حول كتاب نهج البلاغة للإمام علي

سامح عسكر في الخميس ١١ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بالنسبة لكتاب نهج البلاغة

الكتاب مختلف عليه بين السنة والشيعة..كل حسب منهجه

فالشيعة يقولون أنه من كلام الإمام علي بن أبي طالب، بينما السنة يقولون (منحول) أي مكذوب

والعارف بالمذاهب القديمة يعلم لماذا هذا التباين وعلى أي أساس اتخذوه، فالسنة عمدتهم في نسب الكتب هو (السند) فلان عن فلان أو حدثنا فلان، ولأن نهج البلاغة غير مسند بل مجموع بطريق الإرسال فهو غير معتمد لديهم.

بينما الشيعة لا يشكل السند لديهم أصل في الإخبار، ويقولون بمقارنة الخبر مع القرآن الكريم والملكة العقلية، لذلك هم قريبون جدا من الاعتزال في توثيق الخبر، ولأن العقل لديهم يعني العرفان قبلوا نهج البلاغة لما فيه من حكم عرفانية وبلاغية وفلسفة عقلية.

صاحب الكتاب هو .."الشريف الرضى"..المتوفي عام 406 هـ، وهذه الفترة مشهورة تاريخيا باسم (التدوين الشيعي) التي برز فيها علماء كالشيخ المفيد وعلي القمي والصدوق القمي والشريف المرتضى والطوسي وغيرهم، وزمن تدوين الكتاب خرج موافقا لروح التشيع السائدة في هذا الوقت، ومع ذلك لا يمكن القول أن الكتاب شيعي المذهب، لأن بعض شروحاته كانت معتزلية كابن أبي الحديد، واستدلالاته سنية كالكحلاني في التنوير والمباركفوري في مرعاة المفاتيح والجويني في نهاية المطلب.

أهمية الكتاب كونه بعض شروحاته خرجت من مدرسة غير شيعية في زمن متقدم قريب من عصر التدوين السني، وأخطأت يد البطش عنه فنجا من الحرق والإهمال والتحريف والدس كالتي تعرضت لها كتب المعتزلة، وبعض كتب الشيعة الأوائل، ككتاب التاريخ لابن إسحاق الذي صنفه في منتصف القرن الثاني الهجري وبعد فقدان نسخته الأصلية رواه ابن هشام الكلبي ولكن بعد حذف وإضافة وتنقيح أضاعت تقريبا أغلب محتوى الكتاب..

كان أول وأشهر من طعن في صحة الكتاب هو ابن تيمية في منهاج السنة النبوية بعد وقوفه على نسخة المعتزلي في شرحه، وقد ورث السلفيون هذا الرأي ودافعوا عن ابن تيمية بشدة، بينما لا زالت فرق الصوفية تأخذ بالكتاب وبعضهم يعتبره من أعظم كتب العلم والعرفان في الفكر الإسلامي، والقارئ لنهج البلاغة عموما يلحظ تأثر كاتبه بالعرفان الشرقي عند الآسيويين، فحكم علي ابن أبي طالب العملية لا تختلف كثيرا عن حكم بوذا وكونفوشيوس ، وهو اتجاه جديد في الكتابة غير معهود في القرن الرابع الذي سادت فيه رؤية النقل وحدثنا وأخبرنا بدون أي حكم عملية كالتي يهتم بها المشرقيون..

وعلى غير العادة لم يرث ابن القيم الجوزية هذا الموقف المتشدد لابن تيمية من نهج البلاغة واستدل بالكتاب كقرينة علمية في كتابيه زاد المعاد وتحفة المودود، والسلفيون كان يجب أن ينظروا لرأي ابن القيم قبل الحكم على النهج فهو أستاذهم وتلميذ ابن تيمية النجيب.

الخلاصة: أن نهج البلاغة من أكثر الكتب تأثيرا في الفكر الإسلامي، ومحتواه لم يكن مسندا على طريقة أهل الحديث، وروايته تأتي دائما في معرض التعلم والتفقه..لا في معرض الإخبار والقصص، لكن ولأنه احتوى كلام الإمام علي المثير للشكوك حول ما حدث بعد السقيفة عارضه ابن تيمية والسلفيون الذين هم أقرب شعوريا للناصبة والعداء مع آل البيت..وفي رأيي أن دراسة الكتاب مهمة لاستطلاع ثقافة القرن الرابع ..حتى لو تم اعتبار محتوى الكتاب تأليف الشريف الرضى نفسه..لكن محتواه جيد لكل دارسي الحكمة العملية

اجمالي القراءات 11208