القناع
القناع

أسامة قفيشة في السبت ٢٨ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القناع

الأقنعة متعددة و مختلفة , لا تعبر عن الحقيقة أبداً , فينخدع بها صاحب القناع قبل أن يخدع الآخرين ,

هناك قناع أخلاقي يتخفى خلفه و يلبسه من لا خلق لديه , فالأخلاق يجب أن تكون جوهر الإنسان نابعة من قناعات و ثوابت لا يمكن تجاوزها أو القفز من فوقها ,

و هناك قناع ديني يتخفى خلفه شيطان مارد , يتخذ من هذا القناع مظهراً ناصع البياض , فيحتكر الدين له و لأتباعه , بل يحتكر الجنة و النار ,

و هناك قناع فكري , يلبسه من لا فكر لديه , فلا يأتي بجديد فيتعطل التجديد , و يتم تغيب العقل و الحكم عليه بالتغليف و التوريث ,

و هناك قناع التقليد , فتنعدم الرؤية و يتلاشى شعاع التنوير ,

و الكثير الكثير من الأقنعة التي يجب علينا محاربتها و نزعها و لو بالقوة , كي نواجه الحقيقة كما هي بعقول عارية و بوجوهٍ عارية و بأفكارٍ عارية ,

لا تخدعوا أنفسكم مرةً ثانية , لا تخدعوا أبنائكم كما فعل آباؤكم , انزعوا تلك الأقنعة الملونة , و تعرفوا على حقيقتكم التي لا تزالون تهربون للخلف خوفاً منها , قفوا بحزمٍ أمام المرآة و لا تخشوا أنفسكم كخشية عدوكم , فتلك الأقنعة جعلتكم لا تصدقون حتى دموعكم ,

نحن في مرحلةٍ لسنا بحاجةٍ لبناء الأوطان بها , نحن في أمس الحاجةِ لبناء الإنسان , نريد إنساناً يثق في نفسه يعتمد على ذاته , إنساناً لا يخشى من الآخر خوفاً من أن يكون مثله , قادراً على البناء مؤمناً بالحياة ,

إنسانٌ لا يعرف المستحيل و لا يخشى الأحلام , إنسانٌ يعرف قيم الحب قبل أن يعرف الكره , يعلم جيداً نقطة ضعفه , عاملاً غير متواكلٍ على الصدفةِ أو انتظار المعجزات , لا يؤمن بالدجل و الخزعبلات , 

يكفينا تكاثر جيلاً بعد جيل و لا شيء سوى التفريخ , فينبثق من أصلابنا جيلٌ بنفس المقادير , بنفس الرائحة و الطعم و اللون , جيلٌ غارقٌ معجبٌ بمن سبقه , يشبههُ في كل شيء من شدة الإعجاب و التقليد , و يحمل على عاهله نفس الجينات التي ورثها فيكره الجميع كما يكره نفسه , فلا يحسن سوى القتل و التكفير , كرهوا فكرهنا , قتلوا فقتلنا , ذبحوا فذبحنا , غرقوا بالدماء فغرقنا , اندثروا فاندثرنا , فالى أين ذاهبون ؟ و متى سننزع تلك الأقنعة البائسة !

انزعوها الآن فهي لم تعد صالحه , أقنعةٌ باليةٌ مهترئة , مقيتةٌ بغيضةٌ كالحة ,

فهي جرحٌ غائرٌ في وجداننا , و كما يقال فإن أصعب الجروح تلك التي لا تنزف دما ,

علينا العمل لتدارك ما تبقى من أنفسنا , كي نضع حداً لهذا التيه و الضياع , لأن التيه و الضياع لا يولد سوى الهجوم و الانتحار ,

من الذي أوجد تلك الأقنعة ؟ و لما لبسناها و تخفينا خلفها بإرادتنا المطلقة !

 

هل هو عشقنا للماضي أم هو خوفنا من حاضرنا و من المستقبل ؟

و هل صاحبة الخمار تخشى الناس من حولها ؟ أم تخشى على نفسها من نفسها !

اجمالي القراءات 6533