اللطمة

لطفية احمد في الجمعة ١٣ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطمــــــة
* لم يكن الأحنف بن قيس يصلح لزعامة قبيلة بني تميم من حيث المواصفات المعروفة للزعامة كضخامة الجسد وعلو الصوت والنسب ، ولكنه كان على العكس ، نحيفاً ضيئلا قميئ المنظر. ومع ذلك فقد أصبح الأحنف بن قيس سيد بني تميم ، بل وأصبح لبني تميم بفضله مكانة عالية في صدر الإسلام وحتى العصر الأموي . وذلك بفضل ما امتاز به الأحنف من حلم وعقل و دهاء ، وبهذه الصفات احتل الأحنف مكانة في التاريخ العربي لم ينلها كثيرون من رءوس القبائل العربية ، وصارت تروى عنه نوادر و&At;أقاصيص نكتفي منها بتلك الرواية الموجزة التي تلخص عبقرية الأحنف وسر تفوقه ,
* فقد كان الأحنف جالساً بين أصدقائه ، فجاءه رجل ولطمه ، وأسرع الحاضرون فقبضوا على الرجل يريدون قتله ، ولكن الأحنف هدأهم ، وسأل الرجل : لماذا لطمتني ؟ فقال : جعلوا لي مكافأة إن أنا لطمت سيد بني تميم فابتسم الأحنف وقال له : لقد خسرت المكافأة ، فلست سيد بني تميم ، وإنما هو حارثة بن قدامة ، فإنه سيد بني تميم ، وأمر الأحنف رفاقه فتركوا الرجل الذي أسرع إلى الحارثة بن قدامة ولطمه ، فما كان من الحارثة إلا أن قطع يدي الرجل .. ولما عرف الأحنف بما حدث ما زاد على أن قال : هذا مما أردته ..
* من هذه الرواية الموجزة يمكن تحليل عبقرية الأحنف بن قيس وإيجازها في كلمة واحدة هي " كظم الغيظ".

* فالمزاج العربي لا يعرف إلا الانفعال السريع والعاطفي ، ولكن امتاز الأحنف بالتريث والهدوء وكظم الغيظ ، والحرص على ألا يستدرجه خصومه إلى كمين اسمه رد الفعل الأهوج ، وبذلك تفوق الأحنف على غيره وأصبح سيد قبيلته ثم ارتفع بقبيلته إلى مكانة عالية بين القبائل الأخرى في القرن الأول الهجري.
* والعادة أن أصحاب الانفعال السريع الملتهب لا يجيدون تحليل المواقف ، ويستهلكون قوتهم في رد الفعل الذي يكون أهوج بحكم العادة، وحين يأتي وقت الفعل الحقيقي يحل بهم الضعف ، ولذلك فإن من السهل على العدو دائما أن يوقعهم في الهزيمة ، بمجرد استشارتهم فيندفعون إلى الفخ ، ويتلقون اللطمات والهزائم ، ولا يستحقون الإشفاق أو التأييد لأنهم هم الذين خسروا الأصدقاء والمحايدين حين تهوروا وانفعلوا ..

*وذلك باختصار هو مجمل تاريخ العرب في صراعهم مع الاستعمار وإسرائيل .. نملأ الدنيا صراخا وحروبا كلامية وشعارات قتالية ،فيصدقها العالم، ثم تكون الهزيمة، وينتصر الجاني بعقله ودهائه ونخسر نحن بالانفعال الأهوج والفعل الأخرق ، وأخيرا بدأت السياسة المصرية تركن إلى الهدوء وتأبى أن يجرها الخصم إلى ساحة الانفعال ورد الفعل ، ورأينا لأول مرة رئيس الوزراء الإسرائيلي يبتلع استفزازاته السابقة، ويعطي نفسه لطمة دبلوماسية على مرأى من العالم .. بعد أن وضعته السياسة المصرية على الطريق الصحيح بدون صياح أو ضجيج ..
*ونسينا أن نقول إنا كظم الغيظ والصبر من صفات المتقين والأبرار ..

اجمالي القراءات 16128