د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية (2)

سامح عسكر في الخميس ٣٠ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

يقف الدكتور مراد وهبة بين حالين تقدمي ورجعي، حتى الآن يميل للرجعية نوعا..ففي مقاله بالأهرام بتاريخ 1 أغسطس 2017 قال أنه اجتمع مع الشيخ أسامة الأزهري لدراسة عقد صالون.."فلسفي"..كي يمكنهم تغيير عقلية الإرهابي بالمواكبة مع تعليمات السيد الرئيس بالمواجهة الفكرية وعدم اقتصارها على الأمن.

والدكتور مراد يبدو أنه لا يعلم من هو أسامة الأزهري؟..هذا مُحدّث به لمحة أخلاقية ، لكن عقله لا زال مُفعما بخطايا التراث التي انعكست على فتاويه بتصحيح كل أحاديث الإسلام السياسي بداية من الخلافة إلى الرجم إلى الفرقة الناجية إلى الولاء والبراء إلى قتل المرتد والجزية..وغيرها، فارق أنه يميل للنهج المؤسسي للأزهر بطاعة الحاكم..والتأثر بالفتنة الطائفية الحالية بحصر الشيعة مع الإخوان في بوتقة واحدة، وما يجري على الإخوان يجري على 400 مليون شيعي حول العالم..وأظن أن هذه رؤية الأزهري ذكرها وهبة تلميحا أنه لم يبدي عنها أي اعتراض في انتظار التفصيل.

ظاهر لقاء الدكتور مراد مع أسامة الأزهري أنهما يتفقان على ضرورة خوض صراع طائفي مع الإخوان والشيعة معا، أما الباطن فلربما لم يُحسنا من إخراج هذا المؤتمر أو مقاله بشكل جيد يزيل هذا الغموض..بيد أنني أثق تمام الثقة في تسامح كلاهما، فالدكتور غني عن التعريف بتسامحه..ولم أقرأ لأسامة الأزهري بُعدا عنصريا..لكن حصرهم مذهب إسلامي كامل وملايين المنتسبين له مع تنظيم الإخوان لهو مجازفة كبيرة تنطوي عليها نتائج مخيفة.

بادئ ذي بدء هناك محطات يجب التوقف عندها:

أولا: الشيخ أسامة الأزهري من أهل الحديث..أي لا ينتمي للغة العقل الفلسفية التي يريد الدكتور مراد وهبه جذبه إليها ، فالمنطقة التي يقف فيها الدكتور مختلفة تماما عن منطقة أسامة..وهذا يلزمه تحرير المصطلحات أولا قبل الجلوس، أو التفاهم حول مصير مشترك يجمعهم إذا فشلوا في إقناع أي منهم بوجهة نظر الآخر.

الدكتور مراد ربما لم ينخرط في علم الحديث بما فيه الكفاية، هذا اتجاه قائم على التلقي والقبول النصي بمجرد السند، ودور العقل فقط داخل علوم الجرح والتعديل..حتى علم الدراية الحديثي أهمله المحدثون المعاصرون والشيخ أسامة منهم..أي لا فرصة للالتقاء الفكري أبدا..وهذا يفسر أنه وبعد 4 أشهر من عقد هذا اللقاء والتبشير بمؤتمرات أن لا نجد أي تقارب..فعلاما إذن كتب الدكتور وهبة مبشرا بمواجهة فكرية مع الإرهاب، إذا كان حليفك هو خصم فكيف تخوض معركة تعاني جبهتك فيها من التفكك؟

الإرهاب كما أوضح مليون مرة إسلام بحيري وغيره..وهنا كتبنا مئات المقالات و9 كتب وعدة لقاءات تلفزيونية يعيش على (التراث) بأجزائه الحديث والفقه والتفسير والفتاوى..هذا شكّل عقلية الأمة منذ قرون ، وفكرة القضاء على كل ذلك بلقاء فلسفي هو ضرب من (الوهم) وإذا كان متعمدا لغاية ما فهو نوع من (الخداع والجهل) إذ كيف يقوم الأزهري بدعم رؤية دكتور مراد الفلسفية وهو لم يتحرر بعد من التقليد وحل إشكاليات العقل مع النقل؟..هذا يحتاج لشروح إذا ما قدر لهم أن يجتمعوا، فمناقشة عابد الجابري لهذا التراث غنية..وردود طرابيشي عليه تزيد الأفق اتساعا.

ثانيا: التشيع ليس جماعة أو تنظيم يدعو لسيادة العالم، هذا شعور عاطفي بالولاء وحب آل البيت وما يتبعه من كراهية لخصومهم، فهو إذن مذهب (عاطفي) وليس (غرضي) كما هو الحال مع تنظيم الإخوان، فالأول يمكنه التعايش إذا ما لم تحاربه في عاطفته، أما الثاني فطموحه أسبق بالعدوان..وإرادة السيطرة فيه أسبق من التواضع، والانكفاء فيه ممنوع مذموم..إنك يمكن أن تتعامل مع شيعي دون يمسك بأذى ما دمت تحترم قناعاته بولاية آل البيت، أما الإخوان فلا ..هؤلاء طموحهم أسبق بالخلافة والأستاذية والشريعة، ونبذهم ليست دعوة لحربهم فمنهم مدنيون مسالمون.

أقول هذا كي ينتبه الدكتور مراد مع من يتكلم، هذا يتحدث مع شاب صغير السن.. قليل الخبرة ، وينتمي فكريا وماليا ووجدانيا لمؤسسة (سلطانية) وهي الأزهر، فلو كانت مصر في حلف سعودي ضد إيران والشيعة..فإذن يجري تفسير كل شئ وفق تلك المواجهة وحسب طبيعة الحلف ، هنا تورط سياسي وقع فيه الدكتور وهبة على الأقل كان يبدي تحفظا بالخلط أو أن يشرح دعوى الخوميني وتاريخه بأسلوب موضوعي غير منحاز، وأحسب هنا في هذا السياق أن تناول ثورة إيران حسب نتائجها يسهل الأمور أكثر على الباحث، وفي تقديري أن أسامة الأزهري لو يعلم دور حرب العراق وإيران في تثبيت دعائم حكم الخوميني - بعد مشاكل عديدة تعرض لها- ما قال هذا الكلام.

الشئ المشترك الذي يجمع الإخوان بالشيعة هو .."الإسلام السياسي"..مع الفارق بين مسمييه الخلافة والإمامة، ليس مجرد خلاف في المسمى فقط.. بل اختلاف في الطبيعة ونسق كلا الأمرين ووسائل كل منهم، وعلاقتهم بالآخر..أشياء كثيرة كان يجب على الأزهري ووهبة التحدث فيها قبل إطلاق هذا التعميم..مع العلم أن أسامة الأزهري يؤمن هو الآخر.."بالإسلام السياسي"..فالخليفة القُرَشي والمهدوية أصول سياسية عند الأشاعرة، وقد فصلها .."أبو الحسن المواردي"..الأشعري في كتابه .."الأحكام السلطانية"..الذي يُعد أول كتاب سياسي من نوعه في الفكر الإسلامي السني.

ثالثا: مسألة التقاء الفيلسوف مع المتدين يلزمه تعيين نسق كلٍ منهم أولا، فالواضح أن الدكتور مراد ينتمي للمدرسة الحداثية التقدمية..وهذه أدواتها تحليلية تجريبية، وهي مدرسة لا تلتقي مع الفكر الديني، بينما الشيخ أسامة ينتمي لمدرسة أهل الحديث..وهذه أدواتها نصوص وأحكام، كذلك فهي مدرسة لا تلتقي مع الحداثة بشئ اللهم إلا مصالح قد تجمع الطرفين معا..وهذا تفسيري الشخصي أن المصلحة فقط هي التي جمعت بين الرأيين - مراد وأسامة – في دعم خط الرئيس ودولة مع بعد يونيو.

أي لو كانت مثل هذه المؤاتمرات تهدف لدعم الرئيس شعبيا ونخبويا ستكون أوضح، أما لو كانت بعنوان.."التنوير وتحدياته"..فينبغي لكل منهم مناقشة الآخر وتقريب وجهات النظر معه قبل الإعلان، فعقل الشيخ أسامة بالذات تراثي لا يقبل مناقشة أي جزئية في دينه..أو التدين بشكل عام إلا إذا وافقت خطه المرسوم له في المذهب من نواحي الاتصال، فأسامة الأزهري لديه قاعدة لا بأس لها من التأويل الذي يمكنه من التواصل مع عقول فلسفية، لكن في النهاية محكوم بخط نهائي لا يحيد عنه ممثلا في قدسية أشخاص وكتب كالبخاري ومسلم والأئمة الأربعة، وبالتالي على من يريد معالجة فكر الإرهابي أن يستعين بمن هم داخل نسقه الفكري لكن لديهم قبول للتنازل ورفع القدسية والعصمة عن الأشخاص.

غاية أي حوار بين الأزهري والإرهابي سيكون في معضلة الدين والسياسة التي لم تُفصّل بشكل مقبول في الفكر السني، بيد أن كل منهم يفتقر للقاعدة والمرجعية الفكرية ذات الملمح السياسي، سيضطروا للانحياز إلى مذاهبهم الدينية في الأخير وزعاماتهم كرد فعل يميزهم، والمُلاحظ أن هذا يحدث في المناظرات العبثية التي تجري الآن في الإعلام المصري، كل منهم يفتقر لمرجعية فكرية لمادة النقاش ، في الأخير ينحازون إلى مذاهبهم وطُرق تناولهم لنفس المادة.. فتعلو أصواتهم وينتهي لقائهم بالشجار.

الدين في الأخير قضية شخصية يجب التفريق فيها بين الدين كونه ممارسة وبين كونه وظيفة، وما دام هو قضية شخصية إذن هو ممارسة سلوكية لا تعتمد جهة بعينها تنقله كوظيفة، وهذا استشكالي على الدكتور مراد وهبه أنه يتحالف – أو يتعاون – مع شيوخ ممثلين لمؤسسة دينية مهمتها الأولى نقل الدين من كونه سلوك إلى كونه وظيفة لغرض ما ، على الأقل لو بقي الأزهر كما نشأ (مؤسسة علمية) ما لامه أحد، لكن للأزهر عبر التاريخ - وإلى الآن- أدوار سياسية يقوم بها خدمة لنفسه فحسب، أي لا يمكن للأزهر أن يطمئن لمعارضة إصلاحية ومثقفين وفلاسفة أخذوا عليه مسلك جنوحه إلى السلطة، سينظر إليهم فورا كخونة وأعداء باعتبارهم مصدر للخطر عليه إذا ما قرر ولي أمرهم الانتقام.

إن هذا التحالف في الأخير يُنتج كيانا لا يؤمن بالحداثة كون الطرفين يعملان لمصلحة مستبد أولا، ولأنهما اجتمعا بغرض المواجهة الدينية ثانيا، وكذلك لعدم تحريرهم المشكلات الفكرية بينهم قبل الاجتماع ، فغاية ما حدث أن الأزهر استخدم اسم الدكتور مراد في تحويل الدين كوظيفة تخدم الحاكم، وليس مجرد سلوك شخصي كما هو مفترض، وهذه هي الآفة الكبرى لتلك المؤتمرات أن القائمين عليها تجمعهم الكراهية والانتقام قبل التعايش والاحتواء.

 
 
اجمالي القراءات 8022