الخليفة (المستنصر الفاطمى ) الذى حكم ستين عاما .!!

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الخليفة (المستنصر الفاطمى ) الذى حكم ستين عاما

( هذا المقال هدية للحالمين بالخلافة )  

مقدمة :

1 ـ  هذا خليفة حكم حوالى ستين عاما .. فهل كان حكمه إسلاميا ؟ وهل كان يحكم بشريعة الاسلام ؟

2 ـ لن نتكلم عن الخليفة المستنصر من تاريخ ( المنتظم ) لابن الجوزى ، وقد كان ابن الجوزى حنبليا متحاملا على الشيعة . ولكن الإجابة من خلال تاريخ المقريزى : (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ). وقد كان المقريزى ميالا للفاطميين مدافعا عنهم

3 ـ نعطى لمحة سريعة عن خلافة المستنصر الفاطمى ، ثم نتوقف فى المقال التالى مع المجاعة المهلكة التى حدثت فى عهده ، والمعروفة بالشدة العظمى .

أولا : الأحوال العامة فى خلافة المستنصر الفاطمى :

1 ـ هو الخليفة الفاطمى الثامن . قالوا عنه إنه : ( أبو تميم معد بن الظاهر المعروف بالمستنصر بالله بن علي الظاهر لإعزاز دين الله) لاحظ كهنوت الدولة الفاطمية الذى يتمسج باسم الله جل وعلا ، ليجعل الخليفة يستمد سلطة إلاهية ـ مزعومة من رب العزة جل وعلا .  

2 ـ  تولى الحكم ـ طفلا ــ وقت إستقرار الدولة الفاطمية حين بلغت اقصى إتساع لها كدولة ودعوة ، وفاضت خزائنها بالأموال والذهب والجواهر. حفل تاريخ الخلافة الفاطمية بالمؤامرات ـ شأن ما قبلها وما عاصرها وما جاء بعدها . كان المستنصر الفاطمى أطول الخلفاء فى السلطة ، لذا شهد الخليفة المستنصر الفاطمى عصر القوة ثم بداية عصر السقوط . كانت الدولة الفاطمية فى بداية عهده تمتد من المحيط الأطلنطى الى نهر الفرات فأصبحت فى نفس عصر المستنصر تقتصر على مصر . وبعد أن كانت خزائنه متخمة بالكنوز أصبح الخليفة المستنصر نفسه فى الشدة العظمى يعانى الجوع . عبرة لم يتوقف معها المؤرخون الذين سجلوا تاريخ الخلفاء ، لذا ظل تاريخ الخلفاء الحقيقى مسكوتا عنه حتى فى مناهج التعليم ، وظل حُلما جميلا فى أفئدة الطموحين الى إعادة ( الخلافة ) .  

3 ـ تمثل عصر القوة والازدهار فى خلافة المستنصر فى وزارة الجرجرائي، والتى استمرت 18 عاما . وتوفى في (رمضان 436هـ = مارس 1045م) . وقد زار مصر الرحالة الفارسي ناصر خسرو عقب وفاة الجرجرائي، فأعطى صورة واقعية لرخاء مصروأمنها. امتد سلطان   الفاطميين فوصل الى بغداد نفسها حين أعلن البساسيرى القائد العباسى إنضمامه للفاطميين ، وخطب للمستنصر فى بغداد عام 450 / 1058 .   

4 ـ بعد موت الجرجرائى بدأ تدخل أم الخليفة المستنصر فى الحكم ، وأصبح لها أعوان يحكمون الدولة ، وتلقبت بـ"السيدة الملكة"، ويخاطبها الرجال في حضرة ابنها الخليفة بمولاتهم، ويشار إليها بالجهة الجليلة والستر الرفيع. وأسفر تدخلها في شئون الحكم عن إذكاء نار العداوة والفتنة بين طوائف الجيش . فاشتعلت المنازعات والمعارك بينهم ووصلت الى الريف المصرى فخربته . وانتشرت الفوضى والاضطراب .

5 ـ وقت اختلال الإدارة والفوضى السياسية جاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية . وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بمجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة من (457هـ = 1065م) إلى سنة (464=1071م) . وعُرفت هذه المجاعة ب الشدة المستنصريةأو الشدة العظمى. وكان من نتيجة هذه الأزمة العاتية أن أخذت دولة المستنصر بالله في التداعي والسقوط . وخرجت كثير من البلاد عن سلطانه، فقُتل البساسيري في العراقسنة (451هـ =1059م). وعادت بغداد إلى الخلافة العباسية، وقُطعت الخطبة للمستنصر في مكةوالمدينة . وخُطب فيهما للخليفة العباسي في سنة (462هـ == 1070م)، ودخل النورمان صقليةواستولوا عليها . فخرجت عن حكم الفاطميين سنة (463هـ == 1071م) بعد أن ظلت جزءًا من أملاكهم منذ أن قامت دولتهم. وتداعى حكم المستنصر في بلاد الشام، فاستقل قاضي صوربمدينته سنة (462هـ == 1070م) وخرجت طرابلسمن سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلبوبيت المقدس والرملة عن سلطانهم في سنة (463هـ == 1071م) ثم تبعتهم دمشقفي العام التالي.

6 ـ إضطر المستنصر الى استدعاء والى عكا القوى الأرمنى ( بدر الجمالى ) فجاء القاهرة ومعه قواته ،فقضى على رءوس الفتنة ، ونجح فى إعادة النظام إلى القاهرة ومصر ، وعمل على تنظيم شئون الدولة وإنعاش اقتصادها، وأصلح الريف والجسور والرى والصرف ، وأنشأ الكثير من المساجد وأعاد بناء سور القاهرة .

7 ــ ومن الطبيعى أن يستأثر بدر الجمالى بالحكم دون الخليفة المستنصر العاجز ، فإفتتح الجمالى بهذا عصر نفوذ الوزراء العظام المتحكمين فى الخلافة الفاطمية ، وفى النهاية ـ فى خلافة العاضد الفاطمى ــ أدى صراع الوزيرين شاور وضرغام الى تدمير الفسطاط وإستقدام الصليبيين وشيركوه وصلاح الدين ألأيوبى ، ثم تغلب صلاح الدين وسقوط الدولة الفاطمية .  والى بدر الجمالى ينتسب حى ( الجمالية ) بالقاهرة .

 8  ـ توفى  بدر الجمالى عام 487 ، وتولى ابنه الأفضل الذي واصل  ــ مثل أبيه ــ  التحكم فى الخليفة . واستراح الخليفة بالموت فى نهاية العام فى (18 من ذي الحجة سنة 487هـ =29 ديسمبر1094 ). ‏

ثانيا :  الخليفة المستنصر الفاطمى العاجز :

1 ـ ( ست المُلك ) بنت الخليفة العزيز بالله الفاطمى كانت هى المسيطرة على أخيها الخليفة المخبول ( الحاكم بأمر الله) والذى زعم الالوهية ، وبعد أن تخلصت منه ــ قتلا ـ  قامت بتولية ابنه ( الظاهر )، وظلت ست الملك تسيطر على ابن أخيها الظاهر ، ومات الخليفة الظاهر عام 427  فى يوم الأحد 15 شعبان بعد حوالى 16 عاما من خلافته . ولكى تستمر ست الملك فى سلطانها فقد جعلت الصبى الصغير (معد بن الظاهر) خليفة وهو طفل فى السابعة من عمره ، وأعطته لقب ( المستنصر بالله ). وقد عزلت ولى العهد أبى هاشم وقتلته ، ثم قتلت ابن عمه عبد الرحيم الطموح للحكم . وعينت ست الملك ابن دواس وزيرا ثم قتلته ، وعينت مكانه عمار بن محمد ثم قتلته ، وعينت مكانه حسن بن موسى ومعه ابو القاسم الجرجرائى . وماتت ست الملك فانفرد الجرجرائى بتدبير الأمور متحررا من كابوس ست الملك .

2 ـ  بعد موت ( ست الملك ) تحكم الجرجرائى  فى الخليفة ، وبعد موت الجرجرائى تحكمت فى الخليفة أمه .  ويقول المقريزى عن الجرجرائى الوزير القوى : ( وكان قد قوي أمره وقام بتدبير وزارته عند إقامته في الخلافة وزير أبيه علي بن أحمد الجرجرائي ، فمشت الأحوال على سداد إلى أن مات. فتحكمت أمه في الدولة ، وولت أبا سعيد ابراهيم اليهودي التستري وزارتها ، فصار هو الذي يلي الوساطة ويدبر الأموال إلى أن قتل‏. )

أى تحكت في المستنصر ( ست الملك ) ثم ( الجرجرائى  ) ثم ( أمه ) وكانت جارية سوداء متعصبة للجنود الزنوج ضد الجنود البيض .

3 ـ ويقول المقريزى عن فشل الدولة فى عهد المستنصر  (فلما كانت سنة اثنتين وستين اختلطت الأمور وتعاظم الأمر ، فكان من الغلاء والفتن والبلاء والنهب ما تقدم ذكره‏.)

4 ــ ويقول عن موته سنة 487: ( وفيها مات الخليفة المستنصر بالله أبو تميم معد ، فلما كان عند موته حصل رعد عظيم وبرق كثير ومطر غزير ، وعمره يومئذ سبع وستون سنة وخمسة أشهر،  منها في خلافته ستون سنة وأربعة أشهر وثلاثة أيام ، مرت به فيها أهوال عظيمة وشدائد ، آلت به إلى أن جلس على نخ لا يجد من القوت إلا ما تتصدق به عليه الشريفة ابنة صاحب السبيل في كل يوم ، فلا يأكل غير مرة واحدة في اليوم من قعب فتيت تبعث بها إليه كما قد تقدم ذلك‏.‏)

5 ــ وعن عدد الوزراء فى خلافة المستنصر الفاطمى يقول المقريزى ( وولي وزارته أربعة وعشرون وزيراً وهم‏:‏ أبو القاسم الجرجرائي إلى أن مات وزيراً في سنة ست وثلاثين ، فولي أبو منصور صدقة بن يوسف الفلاحي إلى أن قتل في سنة تسع وثلاثين ، فولي عماد الدولة أبو البركات الحسين بن محمد الجرجرائي مرتين ، إلى أن عزل في سنة أربعين ، فولي صاعد بن مسعود أبو الفضل وصرف في سنة اثنتين وأربعين،  فاستقر أبو محمد اليازوري مضافاً إلى القضاء والتقدمة على الدعاة ولم يجمع ذلك لأحد قبله إلى أن قبض عليه في محرم سنة خمسين،  فاستوزر أبو الفرج عبد الله بن محمد البابلي ثم صرف بعد شهرين وأربعة عشر يوماً‏، واستقر أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين المغربي ، ثم صرف في سنة اثنتين وخمسين ، وأعيد البابلي ، ثم صرف بعد أربعة أشهر‏. وتولى عبد الله بن يحيى بن المدبر في صفر سنة ثلاث وخمسين وصرف بعد شهرين ، وتولى عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعيد الفارقي في رمضان منها إلى أن توفي في محرم سنة أربع وخمسين ، فتولى بعده أخوه أبو علي أحمد سبعة عشر يوماً وصرف ، فأعيد البابلي كرة ثالثة في ربيع الأول فأقام خمسة أشهر واستعفى ، فوزر أبو عبد الله الحسين بن سديد الدولة الماسكي ، ثم صرف بأبي أحمد بن عبد الكريم ابن عبد الحاكم فكان ينقل من القضاء إلى الوزارة ثم يعود إلى القضاء ، وصرف بابن المدبر،  فأقام إلى أن توفي،  فأعيد أبو أحمد بن عبد الحاكم في ذي الحجة سنة خمس وخمسين فأقام خمسة وأربعين يوماً ، وصرف بأبي غالب عبد الطاهر ابن فضل العجمي فتولى غير مرة ، وكان جده من دعاة الدولة ، فولي مرة في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين ، وصرف بعد ثلاثة أشهر، وولي أخرى في ربيع الآخر سنة ست وخمسين وصرف بعد ثلاثة وأربعين يوماً ، وفي ثالثة في أيام الفتنة وقتله تاج الملوك شاذي بالقاهرة في سنة خمس وستين‏. وولي الوزارة أيضا الحسن بن ثقة الدولة بن أبي كدينة وجمع له بين القضاء والوزارة سبع مرات.  ووصل أمير الجيوش وهو وزير فقبض عليه وقتل بدمياط‏. وولي أبو المكارم سعد وتنقلت به الأحوال حتى قتله أمير الجيوش ، ثم وزر بعده أبو علي الحسن ابن أبي سعيد التستري عشرة أيام ثم استعفى وكان يهوديا فأسلم‏. ثم استوزر أبو القاسم عبد الله بن محمد الرعباني مرتين كل منهما عشرة أيام ، ثم ولي الأمير أبو الحسن بن الأنباري أياما وصرف‏،  فتولى أبو علي الحسن بن سديد الدولة الماسكي أياما ، وهذه وزارته الثانية ، ثم صرف بأبي شجاع محمد بن الأشرف بن فخر الملوك وصرف ، فسار إلى الشام ولقيه أمير الجيوش فقتله ، وأبو غالب جده كان وزيراً لبهاء الدولة بن عضد الدولة ملك العراق‏. ثم ولي بعده أبو الحسن طاهر بن وزير الطرابلسي ثم صرف، وكان أحد الكتاب بديوان الإنشاء ، فولي بعده أبو عبد الله محمد بن أبي حامد التنيسي يوماً واحداً وقتل فوجد له مال كثير‏. ثم ولي أبو سعد منصور بن أبي أيمن سورس بن مكرواه بن زنبور وكان نصرانيا فأسلم ويقال إنه لم يسلم ، ثم ولي بعده أبو العلاء عبد الغني بن نصر بن سعيد الضيف وصرف‏. فلما قدم أمير الجيوش تسلمها‏. ولما قدم أمير الجيوش من عكا صار وزير السيف والقلم وولي القضاء أيضا وزيد في ألقابه كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين‏.ثم لما مات وزر من بعده ابنه الأفضل‏.) . أى بعد موت الوزير القوى الجرجرائى عام 436 تولى حوالى 22 وزيرا ، بعضهم يتولى الزارة يوما أو أياما ، وبعضهم يتولاها أكثر من مرة ، ومنهم نصارى ومنهم يهود ، ومنهم قضاة ، وكلهم فاسدون ، والجنود منقسمون متقاتلون ، وظل الأمر فى هذا الاضطراب الى أن جاء وزير قوى آخر هو بدر الجمالى فاستبد بالأمر . أما الخليفة المستنصر فى طفولته وفى كهولته فليس له من الأمر شىء .

أخيرا : بعد موت المستنصر الفاطمى

1 ـ الطريف هو ما حدث بعد موت المستنصر. كان المستبد بالأمر الوزير الأفضل ابن بدر الجمالى ، وقد صار لقبه (الأفضل شاهنشاه ) أى ملك الملوك . الأفضل هو الذى إختار ولى العهد وهو الذى جعله خليفة . كان المستنصر قد كتب بيعة لابنه نزار . كان هناك عداء بين نزار والأفضل بما لا يسمح بنفوذ للوزير الأفضل  لو تولى نزار الخلافة . لذا ، فإنه بمجرد موت المستنصر أجلس أحمد ابن المستنصر خليفة بمثل ما فعلت ست الملك من قبل مع المستنصر ، وبايع له فى نفس اليوم الذى مات فيه المستنصر وأطلق عليه لقب ( المستعلى بالله ) . وأمر الأفضل بإحضار ابناء المستنصر ( نزار وعبد الله واسماعيل ) وألزمهم بمبايعة أخيهم الأصغر ( أحمد المستعلى بالله ) .

2 ـ يقول المقريزى : (‏ وذلك أن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي عندما مات المستنصر بادر إلى القصر وأجلسه ولقبه بالمستعلى ، وبعث فأحضر إليه نزاراً وعبد الله وإسماعيل أولاد المستنصر. فلما حضروا وشاهدوا أخاهم أحمد  ــ وكان أصغرهم ــ  قد جلس على تخت الخلافة أنفوا من ذلك ، فأمرهم الأفضل بتقبيل الأرض ، وقال لهم‏:‏ "  تقدموا وقبلوا الأرض لله تعالى ولمولانا المستعلى بالله وبايعوه فهو الذي نص عليه الإمام المستنصر قبل وفاته للخلافة من بعده‏.‏" ، فامتنعوا من ذلك ، وقال كل منهم إن والده وعده بالخلافة . وقال نزار‏:‏ " إن قُطّعتُ ما بايعت من هو أصغر سناً مني ، وخط والدي عندي بأني ولي عهده ، وأنا أحضره. " وخرج مسرعاً ليحضر الخط  ،فمضى من حيث لا يشعر به أحد ، وتوجه في خفية إلى الإسكندرية‏.‏ فلما أبطأ أرسل الأفضل من يستعجله بالحضور فلم يوجد ، وفُتّش عليه في القصر فلم يوقف له على خبر ولا عرف كيف توجه ، فاضطرب الأفضل لذلك وانزعج انزعاجاً شديداً‏.‏) .

3 ـ ويذكر المقريزى رأيا آخر فى ولاية عهد المستنصر ، يقول : ( وقوم يذكرون أن المستنصر كان قد أجلس ابنه أبا المنصور نزاراً لأنه أكبر أولاده وجعل إليه ولاية العهد من بعده ، فلما قربت وفاته أراد أن يأخذ له البيعة على رجال الدولة ، فتقاعد له الأفضل ودافع حتى مات ، وذلك أنه كانت بينه وبين نزار مباينة ، وكان في نفس كل منهما مباينة من الآخر ، لأمور منها أن نزاراً خرج ذات يوم من بعض أماكن القصر فوجد الأفضل قد دخل من أحد أبواب القصر وهو راكب فصاح به‏:‏ " انزل يا أرمني يا نجس " ،  فحقدها الأفضل عليه وظهرت كراهة أحدهما الآخر‏.‏ ومنها أن الأفضل كان يعارض نزاراً في أموره أيام حياة أبيه ، ويرد شفاعاته ويضع من قدره ولا يرفع رأساً لأحد من غلمانه وحاشيته بل يحتقرهم ويقصدهم بالأذى والضرر‏.‏ فلما عزم المستنصر على أخذ البيعة لنزار اجتمع الأفضل بالأمراء الجيوشية ، وخوّفهم من نزار وحذرهم من مبايعته ، وأشار عليهم بولاية أخيه أحمد ، فإنه صغير لا يُخاف منه ، ويُؤمن جانبه ، فرضوا بذلك.  وتقرر أمرهم عليه بأجمعهم ، ما خلا محمود بن مصال اللكي ــ من قرية يقال لها لك برقة ــ فإنه لم يوافق ، لأنه كان قد وعده نزار بأن يوليه الوزارة والتقدمة على الجيوش مكان الأفضل . فلما اطلع على ما قرره الأفضل من ولاية أبي القاسم أحمد مع الأمراء وأنهم قد وافقوه على ترك مبايعة نزار طالعه بجميع ذلك‏.‏وبادر الأفضل فأجلس أبا القاسم ولقب بالمستعلى بالله‏.‏ ).

3 ـ حدثت قلاقل ، ولكن الأهم منها هو إنقسام الدعوة الفاطمية الاسماعيلية الى :  ( نزارية : تؤيد حق نزار ابن المستنصر ) و( مستعلية : تؤيد حق المستعلى ابن المستنصر ). ومن الشيعة النزارية تكونت جماعة الحسن الصباح المتوفى عام 518 ، ( الباطنية / الحشاشون ) وقد هرب من ملاحقة الأفضل الجمالى ثم تنقل متخفيا الى أن سيطر على حصن جبلى ( آلموت  ) فى فارس ، وأنشأ جهاز الحشاشين للإغتيال ، وظل خلفاؤه  يعيثون فى الأرض فسادا الى أن قضى عليهم هولاكو .

4 ــ الشيعة يزعمون أن الخلافة عندهم بالنّص ، ويجعلونها جزءا من دينهم الشيعى ، بينما يؤكد الواقع التاريخى أن إختيار الخليفة الفاطمى كان بيد صاحب السلطة سواء كانت إمرأة مثل ست المُلك ، او وزيرا مثل الأفضل ابن بدر الجمالى ، وهو الذى قال ساخرا من إعتقاد الشيعة بالنّص على الامام الخليفة إنه كان يستعرضهم ليختار من يريده منهم خليفة .   

اجمالي القراءات 16062