العدل الآلهي
العدالة الآلهية،وعدالة الأرض

زهير قوطرش في الخميس ١٧ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

العدالة الالهية والعدالة الارضية.

صديقي إنسان علماني( أي أنه يؤمن بحرية الفرد على أختيار دينه ومعتقده، ويرفض تسلط المؤسسة الدينية التي أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب العباد) مؤمن بالله تعالى، يقيم العبادات باوقاتها ،ويعمل الصالحات.ولا يطنطن ويعلن أينما كان بانه إنسان مسلم،ومؤمن. فهو دائماً يردد مقولته المشهورة (دع الناس يكتشفون أنني مؤمن من سلوكي ومعاملتي لهم).جمعتنا الغربة وفي الغربة تحلو الصداقات.حيث تعودنا ولسنين طويلة أن نلتقي في عطلة الاسبوع لمدة ساعتين &Atildede;و أكثر حسب الظروف،نحتسي مشروبنا المفضل، فنجان القهوة ونزيد عليه إذا أحتدم النقاش بعضاً من أكواب الشاي المعطر.كثيراً ما نخوض في بعض الامور الفلسفية وخاصة فلسفة الدين والديانات ومقاصدها، أحب هذه اللقاءات واحب االنقاش فيها لأنه الخطوة الأولى لتفعيل العقل والوصول الى المعرفة النسبية التي تنحو بنا الى المعرفة المطلقة .ذلك أن المعرفة المطلقة لله عز وجل.وهذه اللقاءات تدفع كل منا خلال الاسبوع الى القراءة والتزود بالعلم والثقافة ، وأحياناً يشاركنا جلستنا هذه بعض الاصدقاء ،ليُدّلوا بأرائهم أيضاً، حتى تَعم المعرفة والمنفعة.نحن نؤمن بالاختلاف ونعتقد أن الاختلاف هو تعدد الاراء، والتي في النهاية لها نفس الهدف.
الاسبوع المنصرم حضر صديقي وفي عيونه نظرات تنم عن عدم الرضا والحزن،وعلى وجهه لمحت الكثير من التساؤلات.قلت في نفسي عساه خيراً إن شاء الله.حياني ...وفوراً طرح سؤاله الغريب وعلى غير العادة.
-هل توجد عدالة على الارض وعدالة في السماء؟
-طلبت اليه الجلوس أولاً...وبهدوء نظرت اليه وبدأت بالفعل أشعر أن وراء هذا السؤال حدث ما...
-ياعزيزي لاأستطيع إجابتك إلا إذا هدأت وشربت قهوتك وشرحت لي ماذا تعني بسؤالك؟
-يا أخي جارنا يعيش حياة سعيدة مع زوجته وأبنهم البالغ من العمر سبع سنوات.وحيدهم، الزوجة بعد الولادة فقدت الرحم.بالنسبة لهم هذا الولد هو الأمل والحياة والسعادة والمستقبل.
-وكأني بدأت أشتم  المشكلة من بداية الحديث ..بقيت على صمتي وكلي انتباه لما سيقوله...
-البارحة فجأة ارتفعت حرارة الطفل واصيب بتشنجات قوية ولم يستطيعوا بسرعة نقله الى المستشفى وذلك لعدم توفر واسطة نقل فورية .....وفارق الحياة على أثرها . وسؤالي الآن لماذا فُجعت هذه العائلة بوحيدها!!!!! أعذرني يا أخي ، قد أكون من مرتكبي الذنب الكبير باعتراضي على هذا الحدث الذي هو كما نعتقد  قضاء وقدر. لكن ابحث عن العدالة بالنسبة لي كأنسان. أنا لست من الملائكة!!! لماذا هذا الطفل بالذات؟ ليغفر لي ربي ولكني بشر...فهمي محدود ونسبي... وسالت الدموع من عيونه.. وكدت أشاركه بالبكاء (البكاء ليس هو اعتراض ،بقدر ما هو تعبير عما يجول بالنفس)
- لاعليك يا أخي .رحمة الله عليه ولندعوا الى الله أن يُّصّبر أهله بمصابهم.تعودنا أن نناقش الحدث اليس كذلك ،قلت له معقباً ،وتعودنا أن نلتمس الطريق الى الحقيقة بالعودة الى كتاب الله واعمم الى كتب الله المنزلة.
تعودنا أن نسأل كتاب الله في كل أمر يُشكّل علينا...ودائماً كنا والحمد لله نجد الجواب.. أليس كذلك؟ اجابني بهز راسه نعم. يا أخي البارحة تأملت في قصة من قصص القرآن ،مررت عليها وعلى مختلف الاراء التفسيرية لها. أنها قصة النبي موسى عليه السلام مع العبد الصالح.وكأنني كنت أعلم بمصابك اليوم وتأثرك بهذا الحدث. وسالني فوراً:
- أريد أن أسأل بداية هل تقع هذه الحادثة تحت مفهوم الصدفة؟ الطفل صدفة ارتفعت حرارة جسمه، وصدفة لم يكن بالإمكان نقله لعدم توفر واسطة النقل ، أي كان الطفل في المكان الغير مناسب بالوقت الغير مناسب....
- - هل نسيت ياأخي منذ شهر أعتقد نا قشنا هذا المفهوم وتوصلنا الى أن الصدفة هي موقف إنساني معرفي،والصدف قد تقع في المفهوم البشري في الجزئيات، اما ما عند الله عز وجل هي قوانين حتمية في الكليات والجزئيات ،فليس هنالك شيء أسمه الصدفة عند خالق العباد.
- لنعود الى الايات الكريمة في هذه القصة القرانية ،ولنقوم بالتحليل والتركيب.القصة لها ثلاتة أحداث، وأبطال القصة هما موسى عليه السلام يمثل الشرائع والقوانين الكلية التي جائت لتُطبق على الناس بدون استثناء وتحوي التشريع الآلهي بالرسالات،والتشريع الانساني بالقوانين وهي عامة.هذه التشاريع ياعزيزي تُطبق بعد وقوع الحدث.أي بمعنى أنه لايمكننا قطع يد السارق إلا إذا سرق.اليس كذلك ! أجاب
- -نعم .. جيد إذن هذه هي عدالة الارض. العبد الصالح في القصة يمثل العدالة الآلهية المطلقة لأن عدالة الله المطلقة تحمل الصدق والعدالة وهي تحيط بمليارات الاحتمالات ،وضع الله لها عز وجل قوانين سلوك واعية عامة التطبيق على كل المخلوقات.أي لايحق لأي إنسان أو تشريع التدخل فيها. ولو تدخلنا هل تعلم ماذا سيحدث؟ أبداً لا أعلم....ستكون نهاية العالم......لأن الله عز وجل قد يطبق العدالة قبل وقوع الحدث،وعلمه سابق لوقوع الحدث.
- -نظر اليَّ وهو بين مقتنع ومشكك بما أقول... تداركت ذلك وقلت له دعنا ندخل في صلب الاحداث للقصة القرانية.
- خذ فنجان قهوتك الثاني وفكر معي...الاية تقول (فا نطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً) دعنا نحلل عناصر هذا الموقف، نحن أمام ثلاث عناصر
- - ركوب السفينة ، ثانياً خرق السفينة، ثالثاً استنكار موسى عليه السلام.
- موسى عليه السلام ماذا يمثل برأيك؟ أنه يمثل موقف الدولة والقانون والقضاء والتشريع الارضي الذي نزل من السماء وتحول الى عادات وتراث واعراف ، وهو بشر.اجابني ..صحيح. العبد الصالح هنا يمثل العدالة الالهية المطلقة .وهذا العدل لايمكن لبشر مهما كانت صفته معرفته وعلمه، بل عليه الايمان به.الاية توضح لنا فيما بعد أن العدالة الالهية كان قصدها من إفساد السفينة هي انقاذها من الحجز .اليست المعرفة الالهية هنا تمثل العلم الالهي في المستقبل.نحن كبشر لايمكننا ولا للقوانين البشرية كلها أن تحيط بذك يقينياً.قد نتوقع من منطلق الاحتمال والصدفة فقط. إذن العدالة الالهية تعمل بشكل يومي مع كل الناس.البعض يطلق عليها صدفة والاخر يراها حظ سعيد والبعض يراها جزئياً ولا يستطيع استيعابها كلياً.
- - اعلم أن ما جاء لايفسر ماذا تريد فهمه.لكن دعني أنتقل الى المشهد الثاني...الاية تقول (فا نطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا) ماهي عناصر القصة.
- الغلام واللقاء به، ثانياً قتل الغلام، ثالثاً استنكار موسى عليه السلام. لنحلل معاً كما في الحدث الاول.
- موسى عليه السلام انطلق من الشرائع والقوانين والاعراف ، استنكر عملية القتل وهذا شيء طبيعي. كما استنكرت أنت عملية موت الطفل تقريباً .هز برأسه وكأن موافقته هي بين بين ثم تابعت، القتل تم بدون سبب بشري ،نفس لاذنب لها،بفهم البشر. العبد الصالح مثل العدل الآلهي .كيف؟ الشروط الموضوعية والقائمة وعلاقة الغلام بوالديه والمجتمع ستوقع الغلام بالكفر وسوف يسيء الى والديه... لدرجة أنهما سيتمنان موته .هذه الامنية تحدث عندما يكون الولد بهذه الاساءة الى والديه.فالله عز وجل طبق العدل الالهي وهو حقه المطلق قبل حدوث الاساءة للوالدين.موسى عليه السلام مثل الدولة ومثل الشخص الذي لايمكنه تنفيذ القانون إلا بعد وقوع الحدث.لكن العبد الصالح كان له الدور بتقديم العزاء للإنسان المفجوع، وذلك بعد ايضاح الهدف.والله يا اخي، لايظلم أحداً.وهذا هو عزائنا. وهذا الذي يجعلنا نتغلب على البلاء، ومن لايقبل به يموت قهراً وكمداً. ما رايك هل نطبق هذا الحدث على ما حدث. صمت قليلاً وقال لي: كيف ذهبت عني هذه القصة القرآنية؟ أجبته لا عليك... المفآجأة تنسينا حتى أسمائنا.السؤال الذي يجب علينا ان نطرحه على أنفسنا ،هل موت الطفل حدث صدفة ؟ يمكن القول نعم بالمفهوم البشري الظاهر، ولو قبلنا ذلك دون الرجوع الى مفهوم العدل الالهي لكانت مصيبتنا أكبر مما نتصور.ستنعكس على حالتنا النفسية والتي بدورها ستؤثر على الحالة الصحية ،لنصاب بعد ذلك بالامراض والعلل.لكن ايمان الانسان بوجود عدالة سماوية وأن الله لايظلم أحداً .هذا هو الدواء الشافي لكل الامراض التي سببها المصائب أو الابتلاءات.دعنا نمر على المشهد الثالث حتى نكمل الموضوع .ما رأيك؟ يا أخي اريد قبل ذلك أن استغفر الله على ما وسوس لي الشيطان ،وشردت بي الافكار ،ونسيت فعلاً أننا بشر..... ضحكت وقلت له: الان قلتها أنت نحن بشر نخطىء ونصيب ،لذلك لم نخلق ملائكة ،ولهذا أوجد الله لنا مبدا الاستغفار ة والتوبة.
- الحالة الأخيرة حيث تقول الاية(فا نطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية أستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه اجراً)
- عناصر المشهد هي الجدار الايل للسقوط.اصلاح الجدار. استنكار موسىعليه السلام.
- استنكر موسى عليه السلام بناء الجدار بدون أجر.لماذا؟لأن القانون والشرائع المطبقة على الارض تنص على دفع الاجر مقابل العمل ،وخاصة أن موقف أهل القرية وبخلهم لايدفع أي كان أن يخدمهم بدون مقابل.لكن العبد الصالح أراد إحقاق العدالة الالهية ،وليبين قانوناً الهياً،وهو أن الأنسان الصالح يؤجر ويثاب على العمل الصالح حتى في ذريته. فهنا أيتام لوالدين ماتا وهما من الصالحين .وتركوا كنزا ?فخبئ تحت هذا الجدار,الذي بناه العبد الصالح حتى لايقع تحت أيد أهل القرية لو أنهم قاموا هم ببناء الجدار، وإذا بلغ الاولاد سن الرشد هيأ الله عز وجل الاسباب ليجدوا الكنز ولينتفعوابه.
- هدأ صاحبي ورأيت على وجهه علامات الرضى ،وهو يردد الحمد لله على كل حال.الحمد لله الذي جعل لنا في القران شفاء وجعل لنا في كل قصة عبرة .والحمد لله على اسلامنا ،وتوكلنا عليه.
- -فرحت جداً بذلك وصبننا الشاي المعطر ،وقررنا معاً زيارة عائلة الطفل للتخفيف عن مصابها.

ياعزيزي حتى نلخص كامل الموضوع، فاننا نستنتج مما سبق أن العدل الآلهي في الحالات الثلاث شمل الزمن الماضي والحاضروالمستقبل.أي أن العدل الآلهي هودائم .والامر الأخر والمهم أن الله تعالى رحيم لايقبل الظلم من أحد على أحد. وعندما يعجز الانسان كفرد عن أن ينال حقوقه بنفسه أوتعجز القوانين عن أن تُحصّل له حقوقه-فعليه أن يثق بعدل الله سبحانه ورحمته.وأن يثق بميزان رب العالمين الدقيق الذي لايترك شاردة ولا واردة.وأنه على الأرض مقابل العدل يوجد الظلم ،لهذا أرسل الله الرسل والرسالات لوقف الظلم والاستبداد والفساد.وكونها دار ابتلاء فسيبقى العدل فيها نسبي وعدل السماء مطلق.
زهير قوطرش

اجمالي القراءات 47367