على ارض مصر
رحلتى الى وطنى (الحلقة الثانية)

محمد حسين في الخميس ٢٩ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ذهبت وانا فى تلك الزيارة الى الاسكندرية واسعدنى الحظ ان اكون ضمن مجموعة من الاصدقاء وقد كانوا خير صحبة ، فقد اخذونى -غير قاصدين- الى مناطق شتى بما انهم من رواد الاسكندرية . فكانوا يعرفون مخابئها وافضل الاماكن فيها . واخذنا نتجول من مكان الى آخر ، والحق يقال ان الاسكندرية تتمتع بخاضية فريدة تميزها عن باقى المدن ، الا وهى انك لن تمل مهما مشيت فى ارجائها حتى وان زرت نفس المكان الف مرة . ونحن فى الطريق مارون بسان استيفانو ، شد نظرى ذلك القندق الرائع ، الذى كان تحت التصميم وانÇedil; فى مصر قبل ذلك ، وكان لى صديق قال لى "عندى لك مفاجأة سوف ترفع الضغط عندك ، فانا اعلم انك تتنهم فى ايجاد الاشياء والبحث فى الاشياء التى ترفع لك الضغط" ، ولم اكن اعلم انه كان يقصد ذلك المكان . وقررنا ان نتوقف وننزل لكى نلقى نظرة على ما بالداخل ، فكان ما كان . رأيت نسخة امريكية لشئ ما على ارض الاسكندرية ، لم تصبنى المفاجأة ، فانا فى امريكا قد تعودت على تلك الاشياء . ولكن يبدو ان المكان مازال يضمر لى شيئا من المفاجأة . فطفنا بداخل المكان نتحرى الاشياء وننظر الى المحلات علنا نجد شيئا يستحق الشراء . وعند اول نظرة وجدت اسعارا لا اعلم من وضعها ، ولا اعلم من يستطيع شراءها ، فنحن كصحبة كل منا فى دولة اوروبية او فى امريكا ولكن لا تزال الاشياء فوق المعقول !!! قلت لنفسى من يستطيع شراء "بنطلون" ب 1050 جنيه ، واقسم بالله ب 1050 جنيه ، بنطلون جينز. واشياء اخرى من هذا القبيل ، اسعار فوق طاقة استيعاب الخيال نفسه ، وكل هذا فى مكان على ارض مصرية !!!!

لك ان تتخيل الامر ، اكثر من 80 بالمائة فى المجتمع المصرى تحت خط الفقر -او كما يقولون- وفى نقس الوقت هذا المكان "وغيره" موجود كل السلع ذهبت الى السماء سعرا ومع ذلك يبقى المواطن يبحث عن 150 جنيه و100 جنيه شغل ، ولكن انتظر لحظة ! ان هذا المكان ليس الوحيد ، فكل شئ قفز عاليا ، دستور دولتى يقول ان دولتى اشتراكية ويتحدثون عن الدعم " والغلابة والناس اللى بتموت" وتلك الاشياء هناك . قالوا لى ان هذا للاخوة العرب ، فقلت اذا قد فهمت ، المصريون داخل ارض الوطن يبتلعون الزلط كى يتغلبوا على جوعهم ، واخوتنا العرب هم من يأتوا الى ذلك فيبتاعون تلك الاشياء على حساب دم الشعب ، بل ويبتاعون ايضا نساء الشعب . نعم ، اقسم بالله يمينا احاسب عليه ، فقد وجدت كمية عاهرات لم ارها فى حياتى من قبل ، كمية ساقطات جاءوا كى ينغمسوا فى الليرات الليبية والريالات السعودية والدينارات ، وشواذ "عينى عينك" يصطادون كل الاخر ويتغامزون بين بعضهم ، وانظر حولى وقد جلس او مشى او بات كل فى حاله ، حتى بالخارج ، وابتلعت الرذيلة ما بقى من اخلاق .

والحجاب واه من الحجاب ، فقد رأيت من النفاق النفسى ما لا يطيقه صبر ، وقد تحدثت سابقا عن الحجاب والازمة التى اثيرت حوله قبل ذهابى مباشرة ، وقد عاد الى ذهنى وقت تلك الازمة وانا ارى بضعة من الشباب ، من بينهم بنات ، واخذوا يتسكعون بطريقة تثير العجب ، وقد كان بينهم من اخذت عينى بمنظرها ، فانا شاب والشاب يألف دائما النظر الى الجنس الاخر حتى وان لم يكن يفعل ذلك عن عمد ، وقد كانت تلبس حذاء عالى بعض الشئ ، ثم من بعد ذلك لا شئ حتى فوق الركبة بسنتيمترات تبدأ الجيبة ، وللحق اقول فقد اعتقدت انى سارى بنتا من بنات "الهبيز" ولكن عندما صعدت بنظرى الى اعلى وجدت الحجاب على رأس الفتاة . انا شخصيا اقسم بالله اننى اكره ان اجعل من اشياء كالحجاب او ماشابه اسمى امانى فى الدنيا ، ولكن استرعانى الموقف وانا انظر الى صورة من صور التناقض الغريب، بل والمستفز ، الى تلك الفتاة ، وانا اعلم جيدا اننى اتحدث عن فتاة فى بلد كان الحجاب مثار، ولا يزال ، للجدل . فقلت اهذا ما يبغيه اهلها ، ان يجعلوا منها مسخا ، وحتى المسخ به ترتيب عام يوحى بانه مسخ ، ولكن هذا شئ غير معلوم "زى اللى رقص على السلم" .

ولا تقولوا لى يوجد الصالح والطالح ، فالمظهر يحكم الخلق ، وما يحدث لمصر بات علامة لانهيار وشيك لن ينتظر طويلا يتبعه غضب الرحمن وعقابه . الشابات لابسون الحجاب وما بالنصف الاسفل لا يهم ، فانت ترى الجيبة القصيرة الى ما فوق الركبة ومازال الحجاب فوق الرأس ، وترى بنظلونا يكاد يتمزق ومازال الحجاب فوق الرأس ، وترى الصدور عريانة عرى لا جدال فيه ، ومازال الحجاب فوق الرأس ، وتذكر ان هؤلاء الفتيات خارجات من بيوتهن ، اى ان ذويهن قد رأوهن بذلك الشكل قبل الخروج ، اذا اى نفاق نفسى ومرض نفسى بالتبعية اصاب ذلك المجتمع ، انا لست ضد الحجاب او معه او اى شئ ، انا كل ما استغربه فى ذلك الامر الجدل وال"خناقات" بين من ينصبون انفسهم على الدين ولاة وبين غيرهم سواء ان كان غيرهم حكومتنا المباركة او ما الى ذلك بسبب الحجاب ، وانه رمز التدين ، اى تدين انا لا اعلم شخصيا ، وان كان من الملأ من يعلم فليفتنى فى الامر .

عندما ذهبت فى زيارة الى وطنى ، كانت عيناى لا تريد ان ترى الا كل ماهو خطأ ، ولا اعرف ما اذا كان ذلك يرجع الى سيكولوجية معقدة داخل نفسى لا تتوانى فى البحث عن المتاعب ، ام انها غريزة وراثية عن مجتمعاتنا ، ام ان الخطأ هو كل ما اراه ، بما انى لم ارى خيرا من ذلك كى اراه .

اصبح الجدل والجدال الاحمق فقط هو سمة هذا المجتمع ، فكلنا هناك متحدثون ، نتحدث ولا نفعل ، نغضب "منظرة" ولا نتحرك قيد انملة ، ونحن مجتمع وامة اذا اشتهرت بشئ فلن يكون الا بالكلام الفاضى ، نحن متكلمون ، "كلمنجية على الفاضى" ، لا نفعل شيئا الا تحريك شفاهنا ، وحتى وقد وتطورنا الآن فظهر من يحرك مؤخرته كالمغنى العنبى "بتاع العنب" . هذا هو نتاج ثقافتنا ، نتحدث عن الحجاب ونحن عرايا ، نتحدث عن العلم ونحن اجهل الناس ، نتحدث عن الدين ونحن ...... .وإذا غضب الله علي قوم أعطاهم كثرة الجدل وقلة العمل.. أي أعطاهم الحماقة.. لأن كثرة الجدل في توافه الأمور وقشورها من سمات الأحمق.. وآفتنا اليوم هي كثرة الجدل والمجادلين ، أي كثرة الحماقة والحمقي.. والحراك السياسي الذي باتوا يروجون له كى يفعلوا ما يفعلون الآن وقد اصبحنا نفاخر به قبل اليوم علي أنه ظاهرة صحية ليس سوي علامة من علامات تفشي الحماقة فالكل يجادل ولا أحد يسمع والكل يري انه علي صواب وعلي حق والإعلام خاصة الفضائي يعيش اليوم علي الحمقي والحماقة حيث الجعجعة بلا طحن.. فالأمة تراجعت إلي الحضيض في الفعل والانجاز وبلغت عنان السماء في القول والجدل.

ذهبت الى مصر وكنت محاط بحماقة لا حدود لها ، وقد بدا الامر وانى لم انزل بمصر ارض الله ، ولكنى نزلت بوسط جزيرة حماقة بدايتها الفرات واخرها الاطلنطى . واذا اراد احد التأكد مما اقول فلينزل الشارع وينظر حوله ان كان هناك ، او لينتظر حتى يذهب ان كان خارج هناك ولم يعد بعد ، وليبدأ النظر فيما حوله ولن يحتاج الامر تركيزا بليغا ، فان الحماقة لها اعراض تتحدث عن نفسها وسوف يراها كل ذو عقل ان لم يكن احمقا ، فستكون عنده مناعة الحماقة ولن يرى كل ماهو احمق .

قيل ان من علامات صلاح أي أمة أن يكثر فيها المندهشون والمتعجبون من العجب والذين يشعرون بالصدمة.. تماماً مثل الفتاة البكر التي إذا نظرت إليها طويلاً ذابت حياء وأصابتها قشعريرة توشك أن تصل إلي الاغماء.. ومن علامات الحماقة وموت الأحياء وخراب مالطا أن يموت من يختشون.. وأن يفضح الناس ما ستره الله وأن يتباهوا بعوراتهم وأن يختفي المندهشون ونكف جميعاً عن التعجب مثل فتاة ليل لو غازلتها بسكين أو خنجر ما نزلت منها قطرة دم. وانا ذهبت هناك ووجدت كل ما كان يوما غير معقول اصبح معقولا ، وكل ماهو منافى للمنطق والحياء اصبح مقبولاولا يحرك في الناس شعرة.

قالوا يوما : راح زمان هو ناسه ... وجه زمان هو وفاسه.

وللحديث بقية



اجمالي القراءات 12544