نماذج من النشر فى جريدة ( الأحرار ) ضد الوهابية ( 2 من 3 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١١ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نماذج من النشر فىجريدة ( الأحرار ) ضد الوهابية  ( 2 من 3 )

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية 

الفصل التمهيدى : النشر فى الأحرار : نماذج من مقالات ضد الوهابية  ( 2 من  3  )

نشرت مقالات كثيرة من وقت مبكر  فى الأحرار فى الهجوم على مافيا تُجّار الدين الوهابى الذين سلبوا أموال المصريين بحجة إنشاء مساجد . منها هذان المقالان :

أولا :

 بتاريخ 2 /9  /1991  . مقال ( قال الراوي : تبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شـبرا )

( عرفته منذ كنت طالبا في الثانوي أركب الأتوبيس لبلدنا حيث كان يصعد هو يبيع النعناع ويترنم بلهجة متنغمة مميزة : يا مجلي القلب يا نعناع .. وكان يستحوذ على عطف الناس لما يرونه فيه من دلائل الفقر وفقد البصر ، ومعه عصاته في يده يتحسس بها الطريق ويصعد بها الأتوبيس . ولم أكن وحدي الذي يتابعه ويهتم بحالته ، كنت مثل كثيرين من الشباب الذي تعاطف معه ، إذ كان في أعمارنا تقريبا ، وعرفنا أنه يبيت الليل في المحطة ينام داخل الأتوبيسات . ورغبة منا في مساعدته حسبما تسمح به ظروفنا فقد أصبحنا جميعا من الذين يدمنون تعاطي النعناع !!. ومرت الأيام وأصبح صاحبنا بائع النعناع الضرير ذكرى من ذكريات الشباب الغض التي ترزح تحت ضغط الحياة في القاهرة ومشاكلها ، إلى أن قفز صاحبنا إلى ذاكراتي فجأة في أوائل الثمانينات . كنت أجلس في الأتوبيس وسمعت صوتا يتسلل إلى نفسي يدعو الناس للتبرع إلي بناء بيت من بيوت الله ، ورفعت رأسي فوجدت رجلا في ثياب بيضاء قصيرة ، ولا أدري لماذا أيقظ في داخلي الصوت القديم لبائع النعناع الكفيف وأنشودته المفضلة : يا مجلي القلب يا نعناع !!. والتفت إليه والتقت عينانا ، ووجدته في لحظة يشيح بوجهه عني وقد كان قريبا مني ، وأخرجت نقودا لأتبرع بها ، ولكنه تجاهل يدي الممدودة وتخطاني ، ودعوته لأعطيه النقود وهدفي أن أتعرف عليه وأفهم لماذا يتحاشاني ، وعاد لي مرغما ومد يده يأخذ النقود وركزت نظري عليه فعرفت فيه بائع النعناع القديم ، ولكنه أصبح صحيح النظر نظيف المظهر ، وابتسمت له وابتسم لي ، وقلت له هامسا : يا مجلي القلب يا نعناع .. وضحك ..ونزل من الأتوبيس مسرعا ..

ومرت سنوات ، ودعيت لإلقاء محاضرة في أحد المساجد الفخمة ، وكان الشاب الذي جاء يدعوني حريصا على أن أتعرف على الحاج عبدالمعطي رئيس الجمعية التي أقامت المسجد وملحقاته من المستشفي والصيدلية ومعمل التحليل ، وأفاض الشاب في سرد منجزاته وإنشاءاته ، وقلت له حدثني عن ثقافته ومستواه العلمي ، فقال الشاب ، إنه هو الذي ينشيء بيوت الله ومثلي هو الذي ينشر فيها العلم ، واقتنعت بوجهة نظره .. وصحبني الشاب إلى المسجد الفخم ،  ففوجئت به مجرد بدروم يحمل فوق كاهله خمسة أدوار للمستشفى وعياداته التخصصية ومعامل التحليل الخاصة به ، وحتى هذا البدروم اقتطعوا منه واجهاته على الشارع وأقاموا فيها محلات تجارية وصيدلية ، لم يتركوا إلا مساحة تسمح بوجود باب للمسجد !!.  وقلت لمرافقي الشاب : "إنه ليس مسجدا وملحقاته ، ولكنه مستشفي ومحلات تجارية وقد الحقوا بها هذه المصلى المتواضعة ".!. وهرش الشاب رأسه من الحرج وقال : " لقد كنا نريد أن نجعل الدور الأول للمسجد فلم تكتمل فيه الصفوف بالقدر الكافي يوم الجمعة ، ثم اقترح الحاج عبدالمعطي رئيس الجمعية أن نخصص الدور الأرضي للمسجد حتى نستفيد من استغلال الشارع كله في صلاة الجمعة ؟!! وعلى ذلك جعلنا الدور الأول كله لعيادة الباطنة والجراحة . " وقلت له : " ما أزال مصمما على رأيي إنه مشروع استثماري والمسجد غريب عنه ، ملحق به لاستغلال الدين، ثم أين تذهب إيرادات هذا المشروع الاستثماري متعدد الأنشطة ؟ " . ويبدو أنني دخلت في الممنوع ، إذ أن الشاب الذي يرافقني نظر لي ببرود وتركني ودخل المسجد ، ووقفت أمام ذلك البناء الفخم الضخم مترددا هل أدخله وألبي الدعوة أم أخذها من " قصيرها " وأنصرف ، وغلبني الفضول فدخلت ، وكان واضحا أن هناك من كان يجلس ينتظر المحاضرة، ولكن يبدو أن " المرشد السياحي " الذي كان معي وتركني مغاضبا قد أعطاهم فكرة عني ، لذا وجدت نظرات البرود والكراهية تحوطني . وشعرت بالارتباك وعزمت على الخروج ، ولكن تقدم مني أحدهم ورحب بي على حذر وأفهمني بلباقة أنه لا ينبغي أن أتعدي المطلوب مني وهو إلقاء المحاضرة وحسب ، وقلت له : " كان ينبغي أن تكونوا على علم بمن تدعونه إلى المحاضرة ، وهل سيقبل المنكر ويسكت عليه أم ينكره؟ "، وفوجئت به يقول: " إن هناك من هو أكبر منك علما وشهرة يأتي هنا يسعد بمقابلة الحاج رئيس الجمعية ويشيد به وفي النهاية يأخذ أجره على المحاضرة وينصرف سعيدا .." . ووجدتني أثور عليه قائلا : " ومن قال لكم أنني من هؤلاء الذين يأخذون أجرا على كلمة حق يقولها في ندوة أو خطبة ، وقرأت له قوله تعالى :" اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون "..

    وكانت ضجة ، وتقدم كثيرون يهدئون ثورتي ويعتذرون لي حتى ينتهي الموضوع على خير.  وأثناء ذلك جاء أحدهم ووقفوا له احتراما ، وتقدم مني ودعاني لمقابلة الحاج عبد المعطي .. كنت أظنه هو الحاج عبدالمعطي، فإذا هو رسول الحاج عبدالمعطي.!! وصعد بنا المصعد الكهربائي إلى الدور الأخير ، حيث يعيش الحاج عبدالمعطي ويسكن ويدير إمبراطوريته ويعرف كل ما يدور فيها أولا بأول ..

   ودخلت مكتب الحاج عبدالمعطي فوجدته هو .. يا مجلي القلب يا نعناع .. وتبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شبرا ..). 

إنتهى المقال ولكن لم تنته التجارة الوهابية بالدين .!!.

ثانيا :

جريدة الأحرار بتاريخ : 16/9/1991  : ( قال الراوي : الفك المفترس )

(  زارني بعض الأصدقاء يتحدثون معي حول مقال " تبرع يا أخي لبناء مسجد نفق شبرا " الذي نشرته الأحرار من قبل . وانبرى أحد الأصدقاء يعتب على هجومي على جامعي التبرعات واتهامهم بالثراء لأن بعضهم يقوم بهذا العمل مخلصا ولا يتخذه تجارة .. وكان عليً أن أوضح لهم موقفي بالتفصيل .

* قلت لهم : لنفترض جدلا بأن هناك من ينقطع عن عمله لكي يظل يقول " تبرع يا أخي لبناء مسجد "  طيلة اليوم بدون مقابل مادي ، أقول لنفترض جدلا أنه يقوم بهذا العمل المرهق تطوعا ، لأن الحقيقة أنه يأخذ مقابلا سخيا تأسيسا على قوله تعالى في توزيع الصدقات ".. والعاملين عليها.." فهم يعتبرون أنفسهم من العاملين على جمع الصدقات ولهم فيها نسبة في المحصول تتحدد حسب الظروف التي لا محل لمناقشتها الآن.  ولكن دعنا نغمض عيوننا عن هذه الحقيقة ونقول أن القائمين على هذه المشروعات يعملون متطوعين مخلصين ، حينئذ يكون من حقنا أن ننبه إلى شيء هام وهو أن عدد المساجد في القاهرة ليس قليلا إلي الحد الذي ينهض فيه أولئك الأخوة الأبرار المخلصون في حملة منظمة تستمر سنوات طوالا يجمعون فيها أموال الناس – ومنهم أكثرية محدودة الدخل – وتكون النتيجة أن تتكاثر المساجد إلى درجة تقترب من عدد المصلين . ولا يوجد في القاهرة مسجد يكتمل فيه الصف الأول إلا نادرا . إذن هي كثرة من المساجد تفوق المطلوب ، هذا إذا كانت تلك المساجد للصلاة فحسب ، والواقع أنها مشروعات استثمارية تختفي خلف عباءة الدين.

* وقلت لهم : إن الإسلام في عصوره المزدهرة الأولى لم يعرف هذه الكثرة في المساجد ، إذ كان يكفي مسجد جامع في كل مدينة ، وقد نهى عمر بن الخطاب عن زخرفة المساجد، ورأى أن توجيه تكاليف الزخرفة إلى إطعام المساكين أفضل وأهم.. وفي هذه العصور لم يخرج على الناس أحد الأبرار يقول تبرع يا أخي لبناء بيت من بيوت الله .. وبسبب اقتصار المسلمين في كل مدينة على مسجد واحد يجتمع فيه المسلمون للصلاة كان وصف المسجد بأنه " جامع ".. وغني عن الذكر أن أحدا لم يفكر وقتها في استغلال المسجد لمشروعات استثمارية تجارية لصالح الأبرار وحدهم ..!!

* وقلت لهم : إن القرآن الكريم حفل بالآيات الكثيرة التي تحض على رعاية الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ، ومع ذلك لا نجد فيه هذا الاهتمام بإقامة المساجد والدعوة إلى تأثيثها، ذلك أن المسلم يصلي لله تعالى في أي مكان ولكن ينبغي أن يكون مخلصا لله تعالى في عبادته ، وكلمة المسجد في الأصل هي موضع السجود لله على أي مكان طاهر في الأرض، لذا يقول تعالى : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ  (29) الاعراف 29)  أي علينا أن نصلي لله تعالى في أي مسجد ولكن ينبغي أن نقيم لله وحده وجهنا مخلصين له الدين . وحين دعا القرآن الكريم لتعمير المساجد بالمؤمنين وصفها بأنها بيوت  (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور  ).  فأولئك الرجال لا يجمعون أموال المسلمين بحجة بناء المساجد ثم يقيمون من خلالها مشروعات استثمارية لصالحهم ، ولكنهم رجال من نوع آخر قلوبهم معلقة ببيوت الله يمارسون التجارة خارج المسجد ، ولكن هذه التجارة لا تلهيهم عن إقامة الصلاة وإخراج الزكاة من واقع كسبهم الحلال من تلك التجارة ، وهم يسبحون لله تعالى في هذه البيوت بالغدو والآصال . هنا تحدث القرآن عن " بيوت " في إشارة لطيفة إلى جواز الصلاة والتسبيح والاعتكاف في أي بيت على الأرض طالما تعمره بالصلاة والخشوع .

* وقلت لهم إن قريش المشركة احترفت التجارة بالدين وكانت تقيم مساجد تعبد فيها أولياء بدعوى أنها تقربهم لله زلفى ، وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك وقال " ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) الجن )". ولكنهم أصروا على هذه النوعية من التجارة عمروا مساجدهم بالزينة والضجيج وخربوا قلوبهم بالزيف وتقديس الأولياء فقال تعالى فيهم " ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)التوبة) .  إذن ليس المهم إقامة المساجد وتعميرها وإنما الأهم نقاء العقيدة وصفاؤها .

* وقلت لهم إن هؤلاء  أهدروا حق ابن السبيل في عصرنا .

    إن " ابن السبيل" هو في الأصل ذلك الغريب الذي يأتي إلي بلد مسلم ، ولا يجد فيها المأوى ، وقد جعل القرآن له حقا في الصدقة التطوعية وفي الزكاة وفي الفيء أي ما يفيء إلي بيت المال ، ومن حق ابن السبيل حتى لو كان غنيا أن توفر له الدولة الإسلامية سائر احتياجاته طالما بقى غريبا . وفي عصرنا الراهن – حيث تقدمت المواصلات وتقاربت المسافات- أصبح المفهوم التقليدي لابن السبيل نادر الحدوث ، فالمسافر إلي مكان يستطيع غالبا أن يعود إلي بلدته في نفس اليوم -  وليس مضطرا كما كان يحدث من قبل لأن يقضي أسابيع وشهورا في السفر يكون فيها غريبا وابن سبيل في المدن التي يمر بها ، ومع ذلك فإن عصرنا أتحفنا بنماذج أشد بؤسا لأبناء السبيل الذين لا يجدون المأوى ويعيشون على الكفاف يبيتون على الأرصفة وفي خيام لا تسترهم وفي منازل آيلة للسقوط وفي أعشاش خربة ، هذا بالإضافة إلى ملايين من أبنائنا الشباب والشابات ذوى الأحلام المؤجلة في الزواج بسبب أزمة السكن .. وأولئك جميعا أبناء سبيل لهم علينا كمجتمع وكدولة أن نوفر لهم المأوى.

* وسكت عن الكلام  ..وقال أحد الأصدقاء : هيا بنا نصلي في مسجد(...) لتعرفوا الرد العملي في الموضوع .. وذهبنا .. وبعد الصلاة جلسنا . ولفت نظري شخص يجلس ، آسف إنه يبدو مجموعة من الأشخاص قد تجمعوا معا في شخص واحد .. لا تستطيع أن تتبين ملامحه بصعوبة وسط هذا الكم الهائل من الشحم واللحم .. ولم أكن الوحيد الذي انبهر بهذا المنظر الفريد ، وابتسم صديقنا وقال إنه الأستاذ (...) ويعمل وكيلا لأحد المدارس الثانوية . وقد زاملته منذ عشر سنين فنحن خريجو نفس الدفعة ، وكان في بدايته نحيف القدر والمقدار مثلنا . ولكنه بعد أن تولى أمانة الصندوق في هذا الجامع منذ عدة سنوات وصل حجمه إلى ما ترى.

* وقال صديقنا : إن مرتبه 160 جنيها شهريا ، ولكنه يأكل على الغذاء كل يوم 4 كيلو من الجمبري الفاخر ، ثمن الكيلو منه أربعون جنيها ، أي أنه يستهلك كل يوم وجبة واحدة تعادل مرتبه الشهري .

* وقلت لنفسي إذا كان هذا الفك المفترس يلتهم هذا القدر من الجمبري كل يوم فكيف به في سائر الأطعمة الأخرى ؟!!

* وقلت لنفسي إنه سيأتي بعون الله اليوم الذي يصحو فيه الناس وتختفي فيه تلك التجارة بالدين وأولئك الناس المترفون ، وحينئذ يعود الفك المفترس نباتيا مثلنا يأكل الطعمية والفول والكشري ..) .

إنتهى المقال . ولم تنته التجارة الوهابية بالدين .

اجمالي القراءات 6858