من أجل الدولة المدنية التي عمادها المواطنة واحترام حقوق الانسان
هؤلاء هم نحن!

عمر أبو رصاع في الأربعاء ٠٤ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الحقيقة لفت نظري تعليق لزميل حول العلمانية محملاً اياها مسؤولية ما اسماه هو بالانحلال الاخلاقي في الغرب!
عموماً حتى لا تختلط الامور
أحب أن اوضح ان الدولة العلمانية لا علاقة لها بما سماه انفلات الاخلاق بالعكس تماماً العلمانية تنطلق من موقف اخلاقي مبدئي يكرس احترام الانسان وحريته وحقوقه ، حقه ابتداء أن يعتقد بما شاء وان يعبد الله كما يشاء أياً كان فكره أو دينه.
العلمانية لا تمنعك من ان تصلي ولا تمنعك من ان تصوم ولا تمنعك من أن تعبد ربك كما تريد ؛ العلمانية لأنها كذلك ولأنها تحترم آدمية مواطنها لا تنصب نفسها رباً عليه تحاسبه وتفرض عليه ديناً أو لنكن دقيقين أكثر فهم معين لدين ؛ أي دين .
العلمانية هي التي تتيح لاتباع كل الديانات أياً كانت ان يعبدو ربهم ويقيموا معابدهم على طريقتهم ولا تتدخل الدولة ابداً في ذلك لأنه ليس شأناً عاماً ، العلمانية والحرية هي التي جعلت من لا يدين بدين الأغلبية آمن على نفسه وعياله من البطش ، جعلت المبدعين والعلماء آمنين على انفسهم وأحرار في ابداء آرائهم وأفكارهم أياً كانت.

إن كان من انحطاط اخلاقي كما يسموه فلنقارن اخلاقياً وعملياً بموضوعية وأمانة لنعرف من هو المجتمع الأخلاقي والمنتج والمبدع فعلاً؟

اني شاهد عاش بين ظهراني القوم خالطهم وتتبع أمورهم ودرس انماط حياتهم وتفكيرهم عن قرب ، وجدت الشعوب الغربية أرقى اخلاقاً بما لا يقاس من شعوبنا.

نعم يا أخواتي
لماذا أقول ذلك ؟
أقوله لأن مقايس الاخلاق هي التي لا نعتبر منها إلا أقل القليل وبحرقة اقولها اخلاقنا للأسف بين أرجلنا، فنحن ننظر للحريات الجنسية مثلاً ننظر لدرجة تقبل الآخر التي تجعلهم يتركون للمثليين جنسياً حرياتهم ويصدمنا هذا لكننا نعمم حتى في السلوك الجنسي حكماً غير دقيق بالمرة وكأن الغربين مثل الحيوانات يمارسون الجنس هكذا بدون ضوابط ولا قيود وهذا كلام عاري تماماً عن الصحة.

لماذا تنحصر نظرتنا للأخلاق في زاوية الجنس؟ لماذا مستوى نظرنا يأبى أن يغادر أوساطنا؟
ماذا لو قارنا في مستويات أخرى ؟
تقبل الآخر مثلاً و القدرة على التكيف مع توجهات الآخرين ، الصدق و الأمانة والإخلاص في العمل ، مستويات النظافة ، الشعور بالمسؤولية و الانتماء العام ، المشاركة السياسية ، الحرص على المال العام ، النظام واحترام النظام ، احترام حياة الانسان وكرامته وشعوره .
ماذا عن مستويات العلم والتعليم ؟ ماذا عن قيمة الثقافة و القراءة و احترام المبدعين؟
هل رأيتم أمة غيرنا تسب مبدعيها من موسيقيين وممثلين وكتاب ومخرجين وملحنين ومطربين ؟
هل سمعتم عن امة تحرم التصوير و الموسيقى والغناء والنحت غيرنا ، طبعاً لا ، نحن لا يهمنا نحن معنيون بالعورة ؛ نحن تسيطر علينا العورة ، تذبحنا العورة ، نحن نعيش بالعورة فقط ولهذا لا يشغلنا إلا هي للأسف ، نعيش تحت وطأة فقه الذكرية نبحث عن الشياطين والجن والأعمال والسحر وكل هذا في الواقع إنما يسكن عقولنا التي تبلدت وتكلست .

نستغرب لماذا يرفض الشعب الانجليزي أبو حمزة المصري (وهو لا يستحق أصلاً لقب مصري) الذي كنت أراه في شوارع لندن يسب الشعب الانجليزي في عقر داره ويصمه بالكفر !
يا ترى لو سار انجيلي واحد من امريكا في شوارع القاهرة أو عمان أو دمشق أو اي مدينة عربية وراح يسبنا ويكفرنا فماذا سيكون رد فعلنا نحن؟!!!

نستكثر عليهم انهم منعوا الشعارات الدينية في المؤسسات العامة في فرنسا بل وبدؤوا بأنفسهم وكما منع ما يسمى حجاب منع الصليب ومنعت القلنسوة اليهودية وأي علامة دينية مميزة ، لكن الغريب اصرار بعض المسلمين على فرض ثقافتهم على المجتمعات الأخرى ، يا ترى لو جاءنا نفر من البرازيليين وأصروا على أن يحيوا كرنفالهم السنوي وخرجت علينا النساء عراة في شارع فؤاد أو في الساحة الهاشمية أو في سوق الحميدية ماذا سيكون رد فعلنا نحن؟ ماذا لو طوح اليهود برؤسهم وجدائلهم وقبعاتهم في شوارعنا مثلاً؟

إننا اقل شعوب الأرض تقبلاً للآخر أياً كان هذا الآخر ، نحن فيما بيننا لا نقبل بعضنا بعضاً أصلاً فالكبير يتعالى على الصغير ، والرجل على المرأة ، والرئيس على المرؤوس ، والعربي على غير العربي والعكس ، والمصري على غير المصري والعكس والسوري على اللبناني والعكس والأردني على الفلسطيني والعكس، نسب بعضنا بعضاً بكل مناسبة ممكنة يعاير بعضنا بعضاً ، لم أرى أحداً في انجلترا يقول لي عندما انتقد بلده أو مجتمعه أو نظامه السياسي : وأنت مالك؟
على العكس من هذا تماماً لو تكلمت بشأن أي بلد عربي سيقفز لك احدهم ويسألك وأنت مالك!
هؤلاء نحن يا قوم.

نحن نتعصب للدين ثم للمذهب ثم للرأي في داخل المذهب ولا نجد ضيراً أن نكفر الآخر وبكل بساطة عندما يكون له رأي آخر.
نحن نتعصب للغة وكذلك للدولة الدولة التي نسبها ما أسهل أن نذبح الآخر إن قال لنا ما نقوله نحن انفسنا عن نظامها أو عن فساد حكامها!
نتعصب للأقليم الذي نحن منه في داخل الدولة فأهله هم أحسن ناس طبعاً.
ثم نتعصب للمدينة أو الناحية أو الجهة التي نحن منها ثم للحارة والعائلة أخيرا أنا الفرد أحسن من على وجه الأرض !!! هؤلاء هم نحن.

نحن اقل شعوب الأرض مساهمة في مؤسسات المجتمع المدني الخدمية هل نعرف مثلاً أن واحد من كل ثلاثة مواطنين انجليز عضو في مؤسسة خدمة عامة؟
أما نحن فأعضاء مؤسساتنا الخدمية المدنية العامة بضع مئات من ملايين البشر ، هؤلاء هم نحن.

نحن أقل شعوب العالم عملاً وعلماً ، معدل عدد ساعات العمل اليومي للانسان العربي دون الساعة الواحدة مقابل أكثر من 9 ساعات للياباني ، هؤلاء نحن.

أسوء انظمة التعليم ، بين افضل 400 جامعة بالعالم ولا أي جامعة عربية مقابل 8 جامعات عبرية ، هؤلاء نحن.

نحن نطعن ونسب من يحصل على جائزة نوبل والعالم تخرج شعوبه لتحيه عن بكرة ابيها في الشوارع.

أكثر كتاب فكري في أكبر دولة عربية باع اقل من 4000 نسخة والله تخجل كينيا ان تفعلها ، هؤلاء نحن يا سادة.

نحن ترجمنا منذ عرفنا الترجمة من عهد هارون الرشيد حتى اليوم أقل مما تترجمه اسبانيا في عام واحد!!! هؤلاء نحن.

نحن أكثر شعوب الأرض تصديراً للمهاجرين ، نحن أكثر شعوب الأرض تنفيراً للمبدعين اكثر من 50 مليون مهاجر عربي! هؤلاء نحن

هل رأيتم شعباً يضايق ذكوره اناثه في الشوارع كما نفعل نحن؟ لا طبعاً فنحن شعوب العورة ونحن أهل الأخلاق في هذا العالم ولذلك هؤلاء هم نحن.

هل رأيتم شعب يحلل التهريب وسرقة المال العام كما نفعل نحن ؟ لم اسمع مشايخ هذا الزمان يقولون حرفاً واحداً في هذا على الشاشات بينما لا يغادر واحدهم فرصة إلا ويتكلم عن العورة وعن فقه القماش! ولهذا هؤلاء هم نحن.

نحن نعتبر الحفظة علماء فكيف سننتج عالماً بالله عليكم؟!!!
نحن لا يهمنا الاكتشاف العلمي بقدر ما يهمنا ان يقول لنا زغلول النجار اطمئنوا فكله موجود وانا استخرجه لكم من القرآن ! هؤلاء هم نحن

نحن على بعض هكذا من المحيط إلى الخليج بملايننا الثلاث مئة وبأبيار نفطنا بنيلنا وفراتنا ببحارنا ومضائقنا بدولنا الأزيد من عشرين لا ننتج نصف ما تنتجه نصف الجزيرة الكورية يا قوم !!! فمن لا ينتج ويتطفل على العالم ويسبه هم تماماً نحن.

نحن لا نطبل إلا للصوص الساسة والساسة اللصوص والساسة المشايخ والمشايخ الساسة ، و عندما نتظاهر ضد ظلم الحكام فبالمئات وعندما نتابع الشاشات من عمرو خالد إلى سوبر ستار فبالملاين ، هؤلاء نحن الذين لا نرى أخلاقاً إلا عندنا ولا نرى أحداً خيراً منا!

إن أول خطوة على طريق النهضة أن تعرف وتعترف بأنك متخلف ، نعم نحن شعب متخلف بكل مقايس الحضارة وإن لم نعي هذا جيداً ونعترف به فلا يمكن أن نبرح دائرة التخلف المغلقة أبداً .

لماذا لا نحاول ان نقارب الحضارة المعاصرة على طريقة الشعب الياباني مثلاً؟ أو على طريقة غاندي والهند نموذج التحول من الفقر والمرض والتخلف إلى أكبر منتج للبرمجيات في العالم!

ها هو الشعب الياباني لا تخلى عن عاداته وقيمه الحسنة ولا قلد الغربيين كالأعمى بل زاوج بين قيم الحضارة المعاصرة وبين قيمه هو وعاداته فأنجز نهضته المعاصرة بأن اعترف رسمياً بتأخره وتخلفه أخذ بأسباب النهوض الحقيقية وصار هو المثال والقدوة ، صار في طليعة كل الشعوب.

يا إخوتي

العلمانية لا علاقة لها مطلقاً بأي انحدار اخلاقي بل بالعكس إن الاخلاق ارتفعت وترتفع دوماً في الغرب بسبب تطبيق العلمانية كنظام للدولة ، العلمانية هي التي كرست عندهم قيم احترام الانسان الآخر احترام المواطنين بعضهم بعضاً فأوقفت انهار الدم التي سالت في اوربا كلها ، على العكس من ذلك عندما كانت أوربا غير علمانية كان الانسان يهان ويمتهن ويقتل إن خالف او كان له معتقده المختلف ، كان الانسان بلا قيمة ولا حرية وكان الكهنوت يعصف بهم عصفاً لقد عبرت اوربا على جماجم الملاين لهذه العلمانية فلماذا يصر البعض على ان يقتل الملايين قبل ان نفهم الدرس ونعي تجارب الشعوب التي سبقتنا.

أنا مع التوعية السليمة مع دعوة الدين لمكارم الأخلاق ، مع دعوته لتهذيب الانسان نعم ، ليكن الدين دعوة للصلاح الانساني وللخير دعوة لسمو الانسان خلقاً وعملاً لا خادماً لمصالح فئوية وكهنوتية وأفيون لشعوبنا يخدر عقولها ويجعلها تعيش الوهم .

يا إخوتي

إن النهضة بحاجة لمشاريع التنمية المستدامة بحاجة لتوحيد الجهود بحاجة لرفع سقف الحرية للسماء ، وحدها الأمم الحرة هي التي تصنع المستحيل ، النهضة بحاجة لعقد اجتماعي انساني من أجل مجتمع مدني يقوم على أساس المواطنة واحترام حقوق الانسان ، النهضة ليست موجودة في التواكل ولا في الشعارات الجاهزة ، النهضة تحتاج جهد وعمل تحتاج لتخطيط ومشروع نمو اقتصادي اجتماعي متكامل ، النهضة تحتاج لمختبرات البحث العلمي والجامعات الحقيقية والمعاهد العلمية المرتبطة بمراكز البحث العلمي بالعالم لا ان نكفر ونخون من يحاول ربط معاهدنا ومراكزنا البحثية بأمهات المراكز المعرفية في العالم .

اني أتألم وأنا لم أقرأ مقالاً واحداً يتكلم عن الأمية ألا نعرف أن الأمية في مصر نسبتها 40% وبين النساء 60% !
بينما قرأت ألف مقال في موضوعات تهاجم الغرب أو العلمانية أو قيم التحرر وتدعي الدفاع عن بيضة الدين ! هل بقي لنا بيضة أصلاً؟!

لم أقرأ مقال واحد يحدثنا عن خسائر مشروع توشكا لنتعلم لماذا نفشل وكيف؟ ولا عن اموال النفط وكيفية هدرها لنتعلم كيف نستغلها ، ولا عن امرائنا الذين لا حصر لهم ولا يوجد في العالم كله عدد الأمراء الموجودين في مملكة آل سعود وحدها!
لم أقرأ مقالاً عن نهب أموال الشعب عبر شركات توظيف الاموال باسم الله ثم نهب اموال البنوك ايضاً في الدول العربية دون ان يتساءل أحدنا كيف ولماذا وما هو الحل ؟
ما هو النظام المالي المناسب وما هي عيوب النظام المالي القائم؟ كل هذا لا يعنينا ، أكتب عن أي شخص رأى النبي الكريم قبل 14 قرن واكتب في العنوان سيرة الصحابي فلان والصق من الكتب الصفراء وما اكثرها لتجد أن عدد القراءات أضعاف أضعاف مقال حول طبيعة اختراعات الدكتور زويل مثلاً ولماذا حصل الرجل على نوبل!
كم منا يعرف في أي مجال يبحث العالم العربي المصري أحمد زويل وكم منا لا يعرف اسم زوجة عمرو بن العاص مثلاً؟

لم أقرأ مقال واحد يعالج بنية التعليم والمستوى المنحط الذي وصل إليه وسبل علاج المشكلة ، عندما كتبت عن تجربتي مع التعليم وعن سبل تطويره لدينا لم اتلقى سوى تعليق واحداً ولكني عندما كتبت عن الحجاب تلقيت مئات التعليقات من كل حدب وصوب!
هذا يعطينا مؤشر أين ينحصر تفكيرنا ولماذا نحن متخلفين ، لا اقلل من قيمة اي موضوع وإن تباينت القيم لكن إلى أين يتجه بل قل فيما ينحصر اهتمامنا ؟ ذلك هو الملفت للنظر عدد قراء الموضوعات العلمية مقارنة بعدد قراء اتفه موضوع في عن جني أو عذاب قبر او ما شابه لتعرف أين تكمن العلة .

انها دعوة مرة أخرى مفتوحة للجميع لنكرس نضالنا من اجل مجتمع حر ديموقراطي مدني تحترم فيه كامل حقوق الانسان وتكون العلوم هي أداة نهضته.

وآخر قولي
لك الانسان الحر البناء يا أمتي المغلوبة على أمرها المراد تغيب عقلها

عمر أبو رصاع

اجمالي القراءات 25605