ما ينطق عن الهوى
اللطائف القرآنية (56) حقيقة المعراج [2]

محمد خليفة في الجمعة ٠٧ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطائف القرآنية  (56)

حقيقة المعراج [2]

 

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18) } النجم

 

النظرة المتفحصة للثلاث آيات الإول من سورة النجم

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) }

سوف نلاحظ أن الآية الأولى جاء في آخرها الفعل الماضي ..... هَوَىٰ

               وأن الآية الثانية إحتوت على الفعلين الماضيين ..... ضَلَّ & غَوَىٰ

 

ثم في الآية الثالثة تحولت صياغة الفعل إلى صيغة الفعل المضارع  ..... يَنْطِقُ

وأخيرا في رابع الآيات استمرت الصياغة بالفعل المضارع ..... يُوحَىٰ

 

أي أنه تصدرت الآيات بالفعل الماضي لتعبر عن أحداث وقعت بالفعل، ثم حين تحول الحديث إلى ما كان ينطقه رسول الله عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم، فقد تحولت الصياغة للفعل المضارع، لتفيد الإستمرارية، أي ما ينطقه رسول الله له صفة الإستمرارية والدوام حتى قيام الساعة، ومع أن الرسول قد انتقل إلى جوار ربه لكن رسالته قائمة ومستمرة.

والسؤال ماهي الرسالة المستمرة والقائمة مع ديمومتها بعد إختفاء رسول الله من ساحة الدعوة ؟؟

الرسالة المستمرة هي القرآن ...

الرسالة الدائمة هي القرآن .....

الرسالة القائمة دوما هي القرآن ....

وقد يتصور البعض أن عبارة" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ " تعني كل ما قاله الرسول أو تفوه به، ذلك لأنها أعقبتها الآية الكريمة  " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) }

 

فلا يمكن جدلا أن تتحول كلماته العادية العامة والتي يستعملها كل رجل في بيته، إلى أن تكون وحيا يوحى، فالوحي لا يكون إلا قرآنا يتلى، خاصة وأن تحددت بلفظة "إِنْ هُوَ..." أي أن الحق يشير إلى شئ محدد واحد وليس معه آخر، فالبعض يدَّعون أن هذا الذي قاله نبي الله ورسوله محمد عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم، يشمل فيما يشمل المرويات المنسوبة إليه، ولو جاءت الصياغة بالفعل الماضي  " وما نطق عن الهوى "

ثم تمت تثنية الضمير" إن هما "

ثم أيضا تحولت الصياغة في رابع العبارات إلى صيغة الفعل الماضي

"....إلا وحي قد أوحى "

لكان من الممكن أن نبحث في ضم كلمات النبيإلى كلمات الوحي الكريم

ولكان من الممكن أن نفكر في أن ننسب أقوال نبي الله محمد إلى الوحي المتنزل

لكن السياق آتى بغير ذلك، وكما رأينا في  تواتر الآيات.

 

ثم ... نود لو نلفت الإنتباه إلى إستخدام الحق لـ لفظة " ما ينطق "  بدلا من " قال " أو

" يقول "  أو " يصف "  أو  " يتكلم "  أو " يتحدث "

فما هو الفرق بين النطق والقول أو الوصف والتكلم...؟

وللإجابة على هذا التساؤل، فقد أجرينا تحليلا إحصائيا لإستخدامات الجِذر ( نـ . طـ . ق )، ثم استنبطنا حزم الآيات والتي تجتمع على المعاني المشتركة فجاءت تلك الدراسة على الصورة

 

أولا   :الجِذر  ( نـ . طـ . ق ) هو الجذر (56) من (109) جِذر هي جذور حرف النون،

ثانيا  :الجِذر له (6) اشتقاق، (12) استخدام، وظهر في (11) آية، (10) سورة.

ترتيب

دلالة المعنى المشترك، والاشتقاقات التي استخدمت فيه

1

النطق بمعنى التفوه بأصوات مفهومة، ومعاني واضحة، بكلام له معنى وترتيب ونظم، أي تكلم بكلام فعلي صادر من آداة الكلام ( الفم )  [5]

 

  { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) } الصافات

  { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوايَنْطِقُونَ (63) } الأنبياء

 { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) } الأنبياء

 { وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْلَا يَنْطِقُونَ (85) } النمل

 { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) } المرسلات

 

3

النطق بما يحكمه منطق وهو أسلوب تفكير شديد الإحكام [1]

 

{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَامَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) } النمل

أي أن نبي الله سليمان عُلِّم معنى أصوات الطيور، أو هو عُلِّم أسلوب تفاهم وتعامل الطير مع بعضها، كما أنه تفهم معنى ما قالته النملة من النداء التحذيري،

وبالنسبة للبشر فالمنطق هو الروية في الحكم وهو العلم الذي يعصم الذهن من الخطأ في الفكر

 

4

إبلاغ كلام الله والذي هو وحي يوحى [1]

{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)} النجم

 

 

 

تعليق  :

يتضح من الدراسة الإحصائية للجِذر ( نـ . طـ . ق )، أن رسول الله محمد عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم، كان ينطق بالقرآن، أما كلامه مع أهل بيته أو مع صحابته وأحاديثه فهي تدخل في نطاق آخر، ألا وهو الكلام العادي وهو كلام البشرية في شخص محمد، ولا يعقل أنه يدخل في نطاق الوحي.

ولقد صاحب إقتراح أهل " ما ألفينا عليه أباءنا " بأن الآية (3) & (4) من سورة النجم، إنما تشير إلى أن كل ما قاله الرسول كلاما أو وصفا أو إقرارا، إنما هو يدخل في نطاق الوحي الموحى به إليه، وأثبتت الدراسة المتدبرة للجِذر ( نـ . طـ . ق )، أن هذا التأويل يجافي الحقيقة فالنطق غير القول وغير الوصف وغير الكلام، كما أن الوحي لا يمكن أن يكون إلا قرآنا يتلى، لكن قوافل تبريراتهم إستداروا وإدعوا أن متلازمة الكتاب والحكمة قد وردت في القرآن عدة مرات، ذلك لأن الحكمة في عرفهم هي أقوال نبي الله محمد أو هي أحاديثه وسنته، ولقد وفقنا الله إلى دحض هذا الإدعاء في دراسة لتوزيع متلازمة الكتاب والحكمة في كتاب الله، أيضا الدراسة المتفحصة للجِذر ( سـ . نـ . ن ) وهو ما سوف نعرض تفاصيله بإذن الله في أحد اللطائف القرآنية.

 

م / محمد ع. ع. خليفة

الجمعة 7 أكتوبر 2016

موافق 6 المحرم 1438 هـ

اجمالي القراءات 6522