لمحة عن الدولة الأموية

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٢ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة عن الدولة الأموية

كتاب :  نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية لنشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل الثالث : إكتمال التناقض بين الاسلام والمسلمين في الدولة الاموية

               (41-132هـ) (661  -750)م

لمحة عن الدولة الأموية

 

  عن الخلفاء الأمويين     

معاوية بن أبى سفيان(661 ـ 680 ) بعد مقتل على بن أبى طالب بويع إبنه الحسن فلقى نفس الصعوبات من أتباعه فأدرك عجزه عن ممواجهة معاوية ، فتم عقد صلح بينهما على أساس أن يتنازل له وأن يبايعه بالخلافة على أن يكون الأمر بعد معاوية شورى بين المسلمين يولون من أحبوا.قدم معاوية الى الكوفة فى العراق ـ عاصمة على فى خلافته ـ فبايعه الحسن والحسين أبناء على وفاطمة بنت النبى محمد سنة 40 هجرية/ 661.

معاوية هو مؤسس الدولة الأموية، وهو أول سياسى حقيقى بالمفهوم البرجماتى للسياسة. إستغل كل الوسائل للوصول لغرضه، وكان منها الدهاء الشديد ، والحلم والصفح مع الحزم فى مواجهة خصومه. بالحلم والترغيب والمدارة ألف قلوب خصومه القدامى ، بينما أعطى لولاته فى الأمصار السلطة الكاملة لارهاب خصومه الثائرين عليه فكانوا يضربونهم بقسوة ، فإذا فر الخصم الى معاوية مستجيرا تلقاه معاوية بالعفو والصفح وجعله مناصراومؤيدا. وقد عمل على أن تتحول الخلافة القائمة على الشورى وتداول السلطة الى ملكية وراثية لذريته. وبذل همه فى نهاية عهده على أن يبايع الناس لابنه يزيد بولاية العهد. وافق ولاته وزعماء القبائل ، خصوصا قبائل كلب أخوال يزيد ، ولكن رفض الحسين بن على وعبد الله بن الزبير وكبار أبناء المهاجرين والأنصار.ومات معاوية تاركا لابنه يزيد هذه المشكلة.

 يزيد بن معاوية ( 680 ـ 683 ) .                                                            

تولى فلم يكن له همّ إلا ارغام الحسين بن على على البيعة له. كان الحسين مقيما فى المدينة ومعه أهله من بنيه وبنى أخيه الحسن الذى توفى مسموما من قبل بمكيدة من معاوية، وبقية أبناء إخوته وأخواته من العلويين نسبة لعلى ،وأبناء عمومته من الطالبيين ـ نسبة لأبى طالب. فى نفس الوقت جاءت رسائل من العراق تدعو الحسين للقدوم اليهم ليساعدوه فى الوصول للخلافة. ذهب اليهم الحسين بأهله ومنهم أطفال ونساء فواجهه جيش أموى فى كربلاء قضى على الحسين وآله الذين كانوا معه عدا إبنه على زين العابدين الذى كان فتى مريضا وقتها.أدى مقتل الحسين وآله فى كربلاء الى ثورة المدينة وخلعها طاعة يزيد فأرسل لهم جيشا هزمهم واستباح المدينة قتلا وسلبا ونهبا وغصبا للنساء مدة ثلاثة أيام.

أنتهز الفرصة عبد الله بن الزبير فأعلن نفسه خليفة فى مكة ، فأمر يزيد نفس الجيش أن يتوجه الى مكة للقضاء على حركة أبن الزبير. حاصر الجيش الأموى مكة وضربها بالمجانيق فاحترقت الكعبة وتركها ابن الزبير تحترق ليشنع على الأمويين.أثناء المعركة مات الخليفة الأموى يزيد بن معاوية ،وقد أوصى بالخلافة لابنه معاوية بن يزيد.وإزداد السخط على الأمويين ، وتفاقم الأمر بتولى معاوية الثانى ( 63  /  683(الذى كان شابا مريضا ضعيفا متدينا فرفض الاستمرار فى الحكم وتنازل دون أن يعين خليفة له.

فترة الاضطراب الأموى( 684 )

واضطرب أمر بنى أمية وأصبح معظم الولايات مع عبد الله بن الزبير، ومنها العراق ومصر والحجاز، بل وإنضم له زعيم القبائل القيسية ( الضحاك بن قيس الفهرى )، والذى كان متحالفا من قبل مع الأمويين. وظهرت حركة المختار بن عبيد الثقفى الذى جمع جيشا من الأعراب ،وتأرجح ولاؤه بين ابن الزبير تارة ومحمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب تارة أخرى. أهمية المختار هذا أنه فى فترة الاضطراب هذه إحتل العراق وقتل الوالي الأموى عبدالله بن زياد المسئول عن مذبحة كربلاء وكل من شارك فيها.انتهت فترة الاضطراب باتفاق الأمويين على اختيار مروان بن الحكم خليفة فى مؤتمر الجابية .

مروان بن الحكم:( 684 ـ 685)

هو المسئول مع معاوية عن التسبب فى الثورة على عثمان ومن ثم قتله. وقد خدم مروان ابن عمه معاوية فى خلافته، وأصبح كبير الأمويين بعد تنازل معاوية بن يزيد. باختياره خليفة جمع كل أنصار الأمويين من قبائل كلب وغيرها ، وانتصر على القبائل القيسية المناصرة لابن الزبير فى الشام فى موقعة مرج راهط، وقتل زعيمهم الضحاك بن قيس الفهرى.وبها استخلص الشام له ، ثم تابع جهوده فاستخلص مصر من واليها التابع لابن الزبير، ومات مروان قبل أن يقضى على مصعب بن الزبير حاكم العراق لصالح أخيه عبد الله بن الزبير، وترك هذه المهمة لابنه :عبد الملك بن مروان.

عبد الملك بن مروان ( 65 ـ 86 ) ( 685 ـ 705 )

هو الذى وطد الدولة الأموية والمؤسس الثانى لها بعد معاوية. هو الذى قتل وهزم مصعب بن الزبير فى العراق ،ثم عبد الله بن الزبير فى مكة. وسلط واليه الحجاج بن يوسف على العراق ـمركز المعارضة ضد الأمويين ـ فأخضع العراقيين بالحديد والنار.ومع توطيد سلطته فقد واصل الفتوحات فى الشرق والغرب ، وقام ببعض اصلاحات .

 وترك لابنه الوليد بن عبد الملك ( 86 ـ 96 ) ( 705 ـ 715 ) ملكا مستقرا، وقد اهتم الوليد بن عبد الملك بمواصلة الفتوحات فوصلت فى عهده أقصى اتساعها الى حدود الصين والهند الى الاندلس فى أسبانيا. وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك ( 96 ـ 99 ) ( 715 ـ 717 ) الذى حاول فتح القسطنطينية ، وعهد بالخلافة لابن عمه عمر بن عبد العزيزبن مروان ( 99 ـ 101 ) ( 717 ـ 720 ) وهو أشهر خليفة أموى ـ وعربى ـ فى العدل والتقوى. وتولى بعده يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105 ) ( 720 ـ 724 ) فكان على النقيض ، ظلما وفسقا وانحلالا خلقيا، ومات سريعا فخلفه أخوه هشام بن عبد الملك ( 105 ـ 125 ) ( 724 ـ 743 ) وهو آخر الخلفاء الأقوياء من بنى أمية. بوفاته تولى خلفاء ضعاف متشاكسون تلاعبت بهم القبائل فسقطت الدولة الأموية بعد موت هشام بسبع سنوات.( سنة 132 / 750 )

 السمات العامة للدولة الأموية

كانت القبائل العربية هى القوة العسكرية الوحيدة اللاعبة على المسرح السياسى في عصر الدولة الاموية . وانقسم رجالها حسب موقفهم من الأمويين الى قسمين :

*قسم ثائر علي الدولة يمثله الخوارج الذين أرهقوا الامويين بثوراتهم ،ومنهم الذين استحلوا دماء كل المسلمين كالمحكّمة الاولى الذين كانوا يهجمون علي المدن فيقولون:" لا حكم الا الله" ثم يقتلون كل من يقابلهم من المسلمين قتلا عشوائيا،وفي نفس الوقت يراعون العهد مع اهل الكتاب ،أي يقتلون المسلمين بعد اتهامهم بالكفر ثم يحافظون علي حياة اليهود والنصارى.

*اما القسم الثاني من القبائل فكان يخدم الدولة الاموية يفتح بأسمها الاقطار ،ويقتل في سبيلها المعارضين في الداخل.  وما لبث ان ثارت القبائل اليمنية علي الامويين بسبب تعصب بعض الخلفاء للقبائل القيسية المضرية العدنانية الشمالية،وتعاونت بعض القبائل اليمنية مع عدو اكثر شراسة يتقدم ببطء وثبات يدعو للرضى من آل محمد ،وهذا العدو هم الفرس الخراسانيون بزعامة ( أبو مسلم الخراسانى ) الذي اسقط الدولة الاموية واقام بدلا منها الدولة العباسية.

دخلت الدولة الأموية بهذه القبائل العربية الموالية لها فى حرب ضروس ضد القوى الثائرة عليها من علويين وشيعة وخوارج وابناء البلاد المفتوحة من الفرس والمصريين الاقباط والبربر ،الي القبائل العربية نفسها التي كانت تؤيد الامويين ثم انقلبت عليهم .مما ادي في النهاية الي سقوط الدولة الاموية في ريعان شبابها (سنة132هـ،750م).

وقد وصلت الدولة العربية الاسلامية الي اقصي توسع لها في الدولة الاموية ،فيما بين الهند والصين شرقا الي جنوب فرنسا غربا ،ومن اسوار القسطنطينية شمالا الي النوبة والصحراء الافريقية جنوبا ،وفي عهدها اصبح البحر المتوسط بحيرة عربية وكذلك البحر الاحمر .وكانت الدولة الاموية تفتح الدولة المجاورة بيد وتقاتل في الداخل أعداءها  باليد الاخرى ،الي ان سقطت بعد ان تكالب عليها اعداؤها الناقمون عليها.

وانتقم الأمويون من خصومهم بنى عمومتهم الهاشميين حين قتلوا بدون رحمة الحسين وآله في كربلاء كما انتقموا من الأنصار ومن بقى من الصحابة السابقين حين انتهكوا حرمة المدينة واستباحوها قتلا وسلبا ونهبا وغصبا للنساء، ولم يتورع الأمويون عن انتهاك البيت الحرام و احراق الكعبة بالمجانيق حين حاصروا فى مكة عبد الله بن الزبير الذى نصب نفسه خليفة.

والواقع ان الامويين اسرفوا في استعمال القوة ، فلم يتورعوا عن مذابح كربلاء واقتحام المدينة وانتهاك حرمة الكعبة في خلافة يزيد ابن معاوية، كما لم يتورع ولاتهم من التطرف بقتل الابرياء لمجرد الشبهة كما كان يفعل زياد ابن ابيه والحجاج بن يوسف وخالد القسري.

استباحة الدماء والمجون والانحلال الخلقى

أتاح الدين الأموى لأصحابه مطلق الحرية فى استباحة الدماء، وتمتع بهذا الحق الخلفاء وولاتهم، يعززهم منطق القوة وأنهم ينسبون أفعالهم الى الله تعالى. وكان الحجاج يقول (والله لوأمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلت لي دماؤكم ) ( تاريخ ابن الأثير: ترجمة الحجاج فى وفيات سنة 95 )

وبعض الخلفاء الأمويين كان متهما بالفواحش وترك الصلاة ومنهم يزيد بن معاوية ، صاحب الفواجع الثلاث : قتل الحسين وآله فى كربلاء ، وانتهاك حرمة مكة والمدينة .وحين ثارت المدينة على يزيد وخلعت طاعته كان زعيم الثوار عبدالله بن حنظلة الإنصارى من المشهورين بالورع، وقد خطب فى قومه قبيل موقعة الحرة قائلا عن يزيد ( إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معى أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا )  ( الطبقات الكبرى لأبن سعد ج5 ، 47 – تاريخ المنتظم ج6، 19 ) وقد وقعت موقعة الحرة سنة 63 هــ وفيها انتهكت حرمة المدينة وكان من القتلى زعيم الأنصار يومئذ ابن حنظلة . وتكرر نفس الإتهام للخلفاء الأمويين فى عهد عبد الملك بن مروان ، قاله سعيد بن جبير فى موقعة دير الجماجم ، قال  (قاتلوهم على جورهم فى الحكم وخروجهم من الدين وإماتتهم الصلاة ) ( طبقات ابن سعد ج6، 185 ) .

 وفى الدين الأموى أتيح ليزيد بن عبد الملك أن يتفرغ للهو والخمر والمجون حتى مات شابا بسبب الانحلال الخلقى.ولم يكن وحده المشهور بين الخلفاء الأمويين بالانحلال الخلقى. قبله كان يزيد بن معاوية ، وبعده كان ابنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

قال ابن كثير فى تاريخه ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/3‏)‏عن الوليد بن يزيد بن عبد الملك:إن عمه الخليفة هشام بن عبد الملك أراده أن يقلع عن الخمر ليؤهله للحكم من بعده فجعله أميرا على الحج سنة 116 فما كان منه إلا أن (أخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه، حتى يقال‏:‏إنه جعلها في صناديق ..قالوا‏:‏ واصطنع الوليد قبة على قدر الكعبة، ومن عزمه أن ينصب تلكالقبة فوق سطح الكعبة ويجلس هو وأصحابه هنالك، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهيوغير ذلك من المنكرات، فلما وصل إلى مكة هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه من الجلوسفوق ظهر الكعبة خوفاً من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك،)

وتولى الخلافة فانطلق فى مجونه للنهاية ، يقول المؤرخون (ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنوالوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره ) فثار عليه ابن عمه يزيد بن الوليد الذى قتله وتولى بعده. قالوا عن ذلك الخليفة الماجن :(كان هذا الرجل مجاهراً بالفواحش مصراً عليها، منتهكاً محارم الله عزوجل، لا يتحاشى من معصية‏.‏وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله، قال‏:‏ أشهدأنه كان شروباً للخمر، ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق ) وقالوا فيه حين تولى الخلافة )كان مشهورا بالالحاد مشتغلا باللعب واللهو والشراب ) وفى أول خطبة لابن عمه يزيد بن الوليد الذى قتله وتولى الخلافة بعده قال عنه (كان جبارا مستحلا للحرم ..ما كان يصدق بالكتاب ولا يؤمن بيوم الحساب ) ورووا أنه فتح المصحف يوما يستفتح به ـ أى يرى حظه في أول آية يقرؤها ـ  فرأى فيه قوله تعالى " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " فألقى المصحف ورماه بالسهام وهو يقول:

تهددنى بجبار عنيد            فها أنا ذاك جبار عنيد

اذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يارب خرقنى الوليد)

(تاريخ الكامل لابن الأثير 4/ 486 ، المنتظم لابن الجوزى 7/236 -248 ).

اجمالي القراءات 10672