القيادة التحدي.....

آية محمد في الإثنين ٢١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


إهداء إلى الدكتور أحمد صبحي...

وإلى كل أب وأم...

القيادة... البعض منا يحلم بقائد مسلم يوحد الأمة ويقودها خارج حالة الإنهيار، والبعض الآخر يحلم بقائد عربي يقود البلاد العربية خارج حالة الضياع، والبعض الآخر يحلم بقائد مصري يقود المصريين خارج قوقعة الظلم والفساد... وأنا أحلم أن يكون كل أب وأم قائدا فى بيتهم ليخرجا لنا جيلا قياديا يقود أي مجتمع مصري كان أو عربي أو إسلامي. كثيرا ما نسمع كلمة الأخ القائد فلان، وتحت قيادة فلان، وبقيادة فلان، فهل فكرنا أبدا فى معني كلمة القائد والقيادة؟ هل من نلقبه بالقائد فى حياتنا اليومية من الأحياء والأموات يستحق هذا اللقب فعلا؟ فى هذا الموضوع سأتناول أنواع القيادة ومفهوم القائد بصورة سريعة ومبسطة وسأنهي الموضوع بإهداء القارىء بعض النقاط التي تساعده على أن يكون قائدا فى مجتمعه الصغير سواء مع أولاده أو موظفيه أو أصدقاءه أو رعيته بشكل عام.

القيادة هي فن الإدراة. هناك فرق بين أن تدير بيتك وأن تقود بيتك، هناك فرق بين أن تدير شركتك وبين أن تقودها، هناك فرق بين أن تدير جماعة وبين أن تقود الجماعة، هناك فرق بين أن تدير حزب وأن تقوده، وهناك فرق بين أن تدير أمة وأن تقود أمة. الإدارة نمطية يتبع فيها قوانين ونظريات ومعطيات مدروسة إذا إتبعتها بطريقة بيروقراطية قد تحقق النجاح لأسرتك أو مؤسستك أو أمتك ولكنك ستخلق أطفالا او قوما او شعبا أو أمة نمطية بعقول عقيمة التفكير تسير إلى الصيرورة كما يقول الكتاب وبلا أي أبداع أو فكر يذكر. أما القيادة فهي أعلي وأسمي درجات الإدارة ولا يجيدها كل المدراء والتنفيذيين. القيادة هي الإبداع، هي التغيير، هي التطور، وهي الرخاء. القيادة لا تهدف فقط إلى تحقيق النجاح بل إلى إحداث التغيير. القيادة تخلق جيلا من المبدعيين والمفكريين الذين يكون لهم كبير الأثر فى إستمرارية نجاح أي مجتمع. أي مؤسسة قائدة فى مجالها تبحث عن قائد وليس مدير وذلك للحفاظ على المكانة والقيمة العالمية، التى وصلت إليها، فى وجه التحديات والشركات الصاعدة.

القائد لا يضع فقط الأهداف التكتيكية الإستراتيجية بعيدة أو قصيرة المدى، بل يرسم الرؤية ويحددها ويمهد لها الطريق الذى يسير عليه متبعيه لتحقيق تلك الإستراتيجيات. يرسم رؤية واضحة المعالم محددة الأبعاد سهلة الإدراك يفهمها الصغير قبل الكبير، يشعر بها الفرد وتثيره وتحفذه على العمل والنجاح والتقدم. القائد الإنسان لا يضع الطبقات والألقاب بينه وبين أفراده؛ فلا يوجد درج للصعود إليه بل باب مفتوح دائما يدخل منه الفرد فيسمع شكواه القائد ويفهم إحتياجات الفرد ومتطلباته الشخصية قبل الإجتماعية ويدرك سيكولوجيته وتركيبته النفسية، وبذلك يتسني للقائد فرصة أكبر فى إقرار التواصل بينه وبين أفراده فيثقوا فيه ويتبعوه عن حب ورضاء . القائد لا يذهب إلى تطبيق القوانين والضوابط التي ترهب الخارجين عن السياسة العامة للمؤسسة أو المجتمع، بل يخلق ثقافة مشتركة من المبادىء والقيم التي يتبناها كل عضو فى الفريق بحب ورغبة وبدون جبرية وإكراه ورهبة. فالقائد وأفراده يعملون بصورة منسجمة متناغمة تدور فى فلك من القيم والمبادىء التي تسهل بينهم عملية التواصل. فمن ثقافة اي مجتمع نستدل على خلق قائدها ومن خلق القائد نستطيع أن نقيم الأفراد؛ فإذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص، وإذا وجدت الرقص شيمة مجتمع ما فمؤكد أن قائدهم بالدف ضارب، إذا وجدت الخسة والوضاعة شيمة أهل البيت فمؤكد أن قائدهم هو ملهمهم الأعلي، إذا وجدت الحجر على الفكر والإحتقار للآخر والإرهاب الفكري هو شيمة أهل البيت فمؤكد أن القائد ديكتاتور، إذا وجدت قول الزور متفشي والتخفي فى رداء الدين هو السبيل – داخل بيت ما - فمؤكد أن القيادة الأبوية منافقة. وفى المقابل، إذا كان شيمة أهل البيت هو الإحترام المتبادل والصوت الخافت والتدبر والتفكر وإحترام الكبير والعطف على الصغير فمؤكد أن القائد إنسان، عاقل، مبدع، متعقل، خلوق، يشعر بنبض أفراده، مؤكد إنه ملهمهم ومثلهم الأعلى الذى به يقتدون. القائد هو عنوان بيته ومؤسسته وحزبه وبيته والأفراد هم نتاج القيادة الصالحة أو الطالحة.

الناتج من الإدارة المحكمة هو النجاح، أما الناتج من القيادة هو التغيير. التغيير هو نجاح مستمر. والتغيير هو علم وفن "Change Management" يوظف له تنفيذيين لإحداث طفرة فى مؤسسة تتصدع أو تتهاوي. والتغيير لا يحدث إلا بقيادة حكيمة تعرف القيمة الفلسفية للتغيير وتأثيره على المجتمعات. والقائد المحنك المدرك للسيكولوجية البشرية يعرف قوة الرفض الذى يواجه عملية التغيير والصدمة التي تحدثها لأفراد أي مجتمع. فالآدمي بطبيعتة عدو لما يجهله، ويصيبه الذعر عند المساس بمعتقداته وثوابته الكامنة الراسخة فى عقله من سنوات. فالخوف من الإنفلات والغوغائية والإنهيار هي أول شىء يفكر فيه الفرد عند مواجهة الأفكار الجديدة ولايري فيها إلا كونها "الشيطان يعظ". والإعتراض على الجديد أو الفكر المختلف والتمسك بكل ما هو قديم سلفي يسمي فى علم الإدارة وعلم النفس بالتفكير الجماعي "Groupthink"؛ والتفكير الجماعي ينشأ فى المجتمعات القوية، الراسخة المعتقدات والمبادىء الإجتماعية، ولكنها تكون مبادىء بالية لم تعد تنفع بل تضر. والتفكير الجماعي سلوك نفسي خطير لأنه يعيق عملية التغيير والتقدم التي لا يدركها أثرها النافع غالبية الأفراد؛ فالأفراد فى غضون رهبتهم ومقاومتهم للتغيير يتبعون عادة سولك همجي عشوائي عدواني لمحاربة الآخر وللقضاء على أي إختلاف من جذوره. وهذا السلوك النفسي يرهب المبدع والمفكر ويجعله يرهب الإنتقاد اللاذع أو السجن أو الحسبة أو الطرد أو أو أو أو أو... مما يقضى على الإبداع أو يفقد المبدعين الثقة بأنفسهم أو يجعلهم يفرون إلى مجتمعات أخري أقل بيروقراطية. وبدون إبداع لا يوجد تقدم وبدون تقدم لا يوجد رخاء، ولذلك إذا وجد هذا السلوك النفسي فى اي مجتمع أدى بالضرورة إلى تخلفه ودماره. وهنا يأتي دور القائد الإنسان الذى يشعر بآدميته وإنسانيته ويعلم فجوره وتقواه الشخصي فيدرك ويحترم هذا الشعور النفسي (أي التفكير الجماعي) فى الأفراد ويتعامل معه معاملة الجراح للشرايين. فالقائد حريص على العبور بقومه من الكينونة إلى الصيرورة، من الموقع الحالي إلى الضفة الأخري ثم الضفة التي تليها ثم التي تليها وهكذا بلا توقف للسيرورة فيستمر الرخاء والتقدم ولكن بحرص حتي لا يخسر ثقة قومه وأفراده المرتعدين خوفا من عملية التغيير. فلا ننكر أن أي تغيير ولو جاء تحت قيادة عالية الإدراك حتما سيحدث نوع من البلبلة والزعزعة الإجتماعية ولكن بقليل من الحكمة والتريث يستطيع القائد بالحث والترغيب المتواصل لأفراده السيطره على أي نوع من أنواع الكوارث قبل أن تتفاقم.

هناك ثلاث أنواع من القيادة: القائد الأوتقراطي أو الإستبدادي "Autocratic Leader"، والقائد المتحرر أو السلبي "Laissez-faire Leader"، والقائد الشوري أو الديمقراطي "Democratic Leader". النوع الأول من القيادة يعتمد على الأمر والنهي والإرهاب لتحقيق المصالح والأهداف المنشودة. وينجح هذا القائد فى تحقيق الأهداف الموضوعة وإحداث التغيير المنشود، ولكن يفشل فى خلق روح الإجتهاد والمسئولية داخل أفراده. فتجدهم فى حاجة لرقيب دائم للقيام بأعمالهم وبدون الرقيب يسود الهرج والمرج والتكاسل وتتوه المسئولية. أما النوع الثاني فهو قائد سلبي يؤمن بأن كل إنسان حر ومسئول عن عمله بمحاكمة من ضميره الشخصي. فيطلق العنان لأفراده ولا يحاسبهم ولا يستشيرهم ولا يسمع لهم ولا يشعر بهم، فتصبح المؤسسة غابة البقاء فيها للأقوي، ويصبح الضعيف خادم للقوي وتضيع الحقوق، ويسود الظلم والفساد أرجاء المجتمع. أما القيادة الأخيرة والتي تعتمد على الشوري فهي الوسط بين النوعين الآخرين. ديموكراتوس هي كلمة إغريقية تعني حكم الشعب: Demo تعني الشعب و kratos تعني الحكم، ومنها وصلتنا كلمة الديمقراطية. والقائد الذى يؤمن بحق الأفراد فى حكم أنفسهم يضع نفسه كقائد أعلي يشرف على تلك العملية ليعطي النصيحة ولا يجبر أحد على العمل بها. وعملية الإجبار والإستسلام لنصيحة القائد تأتي فى صورة إنسيابية كتعبير عن حب الأفراد للقائد وإعتقاد منهم بأن كل ما يقوله صحيح وفى صالحهم. فتجد الأفراد يتبعون القائد فى أمور ما كانوا يتوقعون أبدا أن يقوموا بها (نرى هذا داخل الأسرة عندما يكون الأب قائدا أعلي لا يفرض رأيه بالقوة بل يترك الحرية لأولاده للإيمان به وبرؤيته الصائبة). القائد الذكي الإنسان الحق، يتقرب إلى إفراده فيسمع لهم ويعطي النصيحة فى المقابل، لا يفرض الرأي على أحد ولكن الرأي يفرض من تلقاء نفسه نتيجة عملية تفاعل بين هذا القائد الإنسان والأفراد المبدعين الذين يثقون فى عقولهم قبل أن يثقوا فى قائدهم. والقائد الديمقراطي هو الذى يشجع على عملية التغيير ويشكل ثقافة مشتركة من القيم والمبادىء التي تحث الأفراد على الإنتاج والإجتهاد لما فيه خير للمؤسسة ولتابعيها.

يبقي السؤال، هل القيادة سلوك كاريزمي أم سلوك مكتسب مقوم؟ يعتقد البعض أن القيادة تولد مع الشخص وهي هبة من الله فيقولون أن فلان لديه كاريزما القيادة. وكاريزما هي كلمة إغريقية "Charisma" تعني "Gift of favor". القيادة سلوك يستطيع أن يقومه وينميه الإنسان بداخله، ولكن وبما إنه لا يوجد حقيقة ثابته لأي منهج، فلا ننكر وجود كاريزما لبعض الأشخاص الذين وهبهم الله سحر العقول والقلوب. وتجد الناس من خلفهم يهتفون " لا لا لن تتنحي" وقد يكون قائد فاشل يقود إلى الدمار أو يتغني بالشعارات الواهية. ولذلك يدرس القائد الكاريزمي من خلال بعدين، بعد إجتماعي “Socialized Leader” وبعد فردي "Personalized Leader". القائد الذى يعمل من خلال البعد إجتماعي، لا يفكر إلا فى مصلحة أفراده وما يدير النفع عليهم. فتجده يضع الأهداف التي تصب فى صالح مؤسسته ليعود الخير على أفراد المؤسسة أجمعين. فتجده يحث الأفراد على الإجتهاد لأن فى الإجتهاد رخاء وفى الرخاء إرضاء للإحتياجات الفسيولوجية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي ينشدها الفرد؛ فيعم الخير على الجميع من خلال فرد راضى وسعيد. أما القائد الذى يعمل من خلال البعد الفردي، فتراه يعمل من أجل مصلحة ذاته لتحقيق أهداف شخصيه منشودة لأرضاء الأنا الذاتية، مثل تحقيق لقب قومي أو جاه فردي، فيجند أفراد مؤسسته لخدمة هدفه الأوحد حتي يتحقق له ما اراد. ويتصف هذا القائد بالخطب الكلامية الغير فعالة صاحب كلامات رنانة خاوية " self-aggrandizing" يفتن بها عقول تابعيه وتكون المحصلة صفرا لهؤلاء التابعين. مثال على قائد البعد الأول الإجتماعي: النبي محمد، مهاتما غاندي، الشيخ محمد بن راشد – حاكم دبي، الرئيس محمد أنور السادات، والملكة إليزابيث الأولي. ومن أمثلة قائد البعد الآخر الفردي أدولف هتلر، كليوباترا، الرئيس جمال عبد الناصر (الأمثلة وجهة نظري الشخصية وهي وجهة نظر نسبية).

لنخلق جيلا من القيادة الحقيقة، على كل أب وأم أن يكونوا مثال للقائد الحق داخل المجتمع الصغير ليخرجوا ذرية من القيادة الديمقراطية الشورية الصالحة إلى المجتمع الكبير. وسأنهي موضوعي بنقل بعض النقاط التي قمت بتلخيصها لتساعد الأفراد على خلق شعور قيادي تجاه أولادهم أو مجموعاتهم:
1. كن مثالا جيدا يحتذى به فى القول والفعل
2. ضع أهداف لرعيتك ورؤية واضحة يسيرون عليها لتحقيق هذه الأهداف
3. الإعلان الدائم وبشفافية عن التطورات الجديدة والمتغيرات وتأثيرها على الرعية
4. إسأل رعيتك النصيحة ليدركوا تقديرك وإحترامك لعقولهم
5. أجعل رعيتك تشعر بأنك تساندهم قالبا وقالبا حتي وإن كنت مختلف معهم فيكسبوا ثقتك
6. إثني على الفرد المجتهد المصيب حتي وإن كنت دائم الإختلاف معه فتزداد رقعة التواصل
7. إثني على المصيب والمجتهد علنا وأمام الجميع لحث الآخرين على الإجتهاد
8. لا تنتقد المخطىء علنا لأنه يولد نوعا من العداء والعناد والتكبر والتمادي فى الخطأ
9. أن يكون نقدك بناء وموضوعي ولا يحتوي على أي لغة كراهية أو شخصنة للفرد
10. العبرة بالنهاية وليس بالسبيل... أحكم على النتيجة بدل من الطريقة
11. لا تعطي أوامر؛ إقترح، وجه، ثم أطلب بتواضع
12. أعلنها صراحة إنك تقدر وتحترم الأفكار الجديدة حتي وإن لم تقتنع بها

والسلام عليكم...





اجمالي القراءات 24659