اخطر ابعاد فوز حزب العدالة و التنمية في اقتراع 7 اكتوبر التشريعي

مهدي مالك في الخميس ١٣ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

اخطر ابعاد فوز حزب العدالة و التنمية في  اقتراع 7 اكتوبر التشريعي

مقدمة                                               

عاش المغرب منذ مطلع  سنة 2011 على ايقاع حراك شبعي تحت قيادة حركة 20 فبراير بمطالب واضحة من قبيل الملكية البرلمانية و ترسيم الامازيغية الخ من هذه المطالب المشروعة بالنسبة للتيارات المؤمنة بالقيم الكونية كالديمقراطية و العلمانية و حقوق الانسان بمفهومها العام الخ لكن مع مرور هذه السنوات يبدو ان المخزن يريد ان ينسى الشعب المغربي تلك الايام الساخنة من النقاش الصريح حول الاصلاحات الدستورية بعد الخطاب الملكي التاريخي ليوم 9 مارس 2011 بكل المقاييس ..

غير ان حزب العدالة و التنمية منذ تلك الاجواء الحماسية قد ظهر بمظهر المدافع عن الاستقرار السياسي للبلاد حيث اتذكر انني شاهدت العديد من الفيديوهات لرئيس الحكومة الحالي و هو يدافع عن الملكية و عن اسلامية الدولة بالشرسة و بالقوة كاننا نسمع درس ديني عبر الاذاعة او التلفزة الوطنيتان بمعنى ان عبد الاه بنكيران كان في سنة 2011 يمارس نوعا من المسخ الهوياتي على  المغاربة على الاعتبار ان اسلمة الدولة قد ظل شعار غامض لدى عامة الشعب المغربي حيث كل واحد يقرا هذا الشعار وفق قراءته الشخصية بحكم ان المغرب لم يحسم على الاطلاق في اختياراته الإستراتيجية منذ الاستقلال الى الان بين السلفية الرسمية و السعي الى بناء الدولة الحديثة بكل تفاصيلها الحقيقية ..

يجب ان نعي تام الوعي ان تيارات الاسلام السياسي في وطننا الغالي ادركت منذ انطلاقتها اواخر الستينات بالتحديد مع تنظيم الشبيبة الاسلامية السري ان المغرب هو دولة اسلامية ظاهريا لكنها في العمق هي دولة علمانية بالمفهوم الفرنسي اي هي دولة مارقة لا تطبق الشريعة الاسلامية كنظام شمولي للحياة بالنسبة اليهم كتيارات اسلامية ..

 ان تيارات الاسلام السياسي بالمغرب اسست بطريقة سرية اي خارج شرعية الدولة المغربية بمعنى ان هؤلاء كانوا لا يعترفون بالملكية و بالديمقراطية  الخ  و يقال انهم قتلوا القيادي المعروف في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عمر بن جلون سنة 1975 اي ان بدايات تيارات الاسلام السياسي ببلادنا حسب ما فهمته من خلال مشاهدة احدى برامج قناة الجزيرة حول تاريخ هذه التيارات هي بدايات تميزت بالسرية و بالغموض.

ان من الطبيعي ان تكون بدايات هذه التيارات على هذا النحو بحكم ان المخزن وقتها هو المخاطب الوحيد في الشان الديني اي لا يسمح بوجود من يريد احتكار هذا الشان الحساس لان المخزن كان يعرف ان الاسلاميين ذوي النزعة السلفية الوهابية هم اتجاهات مختلفة فمنهم من يكفر الدولة التي لا تطبق الشريعة الاسلامية و منهم من يدعي الديمقراطية كمفهوم غربي بالنسبة اليهم بغية الوصول الى السلطة الحكومية كما هو الحال الان ببلادنا اي بمعنى اخر ان الاسلاميين نجحوا في استيعاب المخزن و رؤيته لتاريخ المغرب و موقفه من امازيغية المغرب  ...

الى صلب الموضوع                             

ان اخطر ابعاد فوز حزب العدالة و التنمية في اقتراع 7 اكتوبر التشريعي على الاطلاق هو ايمان 43 في المائة من المغاربة بان هذا الحزب مع كامل احترامي للاستاذ سعد الدين العثماني هو امتداد طبيعي للاسلام و حضارته ببلادنا العزيزة حيث اذا سالت اي انسان عادي لماذا صوت لصالح حزب العدالة و التنمية و سيرد عليك بالقول ان هذا الحزب هو مسلم اي يدافع عن الاخلاق الاسلامية و يحارب كل مظاهر الانحلال و الفجور اللذان دخلا من الغرب  المتوحش حسب اعتقاد اغلب المغاربة بحكم  ان خطابنا الديني الرسمي مازال يصر ان يجمل السلف الصالح بالمشرق و افعالهم اثناء ما يسمى بالفتح الاسلامي لبلادنا بصفتهم عرب بني امية حيث هل اغتصاب النساء الامازيغيات ثم بيعهن في اسواق دمشق هو صحيح الاسلام ام خرافات فقه الجواري المستمد اصلا من التقاليد العربية ما قبل الاسلام ؟

ان حزب العدالة و التنمية يدعي انه امتداد للاسلام و حضارته في المغرب طيب لماذا لم يدعو الى اعتماد الاعراف الامازيغية التي تتناسب مع مقاصد الشريعة الاسلامية كمصدر من مصادر التشريع في المغرب علما ان والد الاستاذ سعد الدين العثماني الذي هو بالمناسبة رئيس المجلس الوطني للحزب حيث كان والده رحمه الله امحمد العثماني من فقهاء نادرين اذ دافع عن الامازيغية كلغة و كثقافة و كاعراف علمانية اصيلة في منتصف السبعينات من القرن الماضي حيث ترك لنا كتابه الشهير الواح جزولة و التشريع الاسلامي الذي اعتبره مرجعا جوهريا بين    المراجع الاخرى التي ساعدتني في كتابي الجديد سنة 2013 و مرجعا جوهريا لاي باحث في تاريخنا الاجتماعي الحقيقي حيث يقول هذا الفقيه النادر صح التعبير في كتابه  ان المراة الجزولية أي الامازيغية في لغة هذا العصر تعتبر عماد الاسرة و العمل ببعده الانتاجي و هي اكثر حرية من الاوروبية حيث تفوقها بالاخلاق و الصيانة حسب راي المرحوم .

و ينحصر  دورها داخل حياتها العائلية في السهر على شؤون بيتها الداخلية من قبيل تربية ابناءها  الخ حيث اذا كان الزوج غائبا لسفر او لوفاة فان الاشراف الفعلي على سائر شؤون البيت الخارجية يعود اليها من قبيل حرث الحقول و تربية الماشية و جمع المنتوجات الفلاحية و ثمار الاشجار الخ..

يقول المرحوم يعترف الزوج لزوجته بالسعاية و الكيد أي نظام عرفي اصيل يرمي الى اعطاء المراة حقوقها المادية بسبب سهرها الدائم على الاعمال الفلاحية أي تقاسم الثروة بين الزوجان.

اما دورها في الحياة الاجتماعية للقبيلة  فهي تقوم بدورها في كل ما يلزم الجماعة من اذا شرط امام المسجد او استاذ المدرسة العتيقة من مؤونة تشتمل على الطعام و المال و بالاضافة لمساهمتها في الاعمال الخيرية و لم يقتصر دور المراة الجزولية على ما ذكره المرحوم بل قال ان ربات البيوت يقدمهن الضيافة لمعارف أزواجهن و عائلاتهن طبعا في ظل الاحترام التام للمبادئ الاسلامية اولا و اخيرا ..

ان المراة الجزولة ولجت الى ميادين التعليم حيث لا نتجاهل بان نساء كثيرات في مختلف العصور يقمن بارشاد الناس عامة و النساء خاصة السنة المثلى و يأمرن بالمعروف و ينهين عن المنكر ..

و قلت في كتابي الجديد ان من المستفاد من  كلام  المرحوم هو ان المراة في تاريخنا الاجتماعي كانت فاعلة في كل مناحي الحياة العامة دون قيود سلفية تعتبرها عروة يجب ان تبقى في البيت لكي لا تثير شهوات الرجال  فان المراة في ثقافتنا الاصيلة هي رمز الوقار و الاحترام غير ان فقهاء عصرنا الحالي سواء ان كانوا تابعين للسلطة او تابعين لحركات الاسلام السياسي لا يعترفون بهذه الحقائق التاريخية..

اذا كان ادعاء حزب العدالة و التنمية انه امتداد للاسلام و حضارته ببلادنا فلماذا لم يدعو قط الى احترام الثقافة الامازيغية باعتبارها ثقافة اسلامية حيث قلت بالحرف في كتابي الجديد ان التساؤل اية علاقة بين الثقافة الامازيغية و الثقافة الاسلامية كان لا يطرح نهائيا بحكم ان الامازيغيين مسلمون و ثقافتهم الامازيغية نفسها تحمل العديد من خصوصيات الثقافة الاسلامية من حيث اللغة و التقاليد و الفنون و الامثال الشعبية الخ .

غير ان ايديولوجية الظهير البربري تقول ان الامازيغيين لا علاقة بهم بالدين الاسلامي على الاطلاق و ثقافتهم مجرد نعرة جاهلية لا علاقة لها بالاسلام كقيم اخلاقية بكل بساطة بدون اي خجل او  حياء تجاه التاريخ العظيم للامازيغيين مع الاسلام كدين و كحضارة و كثقافة .

 ان المسافر ذو معرفة تاريخية سطحية  عندما يسافر عبر ربوع هذا الوطن الحبيب سيكتشف المعمار الامازيغي الاسلامي في مدن فاس و الرباط و سلا و مراكش و الثص و الصويرة و تيزنيت و تارودانت و ورزازات الخ من هذه المدن التاريخية و العتيقة..

 و سيكتشف هذا المسافر وجود المدارس العتيقة المنتشرة في  بادية  سوس منذ قرون من الزمان و سيسمع الحزب الراتب في قرى سوس العالمة بعد صلاة المغرب كما كنت استمع اليه في مرحلة الطفولة بدوار اسك داخل منزل جدي الامام..

 و عندما يسمع هذا المسافر اللغة الامازيغية نفسها و الحافلة برموز الادب و الوقار بين الناس مثل اربي كصيغة التخاطب بين الاقارب و العائلات في حياتها اليومية العادية و عندما يتعرف على مقام  امام المسجد الموقر لدى سكان بادية سوس حيث يوجد عندنا تقليد اصيل الا و هو لشرض ن لطالب او شرط الامام الذي هو اجرته الشهرية تتولى القبيلة اذاءها حسب حالتها الاقتصادية و هناك عادة اخرى هي ارسال الطعام الى الامام سواء ان كان متزوجا او غير ذلك بشكل متناوب بين الاسر  ...

و عندما يكتشف هذا المسافر ذو المعرفة السطحية بتاريخ المغرب كما تعلمه داخل المدرسة المغربية سيقول في نفسه ان الامازيغيين فعلا هم  شعب مسلم و ثقافته الامازيغية هي نفسها الثقافة الاسلامية في كل تفاصيلها الدقيقة الا انها تتواجد في شمال افريقيا و تختلف عن الثقافة الاسلامية المشرقية في العديد من المسائل مثل الاحتكام الى سلطة العقل الاجتهادي و مراعاة العرف و مسالة المراة الخ من  الخصوصيات الاجتماعية لكل الامم الاسلامية باختلاف هوياتها المذهبية و الثقافية ... 

اذن ان اخطر ابعاد فوز حزب العدالة و التنمية في اقتراع 7 اكتوبر التشريعي هو اعتقاد عامة الشعب انه امتداد للاسلام و حضارته بالمغرب حيث ان هذا الاعتقاد هو خاطئ للغاية لان امتداد هذا الحزب الحقيقي هو المشرق عبر جماعة الاخوان المسلمين الوهابية في الاصل و الاهداف من قبيل اقامة الخلافة الاسلامية كهدف أقصى و تطبيق الشريعة الاسلامية كهدف ادني عبر اسلمة الدولة شيئا فشيئا اي دون ان يشعر احد كما يفعل حزب بن كيران عبر اعدام الامازيغية نهائيا الخ ...

المهدي مالك   

 

 

اجمالي القراءات 6321