رشيد رضا والشريف حسين حاكم الحجاز

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٦ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

رشيد رضا والشريف حسين حاكم الحجاز

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل التاسع : إنتشار الوهابية فى دولتها السعودية الراهنة 

 رشيد رضا والشريف حسين حاكم الحجاز

مقدمة :

1 ـ يقول رب العزة جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص ). ( العُلُوُّ ) لا يكون إلّا  لرب العزة جل و (علا ) سبحانه و (تعالى ) عما يشركون . المتقون لا يسعون الى (العلو ) فى الأرض لأن هذا يعنى الفساد أخلاقيا وسلوكيا . يصل المستبدون بالقوة الى العلو فى الأرض وينافسهم آخرون يسعون الى التمكين بإستعمال القوة وبخداع الجماهير . المصلحون المتقون يعرفون أن الاسلام ليس فيه دعوة سياسية للوصول الى الحكم ، وأن مجتمعا ما لو أقام دولة حقوقية إسلامية فليس فيها خلط الدين بالسياسة وليس فيها كهنوت دينى أو إستبداد سياسى وليس من وظيفتها إدخال الناس الى الجنة والدعوة الى هدايتهم لأن الهداية والضلال إختيار شحصى ، ومن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعليها ،ومرجعنا جميعا للواحد القهار ليحكم بيننا يوم الدين فيما كنا فيه مختلفين . هذا ما فهمه محمد عبده حين هاجم الدولة الدينية . وقد إُضطر محمد عبده للاشتراك فى الثورة العرابية دفاعا عن وطنه ،ولم يكن معجبا بعرابى وانتقده ، وبعد فشل ثورة عرابى وعودة الامام محمد عبد من منفاه الى وطنه تفرغ ما تبقى له من عُمر فى الاصلاح متحملا مواشى الأزهر .

2 ـ على النقيض جاء اللبنانى رشيد رضا الى مصر يحمل وهابيته ونفاقه ليصل بالسياسة فى مصر الى السلطة والثروة مستعينا بعد موت الامام بمن يملك القوة ، وهم الانجليز . لم تكن له قوة ذاتية فهو لاجىء يخفى وهابيته المكروهة من المصريين ، وبالتالى كان عليه أن يتكىء على الانجليز . ورأى فيه الانجليز مواهب لا تصلح إلا فى أن يكون عميلا لهم ، فإستخدموه قبيل الحرب العالمية الأولى وأثنائها بوقا إعلاميا ضد تركيا ومع ثورة الشريف حسين . وبعد أن إستعملوه ولم يعد مفيدا لهم بل قد يسبب لهم الإزعاج هددوه وطردوه . أى إن عمله بالسياسة لم يجن منه سوى أن يكون عميلا لانجلترة . ثم كان من حُسن حظّه أن عبد العزيز آل سعود قائد الوهابية ــ الذى يحارب فى نجد يقيم دولته متوسعا فى الشرق ( فى الاحساء والمنطقة الشرقية ) ـ كان قد إلتفت الى الغرب بسبب نزاعه مع خصمه الشريف حسين ، وانتهى النزاع بينهما بهزيمة الأشراف وإستيلاء عبد العزيز آل سعود على مكة والمدينة وسيطرته على الحجاز ، فأصبح نجما عالميا صاعدا ،دخل عبد العزيز بإستيلائه على الحجاز الى عالم الأضواء وإهتمام العالم ، فوجد رشيد  مكانه المفضل،أن يعمل خادما لسيده عبد العزيز، بعد ان طرده أسياده الانجليز. ونعطى بعض التفاصيل :

أولا : بأوامر بريطانية : رشيد رضا ( الوهابى ) يتحالف مع الشريف حسين عدو الوهابية الأكبر

1 ـ كتم رشيد رضا وهابيته فى أعماق قلبه وتسلح بكل ما يملك من نفاق وسعى الى الاتصال بأعوان الشريف حسين . وهذا كان بأوامر بريطانية . يقول الشرباصى فى كتابه عن رشيد رضا : (  فالشيخ رشيد يذكر لنا: أن أوَّل صلة له بالشريف حسين كان عام 1327هـ/ 1909م في أثناء إعلان الدستور العثماني، حينما التقى الشيخ رشيد بكاتب سر الشريف (مصطفى فهمي) الذي استشاره رشيد في وجوه إصلاح الحجاز فذكر له رشيد طائفة من تلك الإصلاحات أبلغها كاتب السر إلى حسين بن علي فأعجب بها ، وكان ذلك سببًا في بداية اهتمام الشيخ رشيد بالشريف حسين وأعماله حتى أن كتب في سنة 1328هـ/ 1910م مؤيدًا لجهود الشريف حسين في اتفاقه مع أمير نجد (عبدالعزيز آل سعود )).  كان هذا قبيل الحرب العالمية الأولى ووقت الاعداد لها من طرف انجلترة .

2 ـ شبّت الحرب العالمية الأولى عام 1914م وانضمَّت تركيا إلى ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا فأعلن الشريف (حسين بن علي) ثورته ضد الأتراك في عام 1334هـ (أكتوبر 1916م) منحازًا إلى جانب الإنجليز. وبأوامر بريطانية أعلن رشيد إعجابه وتأييده لهذه الثورة،ووصَفَها بأنها أعظم خدمة للإسلام والمسلمين قائلا أنها لحماية  ( حرم الله وحرم رسوله )  - لأن سقوط الدولة العثمانية مع استمرار تبعية الحجاز لها يجعل الأماكن المقدسة فى خطر .

وانتقل من مدح الثورة الى مدح الشريف حسين ومدح إعلانه بالثورة على تركيا وإستقلاله عنها بأنه: "منشور كتب بمداد الحكمة، وأصالة الرأي وشرف الغاية. ) كما وصف الحسين بن علي بأنه (سيد العرب)  .ولما توالت المنشورات من الشريف عن ثورته ، وأخذت جريدته " القبلة " تنشرها كان رشيد ينشرها  فى المنار، ووصفها  بأنها " منشورات سيدنا الشريف الحكيمة " . وبأنها أحسن ما ينشر في المجلة ، وحرض القراء على قراءتها .واضح هنا الترتيب الانجليزى مع الشريف حسين ورشيد رضا وتوزيع الأدوار بينهما .

3 ـ وفي عام (1334هـ - 1916م) حج رشيد رضا والتقى بالشريف حسين (أو الملك حسين) ، ونزل في ضيافته وقَبِل منه ( جائزة سنية وهدية هاشمية )، كما يقرِّر ذلك رشيد نفسه. وحين إلتقى رشيد بالشريف ــ وكلاهما يزعم الانتساب للنبى محمد ـ تناسى رشيد وهابيته وإستعمل كل خبرته فى النفاق . يقول الشرباصى ( في هذا العام ــ 1916ــ حج رشيد ، والتقى بالشريف حسين ـ أو الملك حسين ــ معجبا به مثنيا على أخلاقه ، وكان رشيد يحاول تقبيل يده. ) .  

 4 ـ وقام رشيد بمهمته الدعائية وقت الحج بين جماهير الحجاج من شتى أنحاء العالم يخطب فيهم مؤيدا ثورة الشريف حسين . ومنها خطبة سياسية مهمَّة أمام الشريف حسين في احتفال أُقِيم في (منى) شرَح فيها رأيه في ضعف الدولة العثمانية وأسبابه، كما تطرَّق إلى مساوئ الاتحاديين الأتراك، ومدح عمل الشريف حسين في ثورته الاستقلالية. وقد نقلت "جريدة القبلة الحجازية" الناطقة بلسان الشريف حسين خطبة رشيد بكاملها ، وأشارت إلى ثناء الشريف حسين على رشيد وموافقته له في الرأي. وواصل رشيد مهمة الدعاية فى تنقلاته فى رعاية الشريف حسين  قائما بدوره الذى كلفته به بريطانيا ، وعاد الى مصر محملا بهدايا الشريف حسين في النصف الثاني من ذي الحجة عام 1334هـ (1916م).

ثانيا : رشيد رضا ( الوهابى ) يرفض تأييد الشريف حسين فى أن يكون خليفة المسلمين

1 ـ أحاط الشريف حسين ( المبعوث البريطانى ) رشيد رضا بالحفاوة حين زار الحجاز ، حتى أن الشريف

 اناب عنه الشيخ محمد نصيف لاستقبال رشيد في جدة ، فوصفه رشيد بأنه " وكيل سيدنا الشريف الأعظم صاحب الحجاز ".

2 ـ كان الشريف يخطط أن يحوّل رشيد رضا من مبعوث بريطانى له الى مبعوث من لدنه الى بريطانيا يتوسط لديهم ليجعلوا الشريف  خليفة للمسلمين . كان هذا من مصلحة رشيد إذ سيعلو شأنه لدى الشريف وربما لدى الانجليز ، وسيرى له دورا قادما فى الخلافة القادمة . ولكن وهابية رشيد أبت عليه هذا ومنعته من التوسط بين الشريف والانجليز ومنعته من تعضيد رغبة الشريف لديهم .    

3 ــ وبكل حنكة حاول الشريف حسين أن يجعل من رشيد بوقا له فى موضوع الخلافة ، أى تكون دعاية رشيد لتأييد ثورة الشريف على تركيا متضمنه للدعوة بأن يكون الشريف خليفة للمسلمين بدلا من  الخليفة العثمانى المحجور عليه فى تركيا . ، والشريف حسين بعروبيته ونسبه الأولى بهذا . والنسب الهاشمى الذى يزعمه الشريف حسين ورشيد رضا يرجّح تأييد رضا للشريف حسين ، خصوصا وأن هذا مجال يمكن لرشيد رضا ان يصول ويجول فيه . يقول الشرباصى : ( يذكر رشيد أن بعض المقرَّبين من الشريف تمنَّى على رشيد لو أنه جعل خطبته في منى مقدِّمة لمبايعة الشريف حسين بالخلافة، لكن رشيد رد عليه بقوله: "إن هذا ليس من رأيي ولا من حقي"، وحوَّل الحديث السياسي إلى مفاكهة أدبية . ) . رشيد هنا فى مهمة حددتها له بريطانيا ولم يأت معجبا بالشريف مؤيدا له على طول الخط . وهنا دهاء رشيد فى التملص من الاجابة بتحويل الحديث الى مفاكهة أدبية .

4 ـ ولم ييأس الشريف بل واصل الالحاح على ضيفه رشيد فى الدعاية له فى موضوع الخلافة . إلحاح الشريف معناه أنه يعرف بالصلة الوثيقة بين رشيد رضا والسلطات الانجليزية ، أى تعنى أن يتوسط له رشيد رضا لدى بريطانيا معضدا رغبة الشريف فى الخلافة ، ولكن رشيد الوهابى رفض أن يلعب هذا الدور، وحتى لا يخسر علاقته بالشريف فقد نصحه بتأجيل الموضوع الى ما بعد انتهاء الحرب العالمية وانتظار النتيجة.

5 ـ وأراد الشريف أن يضع رشيد رضا أمام الأمر الواقع ، فقام أعوانه بالاعداد لمؤتمر يحتشد له الحُجّاج  لمبايعة الشريف بالخلافة . أحسّ رشيد بخطورة الأمر وبالمأزق الذى أعدّه له الشريف فأسرع إلى مخيَّم الشريف حسين في منى ونصحه بالعدول عن ذلك، وذكَّره بوعيد حديث: (إذا بُويِع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) . ويبدو أن رشيد قام بتخويف الشريف بالقتل بناءا على هذا الحديث ، لأن هناك خليفة عثمانى لا يزال حيا يتمتع بالبيعة والشريف حسين يناوئه ، أى يكون مستحقا للقتل . إرتاع الشريف حسين من هذا الحديث . و يذكر رشيد رضا أن الشريف حسين اعتذر له بأن ذلك من سعي بعض أنجاله وأولاده.

6 ـ وبعد عودة رشيد من الحجاز بُويِع الشريف ملكًا على العرب في المحرم 1335هـ، وقد نشر رشيد رضا منشور هذه المبايعة في "مجلة المنار" وعلَّق عليه ذاكرًا أن سبب هذه المبايعة هو تحكُّم الاتحاديين بالدولة العثمانية بمساعدة الألمان، ثم بغضهم وكراهيتهم للعرب ودينهم الإسلامي، هذا إضافة إلى أن أقاليم الدولة إمَّا أن تقع تحت سيطرة الألمان، أو تحت سيطرة أعداء الترك؛ لأنهم سيعدُّون العرب من أعدائهم التابعين للترك - فيما لو انهزمت الدولة العثمانية - فلذلك وجب إعلان الاستقلال . وتبد حنكة رشيد من تاييده لاستقلال الشريف وعدم قبوله بأن يكون الشريف ملكا على جميع العرب .

6 ـ يقول الشرباصى : ( لذلك كان غير مستغرب أن تثار الأقوال عن حج رشيد سنة 1334 هـ ـ 1916 م حيث قيل انه ذاهب مع وفد من سلطان مصر لمبايعة شريف مكة بالخلافة ، وقيل أنه ذهب مدعوا من الشريف لتولي منصب قاضي القضاة أو شيخ الإسلام . وقد كذب رشيد هذه الأقوال ، وذكر أنه ذهب ليحج فقط ، ولينصح المسلمين ، ويفي بنذره لوالدته ، كما ذكر انه حج من مال يعتقد حله . ) .

ثالثا : العلاقة بين الشريف حسين ورشيد رضا من الفتورالى الخصومة

1 ـ بعدها دخلت علاقتهما فى دور الفتور، وتزايد  بإصدار الشريف حسين أمرًا بمنْع دخول "مجلة المنار" إلى الأراضي الحجازية، وقد نشر رشيد رضا قرار المنْع هذا في "مجلة المنار" في مجلدها الثاني والعشرين الصادر في سنة (1340هـ- 1921م). وقد ورد في قرار الشريف حسين أن سبب المنع ما ورد في "مجلة المنار" من التعريض بحكومة الشريف في عددها التاسع من المجلد التاسع عشر الصادر في 30 ربيع الآخر سنة 1335هـ، ولم يذكر القرار نوع هذا التعريض وكيفيته، ولكن على أيَّة حال فقد جاء هذا التعريض بعد أشهر من عودة رشيد حاجًّا، وبالتحديد بعد أربعة أشهر فقط، كما يوضح ذلك التاريخ الموجود في قرار المنع.

2 ـ تحول الفتور الى خصومة تجلت فى مهاترات بين المنار وجريدة القبلة . بدأ رشيد يهاجم الشريف ضمنيا مدافعا عن نفسه فى صلته السابقة بالشريف حسين ، وأنها كانت علاقة قائمة على السعي لمصلحة العروبة والإسلام، ويذكر رشيد أنه رغم إكرام الشريف حسين وأولاده له إلا أنه كان كثير النصح لهم ن وأنه عاهَد الشريف حسينًا على العمل معه فيما يعتقد أنه الحق فقط ، كما أخذ رشيد رضا يردُّ على التُّهَم التي وجهتها إليه "جريدة القبلة" الناطقة بلسان الشريف حسين بشأن المسألة العربية والشريف حسين.

أخيرا :

تطورت خصومة رشيد والشريف حسين الى تحالف بين رشيد وعبد العزيز آل سعود . وكانت هذه هى المحطة الأخيرة التى وجد فيها رشيد نفسه متسقا مع وهابيته خادما لآل سعود . وفى هذه المحطة الأخيرة قام رشيد رضا بأخطر عمل وهو فى تمام نضجه السياسى والعملى ، قام بنشر الوهابية فى مصر خدمة لسيده عبد العزيز ، ومن مصر إنتقلت الوهابية الى العالم . ولا يزال العالم يدفع الثمن حتى الان . 

اجمالي القراءات 7753