نحو الطريق نحو الائتلاف
المنهجية العلمية في الاستدلال

اشرف ابوالشوش في الإثنين ٢١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم المنهجية العلمية في الاستدلال


عدم الالمام بالمنهجية العلمية في الاستدلال يؤدي في اغلب الاحيان الى نتائج خاطئة ومجافية للحق والصواب مما يترتب عليه بناء قواعد ومناهج خاطئة لانها في الاساس بنيت على فرضيات جدلية غير مثبتة او على مايعتقده اصحابها بانها حقائق في حين انها هي عين الخطاء.
والحديث عن منهجية علمية للاستدلال واجب ضروري تقتضيه الضرورة الملحة في اي موضوع جاد او ذو مضمون علمي ويتطلب &ute;ب من اصحابه تقصي الحقائق, وعليه اذا هو الامر الاولى بالابتداء قبل الخوض في اي مضمار للنقاش او الجدال لاثبات وجهات نظر معينة واسنادها للعلم.
والمعروف ان اليات الاستدلال في العلوم الاكاديمية والتجريبية تختلف كثيرا اليات الاستدلال في العلوم الانسانية والدينية, فالاولى لها مسلمات رياضية وتاخذ بالتجربة كبرهان اكيد على مدى صحة او خطاء اي نظرية علمية , وعليه فهي ذات طابع مادي بحت.
اما العلوم الانسانية والدينية فان اسلوبها في الاستدلال يختلف من علم الى اخر فمثلا علوم اللغويات تعتمد على الاشعار والكتابات القديمة في استنباط القوانين اللغوية , بينما العلوم الدينية تعتمد على نصوص مقدسة هي عند اصحابها لاتقبل الخطا ابدا وهي فوق اي مستوى للنقد او الخطاء.
عليه نجد انه بينما يسود جو من الوفاق بين اصحاب العلوم الاكاديمية نظرا لسهولة حسم اختلافاتهم عن طريق التجارب العلمية , فانه غالبا ما يسود جو من الاختلاف والتوتر بين اصحاب العلوم الانسانية نسبة لاختلافهم البين في تعريف الدليل العلمي والذي يرجع بدوره الي اختلافهم في تاكيد صحة مقولة ما لغوية كانة او دينية وتفاوتهم في تقديس الكتب (بالنسبة لعلماء الاديان والشرائع) او تصحيح الروايات (بالنسبة لعلماء اللغويات). ويبدو جليا ان الذي يجعل المجموعة الاولى ثابتة على منهجها بينما الاخرى مضطربة في افكارها هو عدم وجود ثوابت ومسلمات او بالاحرى اختلافهم في تعريف الثوابت والمسلمات.
الدراسات القرانية كفرع من العلوم الانسانية (قسم الاديان والشرائع) لا تختلف عن غيرها في كون اصحابها قد انقسموا الى مدارس وفرق مما يسبب البلبلة لاي قاريء او باحث عن الحق او دارس لمنهجهم , ومما يسبب التشفي فيهم من اصحاب الفرق الدينية الاخرى والتي تعتقد ببطلان عقيدتهم وخروجهم من الملة.
وموقعنا هذا والذي قام اصلا على تقديس القران الكريم لانه كلام الحق عز وجل واعاد له مكانته في الدين من حيث الاستدلال به وبه فقط وليس باي كلام غيره , يعاني من هذه الظاهرة والتي هي في نظري خطيرة وليست ظاهرة صحية, فالاختلاف في وجهات النظر يولد الود والمحبة والالفة كما يحلو للاستاذ عبدالفتاح عساكر القول , ولكنه في الدين لايولد الا الاحقاد والفرقة والشتات والضياع والابتعاد عن منهج الحق سبحانه وتعالى.
وهنا وقبل ان استدرك احب ان انوه الا ان القران الكريم قد امرنا بمجادلة الذين يخالفوننا في الدين بالتي هي احسن وهذا بالطبع حق وامر واجب الاتباع والتنفيذ سمع وطاعة لله عز وجل , وقد يقول قائل كيف اذا نقول ان الاختلاف لاصحاب الدين الواحد شر محض وليس برحمة؟.
واقول بان الاجابة في حنايا السؤال نفسه فالمفروض انه دين واحد !!! لا اديان عدة , وثانيا المعاش على ارض الواقع هو اكبر دليل على ذلك وليست كتبالتاريخ الاسلامي وكتب الملل والنحل بعيدة عنا لنرى كم حكما بالكفر قد خرج منها جملة وتفصيلا مما اثر في واقعنا المعاش (وليس امر العراق الان بماضي سحيق او غيب مستقبلي).
عليه فانه يجب علينا ان نتفق على اكبر عدد ممكن من المسلمات وان نتفق على تعرف الدليل حتى لايصبح موقعنا هذا مرتعا للمشاحنات والافتراضات الجدلية التي لها اول وليس لها اخر.
واعلم مسبقا ان الدكتور الفاضل احمد صبحي منصور باقامته هذا الموقع وباستضافته لبعض القامات والهامات العالية من الكتاب انما اراد - كما صرح هو من قبل - ان ينشيء جيلا يعتاد على الحوار ويعتمده كوسيلة للوصول الي الحلول المناسبة بالاضافة الي رعاية الكتاب الجدد الموهبين.
ولكن موقعنا هذا ليس فيه اي قاعدة او مسلمة ثابتة غير نقطتين فقط: 1. حجية كتاب الله سبحانه وتعالى (القران الكريم).
2.عدم حجية غيره من اقوال البشر او من الاحاديث المنسوبة زورا وبهتانا للرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا شيء جميل واعتقد انه او من سن هذه السنة الحسنة واعاد لكتاب الله مكانته بعد ان هجره المسلمين, ولكن تكمن المشكلة كلها في فهم المسلمين عموما لكتاب الله سبحانه وتعالى.
فاهل الموقع اختلفوا الي مدارس في فهم كتاب الله كالتالي : 1. مدرسة تقول ان كلام الله يفسر بعضه بعضا وان معاني كلمات القران الكريم توخذ اساسا من القران ذات نفسه لان اللغة تتطور مع الزمن - من اصحاب هذه الفكرة د. احمد صبحي منصور وهو منشيء هذه المدرسة.
2.مدرسة تفسر او تفهم كلام الله سبحانه وتعالى حسب معاني الكلمات في المعاجم وحسب قواعد النحو والصرف في اللغة العربية ولا تؤمن بوجود المترادفات في اللغة العربية ناهيك عن القران الكريم- على الرغم من ان بعضهم يخطي احيانا بعض علماء النحو وبالرغم ان كتاب الله سبحانه وتعالى به ايات قد يفسره البعض بانه مخالفة للنحو السيبويهي (والحق طبعا ان القران يستنبط منه النحو لا العكس).
3.مدرسة تؤمن تمام بان القران الكريم به اعجاز علمي خارق للعادة - كدلالة من الله ان هذا الكتاب لم يفتريه بشر (وحاشا لله طبعا).
4.مدرسة تنكر مسألة الاعجاز جملة وتفصيلا وتعتقد انه من ضروب الخرف وانه قد يؤخذ من قبل غير المسلمين كدليل على عدم صحة كتاب الله لانه مبني على معلومات قد يثبت انها كانت مجرد فرضيات خاطئة لاغير.
5. مدرسة تؤمن بالاعجاز الرقمي تحديدا دون سواه نسبة لصدق الارقام وبكونها - اي الارقام - من المسلمات الكونية وتعتمد على ما يعرف بحساب الجمل لاستنباط الحقائق والادلة - وينسون نقتطين في غاية الاهمية (هل تحتسب الحروف غير المكتوبة - استدلالات رشاد خليفة التي تؤكد فيما يزعم وجود ايتين غير حقيقتين في اخر سورة التوبة بنفس هذا المنطق الحسابي!!!!!!!!).
6.مدرسة اخرى تعتقد بان كتاب الله سبحانه وتعالى كتاب هداية فقط اي انه لايحمل اي دلالات علمية ولا تاريخية ولا جغرافية - ويتناسون ان كتاب الله سبحانه وتعالى والذي يخلو من اللغو قد افاض احيانا في ذكر اشياء لا يمكن اعتبارها الا دلالات من الله لاصلاح مفاهيم خاطئة (فمثلا ذكر الحق سبحانه اسم والد ابراهيم عليه السلام - ذكره ان موسى وقف في الجانب الغربي من الطور - ذكره ان صرح فرعون كان من الطين - ذكره سبحانه مغرب الشمس ومشرقها والعين الحمئة الخ).
والشيء الاهم من هذا كله هو اهمال الربط العلمي وخاصة التاريخي او الجغرافي بل والفيزيائي ايضا احيانا لفهم ايات من كتاب الله سبحانه وتعالى - الاخ الكريم الاستاذ شادي الفران له مقالة رائعة عن مايظهر لغير المسلمين كمتضادات في القران الكريم في حين ان المسلمين تجاهلوا الاجابة عليها (على سبيل المثال لا الحصرمسالة اليوم عند الله سبحانه وتعالى هل هو الف سنة او خمسين الف سنة ارضية؟).
هنالك سببان رئيسيان جعلاني اكتب هذا المقال: 1. الخوف من كثرة المقالات التي تكتب عن اشياء قد تدخل في دائرة الشرك بالله عز وجل او في دائرة الخوض في مالا نعلم بحجة البحث العلمي - كمثال امر الروح ونسبتها الي الحق سبحانه وتعالى وعلاقة ذلك بعقائد الحلول والاتحاد الصوفية الشركية الفاسدة.
2.كثرة الكتابة عن اشياء كن نظنها مسلمات ولكن البعض ينتقضها او يخطئها بشدة - الكتابة عن اصل وكيفية الصلاة او عن نسب فرعون وموقع مصر في القران الخ).
الغريب في الموضوع ان اغلب اهل الموقع انتسبوا اليه اصلا لانهم قد شكوا فيما يعتقد اغلب الناس من المسلمات التي لا مساس بها (الاحاديث سواء كانت عن طريق الصحابة (السنة) او عن طريق ال البيت (الشيعة) , وخرافة الناسخ والمنسوخ).
الغريب في الموضوع ايضا ان د. احمد صبحي منصور قد صرح مرة في سؤال عن الاسراء والمعراج انه يعتقد ان المسجد الاقصى ليس هو المعروف حاليا وان الارض التي بارك الله حولها ليست هي فلسطين , ثم وعد بنشر بحثه عن هذا الموضوع.
وهذا بالطبع قد سبب صدمة شديدة لكتاب الموقع انفسهم ناهيك عن القراء المتصفحين الذين جاؤ فقط - ليطلعوا على خزعبلات الفرقة الضالة المسمية بالقرانين - (حسب زعمهم طبعا) .
واحب هنا ان اوضح نقطتين: 1.اولهما احترامي الشديد بل وحبي للدكتور منصور والذي يجعله في مقام الوالد عند لانني ادين له بالكثير ويكفيه فخرا انه علمني ان استعمال العقل لايناقض القران الكريم وانه علمني مدى سماحة ديني الذي اعتز به والذي اغتالت برائته ايدي المتطرفين من سلفية سنة وشيعة وصوفية, وانه علمني ان الله لم ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم غير هذا الكتاب الكريم.
2.ثانيهما - وهو احد الاسباب التي جعلتني ازداد احتراما لهذا الموقع وصاحبه - هو انه اكد لنا نحن القراء في اكثر من مرة بان الموقع ليس له شيخ حارة او وصي وانه يرحب بالاختلاف القائم الادلة الدامغة وعليه ليس من العيب ان اختلف مع الدكتور منصور او غيره من الكتاب ان كان الموضوع لايتعدى المجادلة بالتي هي احسن مع الاتيان بالادلة طبعا.
لكني كاحد اقدم رواد الموقع ارى ان اكثر الاختلافات التي حصلت بين كتاب الموقع انفسهم (وبالطبع هي اختلافات فكرية) لم يتم حسم %99 منها وذلك راجع لعدم وجود ارضية مشتركة في التفكير غير الايمان بالقران فقط.
واخيرا: وانا هنا لا احاول والعياذ بالله خلق فتنة في هذا الموقع الذي احبه واعتبره بيتي , بل على العكس هي دعوة للتوحد على الثوابت والمسلمات حتى تكون لنا قاعد عريضة نتقف عليه وتسعنا كلنا دون رفض افكار الاخر والتي ربما قد تكون هي عين الصواب.
عليه فهل من معتلي لمنبر التعليقات لكي يبداء في وضع ثوابت لفهم كتاب الله سبحانه وتعالى بدلا عن الفرقة والاختلاف.
ودمت في رعاية الله .
وفي امان الله.

اجمالي القراءات 35818