القاموس القرآنى : بين الوُدّ والحُبّ

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٨ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : بين الوُدّ والحُبّ

مقدمة :

1 ــ الحُبُّ شعور قلبى ، قد يظل مكتوما محبوسا فى القلب ، وقد يمكن التعبير عنه باللسان والسلوك . عندها يتحول الحب الى مودة . من ناحية أخرى يمكن للفرد أن ( يودّ ) أى يرغب بشدة فى حدوث شىء ما ، أو يتمنى حدوث شىء ما ، وبمعنى آخر ( يحبّ ) ان يحدث هذا الشىء . وعليه فأن ( تودّ ) أى ( تحب وتتمنى ) حدوث شى ما ، هو (أمنية قلبية ) أو ( مشاعر قلبية ) غالبا لا تتحقق ، أو يستحيل أن تتحقق .

2 ـ هذه لمحة عامة عن تطور ( الحب ) الى ( الوُدّ ) والتداخل بينهما  . يبقى أن نعطى بعض التدبر القرآنى فى الموضوع .     

أولا : ( ود ، يودُّ ) بمعنى أراد وتمنى ، أو ( أحبّ ) حدوث شىء  

للبشر عموما فى إطار الدعوة:

1 ــ تخيل شخصا أنفق عمره فى إستصلاح أرض وجعلها حديقة غنّاء ، ثم  فى شيخوخته تزوج وأنجب أطفالا صغارا ، ثم إحترقت حديقته وبيته وأصبحا خرابا . وقف فى العراء مع أطفاله يرى أطلال حديقته وبيته، لا يستطيع إعادة حديقته المحترقة ، ولا بناء بيت لأطفاله ، بل حتى لا يستطيع رعاية أطفاله وهو فى ضعفه وشيخوخته . هو مثل رائع ومؤثر فى الحياة الواقعية . ينطبق على ( صدام حسين ) والعراق الذى بناه ثم دمره ثم مات بحبل المشنقة . ينطبق على مئات الألوف من السوريين الذين تهدمت بيوتهم وتشردوا فى شيخوختهم ومعهم أطفالهم . الله جل وعلا يضرب هذا المثل لمن ينفق عمره فى طلب الحُطام الدنيوى ، ثم ينتهى به الأمر الى شيخوخة عاجزة مريضة ينتظر الموت بلا أمل فى الشفاء ، ويأتيه الموت فيفقد كل شىء ، وما أغنى عنه ماله وما كسب .

2 ـ هل تودُّ أن يحدث لك هذا ؟ . هذا هو السؤال الذى جاء فى قوله جل وعلا : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) 266 ) البقرة). هنا إستعمال ( أيودُّ ) .

المؤمنون فى موقعة (بدر )

وعدهم الله جل وعلا إما بالفوز بالقافلة أو بالفوز بالنصر . وكانوا ( يودُّون ) الفوز بالقافلة لأنها الأقل عناءا . قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) الانفال  )

عن الكافرين وما يودُّون فى علاقتهم بالمؤمنين :

1 ـ فى مكة كانوا يودون أن يداهنهم النبى كما يداهنون النبى ، فنهاه رب العزة وقال : (فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) القلم ). المداهنة والحلول الوسط توجد فى التعامل السياسى والدنيوى ، ولكن لا مكان للحلول الوسط فى مجال الدعوة للحق ، لذا فإن الداعية للحق لا تأخذه فى قول الحق لومة لائم . يقول الحق يصدع به الحائط ثم يعرض عن الجاهلين المشركين (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94)  الحجر)

2 ــ بعد قليل من هجرة المؤمنين الى المدينة أخذهم الحنين الى مكة وأهاليهم فى مكة ، فأخذوا يًلقون بالمودة الى أهاليهم القرشيين الذين إضطهدوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم . نزلت فى هذا سورة الممتحنة تنهى عن هذا ــ وسنعرض لذلك فيما بعد ـ وفى هذا يقول رب العزة للمهاجرين القرشيين فى المدينة عن أهاليهم فى مكة : ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) الممتحنة )، يعنى إن ( يثقفوكم ) أى يهاجمونكم حربيا تظهر عداوتهم الحقيقية لكم ، ويودون أى يتمنون لو تكفرون .

3 ـ هو نفس التمنى (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) الممتحنة ) كان لدى الكافرين من أهل الكتاب نحو المؤمنين ، قال جل وعلا : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 109 ) البقرة ) ، ومنه ايضا قوله جل وعلا : (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)  البقرة )، وقوله جل وعلا : ( وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  ) 69 آل عمران )، وهو نفس الشعور مع المنافقين ، قال جل وعلا عنهم : ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً )(89) النساء ).

4 ـ وقريب ما جاء منه فى تشريع قصر الصلاة فى الحرب والمطاردة ، حيث يود المشركون المعتدون أن يغفل المؤمنون عن أسلحتهم وأمتعتهم، قال جل وعلا  : (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً )(102) النساء )

5 ـ المنافقون أثناء حصار الأحزاب للمدينة كانوا فى أسوأ حال من الرُّعب ، قال عنهم جل وعلا  ( يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ  ) (20) الاحزاب ). يعنى لو عاد الأحزاب لحصار المدينة لتمنوا أن يكون فى البادية مع الأعراب .

6 ــ وكان المنافقون ( يودٌّون ) يتمنُّون العنت والأذى والضرر للمؤمنين مع أن المؤمنين كانوا غافلين عن تلك الكراهية التى كان يكنها لهم المنافقون . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) 118 ) آل عمران )

فى الآخرة : تمنى حدوث المستحيل

1 ـ هذا . والعادة أن الكافر الذى لا يؤمن بالآخرة ولا يعمل لها الصالحات تراه ( يودُّ ) أن يعيش ألف عام حرصا منه على الحياة وكراهية فى الموت ، قال جل وعلا : ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)  البقرة ). ولكن لا مفرّ من الموت ، ولا مفرّ من البعث والحساب .

2 ـ تقوم القيامة فيتمنى الكافرون لو كانوا مسلمين ، قال جل وعلا : (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)  ) الحجر )

3 ـ وعند البعث  يتسلم كل فرد عمله ، ويتمنى كل فرد أن يخلو كتاب أعماله من تصرفاته السيئة . ( يودُّ ) هذا . يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ) 30 آل عمران )

4 ــ وعند الحساب يأتى الأشهاد ، ويشهد كل نبى على قومه الذين عاصرهم ، ويشهد دُعاة الحق على أقوامهم . عندها ( يودُّ ) الكافرون لو تُسوّى بهم الأرض خزيا . قال جل وعلا : (  فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42)) النساء )

5 ـ وعند العرض على النار يتمنى الكافر أو ( يودُّ ) الكافر أن يفتدى نفسه من النار ببنيه وزوجته وأخيه وعشيرته وكل من فى الأرض حتى ينجو . قال جل وعلا :  ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ (14) ) المعارج )

ثانيا : المودة : التعبير عن الحب سلوكيا

هناك حُبُّ سلبى ساكن فى القلب لا يظهر على اللسان ولا فى السلوك . عندما يتحول الحُبُّ الى سلوك إيجابى يكون ( مودة ) . ونعرض لها قرآنيا :

1 ـ عرضنا لمشاعر ( حب الوطن والأهل ) التى عانى منها المهاجرون القرشيون فى المدينة بعد تركهم مكة . وفيها تناسوا الاضطهاد الذى أنزله بهم أهاليهم الكفار القرشيون . وتناسوا أنهم أعداء لهم وأعداء للرحمن جل وعلا . لو إقتصر الأمر على ( الشوق ) و (الحب ) مكتوما فى القلب ما تعرضوا للتانيب وما نزل قول الله جل وعلا لهم : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ  )1 ) الممتحنة ). هنا تحول الحب الى سلوك عملى وتصرف واقعى جاء التعبير عنه ليس فقط ب ( المودة ) ولكن بإلقاء المودة علنا وسرا :  ( تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) ،  ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ).

بعدها جاء قوله جل وعلا لهم أنه عسى أن يأتى الوقت الذى ينتهى فيه العداء وتحل محله المودة : ( عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  ) 7 ) الممتحنة ).

2 ـ إن مودة الكافر المعتدى الذى يهاجم بلدا مسالما تعنى موالاته . فالأمر خرج عن دائرة المشاعر الى دائرة ( الفعل ) بتاييد المهاجم الظالم المعتدى على البلد والأهل والوطن . هنا يأتى النهى عن مودة الكافرين المعتدين بمعنى النهى عن موالاة الكافرين المعتدين . يقول جل وعلا فيما يخص من ( يتودد ) أى (يُوادّ ) الكافرين المعتدين :( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (22) المجادلة )، ويقول جل وعلا فى نفس المعنى ولكن بإستعمال مصطلح الموالاة الذى يعنى المودة  والتودد : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة ).

3 ـ  يجب التعامل بالبر والقسط مع  المسالم المخالف فى الدين ، كما تحرم موالاة المعتدى. وفى الفارق بين معاملة المخالف فى الدين الذى لم يعتد على المؤمنين وبين المعتدى الذى تحرم موالاته يقول جل وعلا : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة )

4 ــ وفى عصر النبى كان مصطلح ( اليهود ) يعنى المعتدين من بنى إسرائيل لذا إقترن ذكرهم بالذين أشركوا ـ والمشركون الكفار من حيث السلوك ، فهم المعتدون على المسالمين ظلما وعدوانا .. وقد وصف رب العزة هذه الطائفة المعتدية من بنى إسرائيل باليهود ، وأنهم أدمنوا الاعتداء الحربى ، وهذا تاريخ مسكوت عنه مع أن رب العزة أشار اليه فى مواضع كثيرة ، منها قوله جل وعلا عنهم : (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)  المائدة ) .

 فى المقارنة بينهم وبين المُسالمين النصارى ـ حتى لو خالفوا فى الدين يقول جل وعلا  : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) 82 ) المائدة ). هنا المودة بالسلوك .

5 ــ وفى الموالد الصوفية وغيرها من الأعياد الدينية فى الأديان الأرضية  تكون الاجتماعات وتبادل المنافع وتكوين الصداقات ، ويكون القبر المقدس والوثن المعبود هو البطل الذى يجمعهم . وقديما قالها ابراهيم عليه السلام لقومه :( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ) 25 ) العنكبوت ). يوم القيامة تتحول تلك المودة الى عداء وخصومة وهم فى النار يلعن بعضهم بعضا .

6 ــ  وفى اللهجة العربية المصرية يقال ( العشرة ) بكسر العين . وتعنى أن تطول المعاشرة الزوجية ، وتتحول ( العشرة ) بالزمن الى شعور أقوى من الحب . أو تتحول الى ( مودة ) وتعاطف وتلازم وارتباط  بين الزوجين ، العشرة لا تعنى إنعدام المشاكل ، بل مع وجودها فلا يستطيع أحدهما العيش بعيدا عن الآخر . هو ( حبُّ ) بالسلوك والتصرفات حتى ولو بلا كلمات حب .!. هذه هى المودة الزوجية . يقول جل وعلا عن مودة بين الزوجين :(  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) 21 ) الروم )

7 ــ والنبى لا يسأل الناس أجرا ، وما يسأله من أجر فهو للناس : ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) سبأ )، أى أن يكون الأجر مودة منكم الى أقاربكم . مودة بالعطاء والاحسان بالقول والعمل ، قال جل وعلا : ( قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ  ) 23 ) الشورى ).

أخيرا : الودود من أسماء الله جل وعلا الحسنى :

1 ــ الله جل وعلا هو الغفور الودود : ( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) البروج ). هذا الود الالهى هو لمن يستحقه ، أى لمن يتوب ويستغفر فيستحق الغفران يوم القيامة ، ويحظى بحبّ الله جل وعلا ، والذى يتحول الى ( وُدّ ) من الغفور الودود . وقد قالها النبى شعيب لقومه أهل مدين : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) هود  ).

2 ــ ( الحب الالهى )  للمتقين فى الأخرة سيتحول الى (الودّ الالهى )، وهذا ( الودُ الالهى  ) سيكون جنة خالدة . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا  ) 96 ) مريم ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 6856