خطبتي جمعة
دين الله جل وعلا (2)

عبدالوهاب سنان النواري في الثلاثاء ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الخطبة الأولی:

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

تبارك الذي نزل الفرقان علی عبده ليكون للعالمين نذيرا ، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا.

الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطييات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ، هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين

هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله.

قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.

كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين.

 

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون، نستكمل في هذه الساعة المباركة حديثنا عن دين الله جل وعلا، والذي تناولنا جانبا منه في الجمعة الماضية. ودين الله جل وعلا، هو الإسلام دون منافس ودون منازع، وذلك بوصفه دين التسليم لله جل وعلا، ودين الإستسلام للحق، ودين السلام مع بني البشر، نفهم ذلك من قوله تعالی: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ، قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل علی إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسی وعيسی والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين (آل عمران 83-85) .

والشائع بين الناس أن الأديان السماوية ثلاثة (يهوية، مسيحية، وإسلام) ، والبعض يزيد علی ذلك، غير أن الحقيقة القرآنية تفند هذه الشائعات، وتقول للمؤمنين: أن الدين عن الله هو الإسلام لا غير، وأن كل أنبياء الله ورسله جاءوا بالإسلام، غير أن الناس كانوا يختلفون فيما بينهم بالبغي، فيكفرون بآيات الله جل وعلا، ويخترعون أديان أرضية منسوبة زورا وبهتانا إلی أنبياءهم، جاء ذلك في قوله تعالی: إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بأيات الله فإن الله سريع الحساب ، فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد (آل عمران 19-20) .

وبتنفيذ الإنسان لأوامر الله جل وعلا، بإسلام نفسه لخالقه، مخلصا له الدين حنيفا مقيما للصلاة مؤتيا للزكاة، يحوز ذلك الإنسان شرف الإنتماء للدين القيم، نفهم ذلك من قوله تعالی: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (البينة) .

وهذا الدين، هو دين سمح قيم ليس فيه تضييق ولا تشديد، وأتباعه هم شهداء الله جل وعلا، علی الناس، وهذا التشريف يتبعه التكليف، لذا وجب علی كل مسلم أن يجاهد في الله حق جهاده، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالی: وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علی الناس (الحج 78) .

والجهاد في سبيل الله جل وعلا، هو بذل النفس والمال في خدمة هذا الدين، دعوة سلمية وصبر علی الأذی وقتال دفاعي، في مواجهة أولئك الكافرين الذين يعملوا علی اطفاء نور الله جل وعلا، وفيهم يقول الحق تبارك وتعالی: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبی الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله ولو كره المشركون (التوبة 32-33) .

ومحاولاتهم لإطفاء نور الله جل وعلا، تأتي عبر اختراع أحاديث وروايات ونسبتها زورا وبهتانا لله جل وعلا، ولرسوله الكريم، وبهذا لا تنالهم هداية الله جل وعلا، مع أنهم يُدعون إلی الإكتفاء بالقرآن الكريم، كمصدر وحيد للهداية والتشريع الإلهي، نفهم ذلك من قوله تعالی: ومن أظلم ممن افتری علی الله الكذب وهو يدعی إلی الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله ولو كره المشركون (الصف 7-9) .

وقوله تعالی: هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله وكفی بالله شهيدا (الفتح 28) . يعني أن هذا الدين الحق ومؤيد من قبل الله تعالی، ومكتوب له النصر والغلبة، وبالتالي لا خوف ولا قلق عليه، فما أرسل الله جل وعلا، خاتم أنبياءه، بالقرآن الكريم، إلا ليظهره علی الدين كله.

وما دام أن الأمر بهذه الصورة، فلا داعي إذن للإكره في هذا الدين الحق، ولا داعي لتشكيل عصابات تحت مسمی: حماة الدين، أو فرسان المعبد، أو أنصار الشريعة، أو حزب الله، أو غيرها من المنظمات الإرهابية، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقی لا انفصام لها والله سميع عليم (البقرة 256) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

المشكلة أن أعداء هذا الدين القيم، وبالتعاون المباشر والغير مباشر، المقصود والغير مقصود، بعلم أو بدون علم، من قبل أبناء هذا الدين، قد جعل الإسلام موصوما بأنه دين القتل والذبح والإرهاب. والحديث عن القتال في الإسلام يطول، ويحتاج أن نخصص له جمعة أو جمعتين، ونشير إليه في هذه الخطبة إشارة بسيطة، نزيل بها اللبس، وندحض الأكاذيب.

يقول الحق تبارك وتعالی: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتی يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ، وقاتلوهم حتی لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا علی الظالمين (البقرة 190-193) .

وهذه الآيات واضحة وضوح الشمس، بأن القتال الإسلامي هو قتال دفاعي لصد العدوان وردع المعتدين، وأن من أهم غاياته هو منع التعذيب والإضطهاد والإكراه في الدين، حتی يصبح الدين لله جل وعلا وحده، وهذا ما يؤكده قوله تعالی: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ، وقاتلوهم حتی لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولی ونعم النصير (الأنفال 40) .

وقد استغل الجهلة المحسوبين أسفاً علی الإسلام الآية (29) من سورة التوبة، لتبرير أعمالهم الإرهابية المنافية للإسلام، كما استغلها أعداء الإسلام للطعن في دين السلام. والذنب هنا ليس ذنب الآية الكريمة، بل ذنب أولئك الجهلة الذين أخرجوها عن سياقها القرآني، وقاعدتها ومقاصدها التشريعية، وفي هذه الآية يقول سبحانه وتعالی: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتی يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (التوبة 29) .

هكذا قفز أولئك الجهلة إلی الآية (29) دون أن يكلفوا خواطرهم قراءة ما قبلها من الآيات، ولو أنهم قرأوها بحسن نية، لعرفوا أن الآية تأمر بقتال قوم مجرمين معتدين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، قوم يقاتلون المسلمين في دينهم، وينكثون العهود والمواثيق، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدين .. وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ، ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين (التوبة 10-13) .

وأكثر من ذلك فالقرآن الكريم يحدثنا عن اصرارهم واستمراريتهم في العدوان، بهدف رد الناس عن دينهم، وفي ذلك يقول سبحانه: ولا يزالون يقاتلونكم حتی يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والأخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (البقرة 217) .

وكما هو واضح فإن القرآن الكريم لم يذكر عقوبة دنيوية للمرتد، وإنما أكد علی حق الدفاع وصد العدوان فقط، وهذا ما يؤكده قوله تعالی: يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذله علی المؤمنين أعزة علی الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (المائدة 54) .

والحديث عن أهل الكتاب لا يشملهم جميعا وإنما طائفة منهم، وهذا ما تدل عليه أداة التبعيض (من) ، ويؤكده قوله تعالی: يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء والتقوا الله إن كنتم مؤمنين (المائدة 57) .

والنهي هنا يخص الطائفة المعتدية الظالمة فقط، وهي الطائفة التي تقاتلنا في الدين، وتظاهر علی إخراجنا من ديارنا، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علی إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (الممتحنة 8-9) .

وعموما، وبعد إكتمال نزول الدين (القرآن الكريم) وإتمام نعمة الهداية، ورضوان الله جل وعلا، فقد يئس الذين كفروا من القضاء علی هذا الدين، ولكنهم كما هو واضح لن يكفوا عن محاربته وتشويهه، فعلينا أن لا نخشی من ذلك، نفهم ذلك من قوله تعالی: اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (المائدة 3) .

فإذا جاء نصر الله والفتح، ورأيتم الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبحوا بحمد ربكم واستغفروه، إنه كان توابا.

 

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا علی رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلی صلاتكم يرحمكم الله

اجمالي القراءات 6920