النظام العربي لم ولن يقدم حلاً (رسالة مفتوحة للدكتور عمرو اسماعيل)

عمر أبو رصاع في السبت ١٢ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


"العروبة هي لغة مشتركة ومصالح مشتركة لدول تعيش في نفس المنطقة .. يجب أن تتعاون في إطار الاحترام المتبادل لخصوصية كل دولة علي حدة وتنوعها الثقافي والعرقي .. واحترام مصالح كل دولة .." د.عمرو اسماعيل

العروبة هي ثقافة عمادها اللغة ، وفي كل قطر عربي هذه الثقافة لها تلونها الخاص ومقوماتها الخاصة التي يجب الحرص عليها والحفاظ عليها واتاحة الفرصة لها لتعبر عن نفسها وتثري الاطار الثقافي العربي العام وتغنيه وتفيده ، ومن الوهم أن نعتقد أن العزف على وتر التشرذم حل أبداً ، لا توجد أي دولة عربية اليوم تستطيع منفردة أن يكون لها كيان واقتصاد مستقل وقادر على المواجهة هذا محض خرافة ، إذا كانت أمم كالانجليز والالمان والفرنسيين وسائر امم أوربا أدركت أن حجمها منفردة أصغر واضعف من ان تصون استقلالها وسيادتها وتواصل نموها الاقتصادي وبناء نفسها فسعت للوحدة ، فكيف يمكن أن نقبل بدول هزيلة ترفع اعلاماً ولها سفارات وتفرش سجاداً أحمر وتقول لك الزعيم يبحث العلاقات الثنائية المشتركة مع الولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل؟!

وآخر يقول لك اتفاقية الشراكة بين بلدي وبين أوربا! شراكة النملة والفيل يعني! 

إن العمل العربي المشترك ضرورة حيوية لا مناص منها والعروبة أبدا ليست عرقاً ولا ديناً بل ثقافة عمادها اللغة العربية .
من يريد ان يرفع راية الإلغاء باسم الوحدة لن يقودنا إلا إلى المزيد من الكوارث وإلى مزابل التاريخ ، الوحدة تصنعها المصالح وليس المشاعر ، الوحدة مشروع مصلحي بالأساس ومشروع من أجل التنمية والتقدم والبناء وليس من أجل الهدم والهزم والإلغاء .

الوحدة التي نتطلع إليها تأتي بتكامل جهود دول تحررت شعوبها وآمنت بالحرية قولاً وعملاً واحترمت الاختلاف والآخر أياً كان هذا الآخر وصاغت نفسها وتكاملت معاً ليس ضداً على أحد ولا تعصباً ضد أحد بل من أجل المشاركة في مسيرة الانسان الحضارية كشعوب حرة منتجة سيدة شريكة في حضارة الانسان لا قابعة خارج قطار حضارة الانسان.

عندما يشير الدكتور عمرو وهو محق تماماً في اشارته لمشروع الإلغاء القادم من الجزيرة أنا اتفق معه في ذلك تماماً ، لكني ايضاً أسأله لماذا يا دكتور؟!
وكيف يا دكتور؟!
ومن هو الذي يتحمل المسؤولية عن ذلك ؟!
أسأله كيف انكفأ دور مصر هذه الانكفاءة الخطيرة ؟
كيف تحول الدور المصري الطليعي في العالم العربي هذا التحول الخطير؟!
أليست القيادة السياسية هي التي اختارت ذلك لمصر ؟
أليس السادات هو من تحالف مع الملك فيصل والتلمساني وأطلق العنان لهذا التوجه وهذا التأثير من أجل مكاسب سياسية خاصة آنية ضد خصومه السياسيين ودفع حياته في النهاية جزء من ثمن هذه اللعبة؟!
أليست السياسة المصرية هي التي تخلت عن دورها وتحولت من مؤثر إلى متأثر؟!
لنعرف يا دكتور أين الخلل بالضبط .

أنا مثلك تماماً منزعج جداً من هذا الانكفاء الحضاري العربي ، بدلاً من أن تكون المناطق الحضارية الرائدة والمؤثرة تاريخياً في العالم العربي هي التي تقود انقلبت الآية وصارت هي التي تقاد!!!!

إن هذا ظاهرة خطيرة في العالم العربي أن يقود الأقل تحضراً الأكثر تحضراً بحكم المال النفطي ولكن يبقى السؤال لماذا اتيحت له هذه الفرصة وكيف اتيحت؟
عندما تكلمت عن التعليم وعن التراجع المزري للحال في مصر ، لامني البعض من الزملاء واعتبروا اني أشن حملة ضد مصر ، والحقيقة أني احاول ان ابين لماذا تماماًَ وصلنا إلى هنا ولماذا أصبحت الصحراء هي من يقود في عالمنا العربي إن مسيرة النظام السياسي المصري منذ عهد الرئيس السادات إلى اليوم هي التي تتحمل المسؤولية المباشرة عن ذلك ، فهي التي كانت تدعي أن السبب في تخلف مصر هو الحرب مع اسرائيل و أن العرب هم من جروا مصر إلى الوراء فماذا فعلت بعد كامب ديفيد وحتى اليوم ؟

إلى أين قادت مصر ولماذا تقدمت معظم الدول العربية المحيطة بمصر في ارقام التنمية ؟

نعم صحيح هناك ادوار رجعية انقضت على مصر من العالم العربي لكن لأن مصر انكفأت وتخلت وتراجعت لقد كانت مصر تتقدم بوتائر اسرع من بقية الدول العربية ومركز اشعاعها الحضاري وكانت تقدم المثل والنموذج بمقاييس ذلك العصر هذا كله ضاع ؛ ليس لأن مصر انهزمت عام 67 والديل ان مصر تعيش في ظل اتفاقية سلام منذ اكثر من ثلاثة عقود بل لأنها حكمت بسياسات جاءت بنتائج سيئة بكل المقاييس.
عندما تفقد القاهرة ودمشق و بغداد دورها القيادي فنحن أمام ظاهرة استثنائية أقاليم القلب والحضارة تتراجع وتكفئ والأطراف تتقدم عليها وتتولى هي القيادة.

أيها الإخوة

نحن بحاجة لوقفة تأمل حقيقية نتجاوز فيها أمراض التعصب المقيت لعمق المشكلة من يستطيع الدفاع عن أي نظام عربي موجود الآن على الساحة؟!

نحن جميعاً وبنسب متفاوتة لكننا جميعاً فشلنا في التنمية ، للتحمل النظم العربية نتاج فشلها ولسنا بحاجة ليسوق علينا نظام فاشل منذ عقود الآن برامج للإصلاح!

فما هذا إلا ضحك على الذقون ، نظم فشلت منذ عقود بامتياز في مجالات التنمية تريد الآن ان ترقع فشلها ولا زالت مصرة أن الضحك علينا سهل !


وانها ممكن ان تتصرف بتحضر وتحمل برنامج تقدمه ، يعني بالله عليكم لنتخيل شخص يفشل في ادارة شركة بامتياز منذ عشرين عام مثلاً هل يمكن ان تتحول ادارته لادارة ناجحة فجأة؟!

ثم من الذي سيتحمل مسؤولية فشله ؟!

هل علينا ان نطبل له ونزمر ونسامح ونعفو هكذا ببساطة ناهيك عن ان نصدقه اساساً؟!

توني بلير الرئيس البريطاني يقدم استقالته كموظف خدم بلده 13 عام ثم رحل إلى بيته ، متى يكون لدينا رئيس موظف ينهي خدمته ويذهب لبيتهم وليس للمقبرة؟!

متى يكون عندنا القدرة ان نأتي برئيس وزرائنا او جمهوريتنا لنحاكمه إن اخطأ؟

متى لا يكون ابناء ملوكنا ورؤساءنا هم أحكم الناس الذين انقطع وصفهم وذكرهم؟!
أم أن العبقرية وراثة حصرية؟

متى نتخلص من ظاهرة الرعاع ممن يحترفون دور الهتيف للزعيم ورجال الزعيم وابناء الزعيم وحذاء الزعيم إن لزم الأمر؟

متى يتوقف هؤلاء عن لعبتهم السخيفة و المكشوفة التي ملها الناس نفسس البضاعة مع تغيير الغلاف ، كل متسلق انتهازي هو هتيف بالضرورة لأنه يرى أن الوسيلة ليصبح على رقاب الناس هي ان يكون حذاء في رجل الزعيم وابن الزعيم بل واحذية الزعيم!

يا دكتور عمرو الطريق إلى الحرية والسيادة طريق مصر والعالم العربي لا يمر عبر خداع الأنظمة المتواصل ، فالنظام عندما يتفق تآمرياً لمصالح انتخابية وتمرير مخططاته مع أخوان البنا لا يفعل ذلك ايماناً منه بحقهم في المشاركة إنما يعطيهم حصة من الكعكة مقابل ان يتركوه يجدد أو يمرر اتفاقية أو مرحلة سياسية كما حصل عندنا في الأردن
وعندما يقمعهم النظام فهو لا يفعل ذلك إيماناً منه بأنهم خطر على المجتمع أو حرصاً على المجتمع ونسيجه المدني بل لأن دورهم انتهى وصاروا يشكلون خطر على خططه المستقبلية ، متى نملك نظام ليس همه أن يبقى في السلطة إلى الأبد ويحدد له هدفه هذا سياسته كلها.

يا دكتور النظام العربي لم ولن يقدم حلاً على الإطلاق ، وشعوبنا وتنميتها وخلاصها تحتاج لمثقف بموقف واضح تماماً لا للإرهاب بكل اشكاله سواء كان ارهاب الدولة أو إرهاب جماعات التكفير السياسي إن أي موقف خارج هذا الإطار الواضح هو مشاركة بنوع ما أو بآخر في هذه المؤامرة على مجتمعنا الضحية التي تسن لها السكاكين ويقطع لحمها الحي من اجل المصالح واشباع النهم المتوحش.

اجمالي القراءات 12082