خطبتي جمعة
القرآن الكريم

عبدالوهاب سنان النواري في الجمعة ٢٣ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الخطبة الأولی:

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل علی عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.

الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ، هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنی يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.

هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله.

قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.

كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين.

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون، فإن الله جل وعلا هو الهادي إلی الحق، وما دون الله جل وعلا لا يهدي إلا أن يهدی، وهداية الله جل وعلا لنا تمت من خلال القرآن الكريم، وهو كتاب عظيم ما كان له أن يفتری من دون الله تعالی، ولكنه تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه، ومن يكذب هذا الكلام فليأتنا بسورة مثله وليدعوا من استطاع من دون الله جل وعلا، وعلی كل حال فأكثر الناس يتبعون الروايات الظنية، وهي روايات لا تغني من القرآن شيئا، كل هذه المعاني وغيرها جاءت في قوله تعالی: قل هل من شركائكم من يهدي إلی الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلی الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدی فما لكم كيف تحكمون ، وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ، وما كان هذا القرءان أن يفتری من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ، أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (يونس 35-38) .

والله جل وعلا يقدم لنا القرآن الكريم كواحدة من آياته العظيمة، ويخبرنا بأنه قد صرف فيه للناس من كل مثل، وأنه حتی لو اجتمعت الإنس والجن علی أن يأتوا بمثله فإنهم غير قادرين علی الاتيان بمثيل للقرآن الكريم، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالی: قل لئن اجتمعت الإنس والجن علی أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، ولقد صرفنا للناس في هذا القرءان من كل مثل فأبی أكثر الناس إلا كفورا (الإسراء 88-89) . ومع كل هذا ورغم أنهم يحفظون ويقدسون القرآن إلا أنهم يقولون جهلا: القرآن ومثله معه. أي أنهم يكذبون هذه الآيات، ويعتقدون أن هناك مثيل للقرآن ولكن أين هو ذلك المثيل المزعون الذي نفی رب العزة وجوده؟! لست أدري، ربما هو موجود في أوهامهم وأحلام يقظتهم.

تقوم أوهام أولئك الجهلة المكذبون لآيات الله جل وعلا، القائلون بأن هناك مثيل للقرآن علی دعوی أن هناك وحيين: وحي فوق الطاولة وهو القرآن الكريم. ووحي آخر مزعوم تحت الطاولة. غير أن رب العزة يكذبهم ويؤكد أنه لم يوح ولم ينزل علی خاتم النبيين إلا وحيا واحدا هو القرآن الكريم، وفي ذلك يقول سبحانه: إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلا (الإنسان 23) .. ويقول أيضا: طه ، ما أنزلنا عليك القرءان لتشقی ، إلا تذكرة لمن يخشی ، تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلی (طه 1-4) .

وفي سورة يوسف، وفي سياق متصل، يتحدث الحق تبارك وتعالی عن أنزاله القرآن لا غير، ووحيه لخاتم النبيين بالقرآن لا غير، نفهم ذلك من قوله تعالی: الر تلك ءايات الكتاب المبين ، إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون ، نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغافلين (1-3) .

وعلی لسان خاتم النبيين جاء القول الفصل: وهو أن القرآن الكريم هو الوحي الوحيد الذي نزل عليه، جاء ذلك في قوله تعالی: وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به (الأنعام 19) . وفي هذا الصدد تتابعت توجيهات الله جل وعلا لخاتم أنبياءه تأمره بأن يذكر وينذر ويجاهد بالقرآن الكريم لا غير، والآيات في هذا كثيرة، ونكتفي بقوله تعالی: فذكر بالقرءان من يخاف وعيد (ق 45) .

هذا القرآن العظيم، هذا الكتاب الذي ينتقصه الجاهلون، يقول عنه رب العزة: لو أنزلنا هذا القرءان علی جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (الحشر 21) . كتاب بكل هذه العظمة، وبكل هذا البيان، وبكل هذا الهدي، يقابل منا بكل هذا البرود، لماذا؟

لأننا لم نتفكر فيه، لأننا نقرأه قراءة غنائية وليس قراءة تدبر، لذا ينبهنا الحق تبارك وتعالی إلی هذا الخلل بقوله: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء 82) .. أفلا يتدبرون القرءان أم علی قلوب أقفالها (محمد 24) .

والدعوة إلا تدبر القرآن لا تعني أنه صعب مطلسم بل علی العكس من ذلك، فكم أكد الحق تبارك وتعالی بأن كتابه ميسر للذكر فأين المعتبرين المتعضين به، جاء ذلك في أربعة مواضع من سورة القمر، حيث يقول سبحانه: ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر (17'22'32'40) .

نعم هو كتاب ميسر للذكر، أي ميسر للهداية، وكيف لا وقد صرف فيه الحق تبارك وتعالی للناس من كل مثل، كيف لا وقد ضرب الله جل وعلا للناس في هذا القرآن من كل مثل، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: ولقد صرفنا في هذا القرءان للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا (الكهف 54) .. ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل (الروم 58) .. ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون ، قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون (الزمر 27-28) .

ليس هذا فحسب بل جعل الحق تبارك وتعالی كتابه العزيز هدی للناس وبينات من الهدی والفرقان، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدی للناس وبينات من الهدی والفرقان (البقرة 185) .

وجعل رب العزة كتابه الكريم يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، جاء ذلك في قوله تعالی: إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (الإسراء 9) .

وهو أيضا بصائر من الله جل وعلا لنا، وهدی ورحمة لقوم يؤمنون، لذا فنحن مأمورون بأن نستمع وننصت له حين يقرئ، علنا ننال الرحمات، نفهم ذلك من قوله تعالی: هذا بصائر من ربكم وهدی ورحمة لقوم يؤمنون ، وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (الأعراف 203-204) .

وفوق كل هذا جعل الحق تبارك وتعالی كتابه العزيز شفاء ورحمة للمؤمنين، وخسارا علی الظالمين، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالی: وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا (الإسراء 82) . والشفاء هنا ليس من الأمراض العضوية كما صور ذلك الكهنة والدجالون، إنه الشفاء من الأمراض النفسية كاجبن والبخل والنفاق .. الخ.

لذلك ولكي نستمر في حالة جيدة يأمرنا الحق تبارك وتعالی أن نقرأ ليليا ما تيسر من القرآن، نفهم ذلك من قوله تعالی: إن ربك يعلم أنك تقوم أدنی من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضی وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه (المزمل 20) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

هذا الكتاب العظيم لم يصل إلينا في ملعقة من ذهب، هكذا دون متاعب ومشاكل، لقد عانا خاتم النبيين الأمرين في سبيل تبليغه، لذا لن تجد لخاتم النبيين شكوی يوم القيامة غي شكوی واحدة مفادها: إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورا.

واجه خاتم النبيين التكذيب والسخرية والأذی والعنت من قبل المشركين، ثم بعد ذلك نهجر القرآن الكريم بكل بساطة، هنا جريمة الهجران أكثر إيلاما لخاتم النبيين مما فعله المشركون.

عن جدال وعناد المشركين يقول الحق تبارك وتعالی: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا (الفرقان 32-33) . واللافت للنظر أن هذا هو ديدن المعاندين في زماننا، تجدهم يقولون لك: أذهب أحفظ القرآن كاملا، واقرأ كل ما كتب عن القرآن، وعندما يصبح عمرك ستين سنة تكلم عندها، يجهلون أن القرآن علم عملي يزداد المجاهد بصيرة به كلما سار في ميدان الجهاد أكثر.

وبأسلوب رخيص وتافه يتواصی الكفار بالقرآن الكريم، بأن لا يسمعوا لهذا القرآن وأن يلغوا فيه، وهو نفس أسلوب المعاندين حيث يتواصوا فيما بينهم علی أن لا يقرأوا التدبرات والدراسات القرآنية، وأن يستهزأوا بها، ويلغوا فيها، وأن يقوموا بحجب مواقع القرآنيين الإليكترونية، وفي هؤلاء القوم يقول سبحانه وتعالی: وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تغلبون ، فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ، ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بأياتنا يجحدون (فصلت 26-28) .

وفي موقف أكثر صراحة يؤكد أولئك الكفار بأنهم لن يؤمنوا بهذا القرءان، وهو موقف مشابه لموقف المعاندين المؤمنين بالظنيان حيث يقولون: إذا كفرنا بهذه الروايات الظنية فسنكفر بالقرآن. وفي هؤلاء يقول سبحانه: وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو تری إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلی بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدی بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (سبأ 31-33) .

وبعد كل هذا تبقی شكوی رسول الله مرفرفة فوق رؤسنا، شكوی ستودي بنا في قعر جهنم إن لم ننتبه ونكون بحجم المسؤلية، شكوی مفادها: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورا (الفرقان 30) .

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخركم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا علی رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلی صلاتكم يرحمكم الله

اجمالي القراءات 6124