النشر فى جريدة الميدان

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٧ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

النشر فى جريدة الميدان

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية  

الفصل الأول :  النشر فى جريدة الميدان

مقدمة :

1 ـ ظهرت جريدة الميدان ( المصرية ) صحيفة اسبوعية مستقلة ، أصدرها رجل الأعمال محمود الشناوى ، وحين كنت أنشر فيها كان رئيس تحريرها الاستاذ محمد حسن الألفى ، وكنت قد تعرفت عليه حين كان من كبار المحررين فى مجلة روز اليوسف . بدأن أنشر فى جريدة الميدان بعد حوالى ست سنوات من النشر فى جريدة ( الأحرار ) الأسبوعية . تركتها وإستأنفت نشر العمود الذى كنت أكتبه فى ( الأحرار ) وهو ( قال الراوى ) فى جريدة الميدان . جريدة الميدان كانت ليبرالية التوجه مثل الأحرار ، ولكن كانت متحررة من نفوذ الاخوان المسلمين ـ لم تحمل أوزارهم مثل جريدة ( الأحرار ) التى كانت ناطقة باسم حزب الأحرار ، وتتأرجح فى سياستها حسب تقلبات الحزب الذى تنتمى اليه . وسأعرض لذلك حين أكتب عن النشر فى جريدة الأحرار .

2 ـ على أن النشر المستمر اسبوعيا فى الأحرار ــ وقت شهرتها كصحيفة معارضة ـ جلب لى شُهرة وفتح لى أبواب النشر فى صحف كثيرة فى مصر وخارجها . بدليل أن جريدة الميدان لم تكتف بالنشر لى بل كانت أيضا كانت تقوم بعرض بعض مؤلفاتى وكتاباتى فى شكل حوارات صحفية ، وإنفرد بذلك الكاتب الصحفى الاستاذ مطاوع بركات ، وكان صديقا لابنى الشريف منصور . وقد عرض لكتابى ( عذاب القبر والثعبان الأقرع ) فى حوارت صحفية ، يسألنى فيها ويسأل الشيوخ يردون على ما كتبت ، وإنفردت الميدان بنشر هذا فى المانشيت الرئيس بالخط الأحمر فى الصفحة الرئيسة . وحققت بهذا رواجا ، فاستمر الاستاذ مطاوع بركات فى هذا المنحى فى حوارات أخرى . بالتالى أصبح ما نشرته من قبل عن نفى ( حد الردة ) و( عذاب القبر )   مادة للإثارة الصحفية ، وأتاحت شُهرة للاستاذ مطاوع بركات . بعد ( عنوان ( قال الراوى ) بدأت أنشر فى الميدان مقالات بعنوان آخر هو ( بدون شكّ ) .

3 ـ أنشر هنا نماذج مما نشرته ( الميدان ) ضد الوهابية .

أولا : مقال ( فى سبيل التاج : قال الراوي  . الميدان   12 /10 /1996 )

( الصراع السياسي لا يمكن تفاديه ، حتى فى داخل النظام الحاكم ، وكل مشتغل بالسياسة يرى نفسه أحق من الآخرين بالتقدم إلى منصب الصدارة . وفى خارج النظام هناك قوى سياسية ترى نفسها الأحق بالحكم ولا ترى فى النظام الحاكم إلا العيوب دون أي إيجابية .

كل ذلك وارد ومفهوم طالما يدور الصراع فى نطاق السياسة ، وبهدف معروف ومكشوف هو الحكم والجاه والسلطة وحب الظهور . بل أقول كل ذلك جائز حتى لو استباح كل فريق لنفسه خداع الجماهير بأنه يسهر على رعايتها ويناضل من أجلها ويعمل لصالحها ويهب حياته وعمره فى سبيلها ..

يجوز ذلك فى لعبة السياسة طالما يتم بأدوات دنيوية ومطامع دنيوية . أما الذي لا يجوز فهو إقحام الدين فى تلك الألاعيب التي يعلم الجميع أن الهدف منها هو استخدام الدين للمتاجرة به للارتزاق الدنيوي .. ليس إلا ..

إن الفرقاء السياسيين حين يستخدمون الدين فى صراعهم السياسي يرتكبون خطايا دينية وسياسية ويدخلون منطقة ملغومة لا يخرجون منها ، إذا أن النصوص الدينية يسهل تطويعها بالمقدرة الفذة لعلماء السلطة المحترفين وخصومهم من محترفي الدجل الديني السياسي ، مما يؤدى فى النهاية إلى ضياع هيبة التنزيل بل وربما اختفاء الثقة فى الدين نفسه ، طالما يصدق الناس ما يلقى إليهم من استشهادات دينية منمقة ولكن مبتورة أو مزيفة ..

إن من السهل على علماء السلطة الاحتجاج بالآيات التي تتهم الخصوم بأنهم خوارج مفسدون فى الأرض يحاربون الشرعية وجزاؤهم أن يطبق عليهم حد الحرابة ، وفى المقابل يستطيع الشيوخ المناضلون الاحتجاج بالظلم ويرفعون لواء التكفير للسلطة الحاكمة بل والمجتمع وما يتبع ذلك من فرضية الجهاد ..

والحوار السياسي يستطيع دائما أن يصل إلى نقاط التقاء ، بل أن كل المشاكل والمفاوضات " الدنيوية " يمكن فيها الوصول لحل وسط ، والسياسة بالذات هي "فن" الممكن فى الزمن المستحيل ، " فن " أن تقنع الآخرين بأنه ليس من الضروري أن يكون مجموع الثلاثة والاثنين يساوى خمسة قد يساوى خمسة وقد يساوى ستة حسب الظروف والمصالح ..

هذه المرونة السياسية تضيع تماما إذا تلاعبت السياسة بالدين وأصبحت النصوص الدينية المقدسة " أو التي توصف بذلك " هي الفيصل فى الموضوع ، عندما يتمسك كل فريق بما لديه من براهين تبلغ عنده  مرتبة الاعتقاد ويعتبر التنازل عنها كفرا وإلحادا .. لذلك يتمسك بنفي الآخر ومصادرته تماما، أي يحكم عليه بالإبادة التامة والتصفية النهائية. والنتيجة هى استمرار الصراع إلى ما لا نهاية ، وحتى لو استطاع فريق الانتصار وإبادة خصمه ماديا فإن الخانعين من الأسرى سيضطرون لإعلان التوبة باللسان ويستمرون فى التآمر تحت الأرض .وتلك هي المحصلة النهائية لإقحام الدين فى ألاعيب السياسة ..

إن الدين إيمان والإيمان أمن وسلام .. وشريعة الدين تأمر بالعدل والإحسان .. وغاية البشرية فى كل زمان ومكان هي الوصول للأمن والإسلام والعدل والإحسان والسمو الخلقي .. والرسالات السماوية نزلت بكل هذه المعاني العظيمة وبكل اللغات ، والسياسة إذا أفلحت حققت ما يصبوا إليه البشر من الأمن والسلام والعدل والإحسان .. ويمكن للسياسة أن تحقق ذلك بدون شعارات وبدون التمسح بالدين لأن الضمير البشرى قد استقرت فى داخله كل تلك المعاني السامية .. ولكن الخطورة أن يتمسح حاكم بالدين فيصل إلى الاستبداد وأن يكون حاكما مؤلها أو يتسربل ثائر بالدين ويخدع الجماهير بالجنة الموعودة بينما هو يدخر لهم الظلم والاستبداد وسفك الدماء . إن الخروج من هذا المأزق يتمثل فى أن نتصارع سياسيا بأدوات السياسية وأن يظل الدين فى مكانه السامي العالي بعيدا عن أهوائنا وطموحاتنا وتفسيراتنا ، فذلك أطهر للدين وأسلم للسياسة ويكفى الإسلام العظيم ما ألحقه به فقهاء السلطة منذ العصر العباسي .)

إنتهى المقال .

ثانيا : مقال (الإصلاح الديني ..... أولاً  ) ( قال الراوى ) ( الميدان : 5/11/ 1996م )

 ( المحصلة النهائية لمشكلة التطرف الديني أن المواجهة تكون بالفكر قبل الرصاص أي بإصلاح الأفكار قبل كل شيء ، أي إصلاح الفكر الديني . هذا إذا كنا لا نطلق الكلام جزافاً ، هذا إذا أردنا حلاً جذرياً لمشكلة التطرف من الأساس ..

  ويقيني أن الحل الجذري لمشكلة التطرف غير  وارد على الإطلاق .. فالحكومة عندنا  لاتحب الحلول الجذرية وتفضل عليها أنصاف الحلول ومحاولة التهدئة وإرضاء جميع الأطراف الداخلية والخارجية , ثم أنه حسب المقولة الشائعة  بأن القليل من الخمر يصلح المعدة فان الحكومة تحتاج إلى نوع من التطرف والإرهاب المدجن أو المستأنس لتخيفنا به وتجعلنا نرضى بها بديلاً  عن ذلك الوحش القادم !!

   ولهذا فإنني لا أتوجه بكلمتي إلى الحكومة ولكن إلى المستنيرين الغيورين من المسلمين .. إن كاتب هذه السطور قضى سنوات طويلة من عمره يدعو لإصلاح ديني  يجعل المسلمين أكثر إرتباطاً بكتاب الله ، وكم حذرت من خطورة الاعتقاد في التراث المكتوب في العصر العباسي والأخذ عنه دون تمحيص, وكم دعوت إلى اجتهاد مستنير يساير عصرنا ،لأنه إذا كان التراث المكتوب في كل عصر يعبر عن ذلك العصر ولا يعبر عن العصور السابقة واللاحقة فإن الإسلام يظل دائماً – من خلال كتاب الله – صالحاً لكل زمان ومكان  ..

   لقد أقام رسول الله دولة عصرية بمعنى الكلمة فى المدينة ، كانت سنته فيها التطبيق الفعلي للقرآن . , وقد أضاعت هذه الدولة ما فعله المسلمون بعده .  وإذا كانت دولة الرسول قد انتهت فإن الأساس الذي بنيت عليه لا يزال معنا  وهو كتاب الله ..  وقبل أن يطمح بعضنا – مدفوعاً بحب الدنيا وألاعيب السياسية – إلى المناداة بدولة دينية، تعالوا بنا نناقش الأسس والمنهاج والبرنامج ونجتهد في توضيح ذلك بالاستعانة بالقرآن الكريم.  أو بمعنى آخر تعالوا بنا نصلح نوعيات التدين السائدة فينا أولاً ، ثم بعدها تكون الأرض صالحة للبناء إذا كان الأمر يستدعي بناءً ..

   كيف يمكن أن تقوم دولة تدعي الإنتماء للإسلام وكل الأسس التي يعتنقها دعاة هذه الدولة تخالف القرآن وتخالف ما كان يعرفه رسول الإسلام .هناك فساد ديني ارتدى زي الحق ، وهناك باطل عاش بيننا طويلاً حتى حسبناه أصلاً من أصول الدين .. فكيف نقيم على الفساد أو الباطل دولة إسلامية تشبه الدولة التي أقامها رسول الإسلام ؟

   إننا لو تخيلنا رسول الله يسير بيننا لأنكر كل شيء مما نفعل ، بدءاً من الأضرحة أو الأنصاب المقدسة  التي يعتبرها رجساً من عمل الشيطان إلى الأقاويل التي نسبناها إليه والتي لا يعلم عنها شيئاً . ومن ينادي بما كان ينادي به النبي في حياته  من إخلاص في الدين والعقيدة مصيره الاضطهاد والاتهام بالردة .. فالقرون التي تتابعت علينا جعلت كل شيء فينا يتغير، ولو لا أن الله تعالى  هو الذي تولى حفظ القرآن الكريم لامتدت إليه الأيدي بالتحريف  والتزوير كما زورت كل شيء .. فكيف نتناسى كل ذلك ونلتفت إلى فكرة إقامة دولة سيكون بنيانها على أعمدة مزيفة وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان ؟ .. ألا يجدر بنا أولاً أن نتعرف على صحيح الإسلام أولاً وعلى الشريعة الحقيقة التي كان يحكم بها رسول الله .. أم أن أطماع الدنيا أهم عندنا من دين الله تعالى ... ؟!! .

   إن عصرنا الراهن شهد مشروعات فاشلة لإقامة دول على أساس إسلامي فلم نرَ منها إلا  كل  ما يسيء للإسلام, لأن الأسس الدينية الموجودة لدينا علاقتها واهية بالإسلام الذي عرفه محمد عليه السلام ..

   إنني أتوجه بهذه الكلمة لمن يريدون رضا الله تعالى.! أولئك الذين يعملون بإخلاص للحق ولكن تغيب عنهم الحقائق .. وأملي أن يراجعوا أنفسهم ويتفكروا في لحظة صدق مع الله تعالى ومع النفس . أما الذين وهبوا أنفسهم للإحتراف الديني السياسي  فلا أمل في الحوار معهم .)

إنتهى المقال .

ثالثا : ( مقال : الابتلاء ) ( بدون شك ) الميدان :  22 / 2 / 2000 )

( يقول تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء )، وابتلاء الخير أشد من ابتلاء الشر ،لأن المصيبة حين تنزل قد تجعل الإنسان يصبر ويقترب من الله متضرعا ، ولكن ابتلاء الخير فى الأغلب يفشل فيه الكثيرون ، إذ تصيبهم النعمة بالغرور والبطر وكفران النعمة .

ـ وتاريخ الصحابة الذي لم نستفد منه ـ اكبر دليل وأكبر موعظة .. ففي وقت المحن فى مكة كانوا أكثر تآلفا ، واستمر هذا إلى أن قاموا بالفتوحات وورثوا كنوز الفرس والروم ، فاختلفوا واقتتلوا فى الفتنة الكبرى . ويكفى أن تتأمل الصداقة والقرابة بين ( على )  و( الزبير بن العوام ) ، وتلازمهما فى الدفاع عن النبي ، ثم ينتهي بهما الأمر إلى أن يكون كل منهما فى موقعة الجمل على رأس جيش يقاتل به رفيقه .

وقد كان المال هو السبب الحقيقي فى تلك الفتنة الكبرى ، ونقتصر هنا على الإشارة إلى ما تركه زعماء الفتنة الكبرى من أموال .

ـــ لقد ترك الزبير بن العوام " 35.2 " مليون درهم وفى رواية " 40 " أو "51" أو " 52 " مليون درهم وترك غابة أشتراها ب  "170 " ألفا وباعها أبنه عبد الله بن الزبير ب " 1.6 " مليون . ومع ذلك مات الزبير مديونا بسبب تجهيزه جيش موقعة الجمل   . وترك الزبير بالإضافة للغابة " 11" دارا بالمدينة ، وبيتا فى كل من مصر " الفسطاط "و بالإسكندرية وبالبصرة والكوفة .

ـــ أما طلحة بن عبيد الله القائد الثاني لجيش موقعة الجمل، فقد فتل وفى يده يومها خاتم من ذهب فيه ياقوتة حمراء وكان إيراده من العراق فقط ألف درهم فى اليوم ، وما بين" 400 : 500 " ألف  سنويا و" 10 " آلاف دينار من السراة فى اليمن. أما تركته العينية فيروى   أنها كانت  " 100 " بهار وفى كل بهار ثلاثة قناطير من الذهب أي " 300 " قنطار من الذهب " ( الطبقات الكبرى لأبن سعد 3 ـ 1 ـ 75 : 77 ، 156 : 157 ".)

وعمر بن العاص الذي كان نجم موقعة صفين حين أدركه الموت سنة 43 وهو وال على مصر ترك سبعين بهارا من الذهب ، ومقدارها 140 أرديا بالكيل المصري ، وقد أعطاها لولديه فرفضا وقالا له : "حتى ترد على كل ذي حق حقه .! ". وصادر معاوية ذلك الذهب وقال : نحن نأخذه بما فيه " (خطط المقريزي 1 / 465 )

ولم يدرك عبد الرحمن بن عوف الفتنة الكبرى ، وقد ترك أطيانا زراعية وثروة حيوانية هائلة ، وترك ذهبا كانوا يقطعونه بالفئوس حتى نحلت أيدي الرجال منه " ( الطبقات الكبرى لابن سعد 3 ، 1 ،96 )" .

وفى المقابل مات على بن أبى طالب فقيرا وهو الخليفة وحين قتل سنة 40 لم يترك سوى 700 درهم ". (  الطبقات الكبرى لابن سعد 3 ، 1 ،96 ").

 ومن الصحابة من أنكروا على زملائهم اكتناز الأموال ، وكان منهم أبو ذر وأبو الدرداء وابن مسعود وعمار بن ياسر .، ويذكر ابن خباب بن الأرت حين أدركته الوفاة سنة 37 هجرية جئ له بكفن فاخر فبكى وقال : " ولكن حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم كفن فى بردة إذا مدت على قدميه قلصت عن رأسه وإذا مدت على رأسه قلصت عن  قدميه . ثم قال لقد رأيتني مع رسول الله ما أملك  دينارا ولا درهما والآن فإن فى ناحية من بيتي أربعين ألف  ..ولقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا فى حياتنا الدنيا ".( الطبقات الكبرى لابن سعد 3 ، 1 ، 117 " )

لقد وضعوا أحاديث تمنع نقد الصحابة وبحث حقائق الفتنة الكبرى .. وترتب على ذلك أننا لا زلنا نعيش فى الفتنة الكبرى .. لأننا لم ندرسها ولم نتعظ بدروسها .. وهى كثيرة .)

انتهى المقال . 

اجمالي القراءات 5621