المختار بن عبيد الثقفى : المغامر الأفّاق

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢١ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 1 ـ ( قريش ) ..وآه  من قريش ..!! .

2 ـ تنقسم قبائل العرب الى : عرب الشمال ( العرب المستعربة ) ومنها ( مُضر ) و ( ربيعة ) ومن ( مضر ) قبائل قيس ، وينتهى الأمر بقريش . ثم عرب اليمن ( اليعاربة ) القحطانيون ، ومنهم قبائل حمير وكندة وكلب و..وو  . وينتهى الأمر بالأوس والخزرج . لا نقصد باليمن المكان ولكن النسب لبنى قحطان وأصلهم من اليمن .  كل أولئك وكل هؤلاء تبع لقريش . هذه حقيقة تتضح فى سطور القرن الأول الهجرى . فى داخل قريش فكل ( العائلات ) تبع لعائلة ( عبد مناف ) الذى إنجب التوأم ( هاشم ) و ( عبد شمس ) ثم أنجب (عبد شمس ) أمية . وإنحصر التنافس بين بنى امية وبنى هاشم ، وبقية قريش تبع لهما . وعندما حاول ابن الزبير تغيير هذه المعادلة فشل وقُتل وقُتل معه آلاف مؤلفة .

3  ـ زعماء القبائل اليمنية والشمالية من ربيعة أو مضر كان لابد لهم من التعامل مع قريش ،إما بالرفض لهيمنتها كما فعل الخوارج من كل القبائل ، أو بالتقاتل مع فريق قرشى ضد فريق قرشى آخر ، وخصوصا مع بنى هاشم أو بنى أمية . يبذلون دماءهم فى خدمة هذا الهاشمى أو ذاك الأموى . لا فارق هنا بين الأشعث بن قيس وذريته من قبيلة ( كندة ) اليمنية ، أو ذى الكلاع الحميرى ( اليمنى ) أو ابن بحدل الكلبى  (اليمنى )، أو المهلب بن أبى صفرة الأزدى (اليمنى ) أو خالد القسرى البجلى ( اليمنى ) . ينطبق هذا أيضا على قبائل مضر وربيعة ، ومن اشهرهم قبيلة ( ثقيف ) .

4 ـ من قبيلة ثقيف برز إثنان فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ،وكانا على طرفى نقيض : الحجاج ابن يوسف الثقفى المشهور، المخلص لبنى أمية  ، والذى هزم وقتل ابن الزبير عام 73 ، أما الآخر فهو المختار بن عبيد الثقفى المقتول عام 67  ، الذى بحث عن دور لنفسه متقلبا بولائه بين الأمويين والهاشميين والزبيريين ( القرشيين )  .  نتعرف على هذا المختار الثقفى :   

أولا : المختار الثقفى فى لمحة سريعة :

1 ـ أبوه هو( هو أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بنعميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي‏.) (‏أسلم أبوه في حياة النبي  ولم يره. وقد كان عمر بعثه في جيش كثيف في قتال الفرسسنة ثلاث عشرة، فقتليومئذ ، وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين ، وكان له من الولد صفية بنت أبي عبيد،  وهي زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وماتت في حياته )‏.‏.

2 ـ كان المختار ( وصوليا ) يطمح للوصول الى الثروة والسلطة بأى طريق . ولم يكن له من طريق سوى التعلق بقريش ، أى إما أن يكون مع بنى أمية أو بنى هاشم ، أو حتى مع ابن الزبير. وقد جرّب الانتماءات الثلاث .

3 ـ بعد مقتل (على بن أبى طالب ) ‏جمع ( الحسن بن على ) جيشا ليقاتل معاوية ، ولما أحسّ ( الحسن ) بغدر أهل العراق هرب منهم الى المدائن فى جيش قليل . وكان المختار فى المدائن مع واليها وهو ( عم ) المختار، فقال المختار لعمه‏:‏ ( لو أخذت الحسن فبعثته إلى معاوية لاتخذت عنده اليدالبيضاء أبداً‏.‏) فقال له عمه‏:‏ ( بئس ما تأمرني به يا ابن أخي. ) وانتشر هذا بين الشيعة فكانوا يبغضون المختار وقتها ، خصوصا مع ولائه للأمويين حتى صار من أعمدة أهل الكوفة فى ولاية عبيد الله بن زياد .

4 ـ وسرعان ما حوّل المختار موقفه حين توقع أن يكون الملك للحسين . وكان أهل الكوفة ينتظرون مجىء الحسين اليهم . وقد أرسل الحسين  ابن عمه ( مسلم بن عقيل) الى الكوفة، فاعلن المختار أنه سينصر مسلم بن عقيل فإعتقله ابن زياد  وضربه مائة جلدة، فإستغاث المختار بصهره عبد الله بن عمر ، فأرسل ابن عمر إلىيزيد بن معاوية يتشفع فيه، فأمر يزيد ( ابن زياد ) فأطلق سراح المختار، ونفاه إلى الحجاز فيعباءة. وحين حوصر ابن الزبير فى مكة فى الحصار الأول فى خلافة يزيد بن معاوية قاتل المختار مع ابن الزبير قتالا شديدا فإكتسب ثقته .

5 ـ وبعد موت يزيد وشيوع الفوضى فى العراق وجد المختار فرصته فى العراق ، فعمل على أن يلعب على الحبلين معا ( ابن الزبير ) و ( محمد بن الحنفية ) وكان يميل الى العمل باسم ابن الحنفية أكثر لأن ابن الحنفية لا يريد الانغماس فى الفتنة ، وبالتالى يمكن للمختار أن يستغل إسمه ليحكم ويتحكم كما يريد ، أما ابن الزبير فهو مستبد حسود حقود بخيل ولا يسمح لرأس أن تبرز فى دولته ، أى لا مكان لأن يتحقق طموح المختار فى تبعيته لابن الزبير . لذا رسم سياسته على اللعب بابن الزبير وأن يتخذه موطأ قدم، ثم يصل بإسم ابن الحنفية  الى السلطة والثروة . ولم يكن ابن الحنفية ممن يسعى الى المشاكل ، ولم يكن يثق فى المختار . وطلب المختار إذنا من ابن الحنفية ليذهب باسمه الى العراق داعية له، فأذن له وأرسل معه عبد الله الهمذانى وأوصاه أن يأخذ حذره من المختار. وجاء المختار الى ابن الزبير فحصل على إذن منه أيضا أن يدعو اليه فى العراق.   

6 ـ  ولما قدم المختار الى العراق صار صديقا لابن مطيع وهو والي الكوفة يومئذ لعبد الله بن الزبير، بينما كان يدعو سرأ لابن الحنفية . وتكاثر أتباع المختار فانقلب على ابن مطيع ، وهزمه فهرب ابن مطيع  الى ابن الزبير . واستولى المختار على الكوفة وما يتبعها من ولايات ، فاشتعل العداء بين ابن الزبير والمختار. وبدأ إضطهاد ابن الزبير لابن الحنفية وبنى هاشم  لارغامهم على البيعة له ، وكاد أن يشعل فيهم النار لولا أن أنقذهم المختار .

7 ـ  وبعض الشيعة كان قد تملكهم الشك فى زعم المختار بأنه داعية ابن الحنفية فجاء وفد منهم الى المدينة  الى ابن الحنفية يسأل عن حقيقة المختار فقال لهم ابن الحنفية : ( نحن حيث ترون محتسبون ، وما احب ان لي سلطان الدنيابقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت ان الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه، فاحذروا الكذابينوانظروا لانفسكم ودينكم .). وهى إجابة تحتمل أكثر من تفسير . وإختلق المختار كتابا زعم أنه من ابن الحنفية الى ابراهيم بن الأشتر النخعى كبير الشيعة فى العراق ، وقد كان أبوه الأشتر النخعى القائد الأكبر لعلى بن أبى طالب. وإقتنع ابراهيم بن الأشتر بالمختار وصار قائد جيشه ، وبهذا علا شأن المختار . وشهد عام 66 أحداثا هامة : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . وفيها تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه .تقول الرواية : ( ثم شرع في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابنزياد‏.‏  فقتل منهم خلقاً كثيراً، وظفر برؤوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبيوقاص أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتلالحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، وخلق غير هؤلاء‏.‏)

8 ـ  وحاول المختار التلاعب بابن الزبير ولم يثق به ابن الزبير . وقد بعث المختار الى ابن الزبير يطلب منه ألف ألف درهم وأن يعترف به واليا على الكوفة مقابل أن يقاتل عبد الملك بن مروان ، فرفض ابن الزبير ، وبعث يقول له : ( إلى متى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني؟  ) .! وكتب المختار إلىابن الحنفية يعرض عليه أن يرسل جيشا الى المدينة على أن يرسل ابن الحنيفة رجلا من عنده يؤكد أن المختار تابع له وفى طاعته ،فكتب إليه ابن الحنفية: ( أما بعد فقد قرأتكتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللهفيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان ليكثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. ) وأمره بالكف عنالدماء.وفى كل ما سبق كان المختار يحكم العراق فى فترة الاضطراب هذه باسم محمد بن الحنفية. لمدة  ستة عشر شهرا.

 9 ـ ثم بعث ابن الزبير أخاه مصعب فاستولى على البصرة ، وصار المختار فى الكوفة يواجه ابن الزبير والأمويين معا . وكان من دهاء عبد الملك بن مروان أن ترك مصعب بن الزبير يصارع المختار  ثم يقتل المختار ، بعدها إنقض عبد الملك على ( مصعب بن الزبير ) وهزمه وقتله واستولى على العراق وما يتبعه ، ثم إلتفت بعدها لابن الزبير فى مكة فارسل اليه الحجاج فهزمه وقتله وصلبه .

10 ـ يوجز ابن الأثير تاريخ المختار فيقول :( وكان المختار قد خرج يطلب بثأر الحسين فاجتمع عليه بشر كثير منالشيعة بالكوفة ، فغلب عليها ، وتطلب قتلة الحسين فقتلهم . قتل شمر بن ذي الجوشن الذيباشر قتل الحسين ، وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاصأمير الجيش الذي حاربوا الحسين حتى قتلوه ، وقتل معه ولده حفصا . وأرسل إبراهيم بنالأشتر في عسكر كثيف فلقي عبيد الله بن زياد الذي كان جهز الجيش إلى الحسين فحاربوه،  فقتل عبيد الله بن زياد في تلك الواقعة . ..فلذلك أحب المختار كثير منالمسلمين فإنه أبلى في ذلك بلاء حسنًا . ..وكان يرسل المال إلى عبد الله بن عمر وهو صهره زوجأخته صفية بنت أبي عبيد ، وإلى ابن عباس وإلى بن الحنفية فيقبلونه .  ثم سار إليه مصعب منالبصرة فقتل المختار ) .   

11 ـ وعن مقتل المختار فإن المختار تتبع بالقتل من شارك فى قتل الحسين ، وكان منهم ( شبث بن ربعي )  الذى عجز المختار عن قتله ، وكان هناك آخرون  نقموا على المختار، فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وانضموا اليه ، ثم إنضم اليهم  (محمد بن الأشعث بن قيس ) ، وكان المختار قد هدم داره بالكوفة . وكتب مصعب الى ( المهلب بن أبى صفرة ) عامله فى فارس أن يأتى اليه بالجنود والأموال ليهاجموا المختار فى الكوفة ، فأقبل المهلب بجموع كثيرة وأموال عظيمة . كما إنضم لمصعب زعيم قبائل تميم ( الأحنف بن قيس ). وأرسل مصعب الى عبد الله بن مخنف الى الكوفة ليخذل أهلها عن المختار . وانهزمت طليعة للمختار يقودها احمد بن شميط ، وقُتل ابن شميط ، ثم إلتقى المختار مع جيش مصعب . وفى البداية إنهزم جيش مصعب ولكنه ثبت ولم يهرب فرجع اليه أصحابه وثبتوا معه ، وحمل المهلب بن أبى صفرة بجنده فهزم المختار وهرب اصحابه ، ولجأ المختار الى قصر الامارة بالكوفة وتحصّن به بمن بقى من جيشه ، وحوصروا فى القصر  ومنعوا عنهم الطعام والشراب ، وكان إذا خرج جماعة من جيشه تناولتها السهام والحجارة من البيوت والمياه القذرة . وإقترب جيش مصعب من القصر فأمر المختار من بقى معه بالقصر ليواجهوه  وقال ‏:‏ ( ويحكم إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفًا فانزلوا بنا نقاتل ، لنقتل كرامًا، والله ما أنا بآيس إن صدقتموهم أن ينصركم الله‏.‏) فتوقفوا عن قبول قوله ، فقال‏:‏ ( أما أنا فوالله لا أعطي بيدي‏.‏) . ثم أرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب ، فأرسلت إليه بطيب كثير،فاغتسل وتحنط ووضع ذلك الطيب على رأسه ولحيته ، ثم خرج في تسعة عشر رجلًا . فقال لهم‏:‏( أتؤمنونني وأخرج إليكم ) فقالوا‏:‏ ( لا . إلا على الحكم ) فقال‏:‏ ( لا أحكمكم في نفسي أبدًا) .  فضارب بسيفه حتى قُتل . ونزل أصحابه على الحكم ، فقُتلوا). وقُتل المختار لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة سبع وستين وهو ابنسبع وستين سنة‏.‏

12 ـ (  وأمر مصعب بكفّ المختار فقُطعت، ثمسُمّرت بمسمار حديد إلى جنب حائط المسجد ، ولم يزل على ذلك حتى قدم الحجاج بن يوسف فنظرإليها فقال‏:‏ ما هذه فقالوا‏:‏ كف المختار فأمر بنزعها‏.‏)

13 ـ  وبعث مصعب برأس المختار مع رسول خاص إلى أخيه عبدالله بن الزبير فى مكة ، فوصل مكة بعد العشاء .، ولم يسمح ابن الزبير للرسول بالدخول عليه بزعم أنه يقوم الليل يصلى ، ثم أذن له فى الفجر فدخل عليه بكتاب مصعب وبرأس المختار . تقول الرواية : ( فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين معي الرأس‏.‏فقال‏:‏ ألقه على باب المسجد‏.‏فألقاه ، ثم جاء فقال‏:‏ جائزتي يا أمير المؤمنين‏.‏فقال‏:‏ جائزتك الرأس الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق‏.‏).!!

أخيرا

هذا هو المختار المغامر (الأفّاق ).  ولنا وقفة أخرى مع المختار ( الأفّاك ) ، فهو صاحب تأثير كبير فى الدين الشيعى والدولة العباسية اللاحقة.  

اجمالي القراءات 10844