يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
من الإيمان إلى الإتباع إلى الطاعة

محمد صادق في السبت ٠٢ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من الإيمان إلى الإتباع إلى الطاعة

أمَر الله سبحانه الرسول محمد عليه السلام أن يبلِّغ ما أُنزل إليه من ربه ،وقصَرَ مُهمتهٌ كرسول على البلاغ  ، وحتى يتم تبليغ الرسالة كاملة بدون زيادة أونقصان فكان لا بد أن الله سبحانه يعصم رسوله من الناس حتى يتم البلاغ عن الله سبحانه كما يريد جل وعلا ويكون على من بلغه.

 يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ  بَلِّغْ  مَا أُنْزِلَ  إِلَيْكَ  مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصمُكَ منَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)  المائدة67  

(..... وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النور 54

وقد حدّد الله سبحانه لرسوله وللمؤمنين  مَا أُنْزِل بأنه آيات الله سبحانه التي نزل بها عليه جبريل عليه السلام كتاباً ليُكتَب ويُتلى ذِكراً للعالَمين ، وقرآناً ليُقرأ ويُتدبر... كتاباً وحكمةً ...لا أحاديثَ ومرويات وأكاذيب.

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ) البقرة 99

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَنْزِيلًا) الإنسان 23

وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) الحاقة 51.. فكل ما سواه ظنٌّ.      

كما شهد الرسول نفسُه بقرءآنٍ يُتلى ، لا بأحاديثَ ظنيةٍ تُروى .

 أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) الأنعام 114

أنّ هذا القرءآن هو الذي أُوحي إلي الرسول محمد عليه السلام، ليُنذر الناس به فأنظر إلى قول الرسول نفسه:

وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) الأنعام 19

الإيمـانُ

أمَـر الله سبحانه الرسول محمد عليه السلام أن يؤمن هو والمؤمنون بما أُنزل إليه من ربه .

ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة 285

شهدالله جل وعلا أنّ سببَ التفرق لمَن جاءوا مِن بعد الرسل بالكتابِ استخدامَهم العلم الذي إخترعوه أحاديثَ ومرويات بشرية. لهذا أمر الله سبحانه رسوله أن يؤمن بالكتاب المنزل فقط إذ لا إيمان بكلامٍ غيره قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ : لاَ تُؤْمِنُواْ ) وبشَّر الله سبحانه الذين ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أي بآيات الله المنزلةعليهم فقط .. بشَّرهم بأنهم من الصِدّيقينَ والشُهداءَ :

وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) الحديد 19

ومن المؤكدأن الإيمان بالله ورسله لا يَقصد به الله سبحانه مَن قال أنه يؤمن بالله ورسله ثمّ تراه يؤمن بأقوال وخرافاتٍ وأساطيرَ نُسبت إلى الرسل والأنبياء إفتراءا وكذبا وهو لا يعرف حتى الفرق بين الإيمان والإسلام ، كما هو حال الأغلبية من المسلمين البخاريين. إذ لو كان هؤلاء من الصدّيقين والشهداء لما كانوا اليوم في وضع مخذى.

فالإيمان: منءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ

الإتباع

أمَر الله سبحانه النبيَّ والمؤمنين بعد أن يُؤمنوا بما أنزل اللهُ قرءاناً يُتلى ويُقرأ وأن يتَّبعوه وأن يتدبروا آياته للعمل بها وتطبيقه على أرض الواقع. وأمَرَهم أن لا يتَّبعوا البشروبهذا يظل ارتباطُ المؤمنين بالعروة الوثقى والحجة والبرهان الربانى...آيات الله سبحانه ، لا بأقوال البشر التي تتراكم فيها الأخطاء والأكاذيب والإفتراءات على الله سبحانه ورسوله وقرءآنه.

كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون (3) الأعراف

وفى سورة الزمر تفصيل أكثر يقول سبحانه:

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌيَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَلَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَحِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ(59) (سورة الزمر 55 - 59

فقد ربط الله سبحانه الكفر بعدم اتباع آيات الله البينات وباتخاذ البشر أولياء تُتَّبع أكاذيبهم روى فلان وقال علان وقال ترتان… وبيّن سبحانه في ختام هذه الآيات سبب الكفر هو التكذيب بآيات ىالله. 

 أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ(28) ] محمد .

اتَّبَعوا أقوال الأولياء والمشايخ من البشر أكاذيب وأحاديثَ وقال فلان الله يرحمه الذى سمع من علان الله يرحمه تتداول وتُروى ، وكرهوا ما أنزل اللهُ قرآناً يتدبرويُتلى .كرهوا الهدى .. الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ..وإتبعوا ما أسخط الله.فكل ما هو غير آيات الله البينات فهو تكذيب وكفر وما أسخط الله لذلك تفرقوا وإختلفوا.

فنتيجة لهذه التفرقة إختلفوا من بعد ما تبين لهم الهدى فى الكتاب أى بمعنى أنهم قد علموا ثم كفروا بإتباعهم علم بشرى يؤدى إلى الكفر والهلاك فحدد الله سبحانه سبب التفرقة فقال:

وَمَا تَفَرَّقُواإِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) (سورة الشورى 14 - 15

وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أن سبب التفرقة هو التكذيب بآيات الله البينات وحل مكانها أقاويل وأحاديث ومرويات أكاذيب وإفتراءات على الله ورسله وكتبه السماوية لذلك قال:

إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ(92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(93) النمل91-93

فقد أمر الله سبحانه رسوله أن يؤمن بالكتاب المنزل على قلبه فقط ولا إيمان بكلام غيره لذلك أمر رسوله  فى سورة الشورى : ) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَوَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍف جاءت كلمة كتاب بالمفرد تؤكد أنه كتاب واحد لا غيره.

الطاعة

إذا تدبرنا آيات القرءآن العظيم تدبرا سليما وحسب المنهج القرءآنى، نجد أن الإتباع أشمل من الإطاعة. ولوجدنا أن معظم آيات الإتباع هى آيات مكية أما آيات الإطاعة فكلها مدنية وهذا له مفهوم أشمل نتكلم عنه فى مناسبة أخرى، ولكن على السريع اقول والله أعلم:

إذا إتبعت ما أُنزل فى القرءآن العظيم من أوامر ونواهى بعد أن آمنت بكل الكتاب ثم تم تطبيقه على أرض الواقع فأنت الآن دخلت فى دائرة الإطاعة فأصبحت مطيعا لله سبحانه فى ما أنزل ومطيعا للرسول فيما بلغ. بهذا نستطيع أن نفهم معنى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "."

لذلك كان جواب الرسول والمؤمنون شمل الإطاعة بعد سماع الآيات وتطبيقها على أرض الواقع "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ".

والآن سوف نجد ربط آيات الإتباع تليها الطاعة:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) } (سورة الأَعراف 158

فى هذه الآية الكريمة وضحت تسلسل العلاقة المبدئية وهى أولا الإيمان "فَآمِنُوا" ثم تلاها ب "اتَّبِعُوهُ" فتكون النتيجة لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". فكل ما جاء قبل لعلكم هو الوسيلة وما جاء بعدها فهو الهدف. "

إذن...إيمان ثم إتباع ... المحصلة = الهداية

ثم تأتى الخطوة التالية لتكمل المعادلة:

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) ] آلعمران .

فى هذه الخطوة جاء أولا الإتباع " فَاتَّبِعُونِي" ثم تلاها بالإطاعة " أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ".

نستنتج مما سبق المعادلة الآتية:

بعد تبليغ الرسالة "آيات الله البينات " يأتى الإيمان ...ثم الإتباع ... ثم الإطاعة " التنفيذ على أرض الواقع " = الهداية.

فى الختام:

إن الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بإتباعه جل وعلا، ولكن أمرنا أن نتبع الرسول عن طريق ما أنزل عليه وإلينا من آيات بينات " القرءآن العظيم " يتلوه الرسول ويتبعه النبى تطبيقا على أرض الواقع. فهو اتباع واحد . كما أن طاعة (الله ورسوله) طاعة واحدة ، والاستجابةَ لهما استجابة واحدة ، والتولي عنهما تولٍ واحد بحيث لا تُعرف طاعة الله إلا عبْر رسوله بما أنزل الله عليه قرءانا يُنفذ على أرض الواقع. 

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم (7) ] لقمان

صدق الله العظيم...

اجمالي القراءات 10147