مصر والمصير

كمال غبريال في الأحد ٢٨ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ما تواجهه مصر الآن ليس مجرد أزمة اقتصادية مرحلية، ولا تعثرات وتهديدات من أفراد وعصابات خارجة على القانون ‏ومسار المجتمع العام، سواء من حيث الفساد المالي والإداري أو الإرهاب.

ليست أزمة حكم غير رشيد، وإن فاقم الحكم غير الرشيد الحالة تدهوراً.‏ فأزمة دائرة الحكم ليست غير أحد النتائج الوبيلة ‏لأزمة الدائرة الأوسع، التي هي كامل الوطن.‏ تلك الدائرة التي تشمل الحاكم والمحكوم والنخبة مؤيدة كانت أم معارضة.‏

كما أن الأمر بالطبع ليس أمر مؤامرات خارجية، كما يصوره المتهربون من مسئولياتهم، ويصدقهم فيه دهماء نشأت ‏على ثقافة الإنكار، وعلى العيش تحت ظلال العداء والخوف من "عدو إن لم نجده اخترعناه"‏.

كل ما نعانيه الآن ليس غير إفرازات الجسد المصري، المضروب بشتى صنوف الأدواء والسموم. هي حالة ترتبت على ‏صدمة حضارية، سببها العجز عن مجاراة الحضارة العالمية المعاصرة،نتيجة لكل من نوعية الإنسان والثقافة السائدة ‏المتوارثة، والتي تأخذ في أغلبها صبغة مقدسة اجتماعياً وميتافيزيقياً.‏ما ترتب عليه تنامي تيارات معادية للحضارة العالمية، أخطرها ‏الآن التيارات الديني، الذي ورث سلفيه التيار اليساري والقومي العروبي.

وجود العقل في الإنسان قد يرتفع به للسمو، وقد يهبط به إلى ما دون الحيوانات، التي لا تمانع في أن تساق إلى ما فيه ‏خيرها، مثلما يفعل بعض البشر.‏ كما أنه من المعروف أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يتناول طعاماً قد يضره. ‏وأيضاً قد يعتاد على سلوكيات تنعكس سلبياً على حياته.‏

من الحماقة الأمل في شفاء مرضى يتشكون من الأعراض، ويتمسكون بفيروسات المرض، لمجرد أنهم يعتبرونها ‏مقدسة. . من الحماقة أيضاً تحميل هؤلاء فوق ما يستطيعون ويطيقون.‏ فالمجتمع المصري الآن صار أشبه بقنديل ‏البحر، ذلك الكائن الجيلاتيني الرخو غير محدد الملامح، والذي يفرز السموم، ويتكاثر ويتورم في سائر الاتجاهات، بلا ‏عمود فقري يقيم ويقوم عوده. الجسد المصري الآن في عمومه ما بين "معطوب" و"تالف"‏. تختلف درجات العطب ‏ونوعيته ما بين الأفراد والمكونات المجتمعية، لكن المعضلة أن الأجزاء الأقل عطباً غير مؤهلة كيفياً، وغير كافية ‏كمياً، لشفاء المكونات الأكثر عطباً، واستئصال تامة التلف.

نتجه منذ عقود ببطء آخذ في التسارع نحو الانهيار الشامل.‏ هو الطريق الذي اختاره الشعب المصري لنفسه، سواء ‏بوعي أو بدونه. وأظن أن الأمل في تغيير المصير يقع في المنطقة ما بين الجهل والسذاجة.


 

اجمالي القراءات 6570