الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية بمصر

سامح عسكر في الإثنين ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

على طريقة تاجر الفاكهة في السوق اللي بضاعته فاسدة ، وعلشان يبيع يقوم يفرز السليم ويطلعه فوق ويحط الفاسد تحت، وبعدين يأجر مجموعة (هتيفة) ينادوا على البضاعة بصوت عالي

هذه طريقة النظام المصري في معالجة أزمة الدولة الاقتصادية، يقوم بوضع فساده تحت الترابيزة ويسجن أي شخص يقوله إنت غلطان أو البلد تقع..وبعدين يأجر هتيفة وكدابين زفة لتلميعه في الإعلام..(وخلي بالك الإعلام ..لأن الرجل فاقد التواصل المباشر مع الجماهير)..!

حل الأزمة الاقتصادية هي في نفس الأخطاء والفساد الذي حرص النظام على تغطيتهم الفترة الماضية، وأجملهم في ستة حلول لا غنى عنها:

أولا: سد الأزمة الغذائية بتقليل الاستيراد..مصر تستورد كل شئ تقريبا والزراعة فيها لا تكفي 20% من احتياجات السكان..ودعم الزراعة من الموازنة العامة فقط مليار جنيه، أي يمثل 1/ 1000 من الموازنة العامة المعلنة في شهر مايو الماضي، رقم يمثل فضيحة بكل المقاييس، وهذا يعني أن أول حلول الأزمة الاقتصادية هو التوسع في الإنتاج الزراعي ودعم الفلاحين..لكن بمشاريع مدروسة وإنكار ذات وتعاون من كل فئات الشعب..أما اللي بيحصل دلوقتي مهزلة عنوانها الأول بحث الرئيس عن إنجاز سريع ولو كاذب....

ومن لم يعتبر بمشروع المليون نص فدان فلن يعتبر، هذا المشروع اللي كلمة (فنكوش) قليلة عليه باعتراف لجنة الزراعة في البرلمان اللي صرحت بعجز المشروع عن تدبير مياه أكثر 70% من المخطط له، وخسارة محاصيل كثيرة أهمها القمح.

ثانيا: عدم تدخل الجيش في الاقتصاد ..وتقليل سطوة الدولة على الإعلام والأجهزة الرقابية..لأن هذا سبب (تطفيش المستثمرين) ويعني إن الحل الثاني هو جذب الاستثمار (بشروطه) اللي منها توفير عامل الثقة والأمان ..كلمة مصر تحارب الإرهاب هذه كلمة خطيرة تضيع على مصر مليارات من أموال المستثمرين والسُيّاح..والنظام مضطر يرفع هذه الفزاعة لأغراض الحشد والبقاء على الكرسي فقط..

كتير من دول العالم فيها إرهاب لكن أغلبها لا ترفع هذا النداء، وفرنسا اللي مات لها ما يقرب من 700 مواطن لم تدعي إنها في خطر..

ثالثا: التوسع في بناء المصانع ولو بأموال الدولة..لكن المشكلة المصنع هايصنع إيه؟..لازم تنمية قطاع الموارد الممثل في التعدين والطاقة – خصوصا الغاز- والزراعة عشان تعرف تعمل مصانع وتشتغل..بينما هذا الجانب لا يجد اهتمام كافي لأن الدكتاتور مش فاضي..كل همه يعمل كوبري ونفق زي ما عمل مبارك، وكأن مبارك هو القدوة أو تقدمنا على إيديه..!

رابعا: سياسة القروض الآن وأنت منهك اقتصاديا وتصنيفك الائتماني منخفض يعني شروط زيادة على القروض لقلق أصحاب المال، يعني تخفف من القروض الآن بالذات، وتعتمد أكثر على زيادة مواردك بإدارة ناجحة تفهم اقتصاد مش أمن، أنت في مشكلة اقتصادية أكثر من أمنية، يبقى لازم تبقى مشكلة الاقتصاد أمن قومي فوق تحديات الإرهاب.

ومختصر ذلك هو الحد من الاقتراض أو منعه بالمجمل لحين تسديد اللي فات، والهدف انك ماتخسرش فلوس مفروضة عليك لوضعك المتأزم، وبدل ما تدفع 20 ادفع 10 خصوصا وإن أكثرية القروض التي يتعاقد عليها النظام قصيرة الأجل يعني فوائدها مرتفعة..أكثر من 380 مليار جنيه فوائد ديون فقط هذا العام بنسبة 35% من الموازنة العامة، هذا الرقم ليس فقط كبير..ولكنه (خطير)..

خامسا: تقليل سعر الفائدة خصوصا على الإقراض لأنه يؤثر في حركة السوق ، والشروط التعجيرية للقرض تدفع السوق للجمود، وكمان لمساعدة الحكومة في الاقتراض من البنوك، الدين الداخلي فقط تجاوز 90% من الناتج المحلي (ربعه) على الأقل آخر سنتين اللي بدأت فيها الدولة ترفع سعر الفائدة على مراحل...

رفع سعر الفائدة كان من شروط البنك الدولي، لكن هذا لا يناسب مصر (الغير منتجة) فالرفع يضر بحركة السوق إضافة لزيادة أعباء الديون ولا يتناسب مع بيروقراطية الدولة..، ونصيحة لا تستمعوا لتوقعات البنك فهو يريد مصلحته فقط، وإجراءات القروض شغالة من 3 سنين..ومع ذلك الوضع يزداد سوء رغم تصريحات مسئولي البنك التفاؤلية..(هايلبسك في الحيط)

تقليل سعر الفائدة هيساعد قطاع الصناعة على العودة بقروض مُيسرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة لإحياء قطاع المنسوجات بعد أزمة القطن المصري، وهذا لن يحدث إلا بتعليم فني متطور تستفيد به مصر من الخبرات الأجنبية، وفرصة حقيقية لمصر بعد تحرير سعر الصرف أن تنفق على قطاع الصناعة هذا الكثير سيتيح لمصر زيادة صادراتها بأرقام خيالة وطفرة مالية لم تحدث من قبل.

سادسا: تخفيض نسبة الجيش والشرطة من الموازنة العامة، فالثابت أنها هذه النسبة لغز تحرص الدولة على عدم الإفصاح به، ولقاء الدكتور حازم الببلاوي عام 2011 (وزير المالية وقتها) بالبنك الدولي شاهد، حيث أقر أن بعض بنود الميزانية (مخفية عن المواطنين) وأن المعلن فقط هو المختص بقطاع الخدمات والأجهزة الإدارية، وميزانتيه لم تصرح عن حصة الجيش.

المهم: توجد أقوال أنها تصل ما بين 40 إلى 70% من الموازنة تقريبا، وهذا رقم كبيرا جدا يلتهم موارد الدولة في قطاع عسكري (غير مُنتِج) خصوصا وأنه غير خاضع للرقابة، يعني الفساد والسرقة والإهمال فيه كبير دون أي فرصة علاج، هم يقولون أن النسبة أقل من ذلك..ولكن في عدم وجود شفافية وأدوات رقابة تخرج تصريحات مسئولي الدولة (مستهترة).

ثم العبرة ليست في إحداث نمو اقتصادي سريع بل العبرة في (تنمية شاملة) و (إصلاح سياسي) يحاربات الفساد والبيروقراطية، فالفساد لوحده حوت يلتهم أي نمو، بينما الاستبداد بالحكم يعزز البيروقراطية ويمهد أرض خصبة للفساد بمراكز قوى، نفس مشكلة عبدالناصر اللي كافحها السادات بعد ذلك، ونفس مشكلة مبارك اللي كافحناها بعد ثورة يناير..لم يتعظ منها السيسي ويمارسها بالحرف، فالثابت أن هذه الحقبة تخلق مراكز قوى أكثر مما كان في عهدي مبارك وناصر معا..

وللعلم مصر تحتاج نسبة نمو أكثر من 5% على الأقل لأعوام طويلة لا تقل عن 10 سنوات تكون بعدها مؤهلة لإحداث تنمية شاملة، وعشان يكون كلامي بأدلة هذا عين ما حدث مع دول البريكس، ركزوا أولا على التنمية الشاملة والإصلاح السياسي وتفعيل أدوات الرقابة ونسبة نمو ثابتة بأجل طويل..علاوة على فض تحالف المال والعسكر اللي كان منتشر في أغلب هذه الدول، ومصر تمر بنفس التجربة، هناك تحالف بين المال والجيش..وهذه هي الكارثة على الاقتصاد.,.

صحيح الفساد موجود منذ عهد الملكية ولست من الذين يصدقون بأن الفساد ولد مع حكم الجيش، لكن خُدعنا مرات كثيرة، كل رئيس يأتي بشعارات مكافحة الفساد ثم نُفاجأ بارتفاع نسبة الفساد في عهده..أكيد هناك شئ خطأ..هذا الشئ نكابر عن الاعتراف به وهو أننا لسنا دولة ديمقراطية عادلة، وأن الحل الوحيد لمكافحة الفساد هي (دولة الرُشد والعدل) وهي مستحيل تحقيقها تحت وطأة الاستبداد وأحادية الأفكار..

أخيرا: حل المشكلة الاقتصادية بمصر هو بتقديم ذوي الكفاءة وليس ذوي الثقة، فالاعتماد على الثقات في أجواء أمنية يعني إهمال بقية صنوف الأمن الأخرى كالأمن الغذائي والوظيفي والشخصي..بل ربما يطول ذلك الأمن المعرفي فتضمحل الدولة ويكثر فيها الجهل وينتشر الفساد، فالمعرفة شرط لبناء الدول، ولم يحدث في التاريخ أن قامت دولة ونهضت بدون معرفة أو إعطاء الحق في المعرفة.

أحسب أن الدولة تريد أن تسيطر على كل شئ بعد تأميمها الإعلام والسياسة والتشريع، بل انعدمت أدوات الرقابة بفعل تمدد السلطة، وهذا له تأثير مباشر على العدالة والمساواة التي تخلق فرص لظهور الكفاءات.

يعني باختصار شديد لن توجد كفاءات في ظل نظام أمني يعتمد فقط وسيلة واحدة لا يعرف غيرها، وعلى المسئولين الانتباه أن ازدهار الدولة لا ينبغي أن يقوم على أكتاف الفقراء، فمهمة الدولة هي الفقير أولا..وبدون إحساس الفقير بالتطور الإيجابي وشعوره بالتحسن لن يكون هناك إصلاح..حتى لو أتينا بملء الأرض ذهبا وتقارير دولية ومحلية تقول بالتحسن..الفقير هو من يحكم بذلك وليس ذوي الكرافتات الشيك وأصحاب الملايين وراء الشاشات..

اجمالي القراءات 7958