السيدة خديجة : رؤية بحثية

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٦ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

السيدة خديجة : رؤية بحثية

جاءنى هذا السؤال من الاستاذ سعيد على : ( فيما يخص تاريخ النبي محمد عليه السلام كون أنه عمل في التجارة بمال السيدة خديجة و عطفا على مفهموم الإيلاف و الذي هو عبارة عن أسهم لأبناء قريش يضعون فيه أموالهم لتكوين رأس مال يتاجرون به في رحلتي الشتاء و الصيف . فإذا كان المفهوم هو هذا فلماذا لم تساهم السيدة خديجة في هذا الإيلاف ؟ و لماذا عزلت مالها و أوكلت للنبي محمد عليه السلام بهذه المهمة ؟ ).  هيا بنا نلقى نظرة نقدية على أهم ما قيل فى سيرة السيدة خديجة .

أولا : نظرة عامة :

1 ـ لأنها ماتت قبل الهجرة ولم تشهد دولة النبى محمد فى المدينة ثم الأحداث الى غيرت تاريخ العرب والعالم فيما بعد فإن التأريخ لها شابه الكثير من الأكاذيب التى تعكس ثقافة عصرها وغرام القُصّاص بالغريب والعجيب لإبهار المستمعين .

ولقد بدأ التاريخ وغيره شفهيا فى مجالس سمر وقصص يتداولها الناس عن النبى واقواله وأحاديثه وما جرى وما كان . وبمرور الزمن من عصر الصحابة الى عصر الأمويين والتابعين تتكاثر الروايات وتتناقض وتتبدل وتتغير ، ثم جاء العصر العباسى بالتدوين لما يقال.

والتدوين الأول سجل معظم ما قيل فى وقته كما فعل مالك فى الموطأ وابن اسحاق فى السيرة . وكلاهما حرص على أن يكتب رواياته من رأسه ويسندها الى راوية سابق لم يرياه ولم يعرفهما ؛إنّه ابن شهاب الزهرى . وبعد مالك وابن اسحاق توالى التدوين فى الأحاديث وفى السيرة  يضيف ويزيد وتتضاءل صدقيته كلما تباعد الزمن بين الشخصية التاريخية والروايات المكتوبة عنها ، ينطبق هذا على ما قيل عن   السيدة خديجة .

2 ـ يضاف الى ذلك حُبّ الشيعة للسيدة خديجة لأنها أم فاطمة الزهراء . وحفز هذا قصّاصى الشيعة على تضخيم دور السيدة خديجة ليرفعوها فوق غريمتهم السيدة عائشة . وأكير مصدر للسيرة بعد ابن اسحاق كان الراوى النسابة محمد بن هشام الكلبى ، وكان شيعيا ينقل عن أبيه . ولم يكن قرشيا بل من قبيلة كلب اليمنية . ومع ذلك كان تأثيره قويا فى مؤرخى العصر العباسى مثل الواقدى وابن سعد والطبرى .

3 ـ وفى رؤيتنا النقدية لما قيل عن السيدة خديجة سنسترشد بالمفهوم من القرآن الكريم . ويبقى ما نقوله وجهات نظر ، قد تخطىء وقد تصيب . ولكن يكفينا أن ما نقوله يحرّك المياه الراكدة.  

 ثانيا : هل السيدة خديجة إستأجرت ( محمدا ) ليتاجر لها بأموالها ؟

1 ــ هذا خطأ لأن الايلاف كان سياسة عامة لقريش كلها . كان يتمثل فى عقد معاهدات مع القبائل على حفظ قوافل قريش التجارية بين اليمن والشام ، ثم إسهام القرشيين برأسمال القافلة ، وتتوزع الأرباح حسب السهم. وبهذا جاء حديث رب العزة عن الايلاف القرشى عاما معبرا عن قريش كلها من حيث رحلتى الشتاء والصيف ، ومن حيث تمتع قريش بالأمن وبالرخاء وأن يؤتى اليها بثمرات العالم . قال جل وعلا : (لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش  ) (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)  القصص ) (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل  ). وقد تاجرت قريش بأموال النبى والمسلمين بعد هجرتهم الى المدينة ، فكانت موقعة بدر ليأخذ المسلمون حقوقهم الضائعة .وبالتالى فلم تكن التجارة عملا فرديا كما ذكرت الروايات اللاحقة المكتوبة فى العصر العباسى.  

2 ــ نستعرض الروايات ثم نرد عليها :

2 / 1  ـ نقل ابن هشام عن ابن اسحاق : ( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ. مَالِهَا وَتُضَارِبُهُمْ إيّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجّارًا؛ فَلَمّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَلَغَهَا، مِنْ صَدْقِ حَدِيثِهِ وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ بَعَثَتْ إلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشّامِ تَاجِرًا، وَتُعْطِيهِ أَفَضْلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التّجّارِ مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةَ فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهَا، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ حَتّى قَدِمَ الشّامَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنْ الرّهْبَانِ فَاطّلَعَ الرّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا الرّجُلُ الّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ؟ قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؛ فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ قَطّ إلّا نَبِيّ.) . ونقل الطبرى هذه الرواية عن ابن اسحاق .

الكذب واضح فى هذه الرواية فى قوله (فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنْ الرّهْبَانِ فَاطّلَعَ الرّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا الرّجُلُ الّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ؟ قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؛ فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ قَطّ إلّا نَبِيّ.)  فهل أدرك هذا الراهب كل الأنبياء ؟ وهل كل الأنبياء جلسوا تحت هذه الشجرة ؟ وهل كانت هناك لافتة معلقة على هذه الشجرة تمنع غير الأنبياء من الجلوس تحتها ؟ وماذا إذا جلس تحتها غير الأنبياء ؟!!

 

2 / 2 : وتستمر رواية ابن اسحاق  : ( ثُمّ بَاعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِلْعَتَهُ الّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثُمّ أَقْبَلَ قَافِلًا إلَى مَكّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ. فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إذَا كَانَتْ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدّ الْحُرّ، يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلّانِهِ مِنْ الشّمْسِ- وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ. )

الكذب واضح هنا ، فما يستطيع بشر أن يرى الملائكة . ثم ما هو الداعى لارسال ملكين يظللانه من حرارة الشمس ؟ كان ميسورا ان يفعل كما يفعله المسافرون معه فى القافلة فى توقى حرارة الشمس .!

 

2 / 3 : وتستمر الرواية : ( فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا. وَعَمّا كَانَ يَرَى مِنْ إظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إيّاهُ. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً مَعَ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ فَلَمّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ بَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ لَهُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يَا ابْنَ عَمّ. إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِيك لِقَرَابَتِك، وَسِطَتِكَ فِي قَوْمِك وَأَمَانَتِك وَحُسْنِ خُلُقِك، وَصِدْقِ حَدِيثِك، ثُمّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنّ مَالًا؛ كُلّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.).هذه الرواية هى التى تمهد لزواج ( محمد ) قبل النبوة من ( خديجة ) .

2 / 4 : وكرر محمد بن سعد فى الطبقات الكبرى هذه الرواية مع بعض تفصيلات، قال :( ثم باع رسول الله ( لم يكن رسول الله وقتها ) سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة فكان ميسرة فيما يزعمون إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظللانه من الشمس وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعفت أو قريبا من ذلك وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه وكانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها بعثت إلى رسول الله فقالت له فيما يزعمون يابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليها فلما قالت ذلك لرسول الله ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه حمزة بن عبدالمطلب عمه حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها ) .

 

ثالثا  : ماذا كان عُمر السيدة خديجة عندما تزوجها محمد :

   لم يكن هناك تسجيل للمواليد فى مكة حتى نعرف تاريخ ميلاد الطفلة خديجة بنت خويلد . ولكن إختلفت الروايات فى تحديد عمرها عندما تزوجت محمدا . ونستعرضها :

1 ـ قال ابن هشام فى السيرة :   ( فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً تَزَوّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدِ ). ليس مذكورا هنا عُمر السيدة خديجة .

2 ـ زعم ابن سعدفى الطبقات الكبرى نقلا عن الواقدى ( محمد بن عمر ) أنها كانت أكبر بخمسة عشر عاما ، قال : (  أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا مغيرة بن عبد الرحمن الأسدي عن أهله قالوا سألنا حكيم بن حزام أيهما كان أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خديجة فقال كانت جديجة أسن منه بخمسة عشرة سنة ) ، وكرّر نفس الرأى نقلا عن نفس الواقدى ( محمد بن عمر ) أنها كانت فى الأربعين حين تزوجها محمد . قال : (أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا المنذر بن عبد الله الحزامي عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير قال سمعت حكيم بن حزام يقول تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وهي ابنة أربعين سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة .  )

3 ـ ثم يذكر ابن سعد أن عُمرها كان 28 سنة حين تزوجها محمد ، ويسارع بنفى هذا الخبر مؤكدا أنها كانت فى الأربعين ، قال (  أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن بن عباس قال كانت خديجة يوم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة ثمان وعشرين سنة ... قال محمد بن عمر ونحن نقول ومن عندنا من أهل العلم إن خديجة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة وإنها كانت يوم تزوجها رسول الله بنت أربعين سنة ) .

4 ـ ابن سعد هنا ينقل عن الراوية النسّابة هشام الكلبى ( هشام بن محمد بن السائب ) انها كانت فى الثامنة والعشرين فقط . الطريف أن الطبرى فى تاريخه ينقل شيئا مختلفا عن هشام الكلبى ، ينقل أنها كانت فى الأربعين ، يقول الطبرى : ( ذكر تزويج النبي خديجة رضي الله عنها قال هشام بن محمد نكح رسول الله خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذ ابنة أربعين سنة ).

5 ـ الذى نراه أنها لم تكن فى الأربعين . يكفى أنها هى التى ولدت كل اولاد النبى وبناته عدا ابنه ابراهيم . ابن سعد قال عن زواجها وإنجابها : ( فولدت له ولده كلهم إلا إبراهيم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى والطاهر والطيب فأما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه ) وقال : ( فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الشام وهو ابن خمس وعشرين سنة فولدت القاسم وعبد الله وهو الطاهر والطيب سمي بذلك لأنه ولد في الإسلام وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وكانت سلمة مولاة عقبة تقبلها وكان بين كل ولدين سنة وكانت تسترضع لهم وتعد ذلك قبل ولادها.) . معقول أن يكون هذا من زوجة عمرها 28 عاما وليس 40 عاما .

ثالثا :

رابعا : خرافات أخرى فى سيرة النبى محمد عليه السلام وزوجته خديجة

 السيدة خديجة ليست فى حاجة لهذه الخرافات . يكفى أنها الوحيدة التى لم تتعرض لنقد نزل فى القرآن الكريم عن زوجات النبى اللاحقات فى سورتى الأحزاب والتحريم . ولكن الروايات لم ترحمها ، ونعرض لبعضها :

1 ـ عن الصلاة :

1/ 1 : يروى محمد  بن سعد رواية يرفعها الى حكيم ابن أخ خديجة : (  لقد حُرّمت على عمتي الصلاة قبل أن يولد رسول الله قال أبو عبد الله قول حكيم حرمت الصلاة يعني حاضت ولكنه تكلم بما تكلم به أهل الإسلام) يعنى أنها حرّمت على نفسها الصلاة وهى حائض وأن هذا حدث قبل مولد النبى محمد . هى رواية هزلية لأن الحيض لا يمنع الصلاة ، هو فقط يمنع اللقاء الجنسى بين الزوجين . ولكن المفهوم من هذه الرواية الكاذبة أنه كانت تصلى قبل نزول القرآن وقبل مبعث النبى محمد عليه السلام

1 / 2 : وفعلا فقد كان العرب يؤدون الصلاة على ملة ابراهيم وأيضا يصومون رمضان ويحجون للبيت الحرام . ولكن رواية أخرى لابن سعد تزعم أن الصلاة بدأت بالرسالة القرآنية الخاتمة . يزعم ابن سعد راويا عن شيخه محمد بن عمر الواقدى :   ( أخبرنا محمد بن عمر عن بن أبي ذئب عن الزهري قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة يصليان سرا ما شاء الله ) . والمعنى أن الصلاة كانت أمرا جديدا مارسه النبى محمد سرا ومعه خديجة .

1 / 3 ـ وهناك رواية مسرحية أخرى مصدرها شخص مجهول أسموه عفيف الكندى . يقول ابن سعد : ( أخبرنا يحيى بن الفرات القزاز حدثنا سعيد بن خثيم الهلالي عن أسد بن عبيدة البجلي عن بن يحيى بن عفيف عن جده عفيف الكندي قال : " جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها ، فنزلت على العباس بن عبد المطلب . قال فأنا عنده وأنا أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس فارتفعت ، إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة فرفع رأسه إلى السماء فنظر ثم استقبل الكعبة قائما مستقبلها إذ جاء غلام حتى قام عن يمينه ثم يلبث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما ثم ركع الشاب فركع الغلام وركعت المرأة ثم رفع الشاب رأسه ورفع الغلام رأسه ورفعت المرأة رأسها ثم خر الشاب ساجدا وخر الغلام ساجدا وخرت المرأة . قال فقلت : " يا عباس إني أرى أمرا عظيما .! ". فقال العباس : " أمر عظيم هل تدري من هذا الشاب ؟ " قلت : " لا ، ما أدري . " قال : " هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إبن أخي.  هل تدري من هذا الغلام ؟ " قلت : " لا ، ما أدري . " . قال : " علي بن أبي طالب بن عبد المطلب إبن أخي . هل تدري من هذه المرأة ؟" . قلت: "  لا ، ما أدري. "  قال : " هذه خديجة بنت خويلد زوجة إبن أخي هذا.  إن بن أخي هذا الذي ترى حدثنا أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه فهو عليه ، ولا والله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة . " قال عفيف : "فتمنيت بعد أني كنت رابعهم." ) .واضح أنها رواية شيعية ماكرة تجعل العباس يعترف بأسبقية (على ) و حماته ( خديجة ) بينما لا يزال العباس على كفره . الطريف أن  الطبرى فى تاريخه نقلها وكررها مع إضافات.

1 / 4 : ثم يأتى ابن سعد برواية مضحكة مناقضة لما سبق تزعم وفاة خديجة قبل أن تُفرض الصلاة .!!( أخبرنا محمد بن عمر حدثني معمر بن الراشد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. )

2 ـ وهناك رواية مسرحية أخرى ذكرها ابن سعد عن ابى عمرو المدينى الإخبارى  ينسبه لابن عباس : ( أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله القرشي عن أبي عمرو المديني قال أخبرنا طلحة بن عبد الله التيمي عن أبي البحتري الخزاعي وعن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس : أن نساء أهل مكة احتفلن في عيد كان لهن في رجب فلم يتركن شيئا من إكبار ذلك العيد إلا أتينه فبينا هن عكوف عند وثن مثل لهن كرجل في هيئة رجل حتى صار منهن قريبا ثم نادى بأعلى صوته : " يا نساء تيماء أنه سيكون في بلدتكن نبي يقال له أحمد يبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون له زوجا فلتفعل " . فحصبته النساء وقبحهنه وأغلظن له ، وأغضت خديجة على قوله ولم تعترض له فيما عرض فيه النساء ). أى هناك وحى من كائن ( فضائى ) يتنبأ بالنبى المنتظر ويخطب له مقدما .

3 ـ وذكر الطبرى رواية سامّة تزعم أن خديجة خدعت أباها وسقته خمرا وجعلته يوافق على زواجها بمحمد . ذكر الطبرى هذه الرواية ثم سارع الى تكذيبها مؤكدا أن خويلد والد خديجة قد مات من قبل فى حرب الفجار . قال الطبرى : ( ويقولون أيضا إن خديجة أرسلت إلى النبي تدعوه إلى نفسها تعني التزويج ، وكانت امرأة ذات شرف وكان كل قريش حريصا على نكاحها قد بذلوا الأموال لو طمعوا بذلك ، فدعت أباها فسقته خمرا حتى ثمل ونحرت بقرة ، وخلقته بخلوق وألبسته حلة حبرة ، ثم أرسلت إلى رسول الله في عمومته، فدخلوا عليه فزوجه . فلما صحا قال: " ما هذا العقير وما هذا العبير وما هذا الحبير ؟ " قالت : " زوجتني محمد بن عبدالله."  قال:"  ما فعلت أنى أفعل هذا وقد خطبك أكابر قريش فلم أفعل. "  قال الواقدي وهذا غلط والثابت عندنا المحفوظ من حديث محمد بن عبدالله بن مسلم عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم ومن حديث ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة ومن حديث ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله وأن أباها مات قبل الفجار ). ونتذكر رواية ابن سعد عن زواجها وأن أباها هو الذى قام بتزويجها وليس عمها . هذا تخريف ابن عم تحريف .!!

4 ـ كل هذا يهون . أما الذى لا يهون فتلك الروايات المتعددة التى تزعم أن النبى محمد حين أبطأ عليه الوحى أوشك على الانتحار ، وأن خديجة كانت هى التى تهدىء من روعه . وقد نقلها الطبرى عن البخارى . ويضيق الصدر عن ذكرها . ويكفى فى إنكارها قوله جل وعلا : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (124) الانعام ). إذ يستحيل أن يختار رب العزة إنسانا يفكّر فى الانتحار . النبوّة مهمة شاقة لا يقوم بها إلا صفوة الخلق عليهم السلام .

أخيرا :

تاريخ النبى والصحابة صناعة عباسية ، وأديان المحمديين الأرضية أيضا صناعة عباسية . ولا يزال هذا وذاك أسفارا مقدسة حيث يكون التاريح اساسا للدين الأرضى .

اجمالي القراءات 9808