هل الحكمة هي السنة ؟
اللطائف القرآنية (69) - السنة والحكمة

محمد خليفة في الأربعاء ١٩ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطائف القرآنية (69)

السُّنة والحكمة

 

أولا  : لفظ السُّنة

لفظ السُنَّة لم يرد في كتاب الله إلا بأحد معنيين، إما سُنَّة الله وقد وردت في  تسعة مواقع،

وذلك في الآيات (77) الإسراء & (38،62،62) الأحزاب & (43،43) فاطر &

                    (85) غافر     & (23،23) الفتح

 

وإما سُنَّة الأولين وقد وردت في سبعة مواقع،

وذلك في الآيات (137) آل عمران & (26) النساء &  (38) الأنفال & (13) الحجر &

                     (77) الإسراء     & (55) الكهف & (43) فاطر

 

 ولم يرد فيه على الإطلاق لا سُنَّة محمد ولا سُنَّة النبي ولا سُنَّة الرسول.

وأغلب الظن أنه لفظ مختلق للتعبير - كما إدعوا - عن أقوال أو تصرفات أو إقرارات النبي، ومع أن الرسول قد أمر بحرق كل ما كتبه الصحابة عن لسانه خلاف القرآن، وسار الخلفاء الراشدون على نفس نهجه من بعده، إلا أن الأهواء السياسية والأطماع الدنيوية والمنافع المادية وبريق المناصب السلطوية، قد أغرى البعض بدس وتحريف روايات نسبوها إلى النبي وهو منها براء.

 

ثانيا  :  لفظ الحكمة

ورد لفظ الحكمة في كتاب الله (20) مرة، وقد ورد مترابطا مع أنبياءه ورسله.

·         مع آل إبراهيم      [2] (129) البقرة & (54) النسا   

·         مع نبي الله داود    [2] (251) البقرة & (20) ص

·         مع نبي الله عيسى [3] (148) آل عمران & (110) المائدة & (63) الزخرف

·         مع الصالح لقمان  [1] (12) لقمان

·         لمن لم يحدد فاعله [3] في آيتين (269) & (5) القمر

·         لجماعة المؤمنين  [6] وكلها تشير إلى رسول الله محمد

        (151، 231) البقرة & (81، 161) آل عمران & (34) الأحزاب & (2) الجمعة

·         مع نبي الله ورسوله محمد عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم

        (113) النسا & (125) النحل & (39) الإسراء

 

وتميز نبي الله ورسوله محمد( عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم )من بينهم بأن نطقه وحي، والوحي لا يكون إلا قرءاناً.

           
 
 
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) } النجم


 ويجب أن نلفت الانتباه إلى لفظ " وَمَا يَنْطِقُ " وهي تختلف تماما عن لفظ - ما يقول، أو ما يتكلم أو ما يصف - فليست كل أقوال رسول الله وحي والمقصود بهذا النطق يتضح من الآية التالية 

" إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى " إلى حيث نلقي الضوء على لفظتي " إِنْ هُوَ "
حيث تؤكد كلمات الحق أن الوحي لا يخرج عن أنه وَحْده هو القرآن ولا يمكن أن يكون معه ثان وإلا كانت الصياغة   جاءت " هما " ، حيث يدعي البعض أن الروايات المنسوبة إلى رسول الله هي أيضا وحي، واستدلوا على ذلك بورود  لفظ " الحكمة " في الآيات الكريمة ومثيلاتها

{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَالْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) } الإسراء

{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) }

الأحزاب

والرد على ذلك بسيط وهو أن " الحكمة " وردت للعديد من الأنبياء والرسل بل  والصالحين ولم يدعي أي منهم أي روايات خاصة به أو  تروى عنه وذلك على قبول افتراض أن الروايات هي الأخرى وحي، وأن الحكمة إنما تعبر عن هذه الروايات.!!!
 لكنه أيضا ورد النص الكريم في الآية

{  .... وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ  مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ   وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) } سورة البقرة

وفيها ورد "...مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ..."   وبه       تعني أن الحديث يدور

عن شئ  واحد، وتعني بذلك أن الحكمة متضمنة في الكتاب وليست بحال منفصلة عنه.

 

آيات سوف نستشهد بها في بطلان ادعاء أن الحكمة هي السنة

الآية (010015) يونس & الآية (029051) العنكبوت & (045006) الجاثية


 { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي    إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) } يونس


وفي هذه الآية تصريح قاطع بأن إتـِّباع ما يوحى إلى رسول الله محمد ( عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم ) لا يحق له أن يبدله من تلقاء نفسه، وهذا الوحي لا يخرج عن كونه القرآن حيث ورد لفظ القرآن صريحا في الموقع الثاني عشر من الكلمات التسع وثلاثون للآية.


 { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) } العنكبوت

 وفي هذه الآية يندد الحق بمن يتنادى بوجوب وجود قول موازٍ لكتاب الله، ذلك لأن كتاب الله فيه الكفاية حتما.

 {  تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)  الجاثية
 أيضا في هذه الآية يستمر الحق في التنديد بمن يدعي ضرورة الأخذ بما نسبوه زورا

وبهتانا لرسول الله من روايات، لكن الحق هنا أشار بالتصريح المباشر للاسم الذي سوف يتخذونه للتعبير عن هذه الأقوال  قائلا وفي صيغة التساؤل المستهجن

      " فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ "


ثم يشير الحق في آيتين إلى تفصيل آيات الكتاب وأشار في أولاهما إلى طبيعة هذا التفصيل وأنه قرآنا عربيا، ولفظة عربيا هنا لا تعني اللغة التي تنزلت بها آيات القرآن فحسب، لكنها وفي تخريج آخر تعني تمامه وكماله وبـُعده عن النقص والقصور.


أما الآية الثانية فقد أشار الحق إلى إحكام آيات الكتاب، بحيث يستحيل أن ينفلت منها شيء ، ثم بعدها فُصِّلَتْ وأن الذي قام بهذا الإحكام، وأحكم هذا التفصيل هو العلي القدير واختار لإنهاء هذه الآية، والقطع بما حوته من معانً اسمين من أسماءه الحسنى
  " حَكِيمٍ خَبِيرٍ " وسبقها وصف للكيفية المنعمة بهذا الخير وأنها سحائب المنح وعزائم اللادنية حيث قال  " مِنْ لَدُنْ "

{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } فصلت

 { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّفُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) } هود


ويأتي في النهاية الحكم القاطع، والذي لا يجدي معه تتحتح، ولا يستمر عليه تنحنح، ولا ينفع فيه تحاور، ألا وهو قول الحق

 { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ   ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) } الأنعام


 والصياغة الكريمة تشير إلى شمولية تامة وكاملة لعدم التفريط، حيث أورد الحق ".. مِنْ شَيْءٍ.."، أي من أقل وأصغر ما يقال له  شيء من أحكام وروئي ووصوفات إلى أضخم وأكبر هذه الأشياء، إلا وجاء ذكره في كتاب الله.


أبعد هذا البيان المبين، والتصاريح القاطعة، أيمكن أن يكون هناك من يدعي أن كتاب الله في حاجة إلى بيان أو شرح أو إضافة أو توضيح ...؟؟

 أو أن هناك أحكام وشرائع لم يتناولها كتاب الله ؟

أوقن أن مثل هذا القول يجافيه الصواب، لكن ما بال أقوام يقولون بذلك، بل هناك من يتطاول على كتاب الله، ويصف كتبا من تصنيف البشر، بأنها تقارب كتاب الله في الصحة، أو هي تأتي في المرحلة اللاحقة له من الصحة قائلين أصح كتاب بعد كتاب الله...!!

فلله الأمر من قبل ومن بعد.

 

م / محمد ع. ع. خليفة

الأربعاء 19 أكتوبر  2016

الموافق 18 المحرم 1438 هـ

اجمالي القراءات 7869