القاموس القرآنى : الغرور

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة : الشائع أن معنى ( الغرور ) قريب من معانى  التكبر والخيلاء والاستكبار ، يبدو هذا حين يوصف إنسان بأنه مغرور. ولكن المعنى القرآنى هو الانخداع ،أى تغتر بشىء بحيث تراه على غير حقيقته ، تنبهر بظاهره وتنخدع به دون أن تدرك حقيقته.  نعطى تفصيلا :

أولا : الشيطان هو ( الغرور ) بفتح الغين :

1 ـ  رفض ابليس السجود لآدم فعوقب باللعن أى بالطرد من الملأ الأعلى أى الملائكة المقربين . ردّ إبليس حاقدا على آدم متوعدا بالسيطرة على أغلب ذريته إن أمهله رب العزة الى يوم القيامة . قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62)الاسراء ) جاء الرد من رب العزة بأن يعيش ابليس الى يوم القيامة وأن يمارس خداعه أو تغريره ببنى آدم بوعدهم وعودا خادعة : ( قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (64) الاسراء ).

2 ـ وفى سورة النساء يقول جل وعلا عن الشيطان ـ وهو ابليس بعد لعنه وطرده من الملأ الأعلى ـ ( لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ ) (119)النساء ) . الضال فقط قد يعرف ضلاله فيتوب ، أما الذى يؤمن بدخوله الجنة مهما عصى فلا أمل فى إقلاعه عن ضلاله . هنا يقرن الشيطان بين الإضلال والأمانى ، أى أن يُضلّ ابن آدم ويغُرُّه ويخدعه بالأمانى  الكاذبة بأنه سيدخل الجنة بالشفاعات مهما ضلّ ، لذا قال جل وعلا عن سياسته مع ابناء آدم :( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120)النساء).يعدهم خداعا ويُمنّيهم خداعا أو ( غرورا ). وهذا هو معنى الغرور .

3 ـ وبدأ ابليس أول خداعه مع آدم وزوجه وهما فى الجنة ، فجعلهما يأكلان من الشجرة المحرمة . التعبير يأتى بالإغترار . يقول جل وعلا : (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ)  ( الأعراف 22 ).

3 ـ بعد أن زال عنهما لباسهما النورانى فى الجنة وبدا لهما جسدهما الطينى المادى العضوى أهبطهما رب العزة من البرزخ الى الأرض . وجاء الخطاب لبنى آدم بالتحذير من غرور الشيطان الذى يراهم وهو وقبيله من حيث لا يرون هم الشيطان وقبيله من الجن والعوالم البرزخية . كان آدم وحواء وهما فى الجنة البرزخية يرون الشيطان وقبيله ، بعد هبوطهما ومعيشة ذريتهما فى الأرض أصبح مستحيلا رؤية الشيطان ومخلوقات البرزخ الأخرى . قال جل وعلا يحذرنا مقدما:(يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27)الاعراف ).تدبر قول رب العزة جل وعلا : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ).!

4 ـ أصبح خداع الشيطان لأبناء آدم الغرور أو الخداع أكثر تمكينا ، فإذا كان ابليس قد خدع آدم وزوجه وهما يرونه رأى العين فى الجنة البرزخية فإن الشيطان ( إبليس سابقا ) الذين لا يستطيع أبناء آدم رؤيتهم سيكون خداعهم أشدّ ، لأنه سيكون بالوسوسة لكل ابناء آدم يزين لهم الباطل حقا والحق باطلا بحيث يحسبون أنهم مهتدون ، ويوحى الشيطان لأشد بنى آدم ضلالا ليكونوا بهذا الوحى ( مُضلّين ) لغيرهم ، وليخترعوا أديانا أرضية يؤمن بها بنو آدم ، يكون فيها التقديس للبشر والحجر ، ويكون فيها الضلال مرتبطا ومحميا بأمنيات الشفاعة ودخول الجنة بصكوك الغفران وبلا حساب . وفى الدين الأرضى يكون أولياء الشياطين ـ أعداء الأنبياء ـ هم الكهنوت وأكثر البشر تقديسا ، لا يقترب أحد منهم بالانتقاد وإلا كان كافرا منبوذا . وبالتالى يسفر خداع الشيطان عن تضييع الدين الالهى ( لا إله إلا الله ) ويتحول الأنبياء الذين تتلخّص دعوتهم فى ( إله إلا الله ) الى آلهة ، ويتحول أعداء الأنبياء الى آلهة مقدسة ، وتلاحق الاتهامات والاضطهادات من يدعو الى الاصلاح مستمسكا بالقرآن الكريم . يقول جل وعلا عن شياطين الانس والجن أولياء الشياطين أعداء الأنبياء المرسلين مخترعى الأديان الأرضية ومروجى الأحاديث الشيطانية والوحى الشيطانى : ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) الانعام (. وتطبيق هذه الآيات الكريمة على الواقع يعنى قيام الشيطان بخداع أبناء آدم بالوحى الكاذب فى الدين ، يوحى الى أوليائه شياطين الانس والجن مثل أئمة الأديان الأرضية من بولس بعد المسيح عليه السلام الى مالك والشافعى والبخارى ومسلم بعد موت خاتم النبيين عليهم السلام . هؤلاء هم أعداء الأنبياء وأولياء الشيطان ، هؤلاء هم المجرمون حقا ، يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ) . نكرر ونؤكد أن وصف رب العزة لأعداء النبى محمد عليه السلام بالمجرمين ينطبق على الأئمة مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم والكلينى والغزالى ..الخ . الله جل وعلا يصفهم بالمجرمين أعداء النبيين ، و( المحمديون ) يقدسون أولئك الأئمة . هذا الوصف ينطبق على بولس الذى يقدسه ( المسيحيون ). ولو جرؤ إنسان على وصفهم بالمجرمين تعرّض للقتل أو الاضطهاد والتكفير والتحقير . الى هذه الدرجة بلغ خداع الشيطان بأبناء آدم . !!

ثانيا : الشيطان يخدع ( يغُرُّ ) الانسان بالأمنيات الباطلة :

1 ـ كيف يفلح النصّاب فى خداع ضحيته ؟ إنه يستغل غريزة الطمع لديه ، يوهمه بأنه سيكسب الكثير مقابل قليل يدفعه ، ( يغُرُّه ) ويُطمّعه ( من الطمع ) ويأخذ ماله ويختفى . هى نفس اللعبة الشيطانية مع بنى آدم . الشيطان يستخدم غريزة الطمع فى الانسان ليخدعه وليغُرّه ويضلّه ويُمنّيه ، حتى إذا مات أكتشف أنه أضاع نفسه فى خيالات وخرافات .

2 ــ أئمة الضلال فى (أُمة محمد ) إفتروا أن من يدخل النار سيخرج منها بالشفاعات . أوحى اليهم الشيطان بهذا فنشروه وصار ( معلوما من أديانهم الأرضية بالضرورة ). قبلهم بعدة قرون خدع الشيطان أئمة الضلال فى أهل الكتاب فأوحى اليهم بأنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم يخرجون منها الى الجنة . نزل القرآن الكريم بعدها بقرون ونفى هذا الافتراء  ، قال جل وعلا : ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرة ). وفى موضع آخر قال جل وعلا عنهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)(ال عمران 24 ) ، أى إنهم خدعوا أنفسهم بهذا الافتراء ، وأصل هذا الافتراء جاء من الشيطان ووعوده الكاذبة .  ثم مارس الشيطان نفس الخداع مع ( المحمديين ). ومع وجود القرآن الكريم معنا محفوظا من التحريف فقد نجح أولياء الشيطان أعداء النبى محمد عليه السلام فى أن يفتروا احاديث شيطانية وينسبونها للنبى محمد علي السلام بعد موته بقرنين واكثر . وصارت هذه الأحاديث الشيطانية مقدسة وتعلو على القرآن الكريم عند المحمديين . وجرّب أن تنتقد البخارى ومسلم وابن حنبل والشافعى والكلينى وسترى ما سيحدث لك منهم ، مهما إستشهدت بالقرآن الكريم لن يؤمنوا، لأن القرآن الكريم لا يعنى شيئا بالنسبة لهم إذا تعارض مع أحاديثهم الشيطانية .

3 ـ والله جل وعلا يحاور الكافرين المشركين الذين يقدسون البشر والحجر :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا)(فاطر 40) . شياطين الانس والجن ـ بأحاديثهم الشيطانية  ـ إخترعوا شخصية إلاهية خرافية للنبى محمد تتناقض مع شخصيته التى جاءت ملامحها فى القرآن الكريم ، وهم بهذا الإفك صاروا ائمة وآلهة مقدسة. وممكن أن تسألهم عن آلهتهم المقدسة : (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ ). والاجابة القرآنية : (بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا ) . اى فهذا التقديس لأولئك البشر المُقدّسين ليس إلا لأنهم أذاعوا وعودا خادعة بإحتكار الجنة لأنفسهم ، وهو خداع وغرور. 

4 ـ ولأن الشيطان يزين الباطل حقا والحق باطلا فإن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض من الصحابة إعتبروا وعد الله جل وعلا خداعا وغرورا ، وهذا فى موقعة الأحزاب : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا )(الأحزاب 12 ). وفى نفس الوقت آمنوا بوعود الشيطان الخادعة وأمنياته الكاذبة. ويوم القيامة سيقال لهم:(  وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)( الحديد 14) . غرتهم الأمانى ، وغرّهم بالله جل وعلا الغرور ( بفتح الغين ) وهو الشيطان . صوّر لهم الشيطان أن رب العزة سيمنحهم الجنة مهما ضلوا. هى نفس سياسة الشيطان معنا :(وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ ) (119) النساء ).

ثالثا : الشيطان يخدع ( يغُرُّ ) الانسان بزينة الحياة الدنيا :

1 ـ ما على هذا الكوكب الأرضى هو زينة الحياة الدنيا لإختبارنا ولإبتلائنا .هل ننبهر بهذه الزينة وذلك المظهر الخارجى المؤقت الزائل وننسى الآخرة الخالدة ، إما فى نعيم مقيم خالد أو فى عذاب مقيم خالد ؟.

2 ـ  يقول جل وعلا عن زينة الأرض إختبارا لنا : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) الكهف ). وحذّر رب العزة خاتم النبيين من الانبهار بهذه الزينة الدينوية (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(28) الكهف )( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) طه ). وحذّر رب العزة خاتم النبيين من الاغترار والانخداع بمواكب وزخارف الملأ الكافر وتقلبهم فى البلاد :( فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ)(غافر  )(لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ)(ال عمران 196 ). وانظر الى حال أئمة و ( نجوم ) الدعوة الى الضلال ومواكبهم وسفرياتهم وتقلبهم فى البلاد وفى أجهزة الاعلام .!!

3 ـ وضرب الله جل وعلا مثلا لهذه الحياة الدنيا بالزرع الذى يزدهر ثم يندثر:( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45)الكهف ) بعدها قال جل وعلا يقارن بن زينة الحياة الدنيا المؤقتة والجنة الخالدة التى ينالها المتقى بعمله الصالح : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46) الكهف ) . لذا يوجز رب العزة جل وعلا لنا قصة حياتنا فى الدنيا والآخرة فى آية واحدة ، فيها غرور الدنيا وخداعها ثم الموت الذى لا مفرّ منه ثم الجزاء يوم القيامة وأن الفوز هو لمن تزحزح عن النار فدخل الجنة.قال جل وعلا:(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)(ال عمران 185 ). قوله جل وعلا :( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ )  تكرر فى مثل آخر عن زينة الحياة الدنيا مثل النبات الذى يزدهر ثم يندثر ، قال جل وعلا فى خطاب مباشر حازم لنا : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)( الحديد 20 ).

4 ـ هذا التكرار مبعثه التحذير من كيد الشيطان وخداعه ، لأنه ينفذ الى الانسان من هذه النقطة ، فإذا كانت زينة الأرض وزينة الحياة الدنيا فتنة وإختبارا للإنسان فإن الشيطان ـ عدو بنى ’دم ـ يحرص على أن يخسر الانسان هذا الاختبار ، ويكون مصيره الى الخلود فى النار .

5 ـ ولهذا يحذّرنا رب العزة جل وعلا مقدما بأن يخبر عما سيقال لأصحاب النار أنهم تلاعبوا بآيات الله وغرتهم الحياة الدنيا:( ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(الجاثية 35). ويخبر رب العزة عن حالهم فى النار : (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الاعراف ) ثم يصف ما كانوا عليه فى الدنيا من إعتناقهم أديانا أرضية مؤسسة على اللهو واللعب والغرور بالدنيا والانخداع بها ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)الاعراف) ثم التذكير بالقرآن الذى إتخذوه مهجورا:(وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)الاعراف)

 رابعا : الشيطان يخدع ( يغُرُّ ) الانسان بالأمنيات الباطلة وبزينة الحياة الدنيا معا:

1 ـ يقول جل وعلا فى خطاب مباشر لنا جميعا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)( لقمان 33 ) . هنا تحذير من الاغترار بزينة الحياة الدنيا وتحذير من الاغترار بالغرور اى الشيطان ووعوده الزائفة عن شفاعات البشر يوم الدين ، ففى هذا اليوم سيفر الأخ من أخيه والابن ومن أبيه ، سواء كان نبيا أو مجرما .  

2 ـ  يقول جل وعلا:(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)(الأنعام 70). هنا أمر بالاعراض عن أصحاب الديانات الأرضية الذين غرتهم الحياة الدنيا بزخرفها ، وغرهم الشيطان فجعلهم يتخذون أولياء وشفعاء مع انه لا ولى ولا شفيع ألا الله جل وعلا . 

3 ــ ولأن الكافر يجمع بين غرور الدنيا وغرور الشيطان فهو فى غرور مستحكم يتقلب فيه ، يقول جل وعلا :( إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ)( الملك 20 ).

4 ــ وبهذا الغرور يقدم الشيطان للإنسان صورة مزيفة عن الرحمن جل وعلا.لذا يقول جل وعلا له فى خطاب مباشر :(يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)(الأنفطار 6  ). أى خدعه الشيطان بوعود زائفة تصور له رب العزة لا يملك يوم الدين ويجعل يوم الدين ساحة للفوضى والشفاعات والوساطات مثل الأسواق الشعبية فى الدول المتخلفة . لذا سيكون يوم القيامة مفاجأة لهم . يقول جل وعلا :(وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) الزمر )

5 ـ ما سبق أوجزه رب العزة فى آيتين من سورة فاطر .يقول جل وعلا :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)) هنا تحذير من الاغترار بالدنيا والاغترار بالشيطان . وفى الآية التالية وصف للشيطان: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)) هنا التأكيد على ان الشيطان لنا عدو فيجب أن نتخذه عدوا لا وليا لأنه هو الغرور المخادع لنا فى الحالتين . 

أخيرا :

فى جهنم سيتبرأ الشيطان من أتباعه ويعترف بوعوده الكاذبة الخادعة : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم )

اجمالي القراءات 9226