أكذوبة خير القرون

مولود مدي في الأحد ٢٧ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من الأحاديث التي يتم الترويج لها بقوّة عند المسلمين, حديث خير القرون, أي أن هذا الحديث المزعوم و المنسوب الى الرسول عليه السلام, يقول أن الفضل مرتبط بالزمان فقط ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ), و لأن المسلم لم يتعلم في المدرسة كيف يفكّر و كيف ينقد الواقع, أصبحت حقائق الدين و مرتكزاته عبارة عن أشخاص يسلّم لها بالخيرية المطلقة و يستسلم أمامه استسلاما مطلقا, لذلك في بادئ الأمر يظهر للمسلم أن السلفية تتعامل مع النصوص القرأنية و كأنها تركة ورثتها من الأباء و الأجداد, فتحس منها نزعة احتكار الفهم واضحة جدّا, لكن في الحقيقة هذا الفهم أصلا ليس فهمهم, فلم يسبق للسلفي و أن أعمل عقله في النصوص القرأنية, أو أبدى رأيه في قضيّة فقهية, بل السلفي هو رجل متقيّد بفهم معيّن للنص القرأني و يراه صالحا لكل زمان و مكان و حتى ان عارض الواقع الذي يعيش فيه, متشبّثا بالأسطورة التي يرددها " القابض على دينه كالقابض على جمرة ", المهم لسنا هنا لمناقشة السلفي بل سنناقش مسألة خير القرون و سنبرهن أن الفضل لا علاقة له لا بالزمان و لا بالمكان مثلما يدّعي السلفي.

عند الرجوع للنصوص القرأنية و الكثيرة, بل و حتى من الأحاديث النبوية نجد أن الله تعالى لم يفرّق بين أمّة و أمّة و لم يجعل زمن الرسول هو أفضل الأزمان, لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا / ( 125 ) سورة النساء), بل و رد على الذين يقدّسون محمد عليه السلام قائلا ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ / ( 144 ) أل عمران), فهذا قانون الله الذي يسري على البشر جميعا دون استثناء, لكن العقل السلفي يرفض تقبّل هذه الحقيقة, و هذه من المكابرة المعروفة عنده, فهو يرى الجميع على خطأ و هو فقط على صواب معتمدا على اكبر مرض يسيطر على العقل العربي و هو الجهل, فراح يبالغ و يخترع المناقب في شأن الصحابة و بل اختلق لهم حتى الكرامات التي تبكي المسلم من الضحك, كالأسطورة التي نشروها حول ابو مسلم الخراساني و الذي قالوا عنه أنه مشى فوق الماء, كما يرفض تطبيق أحكام الجرح و التعديل التي اخترعها بنفسه في الرواية, فأصبحت صحبة الرسول ناسخة للكبائر و الجرائم مثلما قالوا عن الحديث أنه ناسخ للكتاب.

لن نبالغ ان قلنا أن ممن صحب الرسول كان منهم الفسقة و المنافقين, بل و لم يكن الرسول على علم بنفاق أصحابه, و الله تعالى يقول (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ  نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ  سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)) و قال أيضا ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ  إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) ), و القرأن تحاشى ذكر هؤلاء الصحابة بالأسماء ترفّعا منه, بل و حتى اكثر الناس صحبة للرسول عبد الله بن مسعود لم يكن يعرف أسمائهم, لكن العقل السلفي يتغاضى عن كل هذا و يزعم أن الصحابة كلّهم عدول و على قلب واحد من الشريعة, ويبدو أن السلفي قد أخذ دينه من النفاق, اذ يرمي كل هذه النصوص وراء ظهر و يأتي ليخطب أمام الناس جاعلا هذه الدنيا قد خلقت من أجل طائفة معيّنة من البشر.

و بما ان نصف الدين السلفي مبني على المغالطات و النكاية و الهلوسة للعقل و المنطق, تكاد تحسّ أن فقههم مبني على نفس نظرة الأمويين لخصومهم من أل البيت وسائر المعارضين من الخوارج و المعتزلة و الاباضية و غيرها من التسميات التي تحمل في طيّاتها الذمّ و التحقير, فيلجؤون الى تبرير مواقف و جرائم الدولة الأموية مهما بلغت درجة فضاعتها, فلا يستطيع أن يتبرأ من معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد اللذان لم يمنعهما إسلامهما من قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين، رفقة مساعده السفّاح الحجاج بن يوسف الثقفي الأموي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين وفي عهده تم ضرب اقدس المقدسات الاسلامية الكعبة بالمنجنيق و بعد ذلك يخرج علينا ابن كثير و يقول: " إن يوماً واحداً من أيام معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته " ! لا لشئ إلا لكون معاوية صحابي وعمر تابعي ، بالرغم من كل ما اشتهر به عمر من تقوى وعدل، بحيث تكون مقارنته بمعاوية في واقع الحال كمقارنة ملاك بشيطان !, و لا يستطيع أن يعترف أن من قتلوا الصحابي عثمان بن عفان و دفنوه في مقبرة يهود هم صحابة, فمن يرضى أن يكون هؤلاء الناس قدوة لهم و لأبنائهم ؟ نحن لا ننكر تواجد بشر انقياء صحبوا الرسول ووقفوا معه في احلك الظروف و دفعوا دمائهم من أجل الدفاع عن الاسلام و عن الرسول, لكن هذا لا يعني تقديسهم و جعل زمانهم من افضل الازمان, وهم الذين عادوا الى سفك الدماء بعد موت الرسول, فلو كانت المشكلة في الألقاب و مدح الصحابة و فضل كل واحد منهم على الاسلام و المسلمين لكان الأمر عاديا .. ولكن أن يصل الأمر الى تقديس السابقين و تسفيه اللاحقين لمجرد صحبتهم للرسول و رؤيتهم له فلعمري تلك هي المصيبة و الفتنة.

فمناهج الفقهاء التي عرضت السيرة النبوية  صوّرتها بلا أخطاء وذنوب وبذلك نزعوا البشرية من الصحابة و لا ندري أين الضرر على الاسلام عندما نقول أن الصحابي الفلاني أخطأ, ولا يمكن انكار ان الاحاديث التي تعظم من الصحابة و تجعلهم فوق البشر هي احاديث اخترعت في العصر الأموي من طرف مجموعة من الفقهاء تقربا لبني أمية, فحتى التعريف الذي وضعه علماء السنة للصحابة هو تعريف يهمل سيرة الصحابي و أفعاله و صدق ايمانه فالصحابة عندهم من رأى الرسول و لو ساعة فيقول البخاري: " من صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه" ( تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير لابن الجوزي ص 101 ) فبهذه الطريقة يصبح المنافقون الذين صاحبوا الرسول ومن اشتهروا بالبغي والفجور صحابة كرام !, .. لقد ذبحوا الصحابي " سعد بن عبادة " الذي رفض مبايعة " أبي بكر " ثم " ثم كذبوا و اخترعوا خرافة تقول أن الجن هي التي قتلت سعدا, بل و ذهبوا بعيدا في نسج الخزعبلات و قالوا أن الجن نشدت شعرا عندما قتلته ( نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة / و رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده !! ), فلا ندري ما مشكلة الجن مع " سعد بن عبادة " و ماذا فعل لهم لكي يقتلوه!!.

صراحة لن تجد أكذوبة خير القرون صدى عند المسلمين الا عندما يسود الجهل في مجتمعاتهم, لان الله أكّد في القرأن ان الأنبياء و الصالحين في أي زمان هم أقليّة في اقوامهم, ان العبرة هي في خيرية الأخلاق و ليس في خيرية الأزمان, و الدين الاسلامي عبارة عن رسالة عالمية لكل البشر, و ليس رسالة الى خراف العرب الضّالة و حدهم, و للأسف حتى من اخترع هذا الحديث الكاذب لم يحسب حسابه جيّدا, و نسي أن فور وفاة الرسول سيعود العرب الى عاداتهم القبلية, و ستظهر المعاصي و المنكرات في الدولة الأموية و العبّاسية بشكل لا مثيل له, فكيف يكون زمن الصحابة هو خير الأزمان و هو الذي شهد أكبر حركة ردّة عن الاسلام, و هو الزمن الذي شهد ذبح الصحابة لبعضهم البعض في موقعة الجمل و النهروان, و هو الزمن الذي أظهر المكر و الخبث الدفين في بعضهم و الاستعداد للتخلّي عن الأخلاق من أجل التشبّث بكرسي الحكم ؟, و ما رأيكم ان قلنا أغلب الصحابة الذي يدافع عنهم السلفي و يتّخذهم مطيّة لتكفير الأمة و كل من يحاول انتقادهم أغلبيتهم من الطلقاء و ليسوا من خيرة الصحابة الأكثر اسلاما منهم طولا و عرضا ؟ ... 

اجمالي القراءات 9145