منهج التكفير

مولود مدي في الأحد ١٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في السنوات الأخيرة تراجعت المعارك الفكرية السلمية بين المسلمين و فيها يتصارع كل طرف مختلف فكريا عن الأخر بالأسلحة الفكرية و الحوار و في كل حوار يحاول كل طرف الوصول الى نقط مشتركة لإحداث التقارب, وما ان يحدث هذا التقارب فشبح العنف سيزول لأن ثقافة الحوار هي السلاح الأول الذي يقضي على العنف, لكن عندما نستقرأ الواقع نجد أن المسلمين هم أبعد النّاس عن ثقافة الحوار و النقاّش من المسلم العادي الى الفقيه الى الحاكم و الرئيس, فالمسلم العاجز عن الحوار الهادئ يعجز عن مناقشة من يخالفه في أي أمر يعجز عن استخدام الوسائل الشريفة في الحوار لقلة معرفته و جهله المقدس فيلجأ الى الوسائل الفاسدة و الرديئة مثل اطلاق الاتهامات الباطلة و التشويه و الشخصنة و التكفير, فلدينا في " الطبري " الفقيه السنّي اكبر مثال فحين حاول الرد على من قالوا بخلق القرآن من المعتزلة قال ما يلي في مقدمة كتابه ( صريح السنّة ) " كلام الله, غير مخلوق, كيف كتب, و حيث تلي, و في اي موضع قرئ, في السماء وجد, وفي الأرض حيث حفظ, وفي اللوح المحفوظ كان مكتوبا ... فمن قال غير ذلك , او ادعى أن قرأنا في الأرض, أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا, و نكتبه في مصاحفنا, او اعتقد غير ذلك بقلبه, أو أضمره في نفسه, أو قاله بلسانه دائنا به فهو بالله كافر, حلال الدم " .. في الحقيقة الطبري هو أحسن مثال لشخص يصعب معه الحوار أو الوقوف على مشترك، فعندما تقرأ هذه السطور تحس انك في مشاجرة لن تنتهي معه إلا بالتسليم بما يؤمن به, و المشكلة أن الطبري يكفّر من يقول بخلق القرآن و  - هذا يعني تكفيره للمعتزلة دون تمييز – رغم ان القول بخلق القرآن لا يخرج بصاحبه من الاسلام, لكن هذا يدل على انعدام ثقافة الحوار الهادئ بين أغلبية فقهاء ذلك الزمان فكان التكفير حجة لمن لا حجة له.

للأسف أصبح الخطاب التكفيري مسموحا و عاديا في العالم الاسلامي و خاصة في أوساط رجال الدين, فيصبح الشيخ " الها " لأنه كفّر من يخالفه و أخرجه من الملّة رغم أن من يقرر من هو المؤمن و من هو الكافر هو الله وحده, فيلحق رجل الدين الأذى بدينه لأن تكفيره سيفتح الباب للمظالم في حق العباد التي تتم باسم الله وهو بريء منها فيستولي على المهمة الالهية و يعتدي بتصرفه هذا على حق من حقوق الله, ان التكفير هو افتئات على أهم صفات الله و إرادته و تدخل في شؤونه, فكيف يحق للإنسان أن يقبل أو يرفض ايمان شخص معين ؟ ان قبول إيمان إنسان من عدمه يعود لمشيئة واحدة فقط هي المشيئة الإلهية و التي لا يمكن لأي شخص مهما كان أن يبلغها, كما ان التكفير هو مخالف للنص القرآني الذي قال أنه ما خلق الإنس و الجن إلا ليعبدون, فالبشر جميعاً و الجن و الأفلاك و المجرات كلها تعرف الله رغم اختلاف طرائق الايمان فلو قالوا أن هذا النص القرآني لا يفهم هكذا سنقول ان كنتم تؤمنون و تدعون اتباع " السنّة " و تصدّعون رؤوسنا بالبخاري و مسلم فالرسول قال أن المرء يولد على دين الفطرة ، فأبواه يهودانه أو يمجسانه و الرسول في هذا الحديث لا يعبر عن رأيه أو رأي ابن ألباني و ابن باز او ابن القرني ولا حتى ابن قرضاوي.

 في الحقيقة أن التكفير لن يدفع ثمنه المسلم العادي فقط و انما الوطن أيضا فيذهب في مهب الريح بنشر الارهاب بين ابنائه ليقتلوا بعضهم بعضا تحت صيحات " الله أكبر " غير واعين أنهم يتصرفون كالقطعان التي لا تسمع و لا تعقل, و الأدهى من ذلك أن التكفير زرع عقدة الخوف من السؤال في نفس المسلم بإيهامه أن السؤال في الدين هو شك في الدين وهكذا يتقبل المسلم اي شيء صادر من طرف الفقهاء و في النهاية يصبح متطرفا تكفيريا مثل عناصر الجماعات الارهابية لا يتورع عن الفتك بالمسلمين او غيرهم.

ولأن أصحاب منهج التكفير هم أناس لا يمكن أن تتناقش معهم, فمنهج التكفير تميز بالتمسك الحرفي بالأصول و التشدد في التعامل مع النص القرآني برؤية شمولية لا تراعي ظروف العصر و لا مصالح الانسان, لذلك تجد أن الجماعات الارهابية التكفيرية لا زالت تحاول اخضاع الحاضر لمرجعيتهم و فهمهم الخاص فقط بوصفها الحق المطلق, لذا نجد أن اول فرقة طبقت أفكار التكفير و التشدد على أرض الواقع الفرقة " الوهّابية " التي ظهرت في نجد على يد " محمد بن عبد الوهّاب '' فتظاهر هذا الأخير بالإصلاح و التجديد لكن ظهرت الحقيقة بتحالفهم مع أل سعود عام 1158 هجرية ( 1745 )، وبه أعطى ابن عبد الوهاب للأمير السعودي مسوغا شرعيا لغزو البلاد الأخرى واحتلالها وقتل أهلها بعد اتهامهم بالكفر واكراههم على قبول الوهابية و بدأ " الوهّابيون '' بالفتك بكل من خالفهم و كفّروا كل الفرق الدينية التي خالفتهم في فهم الاسلام فكفرت " الصوفية و الشيعة " و حتى " التيارات السنّية " وهم الذين يدّعون اتباع المذهب الحنبلي لكن ثمانمائة من علماء " نجد " الحنابلة تبرؤا منه و قالوا أن " محمد بن عبد الوهّاب '' ليس من العلماء لا من الحنابلة و لا غيرهم, ولا نحتاج الى شهادة هؤلاء العلماء لأن جرائم '' الوهّابيين " الفظيعة في شبه الجزيرة بينت حقيقة هؤلاء الكذابين و الأفاقين الذين كان هدفهم دولة يصبح فيها جهاز السلطة السياسي هو الدين و هذا ما ساهم ظهور الدولة القبلية " السعودية " فالوهابيون يقومون بدور الوكلاء عن رب العباد وقراراتهم مقدسة لا يجوز الخروج عليها, فيحولون معارضة الناس لهم الى معارضة الناس لله و العياذ بالله ! .. أما حجتهم في محاولة اصلاح الدين فهي أكذوبة القرن وهي من دعايات السلفيين فلو كان همهم الدين فلماذا تحالفوا مع " ابن سعود " ؟ و منذ متى اهتم هؤلاء بالدين ؟! .. لو كان همهم الاسلام لماذا كفّروا السلطان العثماني المسلم " عبد الحميد الثاني " الذي رفض بيع فلسطين لليهود ولو ملؤا الارض ذهبا ؟ وهل يكون الاصلاح بتكفير المسلمين و ذبحهم و معاملتهم كالبهائم ؟!.

وبما أن منهج التكفير بعيد كل البعد عن الرؤية العلمية للأمور, فان التكفيريين هم ابعد النّاس عن العقل و العقلانية فيظهرون بمظهر العجز الفاضح الواضح, لذا المنهج التكفيري لا يهتم بالعلم و يعجز عن الأخذ بأسباب التقدم و التراجع لأن العلم و البحث العلمي يعني المشقة و التعب كما يعني الحرية, لذا لجأ التكفيريون الى الحلول السريعة و يا ليتها كانت حلولا فجاء " حسن البنا " صاحب الشعار الزائف الاسلام هو الحل والتلميذ النجيب لـ" أبو الأعلى المودودي "  و اسس لبدعة الفريضة السادسة اي ان السياسة فرض على كل مسلم و هذا تسبب في الخلط بين الديني و الدنيوي و أصبح المسلم لا يفرق بينما هو ديني و بينما هو دنيوي  , فعوض أن يدرس المسلم النماذج الاسلامية السياسية ويستخلص منها العبر, أصبح المسلم عاجزا عن تصور المستقبل دون التخلص من الماضي فيرى أن الأمة تابعة للأبد لأجيال انقرضت منذ عشرات القرون, و على اي حال تسبب هذا الخلط في ميلاد جماعة " الاخوان المسلمين " الذين يدّعون السعي الى اقامة المجتمع الاسلامي و كأن المجتمع الذي ظهروا فيه لم يكن مسلما, وهذا لتأثرهم بتخاريف " سيد قطب " الذي وصف المجتمع المصري بـ" المجتمع الجاهلي " و الأدهى من ذلك تميز الخطاب " القطبي " بالتشدد و الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة فقال ان منهجه في كتابيه " معالم على الطريق " و " في الظلال " أن المنهج الذي يقترحه هو منهج " حق و صواب لا خطأ فيه " لأنه مبني على " علم الله " !,  وبما أن المجتمع المصري هو مجتمع جاهلي في نظره فانه دعا الى " الجهاد " أي استعمال القوة في وجه كل من يعارضه أي من يعارض " الاخوان " و هذا ما تسبب في ضبابية مواقف هذه الحركة في الكثير من القضايا فتجدهم يؤكدون على احترامهم مبدأ المواطنة و لكن في اطار الشريعة الاسلامية .. فنسأل اين تحدثت الشريعة عن المواطنة ؟! وهل سيقبلون باعتلاء المسيحيين الأقباط لسدة الحكم ؟ فسيقولون لا, اذن أي مواطنة يريدون ؟! .. فهذا الخلط بين السياسي و العقائدي جعلهم مختلفين حتى بينهم فما بالك بالمجتمع المسلم ؟.

المشكلة أن أكثر من يسيطر على الاعلام هم أنفسهم التكفيريون من " وهابيون " الى " الاخوان المسلمين " و دعاة الفتنة و القتل أمثال " القرضاوي " و " العريفي " فهم هم اخطر الناس على الاسلام من الأعداء التقليديين, فدول الخليج الوهّابي تمولهم و تسهّل حركاتهم في دول العالم الاسلامي لنشر فكرهم و نفث سمومهم, و التحريض العلني في تلك الدول لإشعال الحروب الأهلية و الدعوة الى التدخل الامبريالي في الدول التي تضررت من الحروب الطائفية مثل " العراق " و " ليبيا " و المصيبة الكبرى أن هناك مؤسسات بأكملها ترعى الخطاب التكفيري و تدّرس فقه التكفير لأبناء المسلمين مثل " الأزهر " الذي يعلم أبناء المصريين تكفير و قتل المخالف دينيا و فكريا, و هذا ما يفسر رفضهم لتكفير الجماعات الارهابية فقالوا لنا أن تكفيرهم اثم كبير لأنهم ينطقون بالشهادة فياله من تبرير سخيف و أحمق ! فهل سائر المسلمين لا ينطقون بالشهادة ؟! ان مثل هذه المؤسسات هي التي تعطي الرخصة لقتل المفكرين مثل " فرج فودة " و اعتقال الأدباء و التنويريين مثل " نصر حامد أبو زيد ", ان النكبة في مثل هذه المؤسسات انهم يكفّرون باسم الدين و الدين بريئ من خزعبلاتهم, يحرّضون على القتل ثم يتبرؤون من دم ضحاياهم, يحرضون على الفتنة و الخراب ثم يقولون لك أن الاسلام ليس هكذا فيلجأون الى الكذب و التزييف بأنهم ابرياء من الفتنة, فان جادلتهم تجد نفسك أمام شخص تم تغييب عقله فلا يفهم ان القتل يبدأ بالكلمة قبل أن يكون بالسلاح.

المشكلة اننا نتغاضى عن الارهاب و لا نند به وكأننا متواطئين معه و متعاونين معه ثم نلوم الغرب على تشدده ضد المسلمين و لا نستنكر تصرفات بعض رجال الدين الذين يدعون بالهلاك على المسيحيين و اليهود في المساجد  " اللهم فرق شملهم و ملكّنا أموالهم و نسائهم و افنيهم عددا و احصهم بددا " , عوض ان يستغلوا المسجد من اجل حماية المجتمع الاسلامي من هذه الظاهرة الخطيرة و المسيئة للإسلام, لكن الشيوخ لا ينتفضون لهذه الأوضاع الكارثية التي تسببت في تدمير الأوطان العربية لكنهم ينتفضون اذا قام احدهم بنقد البخاري و مسلم.

اجمالي القراءات 9823