الجن والعرش وساقي بلقيس

حافظ الوافي في الخميس ٢٨ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

"الكسر" غالبا قد يجعل من اللفظة قيمة معنوية بينما "الفتح" غالبا قد يجسد هذه اللفظة لتصبح مادية ملموسة.. فمثلا "نِحلة" بكسر النون هي قيمة معنوية فيها خير بدون مقابل.. فنحن نأتي ما أقررناه بعقود رسمية وصادقنا عليه رسميا بدون تعويض "صدقاتهن نِحلة" ولفظة "نَحلة" بفتح النون .. الفتح جعل من اللفظة مجسدة واصبحت مادية كحشرة ملموسة في بطنها شراب فيه شفاء تمنحه للناس دون مقابل..

ولهذا فإن "نِحلة" بكسر النون كقيمة معنوية و"نَحلة" بفتح النون كقيمة مجسدة ماديا مثلها مثل "جِنة" بكسر الجيم كقيمة معنوية فيها القدرة على الخفاء و"جَنة" بفتح الجيم كقيمة مجسدة ماديا .. فالجَنة مجسدة ماديا وملموسة فهي المكان البديع التي تحوي فيها مهارات وقدرات مخفية فمنها جنة معروشة أي مخططة من قبل الانسان وجنة غير معروشة أي ليست مخططة من قبل الانسان فعندما تصبح المساكن خاوية على عروشها يكون قد فقد التخطيط أهميته وأصبح منعدما أو شبه منعدم بسبب الدمار..

ومن هنا فلفظة "الجِن" بالكسر هي القيمة التي تجعل من يتميز بها يمتلك القدرة على الاخفاء كاخفاء الحقائق والاتيان بالتخطيط ومركز التخطيط هو العرش .. فالليل يغشى والبصر يجعل عليه غشاوة وقد يرتفع الغطاء عن البصر ليكون حديد وابراهيم حين جن عليه الليل رأى كوكبا.. جن عليه الليل أي اظلم عليه الليل .

والإنس هي القيمة التي تجعل من يتميز بها القدرة على الإظهار كإظهار الرشد من خلال المؤانسة (آنستم منهم رشدا)..

"إنس" قيمة معنوية لبعث الأنس والمؤانسة عندما تتميز  بقيمة الانس تصبح قيمة مجسدة "انسان" قادر على المؤانسة والاستئناس والاتيان بالانس وصفات الانس المتمثلة بالرشد "آنستم منهم رشدا" أي على اظهار الرشد..

"جِن" بكسر الجيم قيمة معنوية تعني القدرة على الاخفاء.. ومن يتميز بهذه القيمة يصبح مجسدا لها أي "جان" له مهارات للاتيان بالجنات والاتيان بعرشها أي بتخطيط هذه الجنات فهي " جنات معروشات" لها تخطيط مسبق، لهذا قال عفريت من الجن انه سيأتي بعرش بلقيس والعرش من صفات الجنات فالجنات منها معروشات أي مخططة ومنها غير معروشات أي لا علاقة لها بتخطيط الانسان وعرش بلقيس هو تخطيطها أو مركز التخطيط وقد كان لسبأ جنات معروشة أي مخططة وكان عفريت الجن قادر على الاتيان بالتخطيط الخاص بملكة سبأ قبل ان يرتد الطرف.. ولأن العرش هو التخطيط فقد كان تخطيط الله قائم على الحياة وأساس الحياة هو الماء فهذا التخطيط هو العرش (وكان عرشه على الماء) أي ان تخطيطه قائم على الحياة والماء اساس الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي).. والله أمر النحل ان تتخذ من الجبال بيوتا ومما يعرشون فهي تسكن الجبال وتسكن ما يخططه الانسان في منازله وفي الخلايا الخشبية التي يخططها الانسان بنفسه "مما يعرشون" مما يخططون..

ابليس كان من الجن أي لديه مهارات قادر على الاخفاء والاتيان بالتخطيط "العرش" ولكنه فسق ففقد القدرة على الاتيان بالتخطيط ولم يعد يمتلك سوى الخطوات والقدرة على الاغراء لهذا "لا تتبعوا خطوات الشيطان" فلا تخطيط له ولكن له خطوات فاحذروها، فهو يعد تابعيه ويمنيهم وما يعدهم الا غرورا..

ولعل العفريت من الجن القادر على الاتيان بتخطيط "بلقيس" قد أبدع في ذلك.. لهذا أمر النبي سليمان بتنكير هذا التخطيط أي بتمويهه من خلال الصرح الممرد بالقوارير حين حسبته الملكة بلقيس لجة أي "ظلمة" فالبحر اللجي هو المظلم لأن فيه (ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها) فحين حسبت الصرح "ظلمة" كشفت عن طريقها حيث أنارت دربها بالإضاءة لكي تزيل ما حسبته ظلمة فاذا هي أمام مثيل يشبه عرشها حد التطابق.. فكان السؤال.. أهكذا هو عرشك قالت كأنه هو.. أي ان التخطيط والتصميم يشبه عرشها حد التطابق ولفظة "كأنه" تشير الى تشابه بين عرشها مركز تخطيطها وبين التخطيط التي تم تنكيره من قبل جنود النبي سليمان..

-         ماذا عن الساق..

طبعا نحن نعتقد ان كشفت عن ساقيها أي عن طريقين لها لأن الساق هو الطريق فحين تلتف الساق بالساق أي أن الطرق تلتقي ببعضها فيكون عبرها المساق "الى ربك يومئذ المساق"..

وهنا ينبغي الإحاطة بمفهوم الالتفاف بالمعنى القرآني الذي يدل على اجتماع و تلاقي قال تعالى: " وَقُلْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ لِبَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ ٱسْكُنُوا۟ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلْءَاخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًۭا " .

ومعناه جئنا بكم جميعا ، أو جئنا بكم مجتمعين .وقول الله في حديث عن الجنة : " وجنات ألفافا " .

وهي الجنات المتصلة أطرافها الملتقية مع بعضها البعض .نقول إذن أن قول الله " التفت الساق بالساق " ، تعني اجتمعت والتقت الطريق بالطريق.

 والزرع عندما يستوي على سوقه فهو يستوي على طريقه نحو النمو.. فـ"ساق الشجرة" سمي ساقا لأنه طريق النمو فبامتداد الساق وعرضه يتم النمو لهذا هو طريقا للنبات نحو النمو ولهذا اسمي "ساق"..

والله اعلم..

 

الكاتب/ عبدالحافظ هزاع الصمدي

اجمالي القراءات 10250