مصعب بن الزبير : فتى قريش المتوحش

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٢ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : قيل عنه :

1 ـ ( كان فارسا شجاعا جميلا وسيما سفاكا للدماء ) ( كان من أحسن الناس وجهًا وأشجعهم قلبًا وأجودهم كفًا‏.‏) ( قال إسماعيل بن أبي خالد : ما رأيت أميرا قط أحسن من مصعب )   وقال الشعبى : ( ما رأيت أميرا قط على منبر أحسن من مصعب  ) وعنه قال المدائني ( كان يُحسدُ على الجمال  ) .

2 ـ  ( قال عبد الله بنعمر لمصعب :‏ "أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة.! ".  فقالمصعب‏:‏ "إنهم كانوا كفرة سحرة."  فقال ابن عمر‏:‏ "والله لو قتلت عدتهم غنمًا من تراثأبيك لكان ذلك سرفًا‏.‏".! )

3 ـ وقال عبد الملك بن مروان عن مصعب بعد أن قتل مصعب : ( أشجع العرب من ولي العراقين خمس سنين فأصاب ثلاثة آلاف ألف، وتزوج بنت الحسين وبنت طلحة وبنت عبد الله بن عامر ، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب ،وأُعطي الأمان فأبى ، ومشى بسيفه حتى قتل.)  

4 ـ ( أسر مصعب بن الزبير رجلًا فأمر بضرب عنقه.  فقال‏:‏ " أصلح اللهالأمير ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فأتعلق بأطرافك الحسنة وبوجهك الذييُستضاءُ به فأقول‏:‏ يا رب سل مصعبًا فيم قتلني" ؟ فقال‏:‏ " يا غلام أعف عنه."  فقال‏:‏"  أصلح الله الأمير إن رأيت أن تجعل ما وهبت لي من حياتي في عيش رخيّ .! " قال‏:‏ " يا غلامأعطه مائة ألفا .!"  فقال‏:‏ " أيها الأمير فإني أشهد الله وأشهدك أني قد جعلت لابن قيسالرقيات منها خمسين ألفًا . " فقال‏‏ له‏:‏ "ولم ؟ " قال‏:‏ لقوله فيك‏:‏ إنما مصعب شهاب منالله تجلت عن وجهه الظلماء".) .  

ثانيا : مصعب واليا للعراق لأخيه عبد الله بن الزبير  

1 ـ ( عزل عبد الله بن الزبير أخاه عبيدةبن الزبير عن المدينة واستعمل أخاه مصعباً.
وسبب ذلك أن عبيدة خطب الناس فقاللهم:" قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسة دراهم،؟! " ) يعنى هلاك قوم ثمود لأنهم عقروا الناقة  . فسخر منه أهل المدينة ،(  فسمي مقوّم الناقة، فبلغذلك أخاه عبد الله فعزله واستعمل مصعباً.)

2 ـ ثم أرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب واليا على العراق بعد أن إستفحل أمر المختار . تقول الرواية : (  وولّى عبد الله بنالزبيراخاه مصعب بنالزبيرالعراق، فبدأبالبصرة فنزلها ، ثم خرج في جيش كثير الى المختار بن ابي عبيد وهو بالكوفة فقاتله حتىقتله ، وبعث برأسه الى اخيه عبد الله بنالزبير. وفرّق عماله فيالكور والسواد  ) أى أرسل ولاة عنه فى توابع العراق ( ايران الآن وما بعدها فى اواسط آسيا ).

3 ـ كان ابراهيم بن الأشتر أشهر قواد المختار ، وبعد أن قتل مصعب المختار استمال ابن الأشتر اليه ، فصار من قواده . وكان الخوارج يعيثون فسادا فى  الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية فأرسل اليهم مصعب بالمهلب بن أبى صفرة فاستمر المهلب فى حربهم الى أن قُتل مصعب ، ثم إنضم المهلب لعبد الملك بن مروان ، وصار من أشهر قواده فى المشرق .

4 ـ وبعد قتل المختار جبى مصعب خراج العراق ( ملايين ) فحسده أخوه عبد الله بن الزبير ، فاستقدمه اليه وحبسه عند فى مكة وعزله ، وولى على العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير .  وظهرت سفاهة ابنه، وإحتج الناس عليه ، فاضطر عبد الله بن الزبير الى عزل ابنه وإرجاع مصعب الى العراق  .

 ثالثا : موجز الحرب بين عبد الملك بن مروان و(صديقه السابق ) مصعب بن الزبير

1 ـ  تقول الرواية : ( لما أجمع عبد الملك المسير إلى مصعب تهيأ لذلك ، وخرج في جند كثير من أهل الشام،  وسار عبد الملك وسار مصعب حتى التقيا بمسكن. ثم خرجوا للقتال واصطف القوم بعضهم لبعض.  فخذلت ربيعة وغيرها مصعبا . فقال ( مصعب ): " المرء ميت على كل حال فوالله لأن أموت كريما أحسن منأن يضرع إلى من قد وتره لا أستعين بهم أبدا ولا بأحد من الناس . " ثم قال لابنه عيسى :"تقدم فقاتل " . فدنا ابنه فقاتل حتى قُتل . وتقدم إبراهيم ابن الأشتر فقاتل قتالا شديدا.  وكثره القوم ( أى تكاثروا عليه )  فقُتل ، ثم صاروا إلى مصعب وهو على سرير له، فقاتلهم قتالا شديدا وهو علىالسرير ، حتى قُتل . وجاء عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه، فأتى به عبد الملك،  فأعطاه ألف دينار، فأبى أن يأخذها . ).  

2 ــ وتقول رواية أخرى : ( وسار عبد الملك حتىنزل بمسكن وكتب إلى شيعته من أهل العراق ، ثم جاء مصعب . فلما تراءى العسكران تقاعسبمصعب أصحابه . فقال لابنه عثمان‏:‏ يا بني اركب إلى عمك أنت ومن معك فأخبره بما صنعأهل العراق ودعني فإني مقتول فقال ابنه‏:‏ الحق بالبصرة أو بأمير المؤمنين فقال‏:‏" والله لا تتحدث قريش أني فررت ، ولكن أقاتل فإن قتلت فلعمري ما السيف بعار ، وما الفرارلي بعادة‏.‏" )

رابعا : اسباب هزيمة مصعب

1 ـ كان عبد الملك أكفأ سياسيا من مصعب ، ولم تُغن عن مصعب شجاعته . وبينما كان أهل الشام مخلصين لعبد الملك فقد كان أهل العراق لا يعرفون الاخلاص لأحد . مقصود بأهل العراق القبائل العربية التى إستوطنته بعد الفتح ، وليس أهل البلاد الأصليين ، والذين كان يُطلق عليهم الموالى . وقد قال عبد الملك:يقارن بينه وبين مصعب : ( إني يصيربالحرب شجاع بالسيف إن احتجت إليه، ومصعب شجاع ..ولكنه لا علم له بالحرب..ومعه من يخالفه ومعي من ينصح لي. ). وقال عبد الملك (وقد كتب كثير من أشراف العراق يدعونني إليهم )

2 ـ  : نجاح عبد الملك فى إستمالة معظم قواد مصعب ، واستجاب لعبد الملك كثير من القادة سوى ابراهيم بن الأشتر الذى جاء بكتاب عبد الملك لمصعب ، وأخبره أن عبد الملك أغوى القادة الآخرين ونصحه بأن يضرب أعناقهم فرفض مصعب حتى لا يُغضب عشائرهم . وأحسّ بعضهم بإنكشاف أمره فخاف من مصعب وهرب الى جيش عبد الملك .

3 ـ من سوء سياسة مصعب أنه لم يعزز جيشه بأكفأ قواده المخلصين له، تركهم فى ولاياتهم وهو فى أمسّ الحاجة اليهم ؛ وهم عبد الله بن خازم السلمي أمير خراسان و عمر بن عبيد الله التيمي  أمير فارس و المهلب بن أبي صفرة أمير الموصل وعباد بن حصين  أمير البصرة . لم يكن معه سوى ابراهيم بن الأشتر .

4 ـ فى داخل جيش مصعب كان له أعداء من أتباع المختار ومن غيرهم . وكان الذى طعن مصعب من أتباع المختار الثقفى ، وهو زائدة الثقفى وكان من جنود مصعب . تقول الرواية : ( ثم طعنه زائدة الثقفي وكان من جنده وقال يا لثارات المختار  )  ( فأثخن مصعب بالرمي ، ثم شد عليه زائدة بن قدامة فطعنه وقال‏:‏ يالثارات المختار . ) . وكان الذى إحتزّ رأس مصعب هو عبيد الله بن زياد بن ظبيان ، وقد حملها الى عبد الملك بن مروان ، ورفض أن يأخذ مكافأة منه . تقول الرواية : ( ونزل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه وقال‏:‏ إنه قتلأخي ، فأتى به عبد الملك ، فأثابه ألف دينار ، فأبى أن يأخذها، وقال‏:‏ إنما قتلته على وترصنعه بي فلا آخذ في حمل رأس مالًا‏.‏) ( وجاء عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه فأتى به عبد الملكفأعطاه ألف دينار فأبى أن يأخذها. )   

خامسا : تخاذل وتفرق أتباع مصعب عنه فى المعركة

1 ـ تقول الرواية : (   فلما التقى الجمعان لحقوا بعبد الملك وهرب عتاب بن ورقاء وخذلوا مصعبا .  وجعل مصعب كما قال لمقدم من جيشه : "تقدم " ، لا يطيعه )

2 ـ وعن إنفضاض أتباعه خصوصا من قبائل ربيعة تقول الرواية : ( واصطف القوم بعضهم لبعضفخذلت ربيعة وغيرها مصعبا  )

3 ـ وأرسل مصعب مددا لابراهيم بن الأشتر يقوده عتاب بن ورقاء. تقول الرواية : ( فساء ذلك إبراهيم وقال: قد قلت له لا تمدنيبعتاب وضربائه، وإنا لله وإنا إليه راجعون! فانهزم عتاب بالناس، وكان قد كاتب عبدالملك وبايعه . ) .

4 ـ وأثناء إحتدام القتال رفض قواد مصعب أوامره ، تقول الرواية : (  وتقدم أهل الشام فقاتلهم مصعب ، وقال لقطن بن عبد اللهالحارثي: قدم خليلك أبا عثمان. فقال: أكره أن تقتل مذحج في غير شيء. فقال لحجار ابنأبجر: يا أبا أسيد قدم خيلك. قال: إلى هؤلاء الأنتان! قال: ما تتأخر إليه أنتن! فقال لمحمد بن عبد الرحمن بن سعيد مثل ذلك، فقال: ما فعل أحد هذا فأفعله. ).

سادسا :  مصعب يرفض الأمان ويرفض الفرار

1 ـ ووضح أنه مهزوم ، فعرض عليه عبد الملك الأمان فرفض ، وعرض عليه ابنه الانسحاب الى البصرة فرفض .

2 ـ  تقول الروايات : ( وبعث إليه عبد الملك مع أخيه محمد : " إني ياابن العم أمنتك " قال مثلي : "لاينصرف عن هذا المقام إلا غالبا أو مغلوبا   ) ( ثم دنامحمد بن مروان من مصعب وناداه: أنا ابن عمك محمد بن مروان فاقبل أمان أميرالمؤمنين. فقال: أمير المؤمنين بمكة، يعني أخاه عبد الله بن الزبير. قال: فإن القومخاذلوك.فأبى ما عرض عليه.  ) ( فنادى محمد ( ابن مروان ) عيسى بن مصعب بن الزبير له، فقال له مصعب: انظر ما يريد منك. فدنا منه، فقال له: إني لك ولأبيك ناصح ولكما الأمان. فرجع إلىأبيه فأخبره، فقال ( عيسى لآبيه مصعب ) : إني أظن القوم يوفون لك ، فإن أحببت أن تأتيهم فافعل. فقال: لاتتحدث نساء قريش أني خذلتك ورغبت بنفسي عنك. قال ( مصعب لابنه عيسى ) : فاذهب أنت ومن معك إلى عمك ( عبد الله بن الزبير )  بمكةفأخبره بما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول. فقال ( عيسى لآبيه ): لا أخبر عنك قريشاً أبداً، ولكنيا أبت الحق بالبصرة فإنهم على الطاعة أو الحق بأمير المؤمنين. فقال مصعب: لا تتحدثقريش أني فررت.وقال لابنه عيسى: تقدم إذن أحتسبك، فتقدم ومعه ناس فقتل وقتلوا؛وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى، فحمل عليه مصعب فقتله وشد على الناسفانفرجوا له، وعاد ثم حمل ثانية فانفرجوا له )،( وبذل له عبد الملك الأمان وقال: إنهيعز علي أن تقتل فاقبل أماني ولك حكمك في المال والعمل. فأبى وجعل يضارب. )

سابعا : قتل مصعب

1 ـ مصعب وزوجته سكينة بنت الحسين :  قبيل قتله ودّع زوجته سكينة بنت الحسين . تقول الرواية : ( دخل مصعب على سكينةيوم القتل ، فنزع ثيابه، وليس غلالة وتوشح بثوب وأخذ سيفه، فعلمت سكينة أنه لا يريد أنيرجع ، فصاحت‏:‏ واحزناه عليك يا مصعب. فالتفت إليها ، وقد كانت تخفي ما في قلبها عنهفقال‏:‏" أوكل هذا لي في قلبك؟ ! " قالت‏:‏ " وما أخفي أكثر " .! فقال‏:‏ " لو كنت أعلم هذا كانتلي ولك حال"!.  ثم خرج فلم يرجع‏.‏)

(  لما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة ( بنت الحسين ) تطلبه في القتلى فعرفته بشامةفي خده فأكبت عليه وقالت‏:‏ يرحمك الله نعم والله خليل المسلمة كنت )

2 ـ إختلاف الروايات فيمن قتل مصعب :

( وتركالناس مصعباً وخذلوه حتى بقى في سبعة أنفس، وأثخن مصعب بالرمي وكثرت الجارحات فيه،فعاد إلى عبيد الله بن زياد بن ظبيان، فضربه مصعب فلم يصنع شيئاً لضعفه بكثرةالجراحات، وضربه ابن ظبيان فقتله.وقيل: بل نظر إليه زائدة بن قدامة الثقفي فحملعليه فطعنه وقال: يا لثارات المختار! فصرعه. ) ( وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان على دجيل عند نهرالجاثليق واحتز رأسه وحمله إلى عبد الملك فسجد عبد الملك وقال‏:‏ واروه فلقد كان منأحب الناس إلي وأشدهم لي لقاء ومودة ولكن الملك عقيم )

3 ـ بعد قتله خطب الملك فقال عن ابن الزبير وجُبنه :( إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولميغرز بذنبه في الحرم . ) 

ثامنا : إختلاف الروايات فى يوم مقتله وفى عمره :

( قتل يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولىأو الآخرة سنة إحدى وسبعين وهو ابن خمس وأربعين ) ( وقيل‏:‏ خمس وثلاثين‏.‏ ) ( قتل يوم الخميس للنصف من جمادي الاولى سنة اثنتين وسبعين ) وقيل ( قتل مصعب يوم نصف جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وله أربعون سنة). ( وكان عمر مصعب حين قتل ستاً وثلاثين سنة.)

تاسعا : رأس مصعب :

( ولما قتل مصعب بعث عبد الملك رأسه إلى الكوفة، أوحمله معه إليها، ثم بعث به إلى أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر، فلما رآه وقد قطعالسيف أنفه قال: رحمك الله! أما والله لقد كنت من أحسنهم خلقاً وأشدهم بأساًوأسخاهم نفساً. ثم سيره إلى الشام فنصب بدمشق، وأرادوا أن يطوفوا به في نواحيالشام، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجة عبد الملك بن مروان، وهي أم يزيد بنعبد الملك، فغسلته ودفنته وقالت: أما رضييتم بما صنعتم حتى تطرفوا به في المدن؟ هذابغي.! ) 

اجمالي القراءات 20086