كتاب : (الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 ) ( المقدمة والخاتمة )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٣ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب : (الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )  ( المقدمة والخاتمة )

مقدمة الكتاب

1 ـ صدر لنا كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفيه عرض لدور قريش فى تدمير الاسلام بالفتوحات وبالفتنة الكبرى . ثم أعقبه كتاب عن مذبحة كربلاء ، وهى التى نتج عنها الفتنة الكبرى الثانية من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، وتخللها مقتل مروان بن الحكم .

2 ـ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير كانا معا من أعمدة الفتنة الكبرى الأولى التى بدأت بمقتل عثمان عام 35 وانتهت بمقتل (على ) عام 40 . وليس غريبا أن تنتهى حياة أعمدة الفتوحات والفتنة الكبرى بالقتل ، مات ابوبكر بالسُّم ، واُغتيل (عمر ) ثم (عثمان )، ثم (على ) وقُتل الزبير و طلحة . هؤلاء الأفراد مسئولون عن قتل مئات الألوف من البشر الأبرياء من أبناء الأمم المفتوحة بالاضافة الى العرب.

3 ـ الفتنة الكبرى الثانية كان من الممكن تفاديها لولا عبد الله بن الزبير ـ الذى زجّ نفسه فى الصراع ، وهو بأسرته القرشية من بنى أسد ليس بشىء مقارنة بفرعى بنى عبد مناف من الهاشميين والأمويين ، علاوة على صفاته الشخصية التى لا تؤهله للزعامة ، فقد كان بخيلا حسودا جبانا ، بينما تمتع الأمويون بتراث فى القيادة والسياسة وبموهبة الكرم وشراء الضمائر بالأموال ، وبه فازوا فى صراعاتهم ضد بنى عمهم الهاشميين ، والذين كانوا أحق منهم بالخلافة طبقا لمفهوم العصر . إستغل ابن الزبير الظروف السياسية ، من الفراغ الذى حدث بمصرع الحسين، وساعده فى الظهور إعتزال معاوية بن يزيد بن معاوية ، والشقاق بين الامويين  والنزاع بين قبائل قيس وكلب ، وانضمام  قبائل قيس لابن الزبير، وتوسع نفوذه سريعا ، ولكن سرعان ما عادت الأمور الى نصابها فخسر أمام الأمويين ولقى حتفه ، بعد أن كلّف طموحه قتل عشرات الألوف من أنصاره وأعدائه ، ، مع انتهاك حُرمة الكعبة ، وبعد أن ارتكب أخوه مصعب مجازر بقتل مئات الأسرى بلا مبرر.

4 ــ نتذكر هنا الشاعر (عبدالله بن مسلم الهذلي القرشى : ( أبو صخر ) الذى كان  موالياً لبني امية ، وكان يعيش فى مكة وقت سيطرة ابن الزبير عليها . ولو كان ابن الزبير يعرف أصول السياسة لاجتذب هذا الشاعر الى جانبه ببعض الأموال ، والشعراء وقتها كانوا أجهزة إعلام تسعى على قدمين . ولكن ابن الزبير لم يبذل جهدا فى إجتذاب هذا الشاعر ، بل عاقبه ابن الزبير بمنع عطائه ( والعطاء هو المرتب المقرر لكل فرد عربى من خيرات الفتوحات ) . ذهب الشاعر يسأل ابن الزبير عن السبب : ( فقال له : علام تمنعني حقاً لي ؟ وأنا أمرؤ  مسلم  ما احدثت في الاسلام حدثاً ولا اخرجت من طاعة يداً ؟ فقال : عليك ببني أمية فاطلب عطاءك عندهم ! ) ورد الشاعر بكلمات بليغة فى مدح بنى أمية وتفضيلهم على آل الزبير : ( فقال :  إذ أجدهم سبطاً أكفهم ، سمحة أنفسهم  ، بذلاً لأموالهم ، وهابين لمجتديهم ،  كريمة اعراقهم ، شريفة اصولهم ، زاكية فروعهم ،  قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبهم وسببهم ) ثم دخل فى التعريض بآل الزبير فقال : (  ليسوا بأذناب ولا شائط ولا اتباع ،  ولا هم في قريش كفقعة القاع ،  لهم السؤدد في الجاهلية ،  والملك في الاسلام ، لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها ،  ولا حكم اباؤه في نقيرها ولا قطميرها . ليس من احلافها المطيبين ولا من سادتها المُطعمين . ولا جوادها الوهابين , من هاشمها المنتخبين , ولا عبد شمسها المسودين , كيف نقابل الرؤس بالأذناب ؟ أين النصل من الجفن . والسنان من الزج . والذنابي من القدامي ؟ ) ثم هاجم عبد الله بن الزبير وبُخله فقال : ( كيف يُفضل الشحيح على الجواد ؟  والسوقة على الملك ؟ والمُجيع بخلاً على المطعم فضلاً ؟ ) . تقول الرواية : ( فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائضه . وعرق جبينه واهتز من قرته الى إلى قدمه وامتقع لونه ثم قال : يا ابن البوالة على عقبيها , يا جاف يا جاهل . أما والله لولا الحرمات الثلاث : حرمة الاسلام وحرمة  الحرم , وحرمة الشهر الحرام لأخذت ما فيه عيناك . ثم أمر به الى سجن عارم فحبس فيه مدة . ثم استوهبته قريش وهذيل و(من ) له في قريش خوولة في هذيل . فأطلقة بعد سنة . وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبدا فلما كان عام الجماعة وولي عبدالملك وحج فلقيه ابوصخر . فلما رآه عبدالملك قربه وأدناه وقال : " لم يخف علي خبرك مع الملحد ولا ضاع لك عندي هواك ولا موالاتك "  فقال : "  اذا شفى الله نفسي ورأيته قتيل سيفك . وصريع أوليائك . مصلوباً مهتوك الستر مفرق الجمع فما ابالي ما فاتني من الدنيا." ) .

كان لقب عبد الله بن الزبير هو ( الملحد ) بسبب إنتهاكه حُرمة البيت ، وتحويله الى ساحة صراع ما لبث أن تحول الصراع السياسى الى صراع حربى أسفر عن تدمير الكعبة .

5 ـ هذه الفتنة الكبرى الثانية من المسكوت عنه ، مع أن آثارها لا تزال سائدة سارية . ولهذا عُنى الباب الأول من هذا الكتاب بتجلية هذه الفتنة بأحداثها ووقائعها وأبطالها ، ثم توقف الباب الثانى مع آثارها السيئة أخلاقيا ودينيا .

6 ــ ونزعم أن هذا الكتاب يسدُّ نقصا فى المكتبة العربية ــ  أُسوةّ بكل ما نكتبه فى تاريخ المسلمين ـ وهذا الكتاب بالذات يبرز المسكوت عنه من أحداث مجهولة وآثار دينية مجهولة  ــ مع خطورتها ـ ثم إنه يسير مع شخصيات تاريخية مجهولة كانت فاعلة وقتها .

7 ـ وأهلا بكم مع هذه الصفحة السوداء المجهولة من تاريخ السلف الصالح ، الذى لا يزال حيا فى عصرنا بما تفعله منظمات الوهابية ، وأبرزها داعش .

خاتمة الكتاب

1 ـ القارىء لهذا الكتاب تفاجئه فظائع لم يكن يتوقعها وشخصيات لم يكن يعرفها ، ويتعرف على تاريخ مسكوت عنه للسلف الصالح مكتظ بالأوحال . والسؤال الذى يتبادر للذهن هو الى متى يظل هذا التاريخ مسكوتا عنه ؟ الى متى يظل التهليل للخلافة وإعتبارها إسلامية وهى ( عمل سياسى ) إستغل كل الوسائل مشروعة وغير مشروعة فى الوصول الى الحكم أو الاحتفاظ به ؟ وقد وصلت هذه الوسائل الى أسفل سافلين فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ( المجهولة ) ؟

2 ــ ما تفعله ( داعش ) اليوم هو تكرار ( مهذّب ) للفتنة الكبرى الثانية .

وللقارىء لهذا الكتاب ـ بعد زوال داعش ـ نقول إنها منظمة وهابية إستغلت ظروفا سياسية محلية واقليمية ودولية لأن تنشىء لها دولة ( متحركة ) بين الرقة والموصل فى سوريا العراق ، وأطلقت عليها ( الدولة الاسلامية فى العراق والشام : داعش ). وأفزعت العالم بتكرار ما كان يفعله الخلفاء فى العصور الوسطى .

3 ــ ستنتهى داعش، ولكن ستظهر منظمات أخرى تحاول إستعادة عصر الخلافة (الاسلامية ) ، طالما يظل الحمقى متمسكين بإطلاق إسم الاسلام على الحركات التى تستغل إسمه فى السياسة ، وطالما يظل تاريخ الخلفاء الحقيقى مسكوتا عنه ممنوعا من العرض ومن النقد . وطالما لا يتم إصلاح دينى حقيقى وإصلاح حقيقى فى مناهج التعليم خصوصا فى التاريخ والمواد الدينية .

4 ــ الى متى يظل المسلمون يدفعون الثمن فى حمامات دم متواصلة ؟ والى متى يظل شبابهم مشدودين الى ماض مكتظ بالدم بدلا من إستشراف المستقبل ؟

نعرف أننا ــ كالعادة ـ نصرخ فى الفراغ ، ونعرف أننا نخاطب من لا يسمع ولا يعقل ومن لا يهتم ، ولكن لا يزال لنا أمل فى المستقبل . ومن هذا الأمل أن يأتى جيل يعرف أننا قضينا حوالى أربعين عاما نناضل فى سبيل إصلاح سلمى للمسلمين ، والآن ــ وقد مضى قطار العمر ـ فقد تواضعت أحلامنا لتصبح مجرد إعلام الأجيال القادمة بنضالنا الذى يتعرض للتعتيم والتحقير .

5 ـ وإذا ضاع عملنا فى هذه الدنيا هباءا فإننا نرجو من الله جل وعلا ألّا يحرمنا أجرنا يوم الحساب ، وسبحانه جل وعلا الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا .

والله جل وعلا هو المستعان

أحمد صبحى منصور:

فرجينيا ـ الولايات المتحدة : 

الاربعاء 13 ابريل 2016

اجمالي القراءات 8222