كيف تتم صناعة الإرهاب الديني و كيف نتخلص منه ؟
كيف تتم صناعة الإرهاب الديني و كيف نتخلص منه ؟

أسامة قفيشة في الجمعة ٠٣ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كيف تتم صناعة الإرهاب الديني و كيف نتخلص منه ؟

دون أي مقدمات ,

الإرهاب هو ايدولوجيا فكرية , يعتمد على عقيدة فكرية صلبه و متطرفة ( إن لم تكن معنا فأنت عدونا ) , و يعمل هذا الإرهاب على استباحة الحقوق البشرية و إراقة الدم باستحلاله و إخراج من يخالفه بالفكر أو الدين خارج الدائرة الإنسانية المكفولة للجميع , و تتعدد أوجه هذا الإرهاب و تتباين فيما بينها ,

و من أخطر أوجهه ( الإرهاب الديني ) , الذي ينطلق من دافع الدين , و يكون الدين مرجعه , هذا النوع هو ( تشوه ايدولوجي ) في حقيقته , لأن الأديان في أصلها لا تطرف فيها و لا إرهاب  ,  

لذا فهو يعتمد على الوعي الزائف بتفسير زائف يصنعه أصحابه و مؤسسيه , بناءاً على فهمهم المغلوط و الخاطئ , و طريقة تعاطيهم السطحية مع النص الديني بطريقه متعمده أو غير متعمده , و طريقة تفكيرهم تلك تسوقهم نحو وعيٍ سُفليٍ وضيع يتنافى مع كل الأخلاقيات ,

يدفعهم هذا التصور إلى فرض أفكارهم و آرائهم على جميع أفراد المجتمع و لو بالإكراه من أجل الهيمنة على كل شيء ,

تلك الايدولوجيا الدينية تحدد سلوكهم الاجتماعي و السياسي على حدٍ سواء , فيستغلون شعار الدين في إضفاء الشرعية على سلوكهم قولاً و فعلاً ,

و يلجئون للقوة في تحقيق ما يسعون له من خلال اعتمادهم على قاعدتهم الشعبية الجماهيرية و النص الديني المغلوط الذي صنعوه , مستغلين أفرادها الذين سيطروا عليهم بفكرهم المتطرف المغلوط ,

هذا النوع من الإرهاب و الايدولوجيا الدينية المشوهة يعتبر الأخطر , كونه فكراً ديناميكياً أي غير ثابت ثباتاً مطلقاً , فنلاحظ بأن هذا النوع ينشأ منه و ينبثق عدة جماعات و مسميات مرجعها واحد و لكنها تتباين فيما بينها في كيفية تعاطيها أو تنفيذها أو نهجها في فهم و إدراك النص الديني , فتتشكل الأحزاب و الحركات و الطوائف الدينية , فمنها من يتشدد و منها من يزداد تشددا و هكذا , فهي في حالة نمو دائم لا يتوقف و تشهد تحولات سطحية فتراها تختفي حيناً ثم تظهر من جديد بوجهٍ جديد , فهي كما الحرباء تتلون و كما الثعابين تغير جلدها و تحافظ على جوهرها ,

فهو يتماشى مع الأوضاع و يتكيف معها دون تغير جذري جوهري , و هذا التشوه الفكري قابل للتغيير و التبديل السطحي فقط كما قلنا وفقاً لكل طارئ يطرأ على المجتمع من أوضاعٍ و مصالح سياسيه تتطلب هذا التغير البسيط في الشكل دون الجوهر , فيستمر هذا الفكر في تواجده و يساعد ذلك بالمد في حياته ,

فطبيعة الإنسان تفرض عليه طبيعة تفكيره و ذلك لأن التفكير جزء أصيل في وجوده , و تلك حقيقةٌ واقعية لا يمكن إنكارها , ولكن هذا الاعتقاد يمكن له أن يتطور و يتقدم نحو الأفضل بشرط أن يأتي هذا التطور من داخل الإنسان نفسه , بأن يبدأ التطور في رسم و تشكيل القيم الإنسانية العليا التي يشتق منها السلوك ,

آخذين بعين الاعتبار أنه في زماننا هذا المنفتح على بعضه البعض بضرورة عدم إمكان الجميع من العيش على نسقٍ واحد و مبدأ فكري واحد , و بأن هذا الأمر يعد كابحاً للنمو و التطور , فتعدد الأفكار و المبادئ هو شيء إيجابي إن تم السيطرة عليه في دائرة المبادئ و القيم الإنسانية و الحقوق البشرية في حفظها و عدم تجاوزها ,

فالحياة ليست واقعاً مادياً مجرداً عن الواقع الاجتماعي و الروحي و النفسي , فيجب علينا حفظ التطلعات و الآمال و الرؤى الجماعية و الفردية و العمل على توحيدها ضمن قواسمها الإنسانية المشتركة بتشكيل الوعي و الإدراك الحقيقي من خلال التفكر و النظر بعمق في مبادئ و أركان تلك الايدولوجيات ,

و الايدولوجيا الدينية تحديدا هي مجموعة تشوهات فكرية كما قلنا , لها وسيط مشترك فيما بينها , و يجمعها جميعا تلك الحقائق الدينية ( بعقيدتها و سلوكها الاجتماعي و النفسي و الروحاني ) , تلك الحقائق الدينية التي عمدوا على تشويهها أدت لتشويه الواقع بأخطائها القاتلة , هذا التشويه المتعمد أو الغير متعمد لا زال يظهر بعضاً من تلك الحقائق على الرغم من طمسه لها ,

المشكلة الحقيقية لا تكمن برموز و قادة تلك الجماعات أو بأفرادها و عناصرها الهيكلية و الشعبية , بل تكمن المشكلة في المراجع الفكرية التي يستمد منها الجميع مفاهيمه الفكرية التي تحدد سلوكه العملي تجاه مجتمعه و تجاه البعض الآخر الذي يخالفه ,

و لمواجهة هذا التشوه الفكري يتطلب الأمر محاربة الفكر نفسه كي نلامس تغيراً جوهرياً حقيقي , و تلك المواجهة تعتمد في نجاحها على قدرتها بالإحاطة بكل الحقائق من أجل كشف زيفها و انحرافها و وضعها و صياغتها بصيغة جديدة تمتثل لأصل الدين و عقائده الثابتة ,

و العنصر القادر على هذا لا بد له من دراية عالية و واسعة في هذا المجال و لا بد أن لا يكون غريباً عن تلك الجماعات بل من داخلها البيئي كي يحظى بالقبول , و كي تكون له القدرة و الفاعلية في هدم معتقداتهم الفاسدة بتقديم خريطة شاملة للواقع الحقيقي تكون محوراً لخلق الوعي الجماعي و الفكر السليم دون أي تشوهات , و الاستفادة من الفكر الديني الحقيقي كأداة تحليلية ترسم بها سلوكيات الأفراد كي يعبّروا بها عن جوهرهم الداخلي و سماتهم الإنسانية و لا تبقى تلك المعتقدات مجرد إدعاءات و شعارات تخالف سلوكهم , بل يجب أن تنعكس على واقعهم العملي فتتطابق كل المفاهيم و المبادئ الفكرية الداخلية لتنسجم مع السلوك الخارجي ,

و هذا يتطلب أيضاً دراسة الواقع بالبحث و التدقيق في أصل تلك الايدولوجيات و وضع البدائل المتاحة لتتوافق مع التطور الاجتماعي بشرط أن تنعكس تلك البدائل في نتائجها على حفظ الحقوق الإنسانية و البشرية بشكل ايجابي ,

و لتغير تلك المراجع الدينية المنحرفة عن أصل الدين , يجب وضع مراجع دينية معتدلة تكن متماسكة منطقياً و تحفظ الحقوق و تلتزم بالواجبات , على أن تتوفر في واضعي تلك المراجع ملكه فكرية متماسكة قادرةٌ على الإدراك الفكري السليم و القوي ,

و في الختام نقول بأنه لا يمكن محاربة تلك الايدولوجيا الدينية المشوه إلا من خلال الفكر السليم و التوعية , لا من خلال القوة و الهيمنة , فالقوة و الإكراه لا يجدي نفعاً مع تلك الجماعات لأنه لا يعالج الجوهر بل يساهم في حياتها و ديمومتها لأنه لا يغير سوى شكلها الخارجي ,

و لأن التغير يجب أن يتم من الداخل و يركز على جوهره الفكري كي يستقيم سلوكه . 

اجمالي القراءات 8522