ظهور اسماعيل الصفوى الصوفى الشيعى خطرا يهدد العثمانيين والمماليك

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٥ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ظهور اسماعيل الصفوى الصوفى الشيعى خطرا يهدد العثمانيين والمماليك

أثر الصراع الشيعى السنى فى إسقاط الدولة المملوكية وإحتلال العثمانيين مكانتها :

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل السادس :صراع أديان المسلمين الأرضية فى الدولة العثمانية وتسيد دين التصوف السنى

أثر الصراع الشيعى السنى فى إسقاط الدولة المملوكية وإحتلال العثمانيين مكانتها

ظهور اسماعيل الصفوى الصوفى الشيعى خطرا يهدد العثمانيين والمماليك

مدخل:

1 ـ تسيد التصوف السنى الحياة الدينية لأغلب المسلمين فى العصر العثمانى، ومع ذلك فقد بقى التشيع دينا أرضيا ثابتا يستعصى على الاستئصال،لتجذره فى الثقافة الفارسية القومية بالذات، كما ظهر فى كتاب الملطى ( التنبيه والرد ) عن انتشار التشيع فى أنحاء فارس وأقاليمها ، ومنها انتشرت سيطرته على قلوب طوائف شتى من العرب المسلمين. ثم انتشر التصوف وتسيد وتوسط معسكرى السنة والتشيع .

2 ــ وكما احتمى دين السنة بالتصوف وأنتج نسخة معدلة باسم التصوف السنى فقد فعل التشيع نفس الشىء وأنتج التصوف الشيعى. ولأن التصوف منذ البداية ابن للتشيع، فقد اختلف الأمر بين التصوف السنى والتصوف الشيعى. ففى التصوف السنى كانت الغلبة لعنصر التصوف أكثر منها للسنة التى تركزت معالمها فى دين التصوف السنى فى مجرد اداء الصلاة والصوم والحج والزكاة، ونظام القضاء، بينما تمت للتصوف السيطرة الكاملة على العقائد والثقافة والفكر والحياة الاجتماعبة باسرها. إختلف الأمر فى التصوف الشيعى الذى كان فيه التصوف مجرد قشرة رقيقة بينما كان الجوهر شيعيا محضا. واستعمل الشيعة هذه القشرة الصوفية للتسلل للأخرين وخداعهم من خلال التصوف الذى كان القاسم الأعظم المشترك فى الحياة الدينية للمسلمين منذ العصر المملوكى السابق على العصر العثمانى.

3 ــ إعتنق العثمانيون الاسلام شكليا ورسميا ولكن الذى اعتنقوه فعليا كان الدين الأرضى السائد فى الأناضول وقتها وهو التصوف السنى.ومالبث أن أصبح العثمانيون عنصرا فى الصراع بين دينى التصوف السنى والتصوف الشيعى. فالتصوف الشيعى هو الذى أنشأ الخصم الشرس للدولة العثمانية ، وهو الدولة الصفوية الفارسية الشيعية بقيادة اسماعيل شاه الصفوى أو الصوفى حسبما كانت تذكره المراجع التاريخية المعاصرة له.

4 ــ الصراع بين الدولتين الصفوية والعثمانية كان صراعا بين دينين أرضيين هما التصوف السنى والتشيع الصوفى.وقد تغلب التصوف السنى ممثلا فى الدولة العثمانية، لكن ذلك لم يقض على التشيع، وإن كان قد هزم الدولة الصفوية الشيعية وسارع بها الى نهايتها.

الصراع بين الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية هو الذى أدى الى تدمير الدولة المملوكية السنية وحلول الدولة العثمانية محلها فى زعامة العالم الاسلامى.

الدولة العثمانية السنية الشابة هى التى أسقطت الدولة المملوكية السنية العجوز بعد هزيمة السلطان الغورى ومقتله أمام العثمانيين فى مرج دابق سنة 922هـ .

5 ــ والغريب أن الدولتين العثمانية والمملوكية  كانتا تدافعان معا عن دين التصوف السنى ضد عدو مشترك هو اسماعيل الصفوى حاكم ايران المتشيع الذى يسعى لنشر التشيع فى البلاد المجاورة طمعا فى مد نفوذه السياسى .وقد أدى خطره على العثمانيين والمماليك الى تحالفهما ضده. قابل الشاه اسماعيل هذا التحالف السنى ضده بالوقيعة بين عدويه السنيين ـ المملوكى والعثمانى ـ فاجتذب المملوكى إلى صفه وجعله يحارب العثمانيين على غير استعداد تام منه لحربهم وعلى غير نية حقيقية من العثمانيين لتدمير الدولة المملوكية .

وانتهى الأمر بانهيار الدولة المملوكية بسرعة لا يتخيلها المرء حين يتذكر أن قدوم الغورى لحلب كان لمجرد حجة الإصلاح بين السلطانين المتنازعين ( الصفوى والعثمانى ). وهذا الأنهيار المفاجىء سببه ضعف الدولة المملوكية من الداخل بعد إنهيار إقتصادها بسبب كشف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح وتحول تجارة الهند اليه ، وضياع هذا المورد الضخم من خزانة الدولة المملوكية التى كانت تسيطر على الطريق المعروف والمألوف بين الهند وأوربا.

6 ــ والعلاقات بين اسماعيل الصفوى والغورى وسليم العثمانى متشابكة غامضة، ولتيسيرها على القارىءنقسمها الى مرحلتين :ظهور الصفوى خطرا يهدد العثمانيين والمماليك على السواء، ثم تحالف الغورى مع الصفوى وأثره فى انهيار الدولة المملوكية.

المرحلةالأولى :ـ ظهور اسماعيل الصفوى الصوفى الشيعى كخطر يهدد العثمانيين والمماليك

1 ــ فى سنة 905 ظهر ببلاد العجم شاه اسماعيل بن الشيخ حيدر الذى ينتمى الى الشيخ صدر الدين موسى بن صفى الدين اسحاق الأردبيلى . وكان صفى الدين اسحاق الأردبيلى شيخا صوفيا فى مدينة أردبيل .وخلفه بعده ولده صدر الدين موسى الذى حاز على احترام السلاطين واعتقادهم فيه كولى صوفى صاحب كرامات ، وكان ممن اعتقد فيه السلطان تيمورلنك.

2 ــ فيما بعد تحول حفيده حيدر الى التشيع ، يجمع بين التصوف والتشيع لصالح التشيع ، فكثر اتباعه ومريدوه بأردبيل فخافه السلطان جهان شاه صاحب اذربيجان فأخرجهم من أردبيل، فتوجه الشيخ حيدر إلى ديار بكر وصاهره حسن الطويل . ولما استولى صهره حسن الطويل على اذربيجان عاد الشيخ حيدرإلى أردبيل وتزايد اتباعه، فلما توفى حسن الطويل تزوج الشيخ حيدر من ابنة السلطان يعقوب فولدت له شاه اسماعيل سنة 892 هجرية.

3 ــ وشارك الشيخ حيدر فى النزاعات السياسية المسلحة باتباعه الذين عرفوا بالقزلباش، أى الرأس الأحمر.  وقتل الشيخ حيدر وأسر ولده اسماعيل وهو طفل ، فعرف اسماعيل الكفاح والهزائم منذ صغره، وتابع أباه فى طريقه معتمدا على دعوته الشيعية حتى تزايد امره، يقول عنه المؤرخون المعاصرون له (واستولى على ساير ملوك العجم و خراسان واذربيجان وتبريز وبغداد وعراق العجم وقهر ملوكهم وقتل عساكرهم بحيث قتل ما يزيد على الف الف، وكان عسكره يسجدون له )(أخبار القرن العاشر مخطوط 41 ، تاريخ القدس مخطوط 67 )  .

 خطر اسماعيل الصوفى على الدولة العثمانية  

1 ــ اتجهت الفتوحات العثمانية قبل سليم الأول إلى البلقان وأوربا ثم تحولت فى عهد سليم نحو الشرق لأول مرة حيث انشغل سليم  بمواجهة الخطر الشيعى الزاحف من الشرق إلى قلب  الأملاك العثمانية ممثلا فى اسماعيل الصفوى الذى كان بإمكانه أن يترك الغرب وشأنه ويواجه غزاة السهوب الأوراسية ، خاصة وأن العثمانيين لم تكن لهم مطامع فى الدول (الاسلامية) المجاورة، خصوصا الدولة المملوكية. والدولة المملوكية فى مصر والشام اكتفت بموقف الدفاع من الهجوم الايرانى دون إحتكاك بالدولة العثمانية أو حتى الصفوية .

2 ــ ولكن مطامع الشاه اسماعيل الصفوى كانت واسعة المدى، شجعها تراخى السلطان العثمانى بايزيد الثانى( والد سليم ) ، فأخذ الصفوى ينشر دينه الشيعى فى عمق الاناضول العثمانية وحول قونية ، أملا فى استخدام دين التشيع سياسيا فى إنتزاع تلك المناطق العثمانية وضمها الى الصفويين.

3 ــ وتمخضت جهوده عن ثورة مسلحة قادها داعى الدعاة الشيعى ( الشاه قول ) ضد العثمانيين والذى استطاع هزيمة الصدر الأعظم العثمانى وقتله . بل أن الصلة توثقت بين الثائر الشيعى ( الشاه قول ) وبين الأمير قرقد ابن السلطان بايزيد الثانى الطامع فى عرش ابيه، واعتنق التشيع الأميران شاهنشاه ومراد ابنا الأمير احمد اخى السلطان سليم ، وهذا معناه أن التهديد الشيعى الصفوى وصل الى داخل الأسرة العثمانية الحاكمة وفى صميم وطنها  على السواء.

4 ــ لذا كان الخطر الشيعى هو الدافع لثورة الأمير سليم على أبيه السلطان بايزيد واخوته، وساعدته الانكشارية، فقد وجدت فيه رجلها المنشود الذى يصمد امام الشاه اسماعيل الصفوى ، فأجبروا بايزيد الثانى على التنازل عن السلطنة لابنه سليم.

5 ــ ولم يكن سليم بعيدا عن الخطر الشيعى حيث ابعده أبوه إلى طربيزون واليا عليها ، فراقب تحركات اسماعيل الصفوى العسكرية ودسائسه وتصرفات أخيه قرقد بن السلطان بايزيد ، وقد غضب  سليم من تساهل والده تجاه ثورة (الشاه قول ) الشيعية.

6 ــ بتولى سليم العرش العثمانى وطد مركزه الداخلى وتفرغ لمواجهة الشاه، فذبح الشيعة فى الأناضول ونقل باقيهم إلى اوربا العثمانية ليضمن مؤخرته فى أى صراع مع الشاه.

خطر اسماعيل الصوفى على الدولة المملوكية

1 ـ كان صراع  الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية يستلزم تدخل الدولة المملوكية ليس فقط لأنها المتزعمة للعالم الاسلامى وقتها، ولكن لأن حدودها تتاخم الدولتين المتنازعتين  ولا بد ان تتأثر بالنزاع المسلح القائم على حدودها. وكان تدخلها يعنى إنحيازها لدولة ضد أخرى، وترجيح كفتها .

2 ـ وكان متوقعا إنضمام السلطان الغورى المملوكى إلى العثمانيين السنيين ضد الشاه الشيعى الذى بدأ بالعدوان على الممتلكات المملوكية فى الشرق ، لولا أن الشاه اسماعيل الصفوى استطاع استقطاب الغورى إليه بما أوتى الشيعة من مقدرة على الدسائس وبما لهم من اعوان داخل الدولة المملوكية، وبذلك تمكن الشاه الشيعى أن يتحاشى اتحاد القوتين السنيتين على حربه واحتل مقعد المتفرج يشهد دولة سنية فتية ــ لا مطامع لها ــ ( الدولة العثمانية )تجهز على رفيقة لها هرمة ( الدولة المملوكية ) أتى بها الشاه الماكر من مأمنها لتلقى مصرعها عند حدوده دون أن يمد لها يد العون.

3 ــ ونعود إلى ترتيب الحوادث التاريخية وفق ما ذكره المؤرخ ابن إياس بالسنين لتوضيح هذه النتيجة غير المتوقعة والتى غيّرت التاريخ الاقليمى والعالمى، مع ملاحظة أن الشاه اسماعيل الصفوى كان لقبه فى المراجع التاريخية وقتها ( اسماعيل الصوفى ) لأنه واجه التصوف السنى بالتصوف الشيعى مستغلا الجذور الصوفية لدى أسلافه.

فى تاريخه ( بدائع الزهور ) يقول ابن أياس المؤرخ المعاصر لهذه الفترة :ـ

فى سنة 908( جاءت الأخبار من حلب أن خارجيا ـ(ـ يعنى ثائرا معاديا من خارج الدولة المملوكية )  تحرك على البلاد  ( يعنى هاجم الحدود المملوكية ) يقال له شاه اسماعيل الصوفى ، فلما جاءت الأخبار إلى القاهرة اضطربت الأحوال وجمع السلطان ( قونصوه الغورى )الأمراء وضربوا مشورة ( أى تشاوروا ) فى أمر الصوفى وعين السلطان تجريدة ( أى حملة عسكرية) ).

وفى سنة 913( وفيه جاءت الأخبار من عند نائب حلب ( أى والى حلب المملوكى حيث كانت تابعة للدولة المملوكية وقتها ) بأن اسماعيل شاه الصوفى قد تحرك على ( أى هاجم ) بلاد السلطان، ( يعنى الدولة المملوكية ، حيث كان السلطان هو المالك للدولة وفق ثقافة العصور الوسطى ) ووصل أوائل عسكره إلى مالطية، وحكوا عنه أمورا شنيعة فى أفعاله، فلما بلغ السلطان ذلك تنكد إلى الغاية، وجمع الامراء، وضربوا شورة فى أمر الصوفى ، فأشار الأمراء بأن يرسل إليه تجريده، فنادى للعسكر بالعرض، ( أى أمر بحشد القوة العسكرية فى القلعة مركز الحكم المملوكى فى القاهرة ) فطلع العسكر قاطبة إلى القلعة ، فعرضهم ، وكان قاصد ابن عثمان حاضرا ،( القاصد يعنى المبعوث أو السفير ، والمعنى أنه قد حضر العرض العسكرى مبعوث السلطان العثمانى) .. ثم جاءت الأخبار بأن عساكر الصوفى عدت ( أى إجتازت وعبرت )من الفرات ووصلت إلى أطراف بلاد السلطان، وأن على دولات ( ممثل السلطة المملوكية هناك ) جمع التركمان وتحارب معهم واستعد العسكر بعد اهمال .. وانفق السلطان على العسكر(أى امر بصرف مستحقاتهم المالية) بعد إن كان قد أخر النفقة، ثم عزم السلطان على قاصد بن عثمان فى قاعة البحرة (أى أقام حفل تكريم للمبعوث العثمانى فى قاعة الاحتفالات بالقلعة )، فأظهر فى ذلك اليوم غاية العظمة برسم جماعة القاصد، وعند انصرافه اخلع عليه ( أى أكرمه بأن أعطاه زيا للتشريف والتكريم وفق المتبع وقتها ). ويذكر ابن ياس انه قد حضر من لدن العثمانيين مبعوث فوق العادة فأكرمه الغورى، ويقول ابن اياس ( ثم حضر قاصد من عند على دولات واخبر بأنه كسر ( أى هزم )عسكر اسماعيل الصوفى، وارسل عدة من رءوس القتلى واسيرا من الأمراء على رأسه طرطور أحمر، ( وكان أتباع الشاه اسماعيل الصوفى يعرفون بالقزلباش،أى أصحاب الرأس الأحمر ) فعلق السلطان الرؤوس على باب زويلة، وابطل أمر التجريدة التى عينها إلى الصوفى .. واخلع على قاصد ابن عثمان خلعة سنية ).

 ثم بعث الشاه اسماعيل الصفوى برسل للغورى يعلمون الغورى ان ما وقع من عسكره حدث بدون علمه، فأكرم الغورى القاصد وجماعته ( وكانوا فى غاية الغلاسة ) على حد قول ابن اياس.

تحليل ما سبق :

1 ــ ابن اياس لم يكن ينقل وجهة النظر الرسمية للأحداث وانما كان يعبر عن رؤية الشارع المصرى فى تلك الفترة، وظهر هذا من خلال تعبيره عن الاستفزازات التى قام بها اسماعيل الصفوى على الحدود المملوكية والتى ترد اخبارها من الوالى المملوكى فى حلب .

2 ــ وحين سجل ابن اياس أخبار الصفوى وصفه ( خارجيا تحرك على البلاد يقال له شاه اسماعيل الصوفى ) وكان ذلك سنة 908 من الهجرة، فكانت المعرفة بالصفوى ضئيلة لم تسمح لابن اباس إلا بالاقتضاب فى القول، ولكن لم يمنعه الاقتضاب من ذكر اضطراب الاحوال فى القاهرة بسبب هجوم على الحدود البعيدة مما يدل على اهمية الأمر رغم قلة المعلومات لدى الرأى العام الذى يمثله ابن اياس ، وأدى ذلك الاضطراب إلى عقد مجلس سلطانى للتشاور أسفر عن ارسال حملة تأديب. اما حديث ابن اياس عن الصفوى سنة 913 ففيه تفصيل كثير لتحركاته وموقف الغورى ومواجهة امراء الحدود المملوكية للهجوم الصفوى الشيعى .ولكن الجديد الذى أورده ابن اياس هو حضور مبعوث عثمانى لدى الغورى، وأكرامه لذلك (القاصد )، ثم حضور مبعوث عثمانى آخر تمتع بإكرام الغورى ،ووصفه ابن اياس بقوله ( ثم حضر من لدى العثمانيين أحد من خواص السلطان العثمانى فكرمه السلطان ) أى أن هناك مراسلات بين العثمانيين والمماليك استهدفت مواجهة الخطر الشيعى المشترك. وكانت تلك المناوشات التى قام بها اسماعيل الصفوى من قبيل جس النبض قبل دخوله فى معركة حاسمة ضد الدولتين.

سياسة الشاه اسماعيل الصفوى مع السلطان الغورى

1 ـ  والمتوقع أن تصل هذه الاتصالات بين المماليك والعثمانيين إلى تحالف مشترك بينهما لمواجهة الخطر الايرانى الشيعى المتزايد لولا أن غيّر اسماعيل الصفوى خططه تجنبا لتحالف غريميه السنيين عليه. فأوقع الغورى بين تهديد داخلى يقوم به الشيعة فى مصر ضد الدولة المملوكية السنية بالاضافة إلى تهديده الخارجى ليجبره على التحالف السرى معه ضد العثمانيين.

2 ــ ويلاحظ أن الشيعة قد قاموا بثورتهم فى الصعيد سنة 911 بإيعاز من اسماعيل الصوفى، ولكن بفشل ثورتهم بحث الصوفى عن حلفاء آخرين، أو كما يقول ابن اياس ( قبض على جماعة من عند اسماعيل الصوفى ومعهم مكاتبات منه إلى بعص ملوك الفرنج بأن يكونوا معه عون على سلطان مصر، وأنهم يأتون مصر من البحر ( أى يهاجمون مصر من البحر ) ويأتى هو من البر.. ومما يذكر أن الفرنجة قد استولوا فى هذا الشهر  على طرابلس الغرب ..وقد قبض شريف مكة على ثلاثة منهم متنكرين ...)

3 ـ وفى تلك الاثناء كان عسكر الصفوى يهاجم اطراف البيرة ـ وهى إمارة حدودية فاصلة بين المماليك والصفويين ـ فتصدى له حاكمها ازبك خان، فانتصر عليه الشاه اسماعيل الصفوى وقتله، يقول ابن اياس :( فتنكد السلطان ( الغورى ) لهذا الخبر واقام الامراء عنده الى قريب الظهر يتشاورون بسبب ذلك، وكان ازبك خان ضد الصوفى، وكان مشغولا بمحاربته عن ابن عثمان وسلطان مصر، فلما اشيع قتل ازبك خان خشى السلطان من أمر الصوفى أن يزحف على البلاد ) .

4 ــ واتبع الصفوى سياسة التهديد مع الغورى، فبعث له بمبعوث يحمل رأس ازبك خان مع ابيات من الشعر يفخر فيها بقوته ودينه الشيعى ، ورد الغورى عليه بأبيات شعرية صنعها له صفى الدين الحلبى. ومع انه أقام الاحتفالات لمبعوث الشاه اسماعيل الصفوى الا أنه منع الناس من زيارته وجعله كالمعتقل فى القلعة .

5 ــ ووجد اسماعيل الصفوى فى الاعراب اعوانا له فى مصر فثاروا علي الغورى، أو كما يقول ابن اياس ( تحالفت سبع طوائف من العربان بأن يكونوا يدا واحدة على العصيان )،هذا فى الوقت الذى وصلت فيه عساكر الصفوى إلى البيرة وانضمام جماعة من عساكرها إلى الصفوى.

6 ــ وخاف الغورى تحركات الأشراف ـ أى مدعى الانتساب للنبى محمد ـ  وكانوا ميالين للدين الشيعى فاخرج عنهم (شيئا من الجهات الموقوفة عليهم )أى حاول مصادرة الأموال الموقوفة عليهم ( وعقد مجلسا بالقضاة الاربعة للبحث فيمن اتهم بادعاء النسب الشريف )أى حقق فى معرفة أنسابهم المتصلة بالنبى محمد عليه السلام ليعرف من إندس فيهم ، مخافة ان يكون بينهم من ادعى النسب وهو جاسوس للشاه الصفوى.

7 ــ ثم وصل مبعوث من اسماعيل الصفوى بعبارات (يابسه ) على حد قول ابن اياس، فرد الغورى عليه بمثلها. وقد رد الصفوى بالمثل فسب مبعوث الغورى وشتمه، أو بتعبير ابن إياس ( افحش الصوفى فى حق تمرباى قاصد الغورى ). ومع ذلك وربما بدافع الخوف والملق فإن الغورى قد أوكب المواكب لمقابلة مبعوث الصفوى، وكان غليظا شديد البأس. ثم وصل مبعوث السلطان بايزيد العثمانى، ويقول ابن اياس ( واشيع أنه تنازل عن الحكم لولده سليم، وجاء الخبر بوفاته، وبكى عليه السلطان) .

8 ـ وعلى عكس ما خطط له الشاه اسماعيل الصفوى ( الصوفى ) فقد أدت جهوده إلى تقارب بين العثمانيين والغورى ظهرت فى اكرام القاصد العثمانى كما اتضح من كلام ابن اياس ، بل أن الغورى توسط للصلح بين الامير قرقد الذى جاء لمصر مغاضبا لأبيه السلطان بايزيد وبالغ فى اكرامه واستجاب لشفاعته فى بعض الامراء ثم عاد الامير العثمانى لبلاده شاكرا.

وبعث الغورى الأموال ليشترى الاخشاب والبارود والحديد من الدولة العثمانية، فرد السلطان سليم العثمانى المال وبعث بمراكب محملة بها مجانا ، ووصل من لدنه مبعوث برسالة يمتدح فيها الغورى ويستفسر عن وصول تلك المراكب. وبعد ذلك بعام ارسل الغورى مبعوثا لشراء مهمات اخرى فاكرمه السلطان سليم الذى كان قد أرسلها فى مراكب موسوقة على حد قول ابن اياس .

9 ــ وكان فرار الامراء العثمانيين ،أبان التنازع على العرش، فرصة يتلقفها الحكام المجاورون للضغط السياسى على الدولة العثمانية، وقد آوى السلطان برسباى اميرا عثمانيا،واحتفظ به ورقة رابحة ضد عمه مراد العثمانى.واختلف الحال  فى عهد الغورى اثناء صفائه مع سليم. ولقد فر الامير سليمان إلى الغورى وفر والده احمد بك من اخيه السلطان سليم إلى الشاه اسماعيل الصوفى الصفوى . ولم ينشرح الغورى لفرار الامير سليمان اليه، وخشى من اغضاب السلطان سليم فبعث قاصدا لسليم يهنئه بالملك ( ولنسج المودة بينهم ) .

ورغم اضطراب الأحوال فى القاهرة وانتشار الطاعون فى مصر وتوعك الغورى إلا أنه بعث بالأمير أقباى الطويل مبعوثا للسلطان سليم على هيئة حسنة لم تتفق لمبعوث قبله حتى عدّ إبن إياس ذلك من النوادر. ويذكر أن الغورى حين عزم على محاربة سليم استقدم الامير العثمانى قاسم بن احمد سرا نكاية فى عمه . 

اجمالي القراءات 9122