الصين (الفصل الأول)

شريف هادي في السبت ٠٥ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لرغبة الدكتور أحمد ، في الخروج قليلا من الموضوعات الدينية ، والكتابة في الموضوعات الأدبية ، ولما كانت كتابة القصة على رأس الأدب العربي ، فقد قررت أن أكتب لكم قصة صديقي وتؤم روحي علي السعيد ، كما حدثت معه في سفره الطويل للشرق الأقصى والصين خصوصا ، فمنذ حوالي عشر سنين فاجئنا علي بقراره للسفر دون سابق انذار والأن وبعد عشرة سنوات كاملة ، وبعد نجاحه الباهر في شرق أسيا ، بدأ علي يحكي لي قصته ، فأردت أن أنقلها لكم كما حكاها بالتفصيل وطبعا بعد استأذانه ، والجميل في هذه الق&RN;صة أننا سنتعرف على بلاد لم نكن نعرف عنها أي حاجة من قبل كما سنتعرف على ناس لم نكن نعرفهم من قبل ولعلنا نستخلص من قصة علي لماذا نجح هؤلاء الناس فيما فشلنا نحن فيه ، والآن نترك لعلي الكلام ، قال علي
هذه القاهرة تتضائل انوارها رويدا رويدا وتصغر وتصغر حتى تكاد تختفي تحت السحاب ، والعجيب أنه كلما بعدت وصغرت كانت الصورة في عقلي أوضح وأوضح بكل تفاصيلها ، الحقيقة أن الكثير من أهل القاهرة يظنون أنهم يعيشون فيها ولكنها تعيش فيهم ، الآن والآن فقط أشاهد الصورة بجميع تفاصيلها ، مكتب سيف باشا رجل الحكومة المدلل وصاحب الأمر والنهي في كل شيء ، أقر وأعترف أنا علي السعيد أنه لاقبل لي بمحاربة سيف باشا رغم كل فساده الذي فاق كل تصور ، وعفن رائحته التي تزكم الأنوف ، في لحظة من لحظات العنترية والتي قلما تحدث لإنسان طوال حياته وقفت في مكتب سيف باشا ، وأمام مدير مكتبه وبعض خلصاءه وقلت له أنت رجل فاسد ومن الآن سأحاربك حتى يعرف الناس حقيقتك ، ولكنه ضحك ضحكة هيستيرية ، وقال بكل هدوء (أجري ألعب بعيد يابني ، ده أنا أفعصك برجلي زي الصرصار وماتبنش ، مش لو كنت مستشار ده حتى لو كنت وزير العدل نفسه) ثم وجه كلامه للموظفين وقال سيبوه ورجع بص لي وقال ( قريبً جداً راح أزورك في المكان اللي ح أخترهولك بنفسي) وراح في ضحكة كبيرة ، وخرجت من مكتبه مسرعا ،وبدأت بعمل اتصالات كثيرة ومنهم عبد الواحد باشا عضو هيئة الأمن القومي والذي نصحني بترك مصر كلها في أقرب وقت ممكن وقال سوف أحميك لمدة لن تزيد عن أسبوعين وبعدها سيكون الذنب ذنبك ان بقيت في مصر.
والأن وأنا في الطائرة تحلق فوق السحاب وتتجه للشرق الأقصى (بانجكوك) عاصمة تايلاند ، أخذت أتذكر كل شيء في حياتي شريط أحداث أو فلم سينمائي فريد ثم في النهاية وقبل أن تسدل الستار ، أخرج في صورة واضحة (فول كادر) وأوجه كلامي للمشاهدين وهم واحد فقط هو أنا نفسي وأقول (اقر وأعترف أنا علي السعيد بغبائي المطلق لتمسكي بالمبادئ في عصر غابت فيه القيم ، كما اقر وأعترف بأن سيف باشا أنتصر أنتصاراً باهرا وضربني القاضية الفنية بإجماع الحكام والذين لم يرأف أحدهم بحالي ، وبدأت رحلة الهروب الكبير)
وكأن عقلي ووجداني بل وحواسي قد أصابتهم الغيرة لذهابي في هذه الرحلة البعيدة فقرروا أيضا أن يذهبوا في رحلة طويلة ولكنها ليست عبر المكان كما فعلت بل كانت عبر الزمان ، لاأعرف لماذا لم أتمكن من استرجاعهم أو حتى إقافهم عند حد فجدي حسن باشا السعيد وأبي أحمد بك السعيد تم وضعهم تحت الحراسة والتأميم ، وساقونا كالغنم حتى أخذونا في الجرن في البلد وعقدوا لنا محكمة الشعب (مهزلة الشعب) كنت طفلا صغيرا في حضن أمي لم أكمل بعد عامي السادس ، وألقوا بنا فوق كومة من التبن في الجرن الذي كنا نملكه وجائوا بالفلاحين ليشهدوا ضدنا وجاء عم مرسي الذي كنت أرى جدي وهو يحضر له ولأسرته كسوة العيد والعيدية كما كان يفعل مع كل البلد ونظر لي وكنت أرى الشرر يخرج من عينية ليس هو عم مرسي الذي أعرفه والذي كان يحب أن يحملني ويضعني على كتفه ذلك الرجل الذي كنت أحبه وأخذ يصرخ ويقول (الواد البيه ده - ويشير إليَ- كان بيركب الحماره ويضربني برجله في وشي يابيه) يحكي عن تاريخ لم أكن قد ولدت بعد في كذب ممجوج وذلك البيه يقول لأصدقاءه البهوات الجدد (كانوا ناس فظاع ، دول استعبدوا الناس) لماذا كنت أظن أنهم سيقتلوننا ولماذا لم يفعلون؟ لاأدري.
ولكن دعنا من هذه الزكريات اللعينه ، أريد أن افكر في مستقبلي ماذا أفعل؟ وأنا ذاهب لشرق أسيا أقصى الشرق بانجكوك التي لا أعرف عنها الكثير ، ولكن ما الحيلة ، حكم القوي ، أعرف أنها عاصمة تايلاند هذا البلد الذي يوجد به حوالي 8% من مجموع سكانه مسلمين وباقي السكان يؤمنون بالديانة البوذية على مذهب ثيرافادا(البوذية لمن لايعرف هي في الأصل حركة رُهبانية نشأت داخل التقاليد البراهمانية، تحولت عن مسارها عندما قام بوذا بإنكار المبادئ الأساسية في الفلسفة الهندوسية، بالإضافة إلى رفضه وِصاية السُلطة الكَهنوتية، كما لم يرد أن يعترف بأهلِية كتابات الفيدا، وكذا مظاهر وطقوس عبادة الآلِهات التي كانت تقوم عليها. كانت التعاليم الجديدة التي بشر بها موجهة للرجال والنساء و إلى كل الطبقات الاجتماعية بدون استثناء. كان بوذا يرفض المبدأ القائل بأن القيمة الروحية للإنسان تتَحدَد عند ولادته (نظام الطبقات الاجتماعية الهندوسي). تتواجد البوذية اليوم في صورتين: العقيدة الأصلية المسماة "ثيرافادا" (أو "هينايانا") ومعناها "العربة الصغيرة"، ثم الـ"ماهايانا" أو "العربة الكبيرة") ، أعرف أن تعداد تايلاند 60 مليون نسمه ، وأعرف أن بها بعض المنتجات الالكترونية والملابس كما أعرف انها كانت أحد النمور الأسيوية والآن أنا ذاهب لتايلاند.
نزلت بنا الطائرة في مطار بانجكوك وتوجهت لضابط الجوازات بعد حمل حقائبي ، فسألني باللغة الانجليزية ولكن بلهجة اسيوية واضحة (مصري) فأجبت نعم ، فسألني هل أحب المتعة ، سؤال غريب ولكن كان علي أن أجيب بنعم ، فرد إلي جواز سفري وبه مجموعة صور لعاهرات ، وضعتها في أول سلة مهملات ، وتوجهت بعد ذلك للبنك في المطار لتغيير بعض الدولارات للحصول على عملة البلد وهي (البات) ، كانت الموظفة في غاية الرقة والأدب ونصحتني بعدم تغيير أكثر من 500 دولار وقالت ستكفيك وزيادة وأعطتني ظرف به العملة وكتالوج به صور لمجموعة من العاهرات ، الحقيقة كانت صدمة لي ، خرجت من المطار واستقليت أول سيارة أجرة وكان أكثر وضوحا معي يدفعني دفعا لممارسة الجنس ، وأخيرا أخذني لفندق العالم الجديد والمفروض أن أصحابه مسلمين ، لم تستغرق عملية الاستقبال والحجز أكثر من دقائق ووضعت حقائبي بالغرفة وتوجهت لمطعم علي بابا( وهو أحد المطاعم العربية ببانجكو) فقد كنت كما نقول بالمصري (واقع من الجوع) وحتى هذه اللحظة كنت أصد جميع المغريات الجنسية ، وهناك في مطعم علي بابا قابلت أبو جاسم أردني من أصل فلسطيني ، وعرفت منه أنه يقيم في بانجكوك أكثر من 6 سنوات ، وسألته أيه الموضوع كل واحد هنا يقدم لي الجنس على صنية من فضة فضحك وقال صنية من ذهب ، أسمع ياعلي ،بانجكوك يسمونها عاصمة الشيطان ، الاقتصاد التايلاندي قائم في حقيقته على سياحة الجنس وكل الأوربين والعرب بيجوا هنا علشان كده ومش ممكن تعيش في بانجكوك من غير ما تحتك بالجنس وتجارة ورقيقة ، ولازم تعرف عبادة بوذا والجنس أهم شيء عند المجتمع التايلاندي ، المهم بعد جذب أطراف الحديث مع أبو جاسم وباقي الشباب العربي في المطعم وقد عرفت منهم أن تجارة الجنس في تايلاند محرمة قانونا ولكن على الورق فقط في الحقيقة الدولة ترعاها لأنها مصدر دخل كبير ، كما أشار لي أحدهم على بائع من الباعة الجائلين وقال لي لا تشتري مايبيع فهو يبيع الصراصير المحمرة والتي يحب أن يأكلها التايلانديون مع الدايت كولا ، قالها وضحك الجميع ، قررت العودة للفندق واستقليت تاكسي وكانت الساعة تشارف على السادسة مساءً ، لما ركبت مع السائق سألني السؤال المعتاد هل تحب ممارسة الجنس فقلت له لا أحب ، أرجوك أذهب بي للفندق فأنا أرغب في النوم ، ولكنه كان مصر أن يعرض علي الصور أو أن يأخذني للمناطق التي يتواجد فيها العاهرات ومع رفضي الشديد قال لي بلغة لا تخلوا من الحزم ، يا تيجي معايا للجنس يا تنزل هنا دلوقتي ، فقلت له بنفس الحزم لن أدفع الأجرة لو لم توصلني ، قال انزل ولا أريد أجرتك ، قالها وهو يوقف السيارة ، فنزلت منها وأنطلق بسيارته ، وهنا كان قراري أن هذه البلد لاتصلح لتكون مكان عيش لي ، وقررت أن أبحث عن بلد آخر المهم وصلت الفندق أخيرا ، وسألتني موظفة الاستقبال إذا كنت أرغب في عمل المساج التايلاندي الشهير فالفندق به قسم خاص للمساج ، ولكنني تحججت بأنني مرهق وأرغب في النوم بعد سفر طويل ، فقالت نرسل لك الفتيات للغرفة لعمل المساج ، فرفضت وكنت قد قررت فعلا ترك تايلاند ولكنني لا أعرف لأين أتوجه فاتصلت تليفونيا بأبي جاسم ، لأعرض عليه قراري فوجدته مرحبا بالقرار ، ونصحني بالتوجه للصين ، فإن بها نسبة تنمية عالية ، والناس بدأت تشتري منها كل حاجة ، وقال لي أنه يعرف قريب له بالصين ولو أحب سوف يتصل بقريبة معي ويكتب لي عنوانه ، وطبعا كانت خدمة جليلة من أبو جاسم ، فالحقيقة أنني لم أن أستطيع البقاء في بانجكوك أكثر من ساعات ، المهم رحت في نوم عميق ولكن الساعة الثانية بعد منتصف الليل استيقظت وكلي حيوية ونشاط ، فتوجهت لبهو الفندق لشرب كوب من القهوة ، وهناك قابلت جينيفر عاهرة تايلاندية نظرت لي وابتسمت واقتربت من في هدوء وتكلمت معي بلغة أنجليزية بلكنه غريبة جدا وكنت ساعتها في حاجة للتحدث مع أحد فقبلت أن تجلس معي وتشرب ما بيدها من شراب على نفس المائدة عرفت منها انها من أحدى القرى في شمال تايلاند وأنها جائت تايلاند لتعمل في الدعارة كمورد رزق لها ولأسرتها ، وعرفت أنه حوالي 3 مليون يعملون في هذه التجارة في تايلاند ، أخبرتها أنني متزوج ولم أحضر تايلاند لممارسة الرذيلة ولكنني حضرت للعمل والتجارة ، ولا أرغب في خسارة نفسي وديني يمنعني ، فسألتني وما دينك قلت الاسلام ، فقالت مثل أصحاب هذا الفندق ومع ذلك هم يساعدوننا على تجارتنا ، فقلت لها أنا مسلم متدين ، ولا أستطيع أن أفعل ما يفعلوه ، يبدوا انها شعرت بالامان تجاهي وكانت في راحتها فبدأت تتكلم معي عن كل شيء وقالت لي كما انك متدين أنا كمان متدينة ، فسألتها عن دينها فقالت البوذية ، فقلت لها البوذية تحرم هذا النوع من العلاقة بين الرجل والمرأة ، فقالت البوذية تحرم ذنا المحارم ولكن ، هذا النوع من الممارسة لايمكن أن يكون محرم ، لأن بوذا ضد القتل ومع الحياة ، وعلاقة الرجل والمرأة الطبيعية هي علاقة لدوام الحياة ، ولكنها أخبرتني أن المجتمع التايلاندي كان مجتمعا محافظا ولكن العوامل الاقتصادية بالاضافة لعدم وجود تحريم صريح في ديانتنا البوذية ، جعل المجتمع التايلاندي يتجه لهذه التجارة.
في اليوم التالي ذهبت لمقابلة أبو جاسم في مكتبه ، وأتصل بصديقة أبو كريم في الصين في مدينة جنوبية أسمها شينزين ، واتفق معاه على ذهابي له مباشرة على وعد منه بمساعدتي ، ولما سألت على التأشيرة أخبرني أبو جاسم أن المصري ليس له فيزا لدخول هونج كونج فيمكن لي أن أتوجه لهونج كونج أولا ومن هناك بمنتهى السهولة يمكنني الحصول على تأشيرة الصين ، وذهبنا لمكتب الطيران وحجزت تذكره لهونج كونج في اليوم التالي ، وقضيت بقية اليوم مع ابو جاسم ، وفي المساء توجهنا لمنزل طارق الذي يجتمع عنده بعض المقيمين من العرب للعب الورق (الشده) ، وهناك تقابلت مع مجموعة من الشباب الذين توجهوا للصين عدة مرات ، ونصحوني بالذهاب للصين فإن الكثير منهم بدأ يفتح شغل مع الصين ، وانهم أجلا أو عاجلا سوف ينقلون مقر أقامتهم للصين وكذلك تجارتهم ، كما تقابلت مع أبو محمد وهو أمريكي من أصل سوري ويعمل طيار مدني في شركة الطيران التايلاندية ، وقال أنه لن يجدد عقده لأنه يرغب بالعمل في التجارة في الصين وسوف ينتقل للصين بعد نهاية عقده مع الشركة التايلاندية.
وانتهى بي المطاف على مقعد في الطائرة المتوجهه لهونج كونج ، وللقصة بقية في الحلقة القادمة
شريف هادي

اجمالي القراءات 17329