العقاب ما بين الهلاك و العذاب
العقاب ما بين الهلاك و العذاب

أسامة قفيشة في الثلاثاء ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

العقاب ما بين الهلاك و العذاب

الهلاك هو نوع من الفناء مع غياب أي فرصه للبقاء أو الاستمرار فلا أمل بالنجاة .

أما العذاب فهو مستمر و حاضر دون فناء مع وجود فرصة للبقاء و أمل بالنجاة .

و أما العقاب فهو الجزاء و ردت الفعل على العمل , و يتمثل العقاب الإلهي للبشر الظالمين في الحياة الدنيا بسبيلين فقط و هما ( إما الهلاك و إما العذاب ) , أما العقاب للظالمين في الحياة الآخرة فلا يتمثل سوى بسبيل واحد و هو ( العذاب ) .

في هذا المقال أريد أن أبين العقاب الإلهي للبشر الظالمين في الحياة الدنيا ( إما هلاكاً و إما عذاب ) و ارتباط هذا و مدى تأثر المجتمعات البشرية التي يتواجد فيها هؤلاء الظالمين , و انعكاسه عليهم دون ذنبٍ اقترفوه ,

أولا سأطرح بعض الأسئلة ثم أجيب عليها ( بنعم أو لا ) , و من ثم أوضح :

هل يهلك الله جل وعلا المجتمع بأكمله عقاباً لبعض الظالمين ؟ ( لا )

هل يهلك الله جل وعلا الظالمين خصوصا و ينجي من الهلاك المستضعفين ؟ ( نعم )

هل يعذب الله جل وعلا المجتمع بأكمله عقاباً لبعض الظالمين ؟ ( نعم )

هل يعذب الله جل وعلا الظالمين خصوصا و ينجي من العذاب المستضعفين ؟ ( لا )

أيهما أشد قسوةً و صعوبةً على الظالمين و المجتمع في طريقة العقاب , الهلاك أم العذاب ؟

و الجواب هو العذاب , فهو أشد و أخطر على الظالمين و على المجتمع عموماً .

الهلاك في الدنيا و أثره على المجتمع :

الهلاك بطبيعته بشكل عام هو شيء إيجابي و ليس سلبي , تنتهي به مرحلة زمنية معينة بعد الوصول لخط النهاية و تبدأ بعدها مرحلة جديدة قد تكون مختلفة و قد تكون مشابهه ,

فالهلاك يعد حلاً جذرياً للخلل المتأصل و المتغلغل الغير قابل للعلاج , ينتهي به و معه كل شيء .

و من الآيات التي يستدل بها بأن العقاب الإلهي بالهلاك لا يصيب سوى الظالمين دون سواهم , و لا يصيب هذا الهلاك باقي المجتمع من الصالحين و المستضعفين :

قوله جل وعلا ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) 117 هود ,

( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) 59 القصص ,

( ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ) 131 الأنعام ,

هذا الهلاك الجماعي لمجتمعٍ ما يتحتم عليه خلو هذا المجتمع من أي صالحٍ لا ذنب له , لذا قال سبحانه و تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) 16 الإسراء , فالفسق فيها يعني تفشيه و انتشاره بين الجميع حتى يحق الحق عليهم جميعاً بالهلاك العام و الشامل ,

و الظلم كذلك لا بد بأن يكن متفشي و منتشر بين الجميع حتى يستحقوا الهلاك الشامل كما في قوله سبحانه ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ) 31 العنكبوت ,  

لذا يتحتم العدل الإلهي هنا بأن ينجي الله جل وعلا المستضعفين و الصالحين قبل نزول الهلاك على الظالمين , و من الآيات التي يستدل بها :

قوله جل وعلا ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) 72 الأعراف ,

( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) 9 الأنبياء ,

( فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ ) 64 الأعراف ,

هذه النجاة حين الهلاك التي نلاحظها دوماً للصالحين في المجتمعات المجرمة الظالمة لهي دليلٌ قاطع على زيف الإدعاء بحديثهم المزعوم عن قصة القوم الذي أراد أن يهلكهم الله جل وعلا و لكن الملك المكلف قال بأن فيها عبداً صالحاً لم يعص قط , فقال الرب به فبدأ !      

العذاب في الدنيا و أثره على المجتمع :

العذاب بطبيعته بشكل عام هو شيء سلبي و ليس إيجابي , يستمر العذاب و لا ينتهي , فلا أمل بالنجاة منه إلا بزوال المعذبين أو بزوال أسباب و مسببات تواجد هذا العذاب .

فالعذاب يعد حلاً مستديماً لخللٍ ما من أجل علاجه و السيطرة على هذا الخلل لعله يستقيم .

و من الآيات التي يستدل بها بأن العقاب الإلهي بالعذاب لا يقتصر على الظالمين وحدهم بل يتعداهم و قد يشمل الصالحين و المستضعفين و سائر المجتمع :

قوله جل وعلا ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ *مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) 39-40 الزمر ,

( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) 34 الرعد ,

( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ * وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) 74-77 المؤمنون ,

( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) 16 فصلت ,

فالعقاب بالعذاب شاملٌ و عام و هذا واضح في قوله جل وعلا (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) 25 الأنفال , تلك الفتن هي رمز البلاء و العذاب , و هي أشد و أقصى من الهلاك لذا كانت الفتنة أشد من القتل ,

هذا العذاب المستمر بلا أمل و دون معرفة لنهايته و مدته بكل تأكيد هو أصعب من الهلاك , و من أصعب أنواع هذا العذاب هو قوله جل وعلا (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) 65 الأنعام ,

و الظالم المستبد و الطاغية المتكبر الذي يتخذ مع الله إله آخر من أجل الهيمنة و السيطرة الدينية , ليكون له مكانه اجتماعية و يكون ذو مالٍ و بنين ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) 77 – 81 مريم ,

هذا العذاب الشامل له استثناءان كما في قوله جل وعلا ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) 33 الأنفال , الأول وجود الرسول محمد عليه السلام , و الثاني هو عامل الاستغفار المتمثل بالتوبة الحقيقية القلبية .

فالبشر في هذه الحياة هم ما بين الفعل و ردة الفعل إلى يوم القيامة و من أصدق من الحق حيث قال ( وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) 58 الإسراء ,

فنسأله جل وعلا أن يجيرنا من عذاب الدنيا و من عذاب الآخرة .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 9847