لمحة عن : قريش وصناعة الأديان الأرضية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٥ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة عن : قريش وصناعة الأديان الأرضية

              كتاب :  نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل الأول : ماهية الاسلام وتاريخه وتطبيقه حتى عهد النبى محمد

لمحة عن : قريش وصناعة الأديان الأرضية

أولا :

العرب وتضييع ملة ابراهيم الاسلامية قبل نزول القرآن الرسالة الالهية الخاتمة

العرب ـ بزعامة قريش ـ قبل نزول القرآن أضاعوا ملة ابراهيم الاسلامية حين وقعوا في الشركبمعناه العقيدى وهو إتخاذ آلهة مع الله تعالى مع إيمانهم بالله تعالى.وذكر القرآن أن العرب كانوا يؤمنون بان الله هو خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر وانه مالك الأرض ومن فيها وأن بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه (23 /84؛89")(29 /  61 )( 39 /38) ولكنهم مع ذلك لم يخلصوا لله تعالى عبادتهم إذ اتخذوا أولياء أقاموا لهم الأنصاب أي الأضرحة – كما نفعل اليوم -  وحجوا إليهم – كما نفعل نحن في الموالد الصوفية - وعكفوا على قبورهم المقدسة بزعم أنها تقربهم لله زلفى – كما نفعل في ضريح الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الشافعي والمرسى أبى العباس والسيد البدوي وغيرهم -وذلك ينافى الإخلاص في عبادة الله وحده، (39 /2-3)

وكانت للعرب المشركين مساجد يؤدون فيها الصلاة ولكنهم لوقوعهم في الشرك كانوا يسمون هذه المساجد بأسماء الأولياء الذين يعبدونهم كما نفعل نحن الآن، وحين دعا النبي إلى أن تكون هذه المساجد لله تعالى وحدة تكالبوا عليه يريدون إيذاءه،وقد أمر الله تعالى رسوله محمدا أن يوجه خطابا محددا لأولئك العرب الذين يقدسون أضرحة الأولياء المدفونة في مساجد الله تعالى، والذين يقرنون أسماء البشر المقدسين مع اسم الله تعالى في الأذان للصلاة وفى تأديتهم للصلاة. الخطاب المحدد هو أيضا موجه لنا حيث يذكر المسلمون اسم محمد نفسه مع اسم الله تعالى في الأذان وفى الصلاة ويكتبون اسم محمد مع الله تعالى بما يعنى تقديسا لمحمد وهو الذي أرسله الله تعالى لمحو تقديس البشر والحجر والشجر. ولذلك فان الخطاب الذي أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يعلنه هو أيضا موجه للمسلمين اليوم بعد أن أضاعوا ملة ابراهيم وضلوا كما ضلت قريش من قبل.( 72 /18-23 )

وبعد ظهور الاسلام اضطهدت قريش المسلمين فاضطرت معظمهم إلى الهجرة إلى المدينة، وبقى بعض المؤمنين في مكة وحاولوا أن يصلوا في نفس المساجد التى إعتادوا الصلاة فيها ولكن المشركين القرشيين المعتدين منعوهم من دخولها فنزلت آية في المدينة تحتج على ذلك ( 2 /114)

والعرب المشركون في الجاهلية كانوا يؤدون الصلاة ولكن لم يقيموا الصلاة، وكانوا مشهورين بالكرم ولكن دون أن يؤتوا الزكاة بمعنى التطهر والسمو الخلقي، لذلك ظلوا يغير بعضهم على بعض ، وينتهكون الحرمات ويسبون ويسلبون ويشربون الخمر ويرتكبون النسىء اى يستحلون القتال حتى في الأشهر الحرم بعد إعلان عدم حرمتها أو تأجيل حرمتها (9 /37 ). أى عرفوا من ملة ابراهيم وجود أشهر أربعة فى السنة يحرم فيها القتال والظلم أشد تحريم ، حيث تكون موعدا للحج الى الحرم المكانى لله تعالى فى مكة ، فيجتمع فى تأدية الحج السلام والأمن داخل البيت الحرام وخارجه. ولكن حرفوا فى الأشهر الحرم وأحلوا القتال فيها ، كما حرفوا فى الحج نفسه بزرع أصنام حول الكعبة.

وكانت قريش هى المسيطرة على مكة والقائمة على رعاية البيت الحرام وموسم الحج، وقد جعلت من ذلك كله تجارة رابحة لها بحجة أنها تقوم بعمارة المسجد الحرام وخدمة الحجاج ويقرن ذلك بارتكاب المعاصي وعبادة الأولياء والقبور المقدسة. وقد رد عليهم رب العزة جل وعلا معتبرا أن ذلك لا شأن له بالتعمير الحقيقي لمساجد الله تعالى أو لدينه، ولا شأن له بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: (9 /17- 18(

وقرنوا وقوعهم فى الشرك العقيدى بارتكابهم الفواحش ،بل الفخر بها واعتبارها جزءا من الدين عندهم حتى لقد نسبوها لأمر لله تعالى، وقد احتج رب العزة على هذا التزوير الديني الذي وقعوا فيه ( 7 /28)

وإقترن الشرك العقيدى مع إرتكاب الفواحش بالتقاتل بسبب وبدون سبب ، حيث قامت حياة العرب  على السلب والنهب والغارات اليومية ، وفى هذا النمط من الحياة كانت الكلمة العليا للأقوى والأكثر ظلما ، وكانت قريش بجاهها وقوتها الأكثر ظلما والأكثر عتوا. وبهذا جمعت قريش بين الكفر العقيدى والكفر السلوكى .

والمحصلة النهائية أن ملة ابراهيم الاسلامية تحولت الى شرك وكفر عقيدى وسلوكى كان يظلم الناس ورب الناس حين استغلت قريش البيت الحرام لتتاجر باسمه وبدين الله تعالى وملة جدهم ابراهيم. وكان هذا هو التحدى الذى واجهه محمد بن عبد الله القرشى حين بعثه الله تعالى بالرسالة الخاتمة لتصحيح ملة ابراهيم..

ثانيا :

قريش وإقامة دين أرضى لها على أنقاض ملة ابراهيم قبل نزول القرآن الكريم

واقع الأمر أن قريش التى تنتمى الى إبراهيم عليه السلام  والتى قامت على رعاية المسجد الحرام ورعاية ملة ابراهيم أو دين ابراهيم هى التى قامت باستغلاله فى سبيل مصلحتها الدنيوية ، وبذلك تكون قد أقامت لها دينا أرضيا على أنقاض ملة ابراهيم أو دين ابراهيم. وفى دينها الأرضى هذا كانت تمارس المعصية وتزعم أنها أوامر الاهية (7 / 28 )، وكانت تستخدم سيطرتها على البيت الحرام معتبرة إياه ملكية خاصة لها ، فتصدُّ وتمنع خصومها من الحج اليه، أى أن الحج فى دينها الأرضى كان حجّا الى قريش وليس حجّا الى بيت الله تعالى .

بهذا الكفر العقيدي والسلوكي واجهت قريش النبي محمدا وأصحابه المسالمين المستضعفين.

وبسبب الاضطهاد والتعذيب هاجر بعض المسلمين مرتين للحبشة ثم هاجروا إلى المدينة ومعهم خاتم النبيين عليه وعليهم السلام. تابعت قريش المسلمين في المدينة بالقتال والاعتداء بعد هجرتهم ومنعت المسلمين من الحج إلى البيت الحرام وهم أحق الناس ببيت الله الحرام، مما استوجب تهديد الله تعالى للقرشيين بالعذاب، (8 /34}

 ويؤكد رب العزة فى القرآن الكريم: ( 22 / 25 ) على حقيقة هامة أغفلتها قريش ـ وتغفلها الآن المملكة السعودية الوهابية ـ وهى أن المسجد الحرام هو بيت الله تعالى وحده ، وأن الحج إليه حق لكل الناس المسالين مهما إختلفت عقائدهم وأديانهم ، يستوي في ذلك أهل مكة والقادمون إليها من كل بنى البشر ، لا فرق بين هؤلاء وهؤلاء في استحقاق الحج. أى بغض النظر عن الدين والمذهب والمعتقد والجنس واللون طالما كان القادم للحج مسالما لا يحمل سلاحا فهو مسلم حسب سلوكه ومن حقه الحج ، وان يأمن على نفسه وماله وكل حقوقه ، ولا شأن لنا بعقيدته، وليس لنا أن نقيم محاكم تفتيش واختبارات فى عقيدة كل قادم للحج، وليس لنا أن نشق على قلب كل حاج لنعرف اخلاصه أو تقواه أو سريرته. المطلوب فقط أن يكون مسالما حسب الظاهر ليكون مسلما.

وقبل فتح مكة رأى النبي محمد عليه السلام  مناما أنه يحج البيت، فبادر بالذهاب مع عدة آلاف من أصحابه للحج مسالمين بدون نية حرب ولكن قريشا منعتهم من الدخول. وبعد مفاوضات تم عقد صلح الحديبية ، وأبيح للمسلمين والنبى القيام بالحج. (48 /  25 ـ 27 }.

ونكثت قريش العهد فقام النبى محمد بفتح مكة فاستسلم له معظمهم ، بينما لم يخضع أئمة الكفر من قريش فاستأنفوا اعتداءهم على البيت الحرام  وقطع الطريق على الحجاج، فأعطاهم الله تعالى مهلة للتوبة ، ومنعهم من دخول البيت الحرام أو الاقتراب منه ( التوبة 28 ). وظلوا كذلك الى أن تابوا وفق ما حدده رب العزة فى سورة التوبة التى حفلت باشارات تاريخية غفل عن التعقيب عليها رواة السيرة.

أى ان قريش ناضلت عن دينها الأرضى ما استطاعت إلى أن إنهزم أئمة الكفر والعدوان فيها . فدخلوا فى الاسلام بعد طول عداء ، ثم ما لبثوا أن سيطروا على المسلمين وإستغلوا الاسلام فى إقامة امبراطورية تزعمها الأمويون قادة الكفر السابقون فى مكة وأعدى أعداء النبى محمد والاسلام. وبدأت قريش إعادة انتاج أديان أرضية من أرضية الصراع على السلطة خلال ما يعرف بالتاريخ الاسلامى. وهذا هو تطبيق قريش للاسلام قبل وبعد نزول القرآن الكريم.

ثالثا :

قريش ونشأة أديان المسلمين الأرضية بعد نزول القرآن.          

قبيلتان دار حولهما أكثرية القصص فى القرآن الكريم ، ترسم ملامحهما العقلية والدينية ، وتعظهما وتحذرهما وتحاورهما. هاتان القبيلتان هما قريش وبنو اسرائيل. وكلاهما ينتمى الى ابراهيم عليه السلام.

أفرد القرآن الكريم لقريش سورة قصيرة حملت إسمها ولخصت تميزها بين العرب بالثراء والأمن بسبب البيت الحرام الذى مكنها من الايلاف ورحلة الشتاء والصيف . وتحدث عنها رب العزة وحاورها فى مئات الآيات القرآنية ، وكان من حواره معها دعوتها للسير فى الأرض لتعتبر من أحوال الحضارات السابقة والأمم السابقة حول الأنهار والتى عتت وتجبرت وفاقت قريش فى عمرانها ( 3 / 137 )( 6 / 11) ( 12 / 109 ) ( 16 / 36 ) ( 27 / 69 ) ( 29 / 20 ) ( 30 /9 ، 42 ) ( 35 / 44 ) (40 / 21، 82 ) (47 / 10 ).

القرآن الكريم ـ الرسالة السماوية الخاتمة ـ لم يركز كل هذا التركيز على قريش وبنى اسرائيل عبثا. لو كانت قريش وبنى اسرائيل مجرد حالة تاريخية إندثرت مثل الأمم السابقة لما كان كل التركيز والاهتمام. المفهوم هنا أن القبيلتين ستستمران طويلا بعد نزول القرآن ،وسيستمر تأثيرهما أطول. ولذلك كان لا بد للقرآن خاتم الرسالات السماوية من التركيز على أهم قبيلتين ورثتا دين ابراهيم او ملةابراهيم وقامتا باستغلاله وإنشاء أديان أرضية منه لتحقيق أغراض سياسية ودنيوية.

المشهور عن قريش انها أقوى قبيلة عربية تنتمى الى العرب المستعربة ، أى ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام. ، وأنها إكتسبت قوتها من التحكم فى التجارة بين الشرق والغرب عبر رحلتى الشتاء والصيف وعبر تحكمها فى البيت الحرام وسيطرتها على الحياة الدينية للعرب فى الجاهلية ـ أى قبل ظهور الاسلام. وأنها عارضت الاسلام وحاربت المسلمين ثم دخلت فى الاسلام متأخرا بفتح مكة.

غالبا ما ينتهى الحديث عن قريش عند هذا الحد لتصبح قريش مجرد تاريخ مضى وانتهى بانتصار الاسلام وخضوع قادة قريش الأمويين له. هذه الرؤية السطحية تفترض أن المسلمين حين إعتنقوا الاسلام وحتى الآن صاروا ملائكة لا تخطىء ، يطبقون تعاليم الاسلام حرفيا من عهد النبى محمد الى الآن سواء من كان منهم قرشيا أو فارسيا ، وان هذا ينطبق على قريش حين أسلمت بعد طول عداء للاسلام ، وان الشيطان قد قدم استقالته بعد هذا الانتصار الهائل على قريش وفتح مكة.

الحقائق القرآنية تؤكد ان الاسلام شىء والمسلمون شىء آخر، وان هناك فجوة بين تطبيق الانسان للدين وحقائق الدين نفسه .

الحقائق التاريخية تؤكد إن قريش هى القبيلة الوحيدة التى حكمت معظم العالم المعروف أطول فترة فى التاريخ الانسانى والعالمى.

استغلت قريش الاسلام ففتحت به معظم العالم وحكمته من حدود الصين والهند شرقا الى جنوب فرنسا غربا، ومن جزر البحر المتوسط وجنوب إيطاليا وآسيا الصغرى شمالا الى المحيط الهندى والصحراء الأفريقية جنوبا.

أهم عائلتين من قريش هما الأمويون والهاشميون. الهاشميون والأمويون ينتمون معا الى أب واحد هوعبد مناف.وهاشم بن عبد مناف هو توأم عبد شمس بن عبد مناف.

أنجب هاشم أبناء كثيرين منهم عبد المطلب الذى انجب بدوره عشرة أبناء منهم عبد الله والد النبى محمد ، و أبو طالب عم النبى محمد الذى كفله ، أبو طالب هو أيضا والد على بن أبى طالب أقرب الناس لآبن عمه محمد والذى تزوج إبنته فاطمة وأنجب منها الحسن والحسين ، ومنهما تفرع البيت العلوي من الطالبيين. ومن ذرية عبد المطلب الفارس حمزة الذى ناصر محمدا ابن أخيه وقتل زعماء القرشيين فى معركة بدر فى العام الثانى بعد الهجرة فأنتقم الأمويون بقتله فى معركة( أحد ) فى العام التالى. ومنهم أبو لهب العدو الأكبر لابن أخيه محمد والذى مات كمدا بسبب هزيمة المشركين فى معركة بدر. ثم كان منهم العباس بن عبد المطلب الذى تنتمى اليه الدولة العباسية.

أما عن الأمويين ، فجدهم هو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

كبير الأمويين فى عهد النبى محمد كان  أبوسفيان بن حرب بن أمية ،وكان معه ابن عمه الحكم بن العاص بن أمية ، وكانا من ألد أعداء الاسلام وقادة الحرب ضده ، ثم ركبوا موجة الاسلام بعد موت النبى محمد ، وما لبث أن أقام  معاوية بن أبى سفيان ثم مروان بن الحكم بن العاص  الامبراطورية الأموية العربية باسم الاسلام.  ثم جاء بعدهم العباسيون الهاشميون .

قبل نزول القرآن كانت ذرية عبد مناف ( الهاشميون والأمويون ) هم قادة قريش فى الدين وفى الدنيا. وقد تقاسم أبناء العم السلطة فى قريش. تخصص بنو أمية فى قيادة الحرب ورحلة الشتاء والصيف ، بينما تخصص بنو هاشم فى رعاية البيت الحرام والحجاج.

وبظهور الاسلام كانت رعاية البيت الحرام والحجاج من نصيب العباس بن عبد المطلب عم النبى محمد ، بينما كانت قيادة الحرب والقوافل والتجارة من نصيب أبى سفيان بن أمية.

وخوفا على إرثه الدينى فى مكة والبيت الحرام فقد تحالف العباس مع أبى سفيان ضدالاسلام ومحمد عليه السلام. وفى معركة بدر ـ أول حرب كبيرة بين المسلمين والمشركين ـ كان قائد القافلة التجارية القرشية أبا سفيان ، بينما كان قادة الحرب من أعمدة بنى أمية وكان معهم العباس عم النبى محمد ، وبهزيمة قريش فى تلك الحرب وقع العباس عم النبى أسيرا، وقد إفتدى نفسه ورجع الى مكة مع رفاقه المشركين المعتدين إلى أن أضطر هو ورفيقه أبو سفيان الى الدخول فى الاسلام قبيل فتح مكة بعد أن أدركا أن مصلحتهما تحتم عليها ذلك.

وفيما بعد دار الصراع بين الخليفة على بن أبى طالب ـ  ابن عم النبى محمد وزوج إبنته ورفيقه طيلة عمره ـ ومعاوية الأموى الثائر عليه. فى هذا الصراع كان عبد الله بن عباس مع إبن عمه على بن أبى طالب الخليفة الشرعى ، وأسفر الصراع عن تمهيد الطريق لإنتصار معاوية فإنشق عبد الله بن العباس (ابن عم على بن أبى طالب ، وابن عم النبى محمد ) عن الخليفة على ، وسرق الأموال التى كانت فى حوزته ولحق بأخواله فى الصحراء بعد ان أيقن ان الخليفة إبن عمه لا يستطيع فى محنته ان يسترد منه الأموال المسروقة. وبذلك تمهد الطريق لمعاوية لأن يؤسسس دولة الأمويين ويتوارث فيها آله الحكم بالقوة.

وعاش أبناء عبد الله بن عباس مكرمين فى الدولة الأموية ، ثم جاءتهم فرصة موت حفيد لعلى ابن أبى طالب كان يتزعم دعوة سرية عنقودية لقلب نظام الحكم الأموى ، ولا يعرف شخصيته إلا قلة من كبار الدعاة الذين كانوا يدعون الى إمامة شخص مجهول تحت إسم (الرضى من آل محمد ) دون تحديد إسمه ونسبه . أدرك هذا الرجل الموت مسموما بمؤامرة أموية عشوائية وكان على مقربة من بيت محمد بن على بن عبد الله بن العباس فى منطقة الأردن ، فمات بين يديه بعد أن أفضى اليه بأسرار الدعوة والتنظيم فركب العباسيون هذا التنظيم العنقودى  ووصلوا به الى إقامة الدولة العباسية، وفيها إضطهدوا أبناء عمهم العلويين الطالبيين ـ من ذرية على بن أبى طالب.

المهم ان قادة قريش فى العداء للاسلام من الأمويين والعباسيين هم الذين إستغلوا الاسلام فى إقامة امبراطوريتين نبتت فيها أديان أرضية للمسلمين تناقض الاسلام وتتفق مع تراث تلك العائلتين قبل الاسلام.

الخلفاء الراشدون ( أبوبكر ، عمر ، عثمان ، على ) ينتمون الى قريش ، ومنهم واحد ينتمى للأمويين وهو عثمان ، وآخر ينتمى للهاشميين وهو على بن أبى طالب . وقد بدأت فى عهدهم الفتوحات وتوطدت، ثم أكمل توسعها الأمويون ، وهم من قريش . جاء بعدهم العباسيون وهم أيضا من قريش.

خصوم العباسيين كانوا أيضا من قريش. لم يسيطر العباسيون على كل ما كان فى حوزة الدولة الأموية ، خرج عن طاعتهم الأندلس ( أسبانيا المسلمة ) وقد حكمها عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش ) وهو امير أموى هارب من المذابح التى أقامها العباسيون للأمويين عندما هزموهم. وخرج عن سلطة العباسيين المغرب حين تولاه الأدارسة ، وهم أيضا من قريش ينتمون الى نسل على بن أبى طالب. وخرج ـ مؤقتا ـ عن سلطة العباسيين مصر والشام وشمال أفريقيا لصالح الخلافة الفاطمية ، الفاطميون ينتمون الى ذرية على بن أبى طالب. وظل ( الأشراف ) ـ وهم من ينتسب الى ذرية على بن أبى طالب ـ يحكمون الحجاز بعد انهيار الدولة العباسية فى القرن الثالث عشر الميلادى الى سنة 1925 حين استولى عبد العزيز آل سعود على الحجاز وطرد عليا بن الشريف حسين. أبناء الشريف حسين أصبحوا حكاما فى العراق وسوريا والأردن. وأسرة عبد الله بن الشريف حسين هى التى تحكم الأردن حتى الآن.  وفى المغرب أسرة أخرى تحكمه تنتمى الى ذرية على بن أبى طالب ،أو الأشراف. والى عهد قريب كان حاكم ايران هو الشريف محمد خاتمى الذى ينتمى الى الأشراف ، اى هو أيضا قرشى .

فهل هناك قبيلة فى العالم تماثل قريش فى سطوتها وسلطانها السياسى ؟.

لقد عضدت قريش هذا السلطان السياسى باستغلال الاسلام أو ملة جدها ابراهيم. وتمخض هذا الاستغلال عن إنشاء أديان أرضية ، كلها تنتمى للاسلام وتتناقض معه فى نفس الوقت.وراج فى دين قريش الأرضى حديث منسوب كذبا للنبى محمد يقول ( الأئمة من قريش ) وصارت قاعدة فقهية سياسية فى التشريع السنى ، يمنع أن تكون السيادة السياسية لغير قرشى مهما كان.

أى أن قريش تلاعبت مرتين بالاسلام، فى المرة الأولى حين أصبحت لها السيادة على مكة والبيت الحرام فى عهد قصى أقدم زعيم معروف لمكة ، وهو جد قديم للنبى محمد ، ثم حين أصبحت لها السيادة على المسلمين بعد وفاة النبى محمد .

رابعا :

معارضة قريش لرسالة القرآن فى إصلاح ملة ابراهيم الاسلامية

لم تدخر قريش جهدا فى حرب الاسلام واضطهاد النبى والمسلمين وهم فى مكة، وبعد أن هاجروا منها ظلت تطاردهم وهم فى المدينة. ،ولم  تعط قريش فرصة التطبيق الحقيقى للاسلام إلا فترة بسيطة ، هى عشر سنوات فى حياة النبى محمد فى المدينة. وأثناء تلك  الفترة كانت تتابع المسلمين بالغارات والحروب لارغامهم على الرجوع الى دين الآباء والأسلاف ، أى الى الدين الأرضى القرشى ، او على حد قول الله تعالى ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن إستطاعوا ) 2 / 217 ). وقد تزعم الأمويون قريش فى هذه الفترة .

 لقد تعرض القرآن الكريم لاحدى الملامح الأساسية للشرك وهى تقديس الاسلاف واتباع ما ساروا عليه ورفض كلام الله تعالى اذا تعارض مع الثوابت المتوارثة بدلا من اصلاحها وتصحيحها بالقرآن الكريم. .ومن هنا كانت الرسالات السماوية تنزل للتصحيح والاصلاح وارجاع الأمور الى نصابها الصحيح بترك الباطل الذى تسامح فيه الناس وتركوه دون نقاش أو اعتراض فاستفحل وتضخم وتورم واصبح متحكما فى الأجيال التالية على أنه من الثوابت وما وجدنا عليه آباءنا.

وقد كان خاتم النبيين عليه وعليهم السلام يدعو قومه الذين حرفوا ملة ابراهيم الى تصحيح عقائدهم بالقرآن، وكانوا يردون عليه بالتمسك بتراث الاسلاف وأنهم وجدوا آباءهم على تقاليد ثابتة راسخة وأنهم بهذه الثوابت متمسكون (31/21 ) ( 5 /104 ). وهو نفس ما يقوله دعاة التطرف الوهابى الآن ، من التمسك بالثوابت وما يسمى باجماع الأمة ، و لايكترثون بتناقض تراثهم وما وجدوا عليه آباءهم للقرآن الكريم.

ومن عجب أن القرآن الكريم سبقهم وجعلها قاعدة عامة فى عقلية المشركين وتدينهم الفاسد فى كل زمان ومكان. فيقول للنبى محمد عن قريش: " بل قالوا انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون" أى انهم على هدى السلف الصالح يسيرون ، وعلى ما أجمعت عليه الأمة يتمسكون ، وتأتى الاية التالية لتجعلها قاعدة مستمرة فى السلوك الاجتماعى اذا سيطرت على المجتمع أقلية مترفة تحتكر الثروة والسلطة وتستعين بكهنوت دينى يحمى مصالحها ويحافظ على أوضاعها الظالمة ضد أى دعوة للعدل ، والاسلام دين العدل كما هو دين العقل. تقول الآية التالية فى تأكيد تلك القاعدة السياسية الاجتماعية " كذلك ما ارسلنامن قبلك فى قرية من نذير ألا قال مترفوها :انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون" ( 43 / 22-23 ).

ان من اعجاز القرآن فى مصطلحاته واشاراته الاجتماعية لفظ "المترفون" وهى تلك الطبقة النى تحتكر الثروة والسلطة على حساب الفقراء الجياع ، ويكون وجودهم نذيرا باهلاك المجتمع . وثقافة التقليد وعبادة الأسلاف اذا سادت فهى التى تدل على هذه الحالة المتردية وتبررها وتؤكد استمرارها لأن المترفين حين يتحكمون فى المجتمع يتحول البشر لديهم الى مجرد ارقام ومتاع متوارث ، يتوارثه المترفون فاجرا عن فاجر بمثل ما سارت وتسير علية الحياة السياسية والاجتماعية للعرب والمسلمين منذ الفتنة الكبرى وحتى الآن.

ويأبى المتطرفون المعاصرون إلا ان يتحقق فيهم اعجاز القرآن فى الآية السابقة .اذ تتكرر فى أدبياتهم الحديث عن "الأمة" "وما اجمعت عليه الامة" بمثل ما تشير اليه الآية الكريمة عن قريش، ويضيفون مصطلح السلف كتعبير آخر عن السلف المهتدى لقريش أو السلف الصالح لديهم ، مع انه فى المرة الوحيدة فى القرآن التى أتى فيها لفظ السلف بمعناه المعروف جاء بما بما يدل على الآباء الضالين، وفى نفس السورة فى الحديث عن قوم فرعون: ( 43 /56 )

واذا كانت عادة المترفين اذا سيطروا أن ينشروا عبادة الأسلاف والتقليد فهى أيضا عادتهم فى الكفر بالدين الحق الذى يدعو الى العدل والمساواة والقيم العليا حيث يزعمون أنهم سيدخلون الجنة مهما فعلوا من  آثام لأنهم الأكثر أموالا وأولادا وجاها ونفوذا ( 34 / 34-35")  . أى يسرقون الأموال ويأكلون حقوق الفقراء ظلما وعدوانا ثم يعطون جزءا منها لرجال دينهم للتكفير عن السيئات وشراء قراريط فى الجنة أو قصور فيها حسبما تصل بهم أكاذيب شيوخ دينهم المفترى. واذا كان سهلا عليهم ابتياع الجنة باليسير من بعض اموالهم فلماذا يحتاجون الى الاسلام الذى يتطلب تغييرا جذريا فى بنية المجتمع وعقليته واعادة لهيكلته ستكون على حساب مصالحهم وما صار بمرور الزمن حقوقا مكتسبة لهم ولأولادهم من بعدهم..

لقد نزل القرآن الكريم يصف الملأ القرشى بالمترفين فى الآيات السابقة من سورة الزخرف. وأكّد أنهم يكذبون بالقرآن لسبب اقتصادى بحت(56 /:81-82") هو حرصهم على امتيازاتهم الاقتصادية الهائلة. فاذا تساءلنا عن منبع هذه الثروة عرفنا انه رحلة الشتاء والصيف والايلاف الذى يجعل قريشا تعيش آمنة فى مكة، ويجعلها تنقل التجارة العالمية بين الهند وأوربا والتى تأتى الى اليمن والشام فتنقلها قريش بين اليمن والشام فى رحلتى الشتاء والصيف. تقطع قوافلها الفيافى فى الصحراء دون ان تتعرض لها القبائل التى تعيش على السلب والنهب. والسبب هو أن قريش تقوم على رعاية الحرم فى مكة، وقد أباحت لكل قبيلة أن تضع صنمها الخاص بها فى الحرم المكى لتقوم قريش على رعاية كل تلك الأصنام مقابل حماية تجارتها السنوية وأمن اهلها فى اقامتهم وترحالهم. والملأ القرشى الذى يحترف التجارة والشطارة يعلم ان عبادة الأصنام خزعبلات وان الهدى فى القرآن الذى جاء به محمد الذى أسموه من قبل بالصادق الأمين. ولكن المشكلة أن دعوة محمد بالقرآن تعنى القضاء التام على تجارتهم وجاههم وكهنوتهم. لذا قالوها صراحة أنهم لو اتبعوا  الهدى الذى جاء به محمد لأكلتهم العرب من كل جانب ( 28 /57). أى أنهم إعترفوا بأن القرآن هدى ، ولكنه ضد مصالحهمالاقتصادية والسياسية. ولذلك تركز رفض قريش على القرآن الكريم. كرهت الاستماع اليه ( 8 / 31 ) ( 22 / 72 ) ( 23 / 66 ، 105 ) ، وطالبت محمدا الاتيان بقرآن بديل يتفق مع أهوائهم( 10 / 15 )  ، وطالبته بمعجزة حسية بديلا عن القرآن ( 29 / 50 ـ )

جاء الإسلام ليهدد كهنوت قريش ودينها الأرضى الذي أضاع ملة إبراهيمأو الدين السماوى الحق، ولكن الحرص على استمرار الترف على حساب الجياع والفقراء هو الذى دفع الأمويين ـ وهم قادة قريش فى الحرب والتجارةـ الى اضطهاد المؤمنين الأوائل ، ومعظمهم كان من الفقراء والضعاف المسالمين الذين كانوا يطلبون الأمن بالاستكانة للظلم والصبر عليه.

اجمالي القراءات 11805