين تعانيان من نفس الأعراض، أصولية في الداخل لمخاطبة جمهورهم المتدين، وليبرالية في الخارج لمخاطبة شعوب متحضرة أغلبها لادينية أو مسيحية.

ويبقى التعارض بين الدور الإيراني الموجه لدعم حركات شيعية إصلاحية وبين انفتاحها الليبرالي شاهد على أن السياسة مصلحة في الأخير، فلو تتطلب الأمر شعارا أخلاقيا إصلاحيا وثوريا فهو موجود، ولو تتطلب انفتاحا وتسامحا وتعاونا أيضا فهو موجود، وهي أعراض ملازمة لكل سياسات دول العالم بالمناسبة، فالتناقض هو السمة الأبرز الآن لنُظم ما بعد بعد الحداثة التي وضعت قيم الاستهلاك مقدمة على الفضيلة، بيد أن التكيف مع الباطل قد يصبح ضرورة عند الشعوب إذا ما رأت في مقاومته تهديدا لمصالحها وفقدان لذة السعادة ، وقد اصطلح قديما لهذا التوجه بالبراجماتية التي لها جذور في فلسفة زينون الرواقي، وتيار الأبيقوريين اليوناني في العصر الهلنستي.

وبمناسبة ذكر الرواقيين أجد فسحة في الحديث عن ثوار سوريا الذين اقتربوا من خصوم زينون كالفيلسوف "أنتيس تنيس" رائد المدرسة الكلبية التي قدمت الفضيلة على لذة السعادة، ورأت أن تحقيق الفضائل يستوجب السعادة بالضرورة، وهذا اتجاه مثالي بالمناسبة أعتقد أن معارضي سوريا المسلحين وقعوا فيه..بمعنى أنهم فشلوا في الاعتراف بالواقع وعدم قدرتهم على إسقاط النظام السوري بوسائلهم تلك، إما بالتدخل العربي أو الغربي، في حين يمتلك النظام قاعدة أيدلوجية ودينية عابرة للحدود، وولاء بقيم أخلاقية ساعدته على الصمود كالدفاع عن أرواح المسيحيين والعلويين والصوفيين ومؤيدي الحكومة من العوام حتى أقنع الروس بجدوى ما يفعله وقوته في الصمود، إلى أن تشجعوا في التدخل وقلب موازين القوى منذ أعوام.

وهذا يشير إلى أخطاء وقع فيها ثوار سوريا استفاد منها الدور الإيراني وحليفه بشار الأسد، كرفعهم شعارات طائفية في البداية أجبرت المُكوّنين المسيحي والعلوي على دعم النظام وتشكيل خلايا شعبية وقوى ميدانية وتيارات ثقافية لمقاومة الغزو الأصولي لجماعات داعش والقاعدة والإخوان الوطن السوري، صحيح أضعف ذلك جماعات المعارضة المعتدلة المنادية بالإصلاح، لكنها ضريبة تدفعها دائما الثورات العسكرية بفقدان البوصلة وتسلط أمراء الحرب وتمكن ذوي المال والنفوذ، بينما المثقفين والفلاسفة في هذا التوقيت لا دور حقيقي لهم إذ ينشطون بالأساس في ظل السلام وسكون المجتمع، أما في حال تحرك المجتمع ونشط فالقيادة فيه أصبحت تنظيمية دعائية..وهذه أمور يفتقدها المثقفون.

2- هل لإيران وجه شعوبي قومي فارسي؟ ..والجواب: لن أستفيض في البحث عن إجابة موضوعية لهذا السؤال، فهذا العصر ليس شعوبيا بل دينيا، بمعنى اختفاء وضمور القوى القومية وعيشها في سراديب الماضي وحكايات الزمن، فلا الشعب الإيراني الآن يقدم فارسيته على شيعيته، ولا الشعوب العربية الآن تقدم عروبيتها على سنيتها، وهذا التحول حدث بفضل إشعال أمريكا للأصولية الدينية الإسلامية مع القاعدة في التسعينات، وقبلها وقبلها مع المجاهدين الأفغان، وقبلها بالدور السعودي الناشر للوهابية السلفية في وجه الشيوعيين بأوامر أمريكية كما صرح مؤخرا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"..ثم قيام ثورة إيران في الأخير بطبيعة دينية شيعية منسجمة مع التوجه الديني السائد..( أنظر مقالنا المنشور على الإنترنت "انهيار القومية العربية" بتاريخ 15 يناير 2018)

ويمكن اعتبار أن التوجه القومي الشعوبي لإيران اختفى تدريجيا منذ رحيل الشاه، فالقيادة الجديدة ليست فارسية حُكما ..إنما شيعية، ولما حاربها صدام حسين بشعارات العروبة وقف أمامه شعب الأهواز العربي الإيراني..أي لم يكن الجانب الفارسي حاضرا في المعارك، علاوة على أن الفرس لا يمثلون سوى 60% من مجموع الشعب الإيراني، حتى أن قيادته الثورية لم تكن في معظمها فارسية، فالخوميني من أصول هندية في كشمير، وخامنئي من أصول أذرية، وشمخاني وصالحي عربيان.

ورأيي أن حضور الجانب الفارسي عند الإيرانيين يجعلهم أكثر خطورة مما هم عليه الآن، فانصهار المكونين القومي والديني في نفسٍ واحدة يجعلها أكثر تعصبا وضيقا في الرؤية، مثلما حدث قديما بين العثمانيين والصفويين، هذه حرب لم تكن سنية شيعية فقط، إنما فارسية تركية في المقام الأول، صحيح أخذت بُعد ديني عند بعض الفقهاء لكن في الضمير الشعبي ورثتها الشعوب من زوايا قومية أكثر تطرفا مثلما صورت أحيانا معاركهم على أنها حرب بين "المجوس والمسلمين" ومن يدقق في الملحمة الشعبية المصرية "علي الزيبق" يرى أن تراث الشرق الأوسط تأثر بهذه الحرب وإسقاط معاني الدين والقومية عليها بشكل مختلط وفج.

ثانيا: المقاومة، وهذا تعبير مريح للنفس والضمير أكثر بقُربه من حِسّ البشر الأخلاقي، فبدلا من استخدام مصطلحات عدائية كالهجوم والغزو نراهم قد استبدلوا ذلك بمعانٍ أقرب إلى الأخلاق والفضيلة "كالدفاع والمقاومة والممانعة" ونرى ذلك أحيانا في سب الخصوم لبعضهم بأنهم دعاة حرب، بينما الخصم يقول أنا مدافع عن نفسي، وحديثا استبدل الإنسان مفهوم وزارة الحربية بالدفاع لإقرار سلمية الدولة وعدم توريط جيشها بأي أخطاء.

هذا يعني أن رفع شعارات المقاومة لا يعني بالضرورة أنها مقاومة، بل هو في سبيل تجميل الفعل حتى ولو هجومي، مثلما يحدث الآن في اليمن بتكليف جنود سودانيين وإماراتيين بالهجوم على مواقع الحوثيين تحت اسم "المقاومة" رغم أنه اعتداء واضح من أجانب، نفس الشئ في الدور الإيراني، فليس معنى أنه يرفع شعار المقاومة أنه دائما يكون مدافع عن نفسه.

هذا من حيث الأصل، أما من حيث الفعل فقد شكلت إيران جماعتي حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين خلال حقبة الثمانينات، وفي عز اشتعال حربها مع صدام حسين، سقت أفكارها الأيدلوحية والحربية لكلا التنظيمين بروح المقاومة، على اعتبار أنها كانت تدافع عن نفسها ضد هجوم صدام وحلفائه الغربيين والخليجيين، وأحفظ هنا الخلاف في نشأة حماس إذ يقول البعض أنه لا علاقة لها بإيران ولا بالدور الإيراني، وأقول: هذا غير صحيح، فقد أنشأت حماس حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وخلال الثمانينات كان الإخوان متأثرين بالثورة الإيرانية واتصلوا برموزها فكانت حماس ثمرة هذا الاتصال.

المهم يعيش الدور الإيراني الآن على مصطلح المقاومة، الذي يتخلله تيارات متنوعة المذاهب والأعراق واللغات، فحزب الله اللبناني أصبح له فروع في العراق وأفريقيا..ليس بالضرورة أن يكونوا متصلين مع كيان الحزب الرئيسي في الضاحية الجنوبية ببيروت، إنما هو من قبيل التأسي بالأسماء مثلما جمعت بعض الفصائل الجهادية هذا التأسي والاقتداء في الميادين دون أن تجمعهم أرض واحدة أو لغة واحدة، وتلك هذه الأربطة الروحية التي ميزت الجماعات باختلاف مذاهبها، ويعني مصطلح المقاومة فنيا صد الخطر الاستعماري والإمبريالي التوسعي الذي ترعاه أمريكا بأدواتها في الشرق الأوسط كإسرائيل والسعودية، لذلك كان استخدام السعوديين مصطلح المقاومة ضد الحوثيين في اليمن مفاجئا لي باعتبار رمزية المفهوم (القبيحة) في أنفس الخليجيين وارتباطه دائما بمفردات كالمد الشيعي وخطر إيران والهلال الشيعي ..إلخ

وبعد سقوط أنظمة "صدام حسين وعلي صالح والقذافي" وصل محور المقاومة هذا لمحطته الأخيرة بضمه 4 جهات فقط وهم بالترتيب من حيث القوة "إيران – سوريا –حزب الله – حماس" هؤلاء من تولوا قيم الدفاع عن "المقدسات" وأعباء تحرير الأرض وحشد الشعوب والدول لقضيتهم العادلة..والتي تعترف بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدراج إسرائيل كدولة محتلة هي الوحيدة من بقايا الاستعمار.

لذلك عندما قامت ثورة سوريا حذرت وقتها بأن الثوار سيُصدمون ليس فقط من النظام بل من بقية أعضاء المحور والمتعاطفين معه من الشعوب والحكومات المعارضة لإسرائيل، وهذا هو التوجه الأيدلوجي العابر للحدود الذي قصدته في البداية، أن مكمن قوة الأسد ليس في جيشه بل في ما يحمله من أفكار ومبادئ، فالثورة عليه إذن هي ثورة على المقاومة ضد إسرائيل بالأساس، حتى لو اتهمنا النظام بالنفاق والخوف من إسرائيل وتحرير الجولان، إلا أنه مكتسب ضمنيا وجوهريا كل معاني المقاومة برفض اتفاقيات السلام والحوار مع إسرائيل منذ كامب ديفيد حتى الآن، ولا يعترف سوى بشئ وحيد هو انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة دون قيدٍ أو شرط.

إنما على ما يبدو غردت حماس خارج السرب بانحيازها لأول مرة خارج مصالح هذا المحور ، وساند بعض قياداتها ثوار سوريا، وتحول بعض شيوخها وعناصرها لأبواق طائفية ومقاتلين ضد الجيش السوري، مما دفع بالأسد لطرد الحركة من دمشق التي لم تجد لها مأوىً أخير سوى في قطر، حتى خسر المقاومون عضوا فعّالا ونشطا كان على مدار سنوات وعقود واجهة لتلميع هذا المحور ضد إسرائيل ومانعا لاتهام محور المقاومة بالطائفية، حتى أصبح اتهام إيران وسوريا بالمذهبية سائغا، لكن بتسارع الأحداث وفي خضم الأزمة الخليجية الأخيرة بحصار قطر عادت ريمة لعادتها القديمة، احتضن المحور حماس مرة أخرى التي فقدت داعميها الخليجيين ما عدا قطر، ساعد في تأجيج ذلك الموقفين المصري والإماراتي من قطر والإخوان المسلمين..حتى انخرطت حماس مرة أخرى في تشكيلات الدور الإيراني المقاوم بعد سنوات قطيعة.

ثالثا: الوحدة الإسلامية، وهو مفهوم يندرج منه عدة مفاهيم أخرى كالتسامح والتقريب بين السنة والشيعة، إنما لفظ الوحدة يعني جمع المسلمين إما لسلطة واحدة وإما لهدف واحد، ولا أعتقد أن المقصود من تسويقه في الدور الإيراني سلطة واحدة على الأقل الآن، ربما يصبح خطة مستقبلية إذا ما قررت إيران حكم المسلمين جميعهم تحت سلطان الإمام ولي الفقيه.

الهدف من تسويق هذا المفهوم هو جمع المسلمين لهدف واحد وهو "مقاومة إسرائيل والهيمنة الأمريكية" إذن هو شعار يندرج تحت فقه المقاومة، ولارتباطه بجوانب فلسفية أصبح له مؤسسات ومثقفين وتجمعات سنوية، كما يحدث مثلا في مؤتمر "القدس" السنوي بالإكثار من شعارات التسامح والتقريب والوحدة، وهو يؤكد أن إطلاق نداء الوحدة الإسلامية هو لهدف سياسي يتعلق بأيدلوجية الثورة الإسلامية في موقفها من الغرب الاستعماري..وخصوصا إسرائيل.

ولا يختص المفهوم بتوحيد الجوانب العقائدية، إنما هو سياسي بحت، فمؤتمرات التقريب والوحدة مثلا لا تناقش خلافات العقائد بين السنة والشيعة، أو بين السلفية والأشعرية، أو بين الصوفية والحنبلية، أو بين الإمامية والإسماعيلية، وتختصر هذا الواقع في نداء يجمع كل هؤلاء تحت شعار نبيل وهو "تحرير فلسطين" لذلك وجد هذا النداء وتلك المؤتمرات صدى، إنما لعزوف المملكة السعودية عنه تضرر هذا النداء بشدة، وللهجوم العنيف عليه من إعلام الخليج الديني والسياسي بات نداءا مشبوها عند بعض الفئات، بحيث إذا دعوتهم للوحدة الإسلامية قالوا: أنت تدعونا للتشيع..

ساهم الرفض السعودي والتشكيك السلفي في التمرد على أصول وثوابت المذهب السني، إذ وقف المتمردون بين مفارقة اختيار مبادئ القرآن والتراث والأخلاق والإنسانية – التي يحويها الشعار – وبين دعوات العنف والصدام والتشكيك –الذي يصل أحيانا لحد الكذب – وقتها لا يجد أمامه سوى خيار وحيد وهو الإيمان بصحة المذهب الشيعي، وأن المنتفعين من عدم انتشاره هم سبب أزمات المسلمين وضياع أرض فلسطين، ولو عقدنا إحصائية عن أسباب ودوافع المتشيعين الجدد في الانتقال سنجدهم يحكون نفس الرواية، إضافة طبعا لظهور داعش أضعف المذهب السني والتيار السلفي بشكل مرتفع بين عوام المسلمين.

ورأيي أن الوحدة شئ جيد وهدف نبيل بالفعل، لكن يحتاج لتحققه إلى سلطات ليبرالية وأهداف اقتصادية، وهذا غير متحقق عند أصحاب النداء، فإيران دولة تختلط فيها قيم الديمقراطية والثيوقراطية..ودستورها مذهبي، وندائها بالوحدة طبيعي يكون مشكوك فيه من خصوم الشيعة المذهبيين أولا، ومن المثقفين الليبراليين واليساريين ثانيا، إضافة لأهم عامل وهو مصالح حكام العرب التي يهددها هذا الشعار بزوال سلطانهم خصوصا في منطقة الخليج.

إيران تواجه هذه الدعاوى بالتشكيك أيضا، واتهام الرافضين للوحدة أنهم عملاء لأمريكا، ويتغاضون عن الجانب الفلسفي والسياسي في الموضوع، وينكرون مصالح الآخرين وحق البعض في الدفاع عن مصالحه، بل تتهمهم بإثارة الشقاق والفتن بين السنة والشيعة، وإن كان في بعض اتهاماتهم صحة لكن البعض الآخر غير صحيح، فتلك الجوانب المثالية لا تصلح في العمل السياسي، يعني فرق بين النظرية الوحدوية وتطبيقها على الأرض ، وليس أدل على ذلك من الفتن الحالية والصراع المذهبي، فقد حدث تحت دعاوى التوحيد أساسا، إما توحيد العقائد من جانب السلفية، وإما توحيد الشعوب من جانب إيران، بينما جوهر مسألة الوحدة لم يقترب منه أحد وهو (المصالح)

نعم فالمصالح هي جوهر أي وحدة، ولا تتحقق المصالح إلا بالاستقرار السياسي أولا والمنفعة الاقتصادية ثانيا، ونصف الدول العربية الآن في غير مستقرة ومهددة ومنها تفكك بالفعل، بينما المصلحة الاقتصادية غائبة، والسوق العربية المشتركة لم تعد مطلبا يرفضه أمراء الخليج كما في السابق، بل لم تعد مطروحة على مائدة النقاش أصلا، وفي تقديري أن هذا الهبوط والانحطاط العربي رغم أن له دوافعه وأسبابه المتنوعة لكن يصب في مصلحة الإيرانيين باعتبار صدق دعواهم، أنه لا ملجأ من الفتن إلا بالوحدة، وهذه هي القيمة الأخلاقية في النداء التي جذبت بعض الشعوب وتعاطف معها أيضا بعض المثقفين، على الأقل اعتبارها جزء ومرحلة من مشروع أضخم بتطوير سب التواصل بين العرب والمسلمين ، لكن يبقى الانحطاط العربي والحروب يخدمان الدور الإيراني بتعزيز مفهوم الوحدة على نمطه الإيراني.

اجمالي القراءات 3990