الأديان لا تحتاج إلى حماية جمركية

خالد منتصر في الثلاثاء ١٦ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أندهش من هستيريا طلب حماية الدين، أو بالأصح التدين، بترسانة قوانين وحصون قرارات، وأتعجب من وسواس طلب سجن وحبس وإعدام كل من يجتهد بحجة الدفاع عن الله والذود عنه سبحانه جل وعلا، والذى تربينا على أنه يدافع ولا يدافَع عنه! السؤال: هل الدين مثله مثل الصناعة المحلية يحتاج إلى قوانين حماية جمركية؟! هل الدين سلعة معطوبة، حاشا لله، أو إنتاج محلى معيب، أستغفر الله، حتى نحيطه بكل هذه الحصون الدفاعية والدروع القانونية خوفاً من أن تدخل سلعة منافسة فتطرده من السوق وتحل محله؟ الحماية الجمركية تكون لسلعة نخشى عليها من البوار أو لمنتج نحن نعرف جيداً أنه مضروب غير متقن الصناعة، لذلك نفرض على الناس تجرُّعه وشراءه واستخدامه بالعافية! لكن كل متدين والحمد لله سواء مسلم أو مسيحى فى مصر واثق ومطمئن لاعتقاده الدينى ولا يحتاج إلى وصى عليه أو حارس قضائى يحميه أو قلعة حصينة يُسكنه فيها بعيداً عن نسمة هواء تخدشه أو ذرة رمل تجرحه! الدين الموثوق فيه ورجل الدين الواثق من قوة اعتقاده وصلابة إيمانه وإفحام منطقه المفروض ألا يخشى أو يخاف رأياً أو نصيحة أو حتى هجوماً طائشاً، والمفروض أن يكون مطمئناً تمام الاطمئنان إلى أن الله يعرف العدو والشرير والمتآمر وصاحب النية السيئة أكثر منه، ويستطيع عقابه ومسخه فى لحظة لو أراد، ولا يحتاج أن يلعب رجل الدين دور وكيل الأعمال أو محامى النقض أو فتوة العقيدة أو صاحب مفتاح الجنة أو البودى جارد أو المخلصاتى أو الملوح بعصا التهديد... إلخ.

الله لا يحتاج إلى كل هذه الوظائف المستحدثة، وبما أنه قد انتهى عصر الأنبياء بخاتم الرسل فلا يصح أن نصنع نحن من دون الله أنبياء جدداً صناعة محلية «هاند ميد»! ليس من المعقول ولا المقبول ولا المنطقى أن نستيقظ كل يوم على صرخات من رجال دين أو من عموم الناس «الحق امسك مجتهد انتقد البخارى، حطوه فى السجن، علموه الأدب!! اقطع رأسه فهو قد ارتد وترك قبيلتنا الدينية!! أو فلان ده سيتسبب فى بلبلة الشباب»!! رغم أن تلك البلبلة التى يقصدونها هى حضٌّ على التفكير النقدى الذى يدفع بالأمم المتحضرة إلى الأمام، كل ما قاله كبار الأئمة والعلماء فى وقتهم وزمانهم من أفكار غيّرت وأثّرت فى مجتمعاتهم، كانت بالنسبة إلى أبناء تلك الفترة بلبلة وازدراء، بل أحياناً كانت تُعتبر كفراً وخروجاً عن الملة!! كان المعرى المشكك والمتنبى مدّعى النبوة وأبونواس عاشق الخمر والغلمان يكتبون شعراً وهم أعلام عصرهم، وكان الفقهاء إلى جانبهم يجتهدون، وكان المترجمون ينسخون كتب الإغريق الفلسفية ويرسخون علم الكلام عن مسائل غاية فى الحساسية الدينية، وكان الدين بالرغم من ذلك ينتشر ولم ينهر ولم يدخل المسلمون فى الإلحاد أفواجاً!! كان المسلم المتدين يقع فى غرام المتنبى لأنه كان يحكم عليه بحسّه الفنى العاشق لعبقريته المتذوق للغته المبهرة، لم يحذف القراء إلا فى زماننا المنكوب أشعار أبى نواس الماجنة، ولم يفكر مسلمو العصر العباسى فى إصدار نسخة منقّحة ومهذبة من أشعار هذا الشاعر الذى لو طبقنا عليه مقاييس زمن الورع الكاذب الذى نعيشه لأعدمناه فى ميدان عام!!

يا سادة، ترسانة قوانين الحماية الجمركية للدين هى إهانة للدين لأنها اعتراف صريح بأنه هش ولمس الحرير يدمى بنانه ويحتاج إلى صوبة معقّمة لحمايته وحضّانة مستوردة مغلقة النوافذ لاستكمال نموه والحفاظ على حياته لأنه جنين مبتسر ناقص المناعة سيموت إذا طاله ميكروب وسيُدفن من مجرد لفحة هواء!!.

اجمالي القراءات 6679