معلومات عن التطور

سامح عسكر في الأربعاء ٢٣ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

التطور ليس مجرد نظرية..بل حقيقة علمية زي كروية الأرض والجاذبية والثقوب السوداء..وهكذا

التطور لكي تفهمه يجب أولا أن تخلع كل كلام الشيوخ عنه قديما من رأسك، الإنسان أصله قرد، داروين ملحد ، دي مؤامرة من اسرائيل، فلا داروين قال الإنسان أصله قرد، ولا برهن على إلحاده بالتطور، ولا الإسرائيليين نفسهم مُجمِعين عليه

القصة إن في بداية القرن 19 عرف الإنسان نوع جديد من العلوم وهو (الحفريات) يعني عظام الكائنات القديمة سواء بشر أو حيوانات أو نباتات، وكان من ضمن الحفريات اللي لقوها عظام بشرية بقالها أكثر من مليون سنة، وهذا ضرب التوراه في مقتل اللي قالت إن عمر الإنسان لا يتجاوز 7 آلاف سنة، فكان أمام المتدينين حلين، إما يؤمنوا بالاكتشاف الجديد ويهزوا إيمانهم بحقائق التوراه –التي يؤمن بها اليهود والمسيحيين معا- أو ينكروا الاكتشاف ويتهموا القائمين عليه بالتخريف والإلحاد..

كل المتدينين تقريبا اختاروا الحل الثاني، كفّروا داروين والمؤمنين بهذا الاكتشاف، ليس لأنه يعطي عمر أقدم فقط للبشر عن العهد القديم، ولكن لأنه ضرب قصة الخلق في الأديان، وقال إن الإنسان تطور من كائنات قبل منه أشبه بفصيل الشمبانزي، ومعنى كلامه أن الإنسان والشمبانزي أولاد عمومة، إنما الإنسان الحالي اكتسب عقله وارتفع مستوى ذكاؤه في زمن ما لم يحدده وقتها، لكن تحدد بعدين في القرنين 20، 21

لكن يبقى السؤال: هل التطور نظرية؟

الجواب: هي نظرية نعم ولكن (علمية) لا تعني أنها افتراض أو احتمال، لأن العلماء تعريفهم للنظرية العلمية مختلف عن تعريف العوام، فالعالِم عندما يرى حقائق وظواهر يلجأ أولا لشرحها والربط بينهم، وربطه وشرحه هذا يسميه (نظرية) ، يعني التطور هنا شاف حقائق فعلا وملاحظات علمية لا يمكن إنكارها حاول يفسرها بطُرق العلم، وبالتالي يمكن اختصار المسألة في كلمتين إن النظرية هي "الآليات والشروح" بينما الحقيقة هي "التنوع والتطور" وداروين عمل نظريته بناء على هذا الأساس وضع آليات وشروح لحقائق شافها بعينه.

نقوم احنا نمسك في آلياته وشروحه ونسيب الحقيقة اللي شافها العالم كله، وكل جهود منكري التطور بيشتغلوا في هذا الجانب، يعني يطعنوا في الشروح والآليات بدون تفسير لحقائق التطور.

باختصار: مادة بحث التطور مش كلام واحتمال..هذه حقائق زي الحفريات والتشريح وعلم الوراثة، وأفضل مثال على ذلك "النظرية النسبية" لإينشتاين، فهل يعني أن ما وصل إليه إينشتاين مجرد كلام واحتمالات؟..الجواب : طبعا لا، إينشتاين أتى بحقائق زي البعد الرابع الزمني والثقوب السوداء، وكذلك "نظرية الجاذبية" هي محاولة نيوتن شرح حقائق الجذب الكوني من حوله، فبالتالي هو شاف حقائق شرحها بنظريته اللي خلدها التاريخ وعرفت ب "تفاحة نيوتن"

فعلى منكري التطور تقديم شرح للحقائق اللي شافها داروين قبل إنكار كلامه، لأن المعيار هو الحقيقة والتفاصيل في باطن الشرح، إنت اجتهد وحاول تفسر ما وجده العلماء من حفريات وعظام بشرية بيانها كالآتي:

الإنسان العامل Homo ergaster منذ (1،9مليون سنة)

الإنسان المنتصب homo erectus (1،6 مليون سنة)

فتى التوركانا Turkana Boy (1،5 مليون سنة)

إنسان الهايدلبرج Homo heidelbergensis (700 ألف سنة)

إنسان النياندرتال Neanderthal (400 ألف سنة)

الإنسان العاقل (المعاصر) Homo sapiens (300 ألف سنة)

ما الذي تعنيه هذه الحفريات؟..وبلاش كلام عن المؤامرة لأنك لا تمتلك دليل عليها، وحديثك أصبح أضحوكة عالمية لسبب وهو إن التطور يدرس الآن في كل معاهد وجامعات العالم ، ومعترف به من كل مجلات العلم المتخصصة في الأحياء والبيولوجيا وعلم الوراثة والتاريخ الطبيعي.

هنا أطرح معلومات سريعة عن هذه الحفريات:

معلومة أولى: هذه الأنواع لم تنقرض لتحل محلها أنواع أخرى ، بل منهم أنواع عاشت مع بعض، زي الإنسان المعاصر والنياندرتال، عاشوا مع بعض في أوروبا أكثر من 200 ألف سنة على أقل تقدير، وانقراضهم حصل لطبيعة التطور "بالانتخاب الطبيعي" يعني البيئة تختار أكثرهم ملائمة للعيش، فالإنسان المعاصر مثلا امتلك قدرات ذهنية وبنيوية للبقاء، أما النياندرتال رغم قوته البدنية لكن قصير القامة وضعيف الذهن، والأولى شكلت له عائق في صيد الفرائس أو الهرب من الوحوش المفترسة، والثانية تسببت في هزيمته من الإنسان العاقل وفشله في المنافسة على الصيد وطرق العيش فانقرض.

ولفهم الموضوع بشكل أكبر لماذا اختلف الشكل مثلا بينا وبين النياندرتال فالتطور هو فكرة شاملة تجمع بين الحفريات وعلوم أخرى زي "التشريح" و "الجينوم الوراثي" واللي ثبت التطور علميا مش بس الحفريات زي ما يظن البعض، ولكن الشفرة الوراثية اللي تطابقت نتائجها مع نتائج الحفريات، شئ ما كانش يحلم بيه داروين لكن تحقق، علما أن داروين مات قبل اكتشاف علم الجينوم، وبعد ظهور هذا العلم وتأكيده للتطور أصبح التطور حقيقة زي كروية الأرض والجاذبية..وإنكاره جهل وعناد للحياه في الكون.

لكن ظلت أسئلة تمثل حلقات مفقودة بعضها تم الإجابة عليها علميا وبعضها لم يتوصل له العلماء حتى الآن، ومن ضمن الحلقات المفقودة التي جاوب عليها داروين هو الآلية التي حصلت بها التطور، فتوصل إلى أن الكائنات تتطور "بالانتخاب الطبيعي" وأنه يحدث بالطفرات العشوائية اللي أكدها علم الجينوم بعد ذلك.

ومعناه إن البيئة هي التي تحدد من سيعيش فيها ومن سيموت، فمن يعيش يورث جيناته الوراثية لأبناءه، ومن يموت ينقطع، وأما توريث الجينات فكل كائن يشبه أبويه في تفاصيل كثيرة لكن مش تطابق 100% والتشابه حصل بأقصى تقدير 80 أو 90% النسبة الباقية هي التي تحدد شكل الخلاف بين السلف والخلف، ومن خلال هذه النسبة تختلف الأنواع عن بعضهم في الشكل بعد آلاف الأجيال، ويمكن ملاحظة ذلك في اختلاف الشبه بين الجد والحفيد، في نفس الوقت اللي وجد فيه تشابه بين (الجد والأب) وبين (الأب والحفيد) هذا الاختلاف يحدث بآلاف الأجيال ..تخيل كم الشكل الذي يتغير إذا ظل النسل موجود والكائن يورث جينومه لأبناءه.

نقطة مهمة جدا: إن تعيين السلالات والأنواع في التطور يحدث عن طريقة ثلاثة أدلة وهي "الهيكل العظمي" و "الجهاز التناسلي" و"الجينوم البشري" وعن طريق هذه الأدلة فهم العالم تاريخ التطور، أما الشكل الخارجي للكائنات فقد يخدعك، مثلا لا تجد صلة بين الطيور والديناصورات لاختلاف صورة الديناصور الكبيرة في ذهنك عن الطيور..وهذا غير صحيح، الطيور هم أبناء الديناصورات في الحقيقة، وربما ما أخدتش بالك إن الديناصورات كانت (تبيض) يعني جهازها التناسلي مختلف تماما عن الثدييات.

والديناصور كان زاحف فقاري، تطور فصيل منه في العصر الجوراسي إلى زواحف وطيور عملاقة..هما أسلاف الطيور والزواحف الحاليين، والعصر الجوراسي استمر حوالي 50 مليون سنة..تخيل كم عدد الأجيال والأسلاف التي عاشت على الأرض لتحدث هذه القفزة من التطور..

معلومة ثانية: فتى التوركانا هو هيكل عظمي لصبي مات صغيرا قبل مليون ونصف مليون سنة، وجد بحالة جيدة وعظام كاملة عام 1984 في كينيا، وسمي كذلك نسبة لشعب التوركانا الأفريقي بجانب بحيرة توركانا، وبيولوجيا يعدوه العلماء ضمن فئة الإنسان المنتصب الأول erectus علما بأن كل ال homo بعد ذلك هو erectus أي منتصب بمن فيهم البشر الحاليين..

كذلك فتى التوركانا يبلغ طوله 165 سم ومنتصب على قائمتين، يعني كان بيمشي زي البشر الحاليين، إنما جمجمته أقرب لفئة القردة العلوية بدون غطاء شعر، ولمن لا يعلم فالجمجمة تحدد نوع الكائن، فالإنسان الحديث مثلا مفيش بروز في الفك ولا في أعلى الحاجب، بينما أعلى الرأس مستوي مع مقدمته، أما في القردة هذا غير موجود، جمجمة الشمبانزي يوجد فيها بروز في الحاجب والفك، واستطالة لأعلى بين مقدمة الرأس وأعلاها، يعني شبهة البعض بقولهم أن عظام الحفريات القديمة هي حفريات قرود جهل بالتشريح والطب وعلم الأحياء..

معلومة ثالثة: هناك أنواع من الشمبانزي أقرب للإنسان ليست فقط في الشكل بل في السلوك، اقرءوا عن "البونوبو" هذا شبمانزي يعيش في الكونغو ويسير على قائمتيه معظم حياته، بالضبط كالإنسان، بل يعرف النار واستخدامها، والأحجار واستخدامها، والأعظم.. يكتب لغة خاصة برسم الأشكال التي يعنيها..

هنا مزيد عن قرد البونوبو.. https://bit.ly/2wRvOke

في مرحلة من مراحل الإنسان أو ال homo كان يعيش بالضبط كالبونوبو..وفي الفيديو عقدت مقارنات بين أحجار أسلافنا الأوائل وبين أحجار هذا الشمبانزي ..يوجد تشابه عجيب، كذلك لطريقة إشعاله النار "بالولاعة" وترجمته للأشكال اللي شايفها إلى رسومات تقرب مقصده، وهنا كان منبع اللغة عند البشر أنها كانت بدائية جدا في الأول ثم تطورت بعد ذلك لأسباب متنوعة يفقدها الآن قرد البونوبو.

معلومة رابعة: حجم وأشكال الكائنات تختلف حسب البيئة ومدى توفر مقومات العيش فيها، فالكائنات اللي ساكنة جزيرة صغيرة هتكون بحجم صغير، واللي ساكنة جزر كبيرة أو قارات بينها وبين أنواع تانية تواصل هاتكون أحجامها أكبر، وفي بعض جزر المحيط الصغيرة وجدوا قرود بحجم (الإصبع) وأفيال بحجم أصغر عن نظرائهم في أفريقيا والهند..والسبب في هذا التباين هو تأثير الغذاء المحدود وطبيعة العيش والحركة على نشأة الجسم، زي ما تكون أسست طفلك على نظام غذائي مميز وحرية أكبر في الحركة أكيد الولد هايطلع جسمه حلو وفي مرحلة البلوغ سيبلغ طوله أكبر مما لو كان مقيد وضعيف التغذية ..
اجمالي القراءات 5640