هل يحتاج الموروث الإسلامي للتجديد؟

مولود مدي في الثلاثاء ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

التراث أو الموروث هو كل ما وصلنا من الماضي داخل الحضارة السائدة, و التجديد هو اعادة قراءة التراث بأدوات العصر الحالية, و استخلاص ما يوافق الواقع, ان المطالبة بالنقد و التجديد هو اعتراف بأن للموروث الاسلامي قيمة و دور كبير في واقعنا الحالي, لأن التراث لا قيمة له الا بنظرياته الحاضرة في الواقع و لا معنى لتراث لا حضور له في واقعنا, أما التجديد هو من اجل تطوير الواقع, و التجديد يجب أن يسبقه القضاء على طرق التفكير التي تجد مرجعياتها الثابتة والمطلقة في النصوص المكتوبة وحدها، لا في العقل والبحث والسؤال, لأنها طرق مغلقة، ولم تعد قادرة على أن تفتح لنا أي أفق للتفكير الذي يسهم في الاكتشاف المعرفي.

قبل أن نخوض في موضوع نقد الموروث و تجديده, يجب أن نحدد تشكيلات هذا الموروث لكي نعرف كيف علينا المساهمة في تجديده, و من و ماذا و كيف ننقد, ان الموروث كاصطلاح عبارة عن تراث مطبوع ( مادي ), و الموجود في المكتبات و المساجد و الجهات المسؤولة عن نشر الاعمال و المؤلفات, و قد يكون جزءا من الموروث المكتوب لم ينشر و لم يكتب أو ضاع, و هناك التراث اللامادي و الذي لا نجده في المكتبات بل نجده في العقل و الأنفس, و لذلك نقد الموروث يجب أن يشمل نقد الانسان الحامل لأفكار هذا الموروث, و لذلك التجديد لا يعني فقط اعادة طبع المؤلّفات القديمة و نشرها, بل يجب احياء هذه الدراسات القديمة و يجب على الناقد التحلّي بميزتين مهمّتين و هي الموضوعية و الحس الابداعي, فالتاريخ يعلّمنا أن الشخصيات التي أبدعت في مجال الفكر هي شخصيات مبدعة و ليست مقلّدة, و لقد أطلقت العنان لعقولها في دراسة التاريخ و أضافت عليه و حذفت منه, كما يجب الالتفات الى قضية مهمّة و هي أن الموروث الاسلامي عبارة عن فكر ديني و ليس عبارة عن دين بذاته, و بين الدين و الفكر الديني اختلاف عظيم, فالدين مصدره النص الالهي المقدّس, و الفكر الديني مصدره البشر  الذين يجتهدون في اطار هذا النص بغض النظر عن وسائل هذا الاجتهاد و التي عبّر عنها الفقهاء ب " السنّة و القياس و الاجماع  .. " و غيرها, و لذلك نستخلص أن التراث هو عبارة عن مجموعة من التفاسير البشرية ظهرت في فترة زمنية لنصوص دينيّة على حسب متطلّبات ذلك الجيل و حسب رؤيته للعالم, و لذلك التراث على عكس النصوص الدينية ليس عبارة عن مجموعة من العقائد الثابتة و الحقائق الدائمة التي لا تتغيّر.

يعتقد الكثير أن الصراعات المذهبية بين المدارس الاسلامية و حتى الصراعات داخل المذهب الواحد, يمكن اعتبار هذه الصراعات نتيجة رفض بعض الأفكار و هذا ما سيؤدّي الى ظهور أفكار جديدة و هذا من صور التجديد حسبهم, اذ يقولون أن الفكر الاسلامي هو في حركية دائمة فكثيرا ما يعارض الفقهاء أراء مشايخهم في الكثير من المسائل, و هذا خطأ, فمعارضة فكرة لا تؤدي بالضرورة الى تجديدها, فعلى المعارض أن يقوم بالنقد البنّاء و باستخدام منهج علمي صارم ثم يقدّم البديل, لكن لو ندرس تاريخ الفكر الاسلامي, أن معارضة الأفكار دائما تأتي من زاوية سياسية و مذهبية و طائفية فأهل علم الحديث مثلا لمّا أرادوا تنقية الأحاديث و القضاء على حركة الوضع و الكذب على الرسول اعتمدوا على معيار غير علمي وهو معرفة صدق الرجال و كذبهم و هل هم أهل ثقة أم لا متناسين أن الصدق ليست قيمة مطلقة بل نسبية و لا يمكن أن يكون الانسان كاذبا أو صادقا طول حياته فأدى هذا المعيار الى تضارب, ان غياب منهج علمي واضح المعالم في الفكر الاسلامي هو ما أدى الى تحويل الفكر الاسلامي الى مجرد فكر تكديسي يمتلئ بالروايات التي تناقض بعضها بعضا, و التاريخ يشهد أن حتى سبب ظهور المدارس الاسلامية الفقهية كان لسبب سياسي اكثر من أي سبب أخر باستثناء مدرسة الأحناف, فهذه الأخيرة أدركت أن احتكاك المسلمين بأصحاب الحضارات الأخرى سينتج عنه قضايا فقهية جديدة, و بالتالي يستلزم التعامل مع هذه القضايا بنفس الأدوات التي يستخدمها أصحاب الحضارات الأخرى, و هنا برز عند الأحناف أداة فقهية جديدة و هي القياس, اعترافا بضرورة انطباق الفكر على الواقع, و لذلك نستخلص درسا مهمّا, ان تجديد الموروث يجب أن ترافقه أدوات أخرى تساعد النقّاد في بحثهم, فاذ كان مفكّرو عصر التنوير الأوروبي استعانوا بالمنهج الفلسفي في فكرهم, علينا أيضا أن نستغلّ ما يتوفّر عندنا في عصرنا من كم هائل من المعلومات و سرعة الوصول اليها, اضافة الى اقحام ادوات جديدة في البحث, فعلم التاريخ حاليا لم يقتصر فقط على جمع الحادثة التاريخية, بل أصبح الكثير من العلوم تتدخل في البحث التاريخي مثل علم الكيمياء الذي يمكننا من معرفة صحّة الوثيقة التاريخية و مصداقيتها, و علم النفس الذي يساعدنا على فهم سيكولوجية الانسان الذي عاش في الفترة التاريخية التي ندرسها, يجب أن تتظافر جميع العلوم في عملية نقد الموروث الاسلامي, و هذا سيتطلّب تعليما راقيا جدّا, و يصبح واجبا على رجال الفكر الاسلامي تعلّمأصول البحث العلمي و أن يتعلموا أن يجتهدوا بأنفسهم لا أن يأتوا ليملؤو المكتبات بفكر ببغائي فجل المكتبات العربية لا جديد فيها في مجال الفقه الا ما قال فلان و علان وهذه مضيعة للوقت و المال و الجهد في سرد كتب الفقه واجترارها, فالتحجر والانغلاق والفهم الشكلي الضيق المتعصب للنصوص، وضد كل ما يعيق التفكير الحر والاجتهاد الذي يسهل الحياة ويفتش عن التوافق بين الحياة والدين, فعلى الفقيه أن يتعلّم قواعد المنطق و العلوم التجريبية لأن هذه العلوم هي التي تجعل الفقيه عقلانيا متنورا لا مروج تخاريف و أساطير.

ان مطلب تجديد الفكر الاسلامي صعب التحقيق حاليا, و هذا يعود لسببين, فالسبب الأول نظرة الفرد المسلم السلبية للنقد و الموروث في أن واحد, اذ يرى المسلم النقد جريمة و كفرا في الدين و خيانة للوطن في السياسة, و السبب الثاني عقلية عدم الاعتراف بالرأي الأخر أثرت في العقل المسلم بحيث أصبح المسلم لا يفرّق بين الخلاف و العداء, فيكون كل مخالف في الفكر و العقيدة بمثابة عدو و شرير يجب استئصاله, وهذا العامل الخطير هو ما ألغى الحوار و المناقشة بين أتباع مختلف المذاهب الاسلامية المنغلقين على أنفسهم فأثمر تشدد الأراء الفقهية التي قدّست الرجعية و أنتجت العصبيات الدينية و التخلف و في الأخير كان هذا العامل للأسف سببا في الاقتتال الفظيع بين السنّة و الشيعة و انتشار الفتن المذهبية فكان المسلمين معادين لأنفسهم أكثر من معاداتهم لغيرهم , وبسبب هذا الخلط اصبحت الأحاديث النبوية الموضوعة التي تنصر أتباع كل مذهب مبررا لعسكرة الدين و الفتك بالمخالف و توارث المسلمون هذه الأحاديث الملفقة عن طريق شيوخهم الذين يرددونها بحماقة في كل مرة .. ان خلط المسلم بين الخلاف و العداء أنتج مجتمعا مسلما منغلقا متشبّعا بالاعتقاد الذي يقول أن الأخر يسعى لتدميره في أي لحظة وهذا ما ضيّع على المسلم فرصة الانفتاح على الأخر و معرفة أفكاره و الاستفادة من تجاربه الناجحة, ان الأصل هو معرفة نتائج أفكار الأخر بغض النظر عن ديانته و توجهه الايديولوجي, ان هذا الانغلاق ضيّع على المجتمع المسلم فرصة التنوع الفكري لأن اغلبية المسلمين لا يرضون بالاختلاف وهذا ليس خطأهم بل خطأ التربية الدينية التي كفّرت الاختلاف و المولعة بتصنيف الناس الى أبيض و أسود و كأنه لا مجال للنسبية في الفكر, فاذا انتقدت فكرة الخلافة الاسلامية سيتم اتهامك بأنك شيعي وان انتقدت السلفية التي تجسّم الذات الالهية لتم اتهامك بالجهمية و ان رفضت مبدأ تقديم النقل على العقل في تأويل النصوص القرأنية سيقولون أنه أنك من المعتزلة .. ففي الأخير نزعة التصنيف ألغت كل فرصة تبادل فكري بين المسلمين و غير المسلمين, ولولا هذا الانغلاق لمّا ظهرت الفتن المذهبية بين المسلمين ولم يكن لفقهاء الفتنة الذين يحرّضون على معاداة المخالف في الدين أن يكون لهم صوتا مسموعا ولم يكن للمقارنات على شاكلة " الاسلام و الاشتراكية " أو " الاسلام و العلمانية " أن تظهر, .. و طبقا لقاعدة نيوتن التي تقول أن لكل فعل رد فعل حصلت مقاومة عنيفة للذين دعوا الى الأخذ من الغرب في كيفية بناء حضارته وتم اطلاق مصطلحات " التغريب .. المد الغربي .. موجة الالحاد '' على أفكار الكتّاب العرب التنويرية أمثال " طه حسين " و الشيخ " على عبد الرازق " .. وبالتالي أصبحت الدعوة الى التقدم و الحضارة هي مؤامرة و الحاد .. فالتاريخ علّمنا أن التهديد الخارجي وخصوصاً عندما يكتسي شكل التحدي للذات المغلوبة  لمقومات وجودها وشخصيتها يجعل هذه الأخيرة تحتمي بالماضي تنتكص الى الوراء وتتثبت في مواقع خلفية للدفاع عن نفسها

اجمالي القراءات 9303