التحكم في تآكل الأصول الحديدية
شرح مبسط في تآكل الأصول الحديدية والتحكم به في صناعة انتاج الغاز والبترول (2)

أبو أيوب الكويتي في الأربعاء ٢٩ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

شرح مبسط في تآكل الأصول الحديدية والتحكم به في صناعة انتاج الغاز والبترول (2)

كتب: أبو أيوب الكويتي , سالم قنبر محمد جاسم الحسين. ماجستير العلوم في تخصص هندسة التآكل ,جامعة مانشستر 2012/2013 وعضو محترف نشط في معهد التآكل البريطاني.

مقدمة:

أعزائي القراء أهلا بكم, سوف نبدأ اليوم من حيث انتهينا في المقال السابق عندما قطعنا على أنفسنا وعدا بتوضيح السبل المتاحة للتحكم في التآكل للمواد المعدنية عامة والحديد خاصة نظرا لما يتمتع به الحديد من خصوصية فريدة في التعويل عليه بشكل كبير في كثير من التطبيقات والاستخدامات اليومية في حياة الأمم والشعوب.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو هل يمكن القضاء على التآكل كليا؟ وتأتي الاجابة هنا بلا , فلا يمكن القضاء على التآكل للمواد المعدنية بنسبة مئة بالمئة بل يتمحور دور مهندس وعالم التآكل في دراسة السبل التطبيقية الممكنة لاطالة عمر المنشأة الحديدية أطول وقت ممكن للاستفادة من تلكم المنشأة فيما ينفع الناس والمجتمع المتحضر وجل قدر المولى عز وجل القائل: (( وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)). صدق الله العظيم ... تبارك ربي حين وصف ذاته العلية فهو فوق المكان والزمان جل شأنه فحقا كل شيء بالمطلق في هذا الكون المادي هالك لا محالة وانما يبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ... عظمة يارب العزة ما أعظمك ... حتى الحديد يمرض ويموت ويهلك ...  حسنا من بعد هذه الخاطرة ,هيا بنا اعزائي القراء نتعرف على السبل الممكنة في التحكم في تآكل الحديد. 

 

المنهاجية أو العهد والميثاق بيني وبين أعزائي القراء:

المنهاج المتبع في هذا الشرح المبسط هو التسلسل ,أي  بمعنى انه في كل مرة حسب ما يتاح لنا من وقت ومعرفة سوف نتناول وسيلة أو أكثر من وسائل التحكم بالتآكل سواء الخارجي أو الداخلي للأصول الحديدية وذلك بالعنونة لكل وسيلة من وسائل التحكم بالتآكل مع اعطاء شرح مبسط قدر الامكان للتسهيل على القاريء الكريم في ربط الأفكار واستنباطها وعدم تشتيت انتبهاه.

حسنا, لنبدأ, عزمت بسم الله الرحمن الرحيم: 

أولا: سبل التحكم المتاحة بالتآكل الداخلي والخارجي للأصول الحديدية في قطاع الصناعات البترولية:

أ- التحكم بالتآكل عن طريق كسر ضلع من أضلاع مربع التآكل (الأنود , الكاثود, الوسط الالكتروليتي, الوسط الالكتروني):  

1- (كسر ضلع الوسط الالكتروليتي) "لا ماء لا تآكل":

لنعطي أولا بعض التأصيل , فقد أجمع أهل العلم على هذه القاعدة "الفقهية" التي يجب على كل مهندس تحكم بالتآكل أن يعرفها ألا وهي (( في التآكل البارد اذا لم يوجد ماء لا يوجد تآكل)) .. ونقصد هنا بالتآكل البارد هو أي تآكل يحدث في درجة حرارة يقدرها بعض أهل العلم فيما دون 400 درجة سيليزية أو 750 درجة فهرنهايت,  لذا ان تمكن مهندس التآكل من الحيلولة مابين الالتقاء المباشر مابين الأصول الحديدية ومابين الماء فانه بذلك تم التحكم بدرجة كبيرة جدا وبفعالية في التآكل. (ملحوظة وحقيقة علمية: يمكن للماء عند بعض الظروف أن يظل على صورته المائعة على هيئة سائل حتى وان تجاوزت الحرارة التشغيلية لبعض الوحدات النفطية درجة تبخر الماء المتعارف عليها في الظروف القياسية الاعتيادية ألا وهي ال100 درجة سيليزية وذلك بتطبيق ضغط عالي على الماء ليسهل ضخه, لمعرفة المزيد راجع الديناميكا الحرارية)

1.1 المنشئات النفطية المشيدة فوق الأرض:

1.1.1 التحكم في التآكل عن طريق رفع المنشئات الحديدية على منصات اسمنتية:

ممكن للمنشأة الحديدية في القطاع النفطي أن تكون مدفونة مثل خزان أو أنبوب تحت الأرض أيضا ممكن أن تكون مشيدة فوق مستوى الأرض. اذن ان كانت المنشأة الحديدية مشيدة فوق الأرض ولنفرض على سبيل المثال أنبوب حديدي طويل ممتد لعدة كيلومترات ينقل انتاج النفط الخام من مراكز تجميع الانتاج في الحقول النفطية الى المصافي ولنفرض أيضا أن الطريق المار به هذا الأنبوب متواجد في منطقة مناخية جافة غير رطبة " تذكر لا ماء لا تآكل , لا رطوبة لا تآكل "  فيمكن التحكم بالتآكل الخارجي لهذا الأنبوب بكل سهولة برفع هذه المنشأة على منصات أو حوامل اسمنتية متباعدة فوق سطح الأرض ولنقل مثلا منصة اسمنيتة واحدة لكل مئة متر على امتداد طريق الأنبوب يستلقي عليها الأنبوب وذلك لتجنيب الأنبوب الحديدي ملامسة الأرض مباشرة, هذه الأرض قد تكون غنية بالأملاح والتي ممكن لأي مياه متراكمة في نقاط منخفضة أو مياه جوفية أو أمطار موسمية أن تعمل على انحلال تلكم الاملاح وذوابانها للحصول على وسط الكتروليتي نشط يمكنه أن يساعد على انتقال الأيونات الحرة مما يساعد على زيادة وتيرة التآكل بسبب اكتمال دائرة الخلية الجلفانية الكهربائية والتي تتكون من أنودا وكاثودا ومسار الكتروني وآخر أيوني (راجع الخلية الجلفانية).  

1.1.2 طلاء المنشئات المعدنية بالأصباغ الصناعية:

يجب أن نلفت انتباه القراء الكرام لقاعدة "فقهية" أخرى هامة أجمع عليها "أهل العلم" وهي أنه يعتبر الطلاء الصناعي بأنواعه مثل الطلاء العضوي والغير عضوي بمثابة "خط الدفاع الأول" الأكثر شيوعا في التحكم في التآكل سواء اكان هذا التآكل داخليا بسبب الموائع الغازية والسائلة التي يتم ضخها داخل الأنبوب أو أن يكون تآكلا خارجيا بسبب تفاعل المادة الحديدية للأنبوب الحديدي مع الوسط الخارجي المحيط به مثل التربة ان كان الأنبوب مدفونا أو الهواء الرطب.

فالطلاء الجيد هو الذي يكون طلاء ذو صفات خاصة مثل المقاومة العالية لمرور التيار الكهربائي لعرقلة ومنع مرور التيار الكهربائي الأيوني الذي سوف ينشا نتيجة للاتصال المباشر بين الأنود والكاثود في وسط مائي غني بالشوارد أو الأيونات ((تنقسم الأيونات الى: الكاتيونات ذات الشحنة الكهربائية الموجبة والأنيونات ذات الشحنة الكهربائية السالبة)) . (راجع الخلية الجلفانية والتآكل الجلفاني)

أيضا من الصفات المرغوبة في الطلاء هو مقاومته للبري وللقطع الغائر أو الخدش وللصدمات الميكانيكية الناتجة عن الحوادث الجانبية غير المقصودة خلال عملية تشييد الخط الأنبوبي  من سوء في التخزين  وسوء التعامل الفني الاحترافي مع الخط بحذر والاهمال خلال تشييده وسوء ادارة نقل وحمل اجزاءه الى مواقع التشييد في الحقل المفتوح. 

أيضا من الصفات المرغوبة في الطلاء هو مقاومته لمرور الأيونات الضارة وجزئيات الأكسجين من خلاله.. نقصد بجزئيات الأكسجين التي تكون بالتحديد مذابة في ماء التربة أو المذابة في الماء الجوي الذي يتشكل على سطوح الأنابيب على شكل قطرات ندى بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة والتي لها الأثر الكبير في تسريع وتيرة التآكل والحديث في هذا الأمر يطول ويستحق مبحثا مستقلا بذاته من متخصص بالأصباغ الصناعية لكن من المهم لفت نظر القاريء الكريم أن الأكسجين المذاب في الماء وان كان متواجد في تراكيز قليلة مثل 50 جزء البليون (أو 50 مايكرو جرام في الليتر) فانه يحول الوسط المائي المذاب به الى وسط يساعد على التآكل وذلك لأن الأكسجين شره جدا في استهلاك الالكترونات الحرة في المعادن.

لكن الجدير بالذكر انه اغلب مشاكل التآكل الناجمه عن تقشر وتساقط الطلاء وعدم التصاقه بشكل جيد هو ناتج عن استخدام عمالة غير محترفة وغير مدربة على الوجه اللازم لتطبيق هذا الطلاء بالشكل المطلوب وبالسماكة المطلوبة حسب المعايير الصناعية الدولية المعتبرة في تطبيق الطلاء فعامل الخطأ البشري هنا مؤثر جدا. أخيرا وليس آخرا يلزم اختيار الطلاء الجيد ذو الأداء المطلوب مقاومة الظروف المناخية القاسية مثل الظروف التي تواجهها مناخات بلاد منطقة الخليج العربي/ الفارسي مثل الزوابع الترابية العنيفة و ارتفاع درجة حرارة الجو وقد يؤدي ارتفاع درجة حرارة الطلاء الى تقشره وتساقطه مما يؤدي بذلك بدوره لكشف الحديد وبالتالي تآكله.

.... نتوقف هنا ونستكمل باذن الله تعالى في المقال القادم وذلك لاعطاء القاريء الكريم وقتا لهضم ولفهم هذا الشرح المبسط ... وحتى نلتقي في المقال القادم لكم مني تحية وسلام 

شكرا جزيلا

ملاحظة: هذه المرة تمت الاستعانة بكوكب الشرق أم كلثوم للمساعدة على كتابة سطور هذا المقال بالاستماع اليها في أغنية دارت الأيام ! 

" و الأيام بينما "

اجمالي القراءات 8341