هل الرسول كان موكل لبيان القرآن للناس ؟
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ 44 النحل ]

ابراهيم احمد في السبت ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يتردد دائماً عند السلفيين و أصحاب المذهب السني قول الله تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ويعتبرونها حجة على أتباع وحي أخر موجود مع القراءن ،  فقالوا ان الذكر هو القراءن وبيانه هو للأحاديث ، وهذا الأنحراف وتحريف في المعنى وقطع الأية عن سياقها ليس فقط في السياق انما قطع الأية نفسها وهذا هو اسوء واخبث وسيلة يحترفها المحمدييون  في تلاعب بأيات الله  حينما يريدون تشريع أمر وفق هواهم ووفق مصالحهم الشخصية ،  اذ أن الأية نفسها  أتت لكي تعالج قضية انحراف اهل الكتاب لما قد تسببوا به في تحريف ايات الله وتبديلها ، فيأتي اليوم أتباع السلف والفتوحات  ليقعوا في نفس الظلم و يكروا نفس الخطيئة وهي التلاعب بايات الله على حساب الهوى وشراء بايات الله ثمناً قليلاً على حساب تلك المرويات و الأحاديث التي قاموا بتأليفها و يؤمنون بها  وفقاً لهواهم  ، ويتخذوا من تلك الأية مبرراً  وحجة على مايؤمنون به   ، فلم ينجحوا في تحريف آيات الله فالجئوا إلى وسيلة تقطيع الأيات  وعدم احترام  لا في معاني مفردات القراءن الخاصة ولا حتى أحتراماً للسياق الذي ذكرت فيه الأية .

ولنتعرف الأن على المعنى الصحيح في الأية .. ونبدأ بذكر قول الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ 44 النحل ] 

معنى [ البيان ] من خلال القراءن .. البيان في القراءن هو بمعنى الأظهار او الأبلاغ  وهو عكس الكتمان و الأخفاء.. فالله تعالى حين انزل القرآن الكريم انزله لكي  يحل الخلاف بين أهل الكتاب ورسالتهم التي أخفوا الحق منها ودلسوا عليها بالباطل ولذي تكرر تحذير لله لهم بقوله تعالى

{وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}  [ البقرة 41 ] 

وقال سبحانه  {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [ البقرة 146]

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} [البقرة 159]

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة 174]

وبذلك قال تعالى لهم {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (155) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة 15]

فا هاهي الأية تشرح معنى البيان فايقول سيحانه [قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ]

اذاً فالبيان كما قلنا هو عكس الكتمان والأخفاء ،  اَي أن الرسول كان موكل أن يبين ويظهر الحق لهم بعد أن دلسوا الحق بالباطل

ولعجيب أن الله تعالى اثبت كذلك في نفس الأية الأخيرة أن القران كتاب مبين بقوله [قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ] فاكيف سوف يُبين الرسول القران ولله يقول انه مبين ؟!

وعلى هذا يقول الله تعالى للرسول {‫وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ‬} اَي لتبلغ من خلال هذا القراءن وتؤكد  وتوضح من خلاله على ما سبق انزاله على أهل الكتاب  وتحل الخلاف ما وقعوا فيه جراء تحريفهم ، وهذا مصداقاً لقول الله سبحانه عن القرآن الكريم { إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النمل 76]  وقوله تعالى{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [ المائدة 48 ]  وبنهاية  فلم يقل الله ( وأنزلنا اليك السنة لتبين للناس ما في القران ) 

والمفترض أن من يؤمن بالقراءن أن يحترم آيات الله فيه و أن يستفيد من هذه القصص  وهذه المواقف ليأخذ منها العبرة لا لأن يتلاعب فيها على حساب اقوال بشرية لم ينزل بها الله من سلطان .. والموقف المستفاد هنا هو ان الله قد بين لنا  كيف أن أهل الكتاب قد عانو الأختلاف والشقاق بينهم نتيجة تلاعبهم بأيات الله وفق هواهم  ، وعليه فالأمر ينطبق على المحمديين و سائر أهل المذاهب جميعاً الذين هم في شقاق وصراع دائم إلى اليوم ، الذين ينطبق فيهم قول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [ البقرة 174] ودائماً صدق الله العظيم .

اجمالي القراءات 29140