أكذوبة عدم تحلل أجساد الأنبياء

سامح عسكر في الجمعة ١٩ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

حديث إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء..

هذا من أشهر الأحاديث المنشورة بين العامة، ويهتم الشيوخ دائما بتصحيحه لزوم إثبات الكرامة وما إلى ذلك.

أضافوا له أيضا عدم تحلل أجسام الشهداء والصالحين باعتبار أن الله قد جمع هؤلاء بالرسل في الجنة، واعتمدوا على روايات أخرى بنفس الدرجة، وهنا سنناقش هذا الحديث في عدة مواضع..

أولا: الحديث ضعيف السند ، فيه عبدالرحمن بن جابر ضعفه ابن سعد ، بينما وثقه مسلم والبخاري في الأدب المفرد، ورد آخرون بل هو عبدالرحمن بن عتيك (المجهول)، والطريق الآخر عند ابن ماجة فيه.."زيد بن أيمن"..ضعيف مرسل عند البخاري، وعليه فالحديث معلق ومختلف عليه..أي حكمه ضعيف مردود

ثانيا: تحلل الأجسام سنة إلهية لديمومة الحياة على الأرض، فلو لم تتحلل أجسام السابقين ما كنا ورثناهم أو استطعنا العيش مكانهم، ومبدأ اعتبار بقاء الجسم ككرامة من الله لا يستقيم شرعا، فالله يريد لنا العيش وأن نرث السابقين لا أن يخلد السابقون فتهلك الحياة على الأرض..

ثالثا: تحلل الأجسام لا يعني امتهان الجسد أو كراهية صاحبه أو ازدراء دينه وسيرته، والكاذب الذي وضع الحديث كان يعتقد أن بقاء الجسد يحفظ كرامة وشرف صاحبه، لأن الروائح الكريهة والمنظر القبيح مؤذية..فلا يليق أن يؤذي نبيا بشرا حتى بعد موته..والرد على ذلك أن الأنبياء بشر.." قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا".. [الإسراء : 93] فإذا كان النبي بشرا لماذا لا يخضع لقانون الأجسام؟..هنا سنعتبره ملاكا أو كائنا مختلفا..

رابعا: فكرة عدم تحلل الأجسام واعتبارها كرامة موجودة في بعض الديانات الأخرى، وهذا استعراض لجثث الكهنة والقديسين المسيحيين الشوام محفوظة كما هي بعد موتها منذ مئات السنين....http://bit.ly/2quZQ8d

خامسا: لو تم اعتبار عدم تحلل جسد النبيين كرامة..فلماذا لا نعتبر عدم تحلل أجسام القديسين المسيحيين أيضا كرامة؟..مع العلم أن الفيديو السابق فيه جثة للقديسة .."إيميلدا لامبرتيني"..المتوفية منذ 700 عام..

سادسا: لو قالوا أن المسيحيين حنطوا جثث موتاهم بمواد كيميائية بينما الله حفظ جثث الأنبياء بدون تحنيط قلنا: أين الدليل أن جثث الأنبياء لم تتحلل؟..افتحوا قبر واحد منهم لنتأكد..فلا يصح أن الاستشهاد بالمجهول..هذا خرق لقواعد الاستدلال..

سابعا: المسلمون من أكثر شعوب الأرض هوسا بالإعجاز العلمي..ورغم ذلك يردد شيوخهم أن جثث الأنبياء لم تتحلل ككرامة إلهية بينما لم يكشفوا جثة واحد منهم للإعلام ليعرف من يعرف عن بينة..وهل نظن أن لو امتلكوا معجزة كهذه سيتركوها؟؟!
http://bit.ly/2qV4g9Y

http://bit.ly/2pZJcdn

http://bit.ly/2rupFTL


ثامنا: في صحيح البخاري روى حديث آخر يطعن في هذا الحديث بقوله.." كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب"..وأداة الجمع كل تبطل الاستدلال ببقاء الأجسام، فلو قيل أن الحديث الآخر (استثناء) قلنا -حسب قواعدكم الحديثية- فكلام البخاري مصدق عن من سواه من المحدثين، كذلك فالقول بالاستثناء يلزمه القرينة، والاحتجاج بالقرائن في الفقه يكون بدليل أقوى وليس بأضعف..يعني يلزمك الاحتجاج بحديث صحيح السند أو بآية قرآنية للتخصيص. 

تاسعا: الحديث ذكر في معرض فضل الدعاء والصلاة على النبي يوم الجمعة بهذا النص.." إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي»، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يعني بليت، فقال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"..انتهى

فالظاهر أن الراوي قال بعدم التحلل كشاهد وليس كأصل، لأن فكرة الحديث عن فضل التعبد والذكر، أما القول ببقاء الأجسام هنا ليس أصل بل فرع أو أداة إثبات..

عاشرا وأخيرا: نص الحديث فيه خطأين، واحد علمي والثاني شرعي، فالعلمي : أن بقاء الجسد لا يعني بقاء الحواس، فالميت يظل عدة أيام كما هو حتى تبدأ الإنزيمات والبكتريا والفطريات في ممارسة عملها بالتحلل، لكن طيلة هذه الأيام هو فاقد للحواس، ثم ماذا نقول في بقاء جسد لينين الشيوعي 100 عام بعد وفاته.. http://bit.ly/2riwGup

أما الخطأ الشرعي: أن النبي مكلف كغيره من البشر، فإذا انتهى تكليفه لا يعلم ما سيحدث بعد موته، ويصدق ذلك قول المسيح.." ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم".. [المائدة : 117] ويعني ذلك أن الرسل لهم مهمة وهي التبليغ والإنذار، فإذا انتهت المهمة كان الله هو الرقيب المطلع ولا دور هنا لأي بشر..

الخلاصة: أن الحديث مكذوب جملة وتفصيلا، ومناقشة سنده وإظهار ضعفه للرد بسياق الحجج الشرعية التي يؤمن بها الشيوخ ليس أكثر، أما المتن مردود..ونصوصه مليئة بالأخطاء العلمية والشرعية والمنطقية، وقائله كان مهتم بتشجيع الناس على الذكر أكثر من إثبات عدم التحلل، وأن القائل أيضا كان يقدس النبي بتعظيم مبالغ فيه يرقى لمرتبة التأليه..

اجمالي القراءات 30101