يا رب أدخلني الجنة بغير حساب !
يا رب أدخلني الجنة بغير حساب !

أسامة قفيشة في الأربعاء ٠١ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يا رب أدخلني الجنة بغير حساب !

هي دعوةٌ تتردد و نسمعها كثيرا , تلك هي أمانيّهم ,

يخالفون فيها أمر الله جل وعلا , فيطلبون منه أن لا يحاسبهم , فيتوهمون و يوهمون الناس بأنه من الممكن تفاديهم لحساب الله جل وعلا بدعوتهم تلك , و يعتقدون بأن دعوتهم يمكن بأن يستجاب لها و تتحقق , هذا الظن هو ظن سوءٍ لأنه طلبٌ محال يخالف أمراً حتمياً لا مفر منه ,

يا ليتهم يطلبون الجنة بحسابهم حساباً يسيرا , بل يشترطون على الله جل وعلا بأن يدخلوها بغير حساب , فمن أنت أيه الداعي كي تطلب هذا الأمر ! و كيف تتجرأ بمخالفة أمرٍ حتميٍ من حتميات الآخرة !

من يظن هذا الظن الآثم كان ممن يكذب بآيات الله جل وعلا التي تبين لنا بأن جميع الخلق محاسبين بما فيهم الأنبياء و المرسلين , و لا يمكن لأحدٍ من تجاوز الحساب أو الفرار منه ,

فقال جل وعلا ( إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا* وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا* فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا ) 27-30 النبأ .

بل علينا أن نحسن الظن و الرجاء فقال سبحانه (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ) 19-20 الحاقة , و علينا الطلب و الرجاء من الله جل وعلا بأن يكون حسابنا يسيرا ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) 7-8 الانشقاق .

فهلا زلت أيه الضعيف العنيد معتقداً بأن دعوتك تلك يمكن بأن تستجاب ؟ متنكراً بها لأمر الله عز و جل و متجاهلاً لقوله و وعده (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) 26 الغاشية .

يتردد قوله جل وعلا بأنه سبحانه و تعالى ( سريع الحساب ) , مع علمنا بأن الحساب سيكون شاملاً و لن يغادر صغيرةً و لا كبيرة !

و بأن حساب الكافرين سيكون عسراً ( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ) 26 الفرقان , أي غير يسير ( عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) 10 المدثر ,

فكيف نفهم بأن الله سريع الحساب !

حيث أنه جل و علا يخبرنا بأنه سريع الحساب للمؤمنين الذين سيكون حسابهم يسيرا , و كذلك الأمر نجده جل وعلا بأنه سريع الحساب للكافرين الذين سيكون حسابهم عسيرا ,

فقال جل وعلا في حديثه عن حساب المؤمنين (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) 199 آل عمران ,

و قال أيضاً في حديثه عن حساب الكافرين (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) 19 آل عمران ,     

فسريع الحساب لا تعني مدة و فترة حساب المرء , بمعنى المدة التي سيستغرقها المرء في حسابه الذي سيحاسبه به الله جل وعلا يوم القيامة ( يوم الحساب ) ,

بل المراد بسريع الحساب هو سرعة اقتراب الحساب من كل فرد , فلو نظرنا لحياة الفرد منذ ولادته لمماته , أي لفترة حياته الدنيوية نلاحظ بأنها قصيرةٌ و سريعةٌ للغاية , ثم يأتيه الموت و ينعدم الزمن , ثم يبعثه الله جل وعلا للحساب ,

فالحساب قريبٌ جدا من كل نفس , و الحد الفاصل بين وجود النفس و حسابها يوم القيامة هو مقدار ما تعيشه النفس بجسدها من أعوام قليله ,

فسريع الحساب = ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ) 1 الأنبياء ,

هذا ما يستدل عليه بسريع الحساب أي سرعة اقترابه من الناس جميعاً ( مؤمنهم و كافرهم ) ,

و هذا هو المفهوم أيضاً من قوله جل و علا ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ) 40 النبأ .

و لا نجد أروع و لا أجمل من قوله جل وعلا في تشبيه قرب الحساب و سرعته , في قوله سبحانه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) 39 النور ,

فحياة الإنسان و ما يقدمه فيها من أعمالٍ و أفعال هي قصيرةٌ جداً , فإن كان من الذين آمنوا فأعماله باقية موجودة , و إن كان من الذين كفروا فأعماله زائلة لا وجود لها ,

و فترة حياته العملية ( من 50 – 60 سنه على أحسن تقدير ) تم تشبيهها بالفترة التي يستغرقها الظمآن في الوصول إلى الماء , و هي بالعادة تكون قصيرةٌ و سريعةٌ في نفس الوقت , فحين بلوغه و وصوله للماء و هو ما يشار به للحظة الحساب ,

فإن وجده ماءً فقد فاز , و أن وجده سراباً فذلك هو الخسران المبين , فأي سرعةٍ أسرع من سرعة اقتراب حساب الله جل وعلا لكل نفس !

و في الختام نسأله جل وعلا بأن يحاسبنا حساباً يسيرا , وأن لا يجعلنا ممن سيحاسبون حساباً عسيرا .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 8623