الحسد
الحسد .. رؤية مختلفة

عامر سعد في الأربعاء ٢٨ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

     ليس الموضوع بجديد بالنسبة لأهل القرآن ولم أضف إليه شيئا يذكر علي ما كتبه دكتور / أحمد صبحي منصور وغيره من أساتذتنا علي الموقع، وهو من الموضوعات التي يمكن أن نقول عنها أنها قتلت بحثا أو كادت، وقد أعدت كتابته فقط بغرض النشر علي الفيس بوك، وكما يعلم البعض فأنا لم أعلن لأهلي وأصدقائي بعد أنني من القرآنيين كما يصنفوننا ولكني أنوي فعل ذلك ولعله يكون قريبا جدا، غير أن هدفي من إعلان ذلك ليس الإعلان في حد ذاته، هدفي هو تأدية الأمانة وتوصيل الرسالة، أحسبني كذلك وأرجو من الله أن تصدق نيتي، ومن خلال تجربتي الشخصية أري أن الصدام المباشر والبدء في تشكيك الناس في عقائد راسخة لديهم لن يزيدهم إلا صدودا وتحديا وخصوصا إذا صاحب ذلك سخرية أو شتيمة، فمن الأهمية بمكان أن نحدد لمن نكتب بالضبط، فالكتابة لقراء وأعضاء موقع أهل القرآن لابد أن تختلف في أسلوب طرحها ونوعية موضوعاتها عن الكتابة لقرَّاء آخرين، فلكل مقام مقال كما يقال، وأنا إذ أكتب لأصدقائي في الفيسبوك فأنا أعلم جيدا طبيعة أفكار معظم الأصدقاء عندي لأنهم جميعا من زملاء الدراسة والعمل ومن الأهل والجيران، متنوعون جدا في اهتماماتهم ودرجة معرفتهم منهم السلفيون والأخوان والليبراليون والعلمانيون ومن بالكاد يجيد القراءة وآخرين، وأري أن بداية كتابتي لهذا الخليط لابد أولا أن تكون في موضوعات تأثر في حياتهم اليومية كالحسد والسحر فقد لاحظت توجه الكثيرين من العامة ومنهم  المتعلمين للجدالين والمشعوزين بشكل أكبر بعد ثورة 2011 وذلك بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تفاقمت مأخرا والتي تجعل الذهاب إلي العيادات النفسية ترفا لا يستطيعه الكثيرون واتجاه الدولة والإعلام في السنوات الأخير لإذاعة برامج تتحدث عن تلك الخزعبلات، ويأتي بعد اختيار المواضيع كيفية طرحها، الطريقة الأمثل لذلك هي التركيز علي بيان ما في القرآن الكريم وما يتفق معه من المنطق وعدم التعرض لمناقشة الروايات إلا للضرورة القصوي، أعرف أنني سأتعرض في التعليقات لمناقشة تلك الروايات ولا أعرف كيف سأتصرف، ربما لن أقول كل ما عندي ولكني لن أكذب أو أخالف أفكاري بالطبع، ربما أكتفي بقول أن ما يخالف القرآن مرفوض دون الخوض في تفاصيل،سأواجه طول الوقت بعدم التخصص والدراية ولذلك سأكون حذرا في البداية، لأني لو أعطَيت انطباعا جيدا في البداية ستكون المهمة سهلة بعد ذلك، ولا أتوقع الكثير من التجاوب معي وحتي لو وجدت فسيبقي معظمهم علي إيمانه مكتوماً وهذا من حقهم بالطبع، شيئا فشيئا وبعد أن تتكون قناعات عند البعض بما جاء به القرآن سيكون من السهل جدا هدم الأصنام والكفر بالطاغوت، تلك الأطوار مررت بها أنا شخصيا ولذلك سأعمل بتلك الطريقة وعسي أن تنجح ويهدي الله بنا قوما مؤمنين، كانت تلك مقدمة للمقال وسأعود للحديث عن هذا الشأن في وقت آخر.

-------------------------------------

 

الحسد:

    تخسر تجارته .. فيتهم الحسد، تُخدَش سيارته .. إذاً صديقه الذي رآه منذ قليل قد حسده عليها ، يرسب ابنها .. فلابد أن جارتها أم التلميذ الفاشل قد حسدته، تُفسخ خطوبة بنتها أو تطلق أختها أو يموت طفلها  أو تتكعبل فتلتوي قدمها .. الحسد .. الحسد .

     الحسد متهم دائما، حتي وإن كان للمصائب أسباب أخري واضحة، يظل الحسد يحمل جزءا من المسؤولية، فهو الشماعة التي تعلق عليها كل الأخطاء، وتتحمل عيون الآخرين - التي تستحق أن يندبَّ فيها رصاصة - المسؤولية كاملة عما يصيب من المصائب وما ينزل من البلاوي، أما التقصير أو الإهمال أو اللامبالاة  فمجتمعنا لا يعرف تلك الآفات ولا يقترفها مطلقا، سيبتدرني متسائل ويقول ( وكأنك تنكر الحسد وهو مذكور في القرآن !! )، وأقول له لا تقلق سنناقش الموضوع علي ضوء ما جاء في كتاب الله الذي ما لم يفرط فيه من شئ،  نعم أوافقك .. الحسد حقيقي وموجود منذ الأذل ومذكور في القرآن، ولكن تعريف المصطلح وإدراك حقيقة معناه هو ما يخطأ الناس في فهمه، فيظنون أن قوة كامنة خفية في نظرات عين الحاسد تستطيع إيقاع كل أشكال الضرر الذي يمكن أن نتخيله بالإنسان أو ممتلكاته، ولو بحثنا سنجد الكثير من النظريات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة الوهمية التي ما زال يقتنع بها الكثيرون حتي في أوساط المتعلمين والمثقفين، من هذه الفرضيات ما يقول أن إشعاعا ذا قوة شريرة يخرج من عين الحاسد فيصيب الشخص أو الشئ  المحسود فيحدث فيه ما يحدث، وأخري تقول أن الطاقة الداخلية لدي نفس الحاسد هي من النوع الشرير فإذا أُعجب هذا الشخص برؤية شئ ما لدي الغير تستثار هذه الطاقة التي تستطيع التأثير في الأشياء عن بعد، هل هناك ما يثبت تلك الفرضيات ؟ سيقال نعم ... آلاف المشاهدات اليومية والتجارب الشخصية التي يرويها الناس ويكون وقوع الضرر مرتبطا فيها دائما بنظرة من عين شخص حاسد، ...لكنّ هذا ليس دليلاً !!،  هذه وسيلة لتبرير الفشل والتنصل من المسؤولية وإنكار الأسباب الحقيقية ليس إلا، هل يوجد لما تصفون دليل علمي قائم علي التجربة أو علي فرضية منطقية ؟ .. سيقولون أن هذا شئ لا يمت للعلم بصلة وأنه كالسحر مرتبط بالجن والعفاريت ولا علاقة له بالعلم، ومن قال أن السحر ليس له علاقة بالعلم، السحر ذاته علم يُعلَّم ويُتَعلَّم، يقول عنه الله تعالي (( يعلمون الناس السحر )) ولكن هذا موضوع آخر.

       إذا ما هو الحسد؟، درسنا منذ نعومة أظافرنا أن الحسد هو تمنِّي زوال النعمة من الغير،  وهو كذلك بالفعل لا شئ أكثر ولا أقل، وبهذا التعريف هو ليس شراً إلّا علي الحاسد وحده الذي تتحسَّر نفسه وتمتلأ شعورا بالغيرة والحقد علي المحسود، يقول الله تعالي (( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )) الفلق 5،  سيقال إذا هو شر يا شيخنا كما تقول سورة الفلق !! ... لنتدبر المعني جيدا، علي من يعود الشرٌ في الآية؟ ، يعود علي الحاسد وليس علي الحسد في حد ذاته، لو أن الآية تقول ( ومن شر الحسد ) لاختلف المعني، وما الفرق إذاً؟ الفرق كالآتي .. ربما يتفاقم الشعور بالحسد فيأدي بالحاسد أو يدفعه لإيقاع الضرر بالمحسود، ألا يحدث هذا دائما مع المتفوقين والناجحين في شركاتهم وأعمالهم ؟، ألا يتعرضون للمكائد والأذي، إذا تكون الإستعاذة في سورة الفلق هي من أن يتمكن الحاسد من إلحاق الضرر بالمستعيذ بالله من شره.

      لقد حسد إبليس آدم عليه السلام علي المكانة التي حازها عند الله عز وجل واستكبر وعصي أمر الله بالسجود لآدم فكان جزاءه أن طرد من معية الله ورحمته، إنهم يُعوِزون آثار الحسد التي يزعمونها لقوي شيطانية غير مادية، والحاسد هنا هو إبليس نفسه وليس بشرا عاديا غير أن أقصي ما توعّد به إبليس لآدم هو أن يوسوس له ويدفعه لفعل الشرور ومعصية الله عز وجل ومع ذلك فللإنسان مطلق القدرة علي دفع هذا الشيطان وهزيمته والتخلص من وسوسته مستعينا بالإستعاذة  بالله تعالي منه، ولو أن لإبليس أو الجن بصفة عامة مقدرة علي إلحاق أذي أكبر ببني آدم كالتلبس وغيره لتوعدهم به في هذا الموقف الذي وصلت فيه حدة الموقف إلي أقصاها

     لنطرح سؤالا آخر، هل يوجد إنسان ناجح أو ثري أو مشهور يخلو من الحسد؟!!، بالطبع لا، بالتأكيد سيكون محسودا من أكثر من واحد، إذا كيف يستمر هذا الإنسان في نجاحة وثراءه وشهرته، أيعقل أن تكون كل العيون المحيطة به قد فشلت في عرقلته، لو أن كل عين حسدته فعلت به من الشر بمقدار كعبلة أثناء المشي علي أقل تقدير لتحولت حياة بعض المشاهير والأثرياء إلي جحيم، وبشكل عام ألا نري أن شعوبا بأكملها مثلنا نحن العرب في حالة حسد دائم ومستمر للشعب الأمريكي أو الياباني أو الألماني، كما أن مساجدنا ترتج بالدعاء عليهم يوميا بالمزلة والإنكسار والدعاء لنا بالعزة والعلو،  نحن الملايين من البشر الحسودين ألا نستطيع بنظراتنا وحدها إيقاع تلك الشعوب وإسقاطها، ولكن كما نري فالدعاء نفسه لا يجدي شيئا، لأن قوانين الله في الكون تقتضي العمل والإجتهاد بالإضافة للتوكل علي الله والدعاء، وكلنا نعلم أن الله تعالي لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم، أيغير قوم ما بأنفسهم بالجد والعمل ثم يأتي قوما فاشلون يذهبون بكل ما أنجذوا فقط بنظرات أعينهم، إذا أليس جديرا بتلك الدول المتقدمة أن تمنعنا من السفر إليها للسياحة أو العلم أو العمل لكي يأمنوا نظرات أعيننا الشريرة أم أنهم ليس لديهم علم بالحسد مثلنا، ولنتلوا هذه الآية التي تتحدث عن حسد جمعي كالذي ذكرناه في هذا المثال يقول الله تعالي :

     ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 109]

     الكثير من أهل الكتاب يحسدون الذين آمنو ويودون لو يردونهم من بعد إيمانهم كفارا فهل ارتدَّ الذين آمنوا إلي الكفر جرَّاء هذا الحسد؟ لم يحدث هكذا شئ، وإذا أقررنا بالمفهوم التقليدي للحسد ألا يحق للمرتدين عن الإيمان أن يحاجٌوا الله عز وجل يوم الحساب ويقولوا أنهم مجنيٌ علينهم لأنهم حُسِدوا من فلان وفلان وفلان وما كان لهم من الأمر شئ حتي يبطلوا مفعول هذا الحسد، الكثيرون ممن كتبوا عن الحسد ذكروا أمثلة أخري وردت في القرآن الكريم منها حسد ابن آدم لأخيه عندما تقبل الله قربان أخيه ولم يتقبل قربانه، فهل قتل الأخ أخاه بنظرة حادة من عينيه أم قتله بيديه ؟!!، مثال آخر، إخوة يوسف عليه السلام حسدوا أخاهم، أحد عشر حاسدا بإثنتين وعشرين عينا، هل اكتفي الإخوة بحجم القوة الرهيبة من الحسد التي يملكونها ضد أخاهم الصغير الضعيف، أم خططوا وتحركوا ونفذوا بأيديهم

    

       لقد وردت مادة ( حسد ) في القرآن الكريم 4 مرات، ذكرنا منهم اثنتين ولنستعرض الآيتين الأخرتين، يقول الله عز وجل :

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا () أُولَٰئِكَ الَّذِينَ  لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ()أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا () أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا )) النساء 51- 54،

      تتحدث الآية في سياقها العام عن الذين أوتوا الكتاب إذ يقولون للكافرين أن الجبت والطاغوت هما أهدي سبيلا من سبيل المؤمنين ، وما فعلوه بدافع الحسد ليس إلا الإنحياز للكافرين والوقوف في صفهم ضد المؤمنين لا شئ آخر، أما الآية المتبقية يقول الله عز وجل فيها :

 ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً﴾[الفتح: 15].

     تتحدث الآية هنا عن شعور نفسي محض، حيث يتهم المخلفون عن الجهاد غيرهم ممن جاهدوا ولم يتخلفوا عن النبي أنهم يحسدونهم ولذلك لا يريدون اصطحابهم معهم لأخذ الغنائم السهلة المضمونة، إذْ سيقولون حينها أنهم  تخلفوا ولم يحاربوا وبالرغم من ذلك يتقاسمون معهم الغنائم، وكانت تلك حيلة أعدها المخلفون ولكن الله كشفهم مسبقا أمام أنفسهم وأمام الناس.

     ويجادل البعض أيضا بالآية التي تقول ((وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ )) القلم 51، يعتبرونها دليلاً علي ما تستطيع العيون أن تفعله بالرغم أن أقصي ما فعله الكافرون لما سمعوا الذكر هو أن قالوا عن النبي  أنه مجنون ، ولا مجال إذاً لفهم ( يزلقونك بأبصارهم ) إلا كونه شعورا نفسيا ظهرت علاماته علي نظراتهم وتعبيرات وجوههم وحسب.

      مفهوم الحسد الذي تربينا عليه يتحكم في تصرفاتنا وعلاقاتنا بشكل كبير وبدون وعي في معظم الأحيان وخصوصا أولئك الذين يجعلون الحسد دائما في تفكيرهم ونصب أعينهم فيكاد يؤثر ويتحكم في شؤون حياتهم وتصرفاتهم وقراراتهم كلها، علي سبيل الأمثلة يمنٌ الله علي أحدهم بعلاوة أو ترقية فلا يخبر أهله وأصحابه، ينعم الله تعالي عليها بالحمل فلا تقول لأحد حتي تكبر بطنها خوفا من أن تُحسَد فيسقط جنينها وكأن الحسد لن يؤثر عليه إذا ما بلغ الشهر الرابع أو الخامس، يعلمون نوع الجنين فيخفون ذلك وكأنه سيظل خافيا أبد الدهر، وبعد الولادة يحرصون علي ألا يري طفلهم إلاّ أقرب الأقربين و لا ينشرون صوره علي الفيسبوك وغيره، فإذا مرض الطفل وكثيرا ما يمرض الأطفال تذكروا أحد تلك الأفعال لو كانت قد حدثت وظنوا أنها السبب، وقس علي هذا الكثير والكثير وهذا يؤدي بالطبع للعداوة والبغضاء والحقد بين الناس وخصوصا بين النساء في مجتمعنا، فلا أحد يحب أن ينظر إليه الآخرون علي أنه حسود.

يقول المثل الشعبي ( داري علي شمعتك تقيد )، هذا مقبول ومنطقي لو أنك تخاف أن يعرقل مشروعك أحد بفعل مادي ولكن إذ لم يكن هذا واردا فهذا خطأ،  فربما تجد نصيحة أو تتضح لك معلومة أو تعرض عليك خدمة إذا علم من حولك بما تفعله أو بما تسعي إليه، وكتمان النعمة بشكل عام يخالف قول الله تعالي ((الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا )) النساء 37،  فالبخل و كتمان فضل الله ونعمته هو من صفات الكافرين الذين أعد الله لهم عذابا مهينا، والخوف من الحسد هو من أهم أسباب البخل علي النفس والأهل وعلي الغير أيضا، فالإنفاق من علامات الخير الوافر وهذا هو ما يحرص البخيل علي كتمانه،  وأما الإنسان المؤمن إذا أنعم الله عليه فإنه يحدث بتلك النعمة ويظهر عليه أثرها ويتصدق منها علي قدر ما يستطيع.

     الحديث عن النفس والصراحة وفتح القلوب كما نسميه هو أهم العوامل علي الإطلاق لنشوء علاقات الود والصداقة والتراحم بين الناس، والشخص الكتوم الذي يجعل خوفه من الحسد دوما نصب عينيه  يكون في العادة  قليل الأصدقاء ويكون مكروها ممن حوله ومنبوذا ووحيدا بل وتكون عنده  قابلية أن يتحول هو نفسه إلي حسود ناقم علي كل من حوله ممن يسبقوه بنجاحهم وتقدمهم، ويكون دائم الإنشغال والتفكير في الناس من حوله، في أحوالهم  وفي شئون حياتهم  وفي تفسير كلامهم ونظرات أعينهم ظنا منه أن كل هذا يؤثر عليه شخصيا وذلك الإهتمام بشؤون الناس يكون علي حساب اهتمامه بنفسه وبشؤونه ولذلك فإن الإعتقاد في الحسد هو مرض اجتماعي خطير لا يؤثر في الفرد فقط بل يؤثر في حياة الناس بشكل عام ويساهم في دمار المجتمع بأكمله إذا شاع فيه هذا المعتقد، وللأسف فالشعب المصري هو من أكثر الشعوب - إلَّم يكن أكثرها علي الإطلاق - اقتناعا بالحسد بمفهومه الخاطئ وخصوصا في القري والأرياف، كلنا نزعم إيمانا لا حدود له بالله وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وأن الله يسبب الأسباب لكل شئ، وكما رأينا فالحسد لا يعتبر سببا ولا يؤثر سلبا إلّا علي الحاسد نفسه مالم يتعدي كونه شعورا فقط، إذا فلنتخلص من هذا الوسواس الشيطاني الذي يوقع العداوة والبغضاء بين الناس وسيعود ذلك علي المجتمع كله بالخير والحب والوئام وسيعود علي مستوي الفرد بالطمأنينة والسكينة والثقة في النفس وفي الناس.

ووفي الختام فلندعوا الله أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.

اجمالي القراءات 7333